الإعجاز القرآني في الأخبار الغيبيّة المستقبليّة، قراءةٌ تحليليّة ونقديّة
(الجمعة 13 / 7 / 2018م)
تمهيد
تسالم المسلمون على أن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة لرسول الله محمد(ص)، بيد أنّهم اختلفوا في وجه إعجازه، وتعدَّدت أقوالهم في ذلك، فبين مَنْ أنهاه إلى عدّة وجوهٍ؛ أكثر في عددها قومٌ؛ وأقلّ آخرون؛ ومَنْ اقتصر على وجهٍ واحد([1]). ومن وجوه الإعجاز التي ذكروها اشتماله على الأخبار الغيبيّة، وهذا ما نريد بيانه في هذه الوريقات القليلة.
تعريف المعجزة
أـ في اللغة
قال ابن فارس: العين والجيم والزاء أصلان صحيحان، يدلّ أحدهما على الضعف…، يُقال: أعجزني فلانٌ [فهو مُعجِزٌ] إذا عَجَزْتُ [ضعفتُ] عن طلبه وإدراكه([2]).
وقال الراغب: أعجَزْتُ فلاناً [فأنا معجِزٌ] وعجَّزتُه وعاجَزتُه: جعلتُه عاجزاً…، والعجز أصله التأخُّر عن الشيء…، وصار في التعارف اسماً للقصور عن فعل الشيء، وهو ضدّ القدرة([3]).
وقال ابن منظور: الإعجاز: الفَوْت والسَّبْق([4]).
ب ـ في الاصطلاح
قال القرطبي: المعجزة واحدة معجزات الأنبياء الدالّة على صدقهم (صلوات الله عليهم)، وسمّيت معجزة لأنّ البشر يعجزون عن الإتيان بمثلها.
وشرائطُها خمسة، فإنْ اختلّ منها شرط لا تكون معجزة؛ فالشرط الأوّل من شروطها أن تكون ممّا لا يقدر عليها إلاّ الله سبحانه؛ والشرط الثاني هو أن تخرق العادة؛ والشرط الثالث هو أن يستشهد بها مدّعي الرسالة على الله عزَّ وجلَّ؛ والشرط الرابع هو أن تقع على وفق دعوى المتحدّي بها المستشهِد بكونها معجزةً له؛ والشرط الخامس من شروط المعجزة أن لا يأتي أحدٌ بمثل ما أتى به المتحدّي على وجه المعارَضة([5]).
وقال المحقِّق الطوسي: المُعجِز هو ثبوتُ ما ليس بمعتادٍ، أو نفي ما هو معتاد، مع خرق العادة، ومطابقة الدعوى([6]).
وقال القوشجي: المُعجِز هو الأمر الخارق للعادة، المقرون بالتحدّي، مع عدم المعارضة([7]).
وقال الطُّريحي: المُعجِز: الأمر الخارق للعادة، المطابق للدعوى، المقرون بالتحدّي([8]).
وقال البلاغي: المُعجِز هو الذي يأتي به مدّعي النبوّة بعناية الله الخاصّة، خارقاً للعادة، وخارجاً عن حدود القدرة البشريّة وقوانين العلم والتعلُّم؛ ليكون بذلك دليلاً على صدق النبيّ، وحجّته في دعواه النبوّة ودعوته([9]).
وقال النهاوندي: المعجزة هي الأمر الخارق للعادة، المقرون بالتحدّي، السالم عن المعارضة، من مدّعي النبوّة، عند احتمال صدقه في الدعوى([10]).
وذهب الطباطبائي إلى أنَّ المعجزة ـ بحَسَب المصطلح القرآني ـ هي الأمر الخارق للعادة الدالّ على تصرُّف ما وراء الطبيعة في عالم الطبيعة ونشأة المادّة، لا الأمر المبطِل لضرورة العقل([11]).
وقال الخوئي: الإعجاز في الاصطلاح أن يأتي المدّعي لمنصب من المناصب الإلهيّة بما يخرق نواميس الطبيعة، ويعجز عنه غيره، شاهداً على صدق دعواه، بشرط أن لا يمتنع صدقه في دعواه، بحكم العقل أو بحكم النقل الثابت عن نبيٍّ أو إمام معلوم العصمة، فيخرج مَنْ يدّعي منصباً مستحيلاً، كـ «إله» ([12]).
وقال ناصر مكارم الشيرازي: المعجزة، كما هو واضح من لفظها، عملٌ خارقٌ، يأتي به النبيّ، ويعجز عن الإتيان به الآخرون، وعلى النبيّ صاحب المعجزة أن يتحدّى الناس بمعجزته، وأن يعلن لهم أنّ معجزته دليلٌ على صدق دعواه([13]).
وقال محمد هادي معرفت: المعجزة في مصطلحهم تطلق على كلّ أمرٍ خارقٍ للعادة، إذا قرن بالتحدّي، وسلم عن المعارضة، يظهره الله على يد أنبيائه؛ ليكون دليلاً على صدق رسالتهم([14]).
صفات المعجزة
هذه جملةٌ من التعريفات المذكورة للمعجزة. وغيرُها كثيرٌ.
بيد أنّ بعضها ناقصٌ، وبعضَها الآخر غيرُ جامعٍ ولا مانعٍ([15]).
إلاّ أنّه يمكننا أن نستفيد منها، ومن غيرها، جملة من الصفات، يمكننا من خلالها أن نفرِّق بين المعجزة وغيرها، وبالتالي يتَّضح لنا مفهومُها، وهي:
1ـ خرق العادة، بحيث تكون على خلاف ما اعتاده الناس من المسبَّبات المرتبطة بأسبابٍ ظاهريّة معيَّنة.
2ـ أن يأتي بها المدّعي لمنصبٍ إلهيٍّ، سواءً كان يدّعي منصب النبوّة أو الإمامة أو منصباً إلهيّاً آخر.
3ـ أن يتحدّاهم بالإتيان بمثلها، فلو لم يقع التحدّي بها لم تكن معجزة، بل تكون كرامة.
4ـ أن يعجز الآخرون عن الإتيان بمثلها، وإلاّ لم تكن ميزة له، يثبت بها صدقه في دعواه، مضافاً إلى أنّ المعجزة لا تكون مغلوبة أبداً.
5ـ أن تكون شاهداً على صدق الادّعاء، وذلك إذا أمكن أن يكون صادقاً في دعواه، وأمّا إذا امتنع صدقه في تلك الدعوى، بحكم العقل أو بحكم النقل الثابت عن نبيّ أو إمام معلوم العصمة، فلا يكون ذلك شاهداً على الصدق، ولا يُسمّى معجزاً في الاصطلاح، وإنْ عجز البشر عن أمثاله.
6ـ أن لا تكون على خلاف مدَّعى المدّعي للمنصب الإلهيّ، فلو قال: معجزتي أنّي أتفل في هذه البئر فتمتلئ ماءً، فلمّا تفل فيها غارت، وذهب الماء الذي كان فيها، لم يكن ذلك معجزةً، بل هو أمرٌ يُثبت كذبَه وبطلانَ دعواه.
7ـ أن لا تتسبَّب بضررٍ وأذىً للناس، وإلاّ كان ذلك نقضاً للغرض من المعجزة، وهو هداية الناس؛ إذ كيف يؤمن الناس بشيءٍ فيه ضررُهم وأذاهم([16]).
أقسام المعجزة
1ـ المعجزاتُ التي أتى بها الأنبياء(عم) ضربان: حسّيّ؛ وعقليّ.
فالحسّيّ هو ما يدرك بالبصر، ويشترك في إدراكه العامّة والخاصّة، وهو أوقع عند طبقات العامّة، ومثاله: ناقة صالح(ع)، وطوفان نوح(ع)، ونار إبراهيم(ع)، وعصا موسى(ع).
والعقليّ هو ما يدرك بالبصيرة، ويختصّ بإدراكه كَمَلة الخواصّ، من ذوي العقول الراجحة والأفهام الثاقبة، ومثاله: القرآن الكريم([17]).
2ـ والمعجزاتُ من جهة أخرى ضربان: اقتراحيّة؛ وغير اقتراحيّة.
فالاقتراحيّة ما كان بطلبٍ من الناس، كبعض معجزات نبيّ الإسلام محمد(ص).
وغير الاقتراحيّة ما كان بدون طلبٍ منهم، كأكثر معجزات الأنبياء، ومنها: القرآن الكريم.
3ـ والمعجزاتُ من جهة ثالثة ضربان: مؤقّتة؛ ودائمة.
فالمعجزة المؤقّتة هي الخاصّة بزمانٍ ومكانٍ معيَّنَيْن، وتنقرض من بعدُ، وتعلم بها الأجيال اللاحقة عن طريق النقل؛ فإنْ كان متواتراً كانت حجّة؛ وإلاّ فلا، ومثالها: ناقة صالح(ع)، وعصا موسى(ع).
والمعجزة الدائمة هي الباقية في كلِّ زمانٍ ومكان، وتكون حجّة على كلّ الناس، منذ ظهورها إلى يوم القيامة، ومثالها: القرآن الكريم([18]).
هل القرآن معجزةٌ؟
من خلال صفات المعجزة المتقدِّمة نستطيع القول بأنَّ القرآن الكريم هو من المعجزات التي أظهرها الله تعالى على يد نبيِّه محمد(ص)، بل نقول أكثر من ذلك: إنَّ القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة للنبيّ الأكرم(ص)، التي تحدّى بها النبيّ الأكرم(ص) جميع الكائنات، من الإنس والجنّ، داعياً إيّاهم للإتيان بمثل القرآن، حيث قال تعالى: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإنسُ وَالجِنُّ عَلَى أنْ يَأتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يَأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}([19]).
ولم يقدِرْ أحدٌ على ذلك، فكان القرآن المعجزة العقليّة، الدائمة، غير الاقتراحيّة، التي شاهدها الناس في يومنا هذا بأمِّ أعينهم، في حين علموا بالمعجزات الأخرى عن طريق النقل المتواتِر.
وجوه إعجاز القرآن
يقول تعالى: {وَإنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ ممَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُم صَادِقِينَ * فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}([20]).
ويقول أيضاً: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعتْ الإنسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}([21]).
في الآية الأولى يخاطب الله الناس كافّة، وفي الآية الثانية يخاطب الإنس والجنّ معاً.
وفي الآية الأولى تحدّى الله عزَّ وجلَّ الناس جميعاً، بكلِّ أفرادهم، وفي كلّ زمانٍ ومكان، أن يأتوا بسورةٍ واحدة من مثل القرآن، أو من مثل رسول الله(ص)، ثمّ أخبر أنّهم لن يفعلوا ذلك، مهما كثُر البشر، وتطوَّرت علومهم ومعارفهم، ومهما تطاول بهم الزمن.
وحين تحدّى النبيّ(ص) الإنس والجنّ بأن يأتوا بمثل القرآن كان كلامُه مطلقاً، بحيث كان تحدّيه لكلِّ فردٍ من أفراد الإنس والجنّ؛ الحاضر والآتي؛ العامّة والخاصّة؛ الجاهل والعالم؛ الرجل والمرأة؛… إلخ، وفي أيّ حالٍ من حالاتهم؛ عرباً؛ عجماً؛ أدباء؛ شعراء؛ أطبّاء؛ حكماء؛ علماء؛ عرفاء.
كما أنّه لم يتحدَّ بالإتيان بمثل القرآن في جهة من الجهات، بل كان تحدّيه بالإتيان بمِثْلِ القرآن مطلقاً.
وبالتالي فمعنى آيات التحدّي أنَّه لئن اجتمعت الإنس والجنّ، بكلِّ أفرادهم، وفي كلِّ أحوالهم، على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، من جميع الجهات؛ في الآتي به؛ وفصاحته؛ وبلاغته، ونظمه، والعلوم التي فيه؛ والأخبار الغيبيّة المشار إليها فيه؛ وعَدَم الاختلاف بين آياته؛ وغير ذلك من وجوه إعجازه، لا يأتون بمثله ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظهيراً.
ومن هنا يظهر أنّ القرآن يدّعي عمومَ إعجازه من جميع الجهات([22]).
وبالتالي فلا وجه لما ادّعاه البعض من أنّ القرآن معجِزٌ في جهة واحدة فقط، أو في جهتَيْن، بل نقول القرآن معجِزٌ من جميع الجهات التي ذكروها، ما عدا الصُّرفة.
ومن تلك الوجوه:
إعجازه من جهة اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبليّة
المُراد من الغَيْب
قال ابن فارس: الغين والياء والباء أصلٌ صحيحٌ، يدلّ على تستّر الشيء عن العيون…، من ذلك الغَيْب: ما غاب، ممّا لا يعلمه إلاّ الله([23]).
وقال محمد رشيد رضا: الغيب لا يعلمه إلاّ الله، بينما بعض المسائل تكون مجهولة للبشر، ولكنّها ليست من الغيب؛ إذ سيعلمونها فيما بعد، كالمسائل العلميّة، [من قبيل قوله تعالى: {وَأرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأنْزَلْنَا مِنْ السَّماءِ مَاءً فَأسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أنْتُمْ بِخَازِنِينَ}([24])، وقوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ الْعَلِيمِ}([25])، وغيرها من الآيات]([26]).
وقال الشيخ محمد علي رضائي إصفهاني، في سياق حديثه عن أنواع الأخبار الغيبيّة: لقد تضمّن القرآنُ الكريم الكثيرَ من الأخبار الغيبيّة، وهي على ثلاثة أنواعٍ:
1ـ الأخبار الغيبيّة الماضية، كقصص الأنبياء، والرُّسُل، والأمم السالفة.
2ـ الأخبار الغيبيّة الحاضرة (الحاليّة)، كالذي كان يُضمره، ويمكُرُه، المنافقون من المكائد للإسلام والمسلمين، [كقوله تعالى في مسجد الضرار، الذي بناه المنافقون: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَإرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أرَدْنَا إِلاَّ الحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
وسورةُ التوبة فيها من هذا الضرب شيءٌ كثيرٌ]([27]).
3ـ الأخبار الغيبيّة المستقبَلِيّة، كالوقائع، والملاحِم، والأحداث، والأخبار، والأمور، التي أخبَر القرآنُ الكريم أنَّها ستحصل في مستقبَل الأيّام.
إضافة إلى الأخبار العلميّة؛ فإنَّها من الأخبار الغيبيّة المستقبليّة، حيث أنبأ الله عنها، وهي في ذلك الوقت من الأمور الغائبة عن الناس، ولا علم لهم بها، تماماً كما هو حال الوقائع والملاحم([28]).
ويُلاحظ على كلام الشيخ رضائي أنّ فرقاً ما يظهر بين أخبار الوقائع والملاحم من جهة والأخبار العلميّة من جهة أخرى، وهو أنّ أخبار الوقائع والملاحم تنبئ عن أمورٍ لم تحصل بعدُ، ولا سبيل لمعرفة أنّها ستحصل إلاّ إخبار الله بذلك.
في حين أنّ الأخبار العلميّة تتناول قضايا علميّة ثابتة وموجودة منذ عصر آدم(ع)، غير أنّ البشر لم يكتشفوها بعد، وبالتالي فإنّ معرفتها تكون عبر أحد طريقَيْن: إخبار الله بها، أو اكتشاف البشر لها، ولو بعد فترة من الزمن، بما أودعه الله فيهم من قدرة العقل والاكتشاف.
فالأخبار العلميّة تشبه إلى حدٍّ بعيدٍ أخبار أحوال المنافقين، حيث كانت تنقل للمسلمين ما أضمره المنافقون من المكر والمكيدة، فهي تُخبر عن أمورٍ موجودة، غير أنّ المسلمين لم يطَّلعوا عليها بعد، وسبيلُهم للاطّلاع عليها أحد ثلاث طرقٍ: إمّا أن يخبرهم الله بها؛ أو يبوح بها أحدُ المنافقين، أو تقع في الخارج، فتنكشف لهم.
غير أنّ هذه الأمور كانت ستظهر في نفس زمن إخبار الله عنها، ومن هنا عُدَّت من الأخبار الغيبيّة الحاضرة (الحاليّة)، بينما القضايا العلميّة لن تظهر قبل عدّة قرون، ولأجل ذلك عُدّت من الأخبار الغيبيّة المستقبليّة.
غير أنّ الأصحّ أن تُعدّ الأخبار العلميّة من الأخبار الغيبيّة المستقبليّة بعد تقسيمها إلى قسمَيْن:
1ـ الأخبار الغيبيّة المستقبليّة التي تخبر عن أمورٍ موجودة فعلاً، ولكنّها غيرُ معروفة، ويمكن معرفتها بإخبار الله.
2ـ الأخبار الغيبيّة المستقبليّة التي تخبر عن أمورٍ موجودة فعلاً، ولكنّها غيرُ معروفة، ويمكن معرفتها باكتشاف البشر لها.
ومحلُّ الكلام في بحثنا هذا حول إعجاز القرآن الكريم من جهة الأخبار الغيبيّة المستقبليّة، هو القسم الأوّل، أي ما كان إخباراً عن أمورٍ لم تقع، ومتوقِّفاً علمُ البَشَر به على إخبار الله لهم به، كالحوادث، والوقائع، والملاحم، التي وقعت بعد فترة من مجيء الإخبار بها، وبعضُها لم يقع حتّى هذه الأيّام، غير أنّه سيقع حتماً، كما أخبر القرآن الكريم؛ وليس محلَّ الكلام ما كان إخباراً عن أمورٍ موجودة غير أنّها مجهولة للبشر في زَمَنٍ ما، وسيعلمُها قومٌ آخرون فيما بعد، عند تطوُّر العلم ووسائل المعرفة، وقد علموا بعضَها فعلاً، كالحقائق العلميّة.
وهذا هو محلُّ الكلام أيضاً في بحوث جملةٍ من العلماء في هذه الجهة من جهات إعجاز القرآن الكريم:
قال القرطبي: ومنها [من وجوه إعجاز القرآن]: الإخبار عن المغيَّبات في المستقبل، التي لا يُطَّلع عليها إلاّ بالوحي([29]).
وقال الخوئي: القرآن والإخبار بالغيب: أخبر القرآن الكريم في عدّة من آياته عن أمور مهمّة، تتعلَّق بما يأتي من الأنباء والحوادث، وقد كان في جميع ما أخبر به صادقاً، لم يخالف الواقع في شيءٍ منها، ولا شكّ في أنّ هذا من الإخبار بالغيب، ولا سبيل إليه غير طريق الوحي والنبوة([30]).
فلاحِظ كيف أنّهما أرادا من الغَيْب هنا غَيْباً خاصّاً، وهو ما لا سبيل إلى معرفته إلاّ طريق الوحي والنبوّة.
وبهذا يظهر ما في كلام محمد رشيد رضا، حيث نفى أن تكون المسائل العلميّة من الغَيْب. والصحيحُ أنّها من الغيب، بمعنى أنّها كانت مستورةً ومخفيّة عن الذين عاصروا نزول القرآن الكريم، ولا يزال بعضُها خافياً على البشر حتّى يومنا هذا.
وكذا يظهر ما في كلام الزرقاني، الذي عدَّ المسائل العلميّة من الأخبار الغيبيّة الحاضرة، حيث قال: «…وإن أخبر [أي القرآن] عن غيب الحاضر صدّقه ما جاء به الأنبياء، وما يجدّ في العالم من تجارب وعلوم،… ومن غيب الحاضر، أو الماضي، ما جاء في طيّ القرآن من حقائق ومنافع ومبادئ لم يكشف عنها إلاّ العلم الحديث» ([31]).
اشتمال القرآن على الأخبار الغيبيّة المستقبلية
تضمَّنت بعض آيات القرآن الكريم جملة من الأخبار الغيبيّة المستقبليّة، التي أنبأت عن حصول بعض الحوادث والوقائع في مستقبل الأيّام بلسان قاطعٍ لا تردُّد فيه.
وقد وقعت هذه الأمور كما حدّث، وما تخلَّفت، وجاءت على النحو الذي أخبر به، في إجمال ما أجمل، وتفصيل ما فصّل، وهكذا صدّقه ما ولدته الليالي، وما جاءت به الأيّام([32]).
فإذا ما استحضرنا أنّ القرآن الكريم قد تحدّى مَنْ يدّعي أنّ رسول الله محمد(ص) قد تقوّل القرآن، وافترى به على الله عزَّ وجلَّ، بالإتيان بحديث مثل القرآن، قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ}([33])، وأنّ هذه الأخبار حديثٌ قرآنيٌّ، عرفنا أنّ القرآن، وعلى لسان رسول الله(ص)، يتحدّى الناس بالإتيان بمثل هذه الأخبار، لنفي صحّة دعوى محمد(ص) بأنّه نبيٌّ من عند الله، ينقل ما يوحيه الله إليه للناس، ولا يتقوّل عليه شيئاً، ولو لم يأتوا بمثلها لكان ذلك دليلاً على أنّ نبوّته(ص) حقٌّ وصدقٌ.
ولمّا عجز كلّ الناس، منذ عصر رسول الله(ص) إلى يومنا هذا، عن الإتيان بمثل هذه الأخبار كانت هذه الأخبار معجزةً له(ص)، تحدّى بها الخلق؛ لإثبات نبوّته، فقهرهم، وأظهر عجزهم، فأثبت أنّه رسول الله(ص)، الذي لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلاّ وحيٌ يُوحَى.
فما هي هذه الآيات؟ وما هي أخبارها؟ وكيف كانت معجزةً للناس؟
قالوا: إنَّ من الآيات التي أشارت إلى حوادثَ، ووقائعَ، وأمورٍ، ستقع في المستَقبَل، ووَقَعَت فعلاً، بحيث كانت من المؤيِّدات والشواهد المستمرّة على أنَّ القرآن من عند الله، وأنّ النبيّ(ص) صادقٌ في دعواه النبوّة والرسالة، ما يلي:
1ـ {وَإذْ يَعِدُكُمْ اللهُ إحْدَى الطَّائفَتَيْنِ أنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّون أنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَة تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ}([34]).
في تفسير الطبري: عن قتادة: قوله: {وَإذْ يَعِدُكُمْ اللهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَة تَكُونُ لَكُمْ}، قال: الطائفتان؛ إحداهما: أبو سفيان بن حرب؛ إذ أقبل بالعير من الشام؛ والطائفة الأخرى: أبو جهل، معه نفرٌ من قريش، فكره المسلمون الشوكة والقتال، وأحبّوا أن يلقَوْا العير، وأراد الله ما أراد.
وعن ابن عبّاس، قوله: {وَإذْ يَعِدُكُمْ اللهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ}، قال: أقبلت عير أهل مكّة، يريد: من الشام، فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا، ومعهم رسول الله(ص)، يريدون العير، فبلغ ذلك أهل مكّة، فسارعوا السير إليها، لئلاّ يغلب عليها النبيّ(ص) وأصحابه، فسبقت العير رسول الله(ص)، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين، فكانوا أن يلقَوْا العير أحبّ إليهم، وأيسر شوكة، وأحضر مغنماً، فلمّا سبقت العير، وفاتت رسول الله(ص)، سار رسول الله(ص) بالمسلمين يريد القوم، فكره المسلمون مسيرهم؛ لشوكةٍ في القوم([35]).
وقال الحسن: كان المسلمون يريدون العير، ورسولُ الله يريد ذات الشوكة؛ لما وعده الله([36]).
وقال الطوسي: وقوله: {إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} يعني عير قريش أو قريشاً، وكان الله وعد نبيّه حصول إحداهما.
وقوله: {ذَاتِ الشَّوْكَة} يعني القتال([37]).
وقال الطبرسي: {وَإذْ يَعِدُكُمْ اللهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أنَّهَا لَكُمْ} يعني: واذكروا واشكروا الله، إذ يعدكم الله أنّ إحدى الطائفتين لكم؛ إمّا العير؛ وإمّا النفير، {وَتَوَدُّونَ أنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَة تَكُونُ لَكُمْ} أي تودّون أن يكون لكم العير وصاحبها أبو سفيان بن حرب، لئلاّ تلحقكم مشقّة، دون النفير، وهو الجيش من قريش. وكنَّى بالشوكة عن الحرب لما في الحرب من الشدّة، عن قطرب؛ وقيل: ذات الشوكة: ذات السلاح([38]).
وقال الخوئي: هذه الآية نزلت في وقعة بدر، وقد وعد الله فيها المؤمنين بالنصر على عدوّهم، وبقطع دابر الكافرين، والمؤمنون على ما هم عليه من قلّة العدد والعدّة، حتى أنّ الفارس فيهم كان هو المقداد، أو هو والزبير بن العوّام، والكافرون هم الكثيرون، الشديدون في القوّة، وقد وصفتهم الآية بأنّهم ذوو شوكة، وأنّ المؤمنين أشفقوا من قتالهم، ولكنّ الله يريد أن يحقّ الحقّ بكلماته، وقد وفى للمؤمنين بوعده، ونصرهم على أعدائهم، وقطع دابر الكافرين([39]).
وأقول: قال ابن إسحاق: فلمّا انقضى أمرُ بدرٍ أنزل الله عزَّ وجلَّ فيه من القرآن الأنفال بأسرها([40]).
وهذا يعني أنّ الآية محلَّ البحث قد نزلت بعد معركة بدرٍ، وانتصار المسلمين على المشركين، فهي إخبارٌ من الله أنَّه قد أطلع نبيَّه على أنّ المسلمين سيكون لهم أحد أمرَيْن: الاستيلاء على القافلة التجاريّة لقريش؛ أو الانتصار على جيشها الكبير، وقد وَعَدَ اللهُ المسلمين، على لسان نبيِّه، بأنّ إحدى الطائفتَيْن ستكون لهم، وهذا ما حصل بالفعل، فلمّا فاتهم العير، أي القافلة، كانت لهم الغَلَبة على النفير، وهو جيش قريش، وأفرادُه زهاء ألف رجلٍ، في حرب بدر.
وبالتالي فهي إخبارٌ عن أمرٍ قد حصل في ما مضى، وهو وعدُ الله بأنّ العير أو النفير سيكون للمسلمين، لا أنّ فيها وعدٌ وإخبارٌ بأمرٍ سيحصل في المستقبل.
نعم، قول النبيّ(ص) هو الذي أخبر عن غيبٍ مستقبليّ، وليست الآية هي التي تضمَّنت خبراً غيبيّاً مستقبليّاً.
إذن لا تكون هذه الآية شاهداً على إعجاز القرآن الكريم من جهة اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبليّة.
2ـ {إنَّكَ مَيِّتٌ وَإنَّهُمْ مَيِّتُونَ}([41]).
في هذه الآية إخبارٌ عن أنّ كلّ البشر على هذه الأرض سيموتون، ولن يبقى منهم أحدٌ، فالبقاء لله وحده، وما جعل الله لبشرٍ الخُلْدَ في هذه الدنيا.
وهذا ما نلاحظه فعلاً؛ حيث لم نعرف حتّى اليوم مَنْ بقي مخلَّداً.
غير أنّ هذا لا يكفي لاعتبار الآية شاهداً على إعجاز القرآن، بل علينا أن ننتظر إلى قيام الساعة؛ فإنْ مات جميع البشر، ونحن نعتقد أنّهم سيموتون جميعاً، ظهر الإعجاز القرآنيّ في هذه الآية.
نعم، القسم الأوّل منها، وهو قوله مخاطِباً النبيَّ الأكرم(ص): {إنَّكَ مَيِّتٌ}، شاهدٌ جليٌّ على إعجاز القرآن من حيث اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبليّة التي لا سبيل للعلم بها إلاّ عن طريق الوحي.
3ـ {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}([42]).
قال الطبرسي: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمَنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ} أي: ويوم يغلب الروم فارساً، يفرح المؤمنون بدفع الروم فارساً عن بيت المقدس، لا بغلبة الروم على بيت المقدس؛ فإنّهم كفارٌ، ويفرحون أيضاً لوجوهٍ أخر، وهو اغتمام المشركين بذلك؛ ولتصديق خبر الله عزَّ وجلَّ وخبر رسوله؛ ولأنّه مقدِّمة لنصرهم على المشركين.
وهذه من الآيات الدالّة على أنّ القرآن من عند الله عزَّ وجلَّ؛ لأنّ فيه أنباء ما سيكون، وما يعلم ذلك إلاّ الله عزَّ وجلَّ([43]).
وقال القرطبي: هذه أخبارٌ عن الغيوب، التي لا يقف عليها إلاّ ربُّ العالمين، أو مَنْ أوقفه عليها ربُّ العالمين، فدلّ على أنّ الله تعالى قد أوقف عليها رسولَه؛ لتكون دلالةً على صدقه([44]).
وقال الزرقاني: وبيانُ ذلك أنّ دولة الرومان، وهي مسيحيّة، كانت قد انهزمت أمام دولة الفرس، وهي وثنيّة، في حروبٍ طاحنة بينهما سنة 614م، [فقد كان بيت المقدس لأهل الروم كالكعبة للمسلمين، فدفعتهم فارس عنه]([45])، [وكان النبيّ(ص) يكره أن يظهر الأمّيّون من أهل المجوس على أهل الكتاب من الروم]([46])، فاغتمّ المسلمون؛ بسبب أنّها هزيمة لدولة متديِّنة أمام دولة وثنيّة، [وفي رواية عن أبي جعفر(ع): كان المسلمون يهوَوْن أن يغلب ملك الروم ملك فارس، وكانوا لناحية ملك الروم أرجى منهم لملك فارس؛ إذ إنّ رسول الله(ص) لمّا هاجر إلى المدينة، وقد ظهر الإسلام، كتب إلى ملك الروم كتاباً، وبعث إليه رسولاً يدعوه إلى الإسلام، وكتب إلى ملك فارس كتاباً، وبعث إليه رسولاً يدعوه إلى الإسلام، فأمّا ملك الروم فإنّه عظّم كتاب رسول الله(ص)، وأكرم رسوله، وأمّا ملك فارس فإنّه مزَّق كتابه، واستخفَّ برسول الله(ص)]([47])، وفرح المشركون، وقالوا للمسلمين في شماتة العدوّ: إنّ الروم يشهدون أنّهم أهل كتاب، وقد غلبهم المجوس، وأنتم تزعمون أنّكم ستغلبون بالكتاب الذي أنزل عليكم، فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم، فنزلت الآيات الكريمة، يبشِّر اللهُ فيها المسلمين بأنّ هزيمة الروم هذه سيعقبها انتصارٌ في بضع سنين، أي في مدّة تتراوح بين ثلاث سنواتٍ وتسعٍ، ولم يكُ مظنوناً وقتَ هذه البشارة أنّ الروم تنتصر على الفرس في مثل هذه المدّة الوجيزة، بل كانت المقدّمات والأسباب تأبى ذلك عليها؛ لأنَّ الحروب الطاحنة أنهكتها، حتى غُزِيَت في عقر دارها؛ ولأنَّ دولة الفرس كانت قويّة منيعة، وزادها الظفر الأخير قوّة ومنعة.
ولكنّ الله تعالى أنجز وعده، وتحقَّقت نبوءة القرآن سنة 622م، الموافقة للسنة الثانية من الهجرة المحمديّة.
[فعن أبي سعيد الخدري، قال: لمّا كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس، فأُعجب المؤمنون بظهور الروم على فارس]([48]).
وممّا هو جديرٌ بالذكر أنّ هذه الآية نفسها حملت نبوءةً أخرى، وهي البشارة بأنَّ المسلمين سيفرحون بنصرٍ عزيزٍ في هذا الوقت الذي ينتصر فيه الروم، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}، ولقد صدق الله وعده في هذه، كما صدقه في تلك، وكان ظفر المسلمين في غزوة بدر الكبرى واقعاً في الظرف الذي صدر فيه الرومان، وهكذا تحقّقت النبوءتان في وقتٍ واحدٍ، مع تقطُّع الأسباب في انتصار الروم كما علمتَ، ومع تقطُّع الأسباب أيضاً في انتصار المسلمين على المشركين على عهد هذه البشارة؛ لأنّهم كانوا أيّامئذ في مكّة، في صدر الإسلام، والمسلمون في قلّةٍ وذلّة، يضطهدهم المشركون، ولا يرقبون فيهم إلاًّ، ولا ذمّة([49]).
وأقول: لا شكّ ولا ريب في كون هذه الآية من الشواهد على إعجاز القرآن الكريم.
4ـ {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}([50]).
أخرج البيهقي في (الدلائل) عن مجاهد، قال: أُري النبيّ(ص)، وهو بالحديبية، أنّه يدخل مكّة، هو وأصحابه، آمنين، محلّقين رؤوسهم ومقصّرين، فلمّا نحر الهدي بالحديبية قال أصحابه: أين رؤياك يا رسول الله؟! فنزلت {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ إلى قوله فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}، يعني النحر بالحديبية، ثمّ رجعوا، ففتحوا خيبر، ثمّ اعتمر بعد ذلك، فكان تصديق رؤياه في السنة المقبلة([51]).
قال الزرقاني: المثال السادس [في إعجاز القرآن من خلال أنباء الغيب فيه] تنبُّؤ القرآن بأنّ الرسول وأصحابه، وقد كانوا بالمدينة، سيدخلون مكّة، آمنين، محلّقين رؤوسهم ومقصِّرين؛ إذ قال سبحانه: {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ}، ثمّ وقع هذا التنبُّؤ كما أخبر، مع أنّ ظروفه لم تكن تسمح به في مجرى العادة، فدلّ ذلك على أنّ هذا القرآن لا يمكن أن يكون كلام محمد، ولا مخلوق سواه، بل هو كلام القادر على أن يبلغ مراده، ويخرق العادة.
ولزيادة البيان نذكر أنّ الرسول رأى في نومه كأنّه، هو وأصحابه، قد دخلوا مكّة، آمنين، محلّقين رؤوسهم ومقصّرين، فقصّ رؤياه على أصحابه، ففرحوا، وحسبوا أنّهم داخلوها من عامهم، ثمّ خرجوا مُحْرِمين، يسوقون الهدي، إلى مكّة، لا يقصدون حرباً، وإنّما يقصدون عمرة ونُسُكاً، ولكنّهم ما كادوا يبلغون الحديبية حتّى صدّتهم قريش، وأبت عليهم ما أرادوا، وكادت تكون حربٌ، لولا أنّ الرسول رضي بصلحٍ بينه وبينهم، وإنْ كان قاسياً؛ إيثاراً منه للمسألة، وحبّاً للسلام العامّ، ثمّ قفل راجعاً، على أن يؤدّي نُسُكه في العام القابل؛ نزولاً على موادّ هذا الصلح القاسي، وعزَّ ذلك على أصحابه، واتَّخذ المنافقون منه حطباً لنفاقهم، ومادّة لدسِّهم ولمزهم، فقال عبدالله بن أُبَيّ، رأسُهم: والله ما حلقنا، ولا قصَّرنا، ولا رأينا المسجد الحرام.
ولكن على رغم هذا، وعلى رغم ما هو معروفٌ من غدر قريش، ونكثهم العهود، وتقطيعهم الأرحام، نزلت الآية الكريمة، تحمل هذا الوعد، بل تلك الوعود الثلاثة المؤكَّدة، وهي: دخول مكّة؛ وأداء النسك؛ والأمن على أنفسهم من قريش، حتى يتحلَّلوا، ويقفلوا راجعين إلى المدينة، وقد أنجز الله وعده، فتمَّ الأمر على أكمله، في العام الذي عُدَّ عام الحديبية([52]).
وأقول: هذه الآية من الشواهد الحقّة على إعجاز القرآن الكريم؛ حيث أَخْبرَتْ عن أمرٍ، وحصل هذا الأمر بعد ذلك، كما أخبرت.
5ـ {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}([53]).
أخرج ابن جرير عن ابن عباس، قال: قالوا يوم بدر: نحن جميعٌ منتصر، فنزلت {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}([54]).
وفي تفسير القمّي: قالت قريش: قد اجتمعنا لننتصر، ونقتلك يا محمد، فأنزل الله {أَمْ يَقُولُونَ ـ يا محمد ـ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}، يعني يوم بدر، حين هُزموا، وأُسروا، وقُتلوا([55]).
وروى ابن أبي حاتم، وابن مردويه، أنّ عمر جعل يقول، حين نزلت هذه الآية: أيُّ جمعٍ هذا؟، فلمّا كان يوم بدر رأيتُ رسول الله يقولُها([56]).
وقال القرطبي: قال سعيد بن جبير: قال سعد بن أبي وقّاص: لمّا نزل قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر} كنتُ لا أدري أيَّ الجمع ينهزم، فلمّا كان يوم بدر رأيتُ النبيّ(ص) يَثِبُ في الدِّرْع، ويقول: اللهمّ إنّ قريشاً جاءتك، تحادّك، وتحادّ رسولك، بفخرها و[خيلائها]، فأَخْنِهِم الغداة، ثمّ قال: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}، فعرفتُ تأويلَها([57]).
وفي تفسير ابن كثير: عن عكرمة، قال: لمّا نزلت {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} قال عمر: أيُّ جمعٍ يُهزَم؟ أيُّ جمعٍ يُغلَب؟ قال عمر: فلمّا كان يوم بدرٍ رأيتُ رسول الله(ص) يَثِبُ في الدِّرْع، وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}، فعرفتُ تأويلها يومئذٍ([58]).
قال الطوسي: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ} معناه: إنّ جميعهم سيُهزمون، {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} أي لا يثبتون لقتالك.
وكان كذلك، فكان موافقته لما أخبر به معجزاً له؛ لأنّه إخبارٌ بالغيب قبل كونه، وانهزم المشركون يوم بدر، وقُتلوا، وسُبُوا، على ما هو معروفٌ([59]).
وقال الطبرسي: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ} أي جمع كفّار مكّة، {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} أي ينهزمون، فيولُّونكم أدبارهم في الهزيمة، فكانت هذه الهزيمة يوم بدر، وكانت موافقة الخبر للمخبَر من معجزاته([60]).
وقال الزرقاني: المثال السابع [في إعجاز القرآن من خلال أنباء الغيب فيه] تنبُّؤ القرآن بهزيمة جموع الأعداء، في وقتٍ لا مجال فيه لفكرة الحرب، فضلاً عن التقاء الجمعَيْن، وانتصار المسلمين، وانهزام المشركين، وذلك قوله سبحانه في سورة القمر المكّيّة: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}، وأنتَ خبيرٌ بأنّ الجهاد لم يشرَّع إلاّ في السنة الثانية للهجرة، فأين ما يتنبّأ به القرآن؟ إذن إنّه لا بدّ أن يكون كلاماً تنزّل ممَّنْ يعلم الغَيْب في السموات والأرض، أمّا محمد، الرجل الأمّيّ، فأنّى له ذلك، إنْ لم يكن تلقّاه من لدن حكيمٍ عليم([61]).
وقال الطباطبائي: في الآية إخبارٌ عن مغلوبيّة وانهزام لجمعهم، ودلالة على أنّ هذه المغلوبيّة انهزام منهم في حربٍ سيُقدمون عليها، وقد وقع ذلك في غزاة بدر، وهذا من ملاحم القرآن الكريم([62]).
وقال الخوئي: أخبر [القرآن] عن انهزام جمع الكفّار، وتفرّقهم، وقمع شوكتهم، وقد وقع هذا في يوم بدرٍ أيضاً، حين ضرب أبو جهل فرسه، وتقدَّم نحو الصفّ الأوّل، قائلاً: «نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه»، فأباده الله وجمعه، وأنار الحقّ، ورفع مناره، وأعلى كلمته، فانهزم الكافرون، وظفر المسلمون عليهم، حينما لم يكن يتوهّم أحدٌ بأنّ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ـ ليس لهم عدّة، ولا يصحبون غير فرسٍ أو فرسين، وسبعين بعيراً، يتعاقبون عليها ـ يظفرون بجمعٍ كبير، تامّ العدّة، وافر العدد، وكيف يستفحل أمرُ أولئك النفر القليل على هذا العدد الكثير، حتّى تذهب شوكته كرمادٍ اشتدّت به الريح، لولا أمر الله، وإحكام النبوّة، وصدق النيّات؟!([63]).
وأقول: لقد وقع المخبَر عنه في هذه الآية كما أخبر به القرآن تماماً، فكانت شاهداً على إعجاز القرآن من هذه الجهة.
6ـ {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ المُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}([64]).
أي كفيناك شرَّهم واستهزاءهم، بأنْ أهلكناهم([65]).
أخرج البزّار والطبراني عن أنس بن مالك، قال: مرّ النبيّ(ص) على أناس بمكّة، فجعلوا يغمزون في قفاه، ويقولون: هذا الذي يزعم أنَّه نبيّ، ومعه جبريل، فغمز جبريل بإصبعه، فوقع مثل الظفر في أجسادهم، فصارت قروحاً، حتّى نتنوا، فلم يستطع أحدٌ أن يدنو منهم، فأنزل الله {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}([66]).
وفي مجمع الزوائد: عن ابن عبّاس قال: المستهزئون: الوليد بن المغيرة؛ والأسود بن عبد يغوث؛ والأسود بن المطَّلب، أبو زمعة، من بني أسد بن عبد العزّى؛ والحرث بن عيطل السهمي؛ والعاصي بن وائل السهمي.
فأتاه جبريل(ع)، فشكاهم إليه رسول الله(ص)، فأراه الوليد بن المغيرة، فأشار إلى أبجله، فقال: ما صنعتَ شيئاً، فقال: أكفيتُكَه.
ثمّ أراه الحرث بن عيطل السهمي، فأومأ إلى بطنه، فقال: ما صنعتَ شيئاً، فقال: أكفيتُكَه.
ثمّ أراه العاصي بن وائل، فأومأ إلى أخمصه، فقال: ما صنعتَ شيئاً، فقال: أكفيتُكَه.
فأمّا الوليد بن المغيرة فمرَّ برجلٍ من خزاعة، وهو يريش نبلاً له، فأصاب أبجله، فقطعها.
وأمّا الأسود بن المطّلب فعَمِيَ؛ فمنهم مَنْ يقول: عَمِيَ هكذا؛ ومنهم مَنْ يقول: نزل تحت شجرة، فجعل ينادي: يا بنيّ، ألا تدفعون عنّي، قد هلكتُ، أُطعَنُ بالشوك في عينيّ، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً، فلم يزَلْ كذلك حتّى عَمِيَتْ عيناه.
وأمّا الأسود بن عبد يغوث فخرجت في رأسه قروحٌ، فمات منها.
وأمّا الحرث بن عيطل فأخذه الماء الأصفر في بطنه، حتّى خرج خرؤه من فيه، فمات.
وأمّا العاصي بن وائل فبينا هو كذلك دخلت في رجله شبرقة امتلأت منها فمات([67]).
وفي تفسير العياشي: مرفوعاً، قال: كان المستهزئون خمسةً من قريش: الوليد بن المغيرة المخزومي؛ والعاص بن وائل السهمي؛ والحارث بن حنظلة؛ والأسود بن عبد يغوث بن وهب الزهري؛ والأسود بن المطّّلب بن أسد، فلمّا قال الله: {إنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ} علم رسول الله أنّه قد أخزاه [أخزاهم]، فأماتهم الله بشرِّ ميتات([68]).
وفي الاحتجاج: عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين(ع) في حديثٍ: فأمّا المستهزئون فقال الله: {إنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ}، فقتل الله خمستهم، كلّ واحدٍ منهم بغير قتلة صاحبه، في يومٍ واحد، في ساعةٍ واحدة.
وذلك أنّهم كانوا بين يدَيّ رسول الله(ص)، فقالوا: يا محمد، ننتظر بك إلى الظهر، فإنْ رجعتَ عن قوله وإلاّ قتلناك، فدخل النبيُّ(ص) منزله، وأغلق عليه بابه؛ مغتمّاً لقولهم، فأتاه جبرئيل(ع) عن الله من ساعته، فقال: يا محمد، السلام يقرأ عليك السلام، وهو يقول: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ المُشْرِكِينَ}، يعني أظهِرْ أمرَك لأهل مكّة، وادْعُهُمْ إلى الإيمان، قال: يا جبرئيل، كيف أصنع بالمستهزئين، وما أوعدوني؟ قال له: {إنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ}، قال: يا جبرئيل، كانوا الساعة بين يدَيّ، قال: قد كُفيتَهم، فأظهر أمره عند الله.
فأمّا الوليد بن المغيرة فمرّ بنبلٍ لرجلٍ من خزاعة قد راشه، ووضعه في الطريق، فأصابه شظيّة منه، فقطع أكحله حتّى أدماه، فمات، وهو يقول: قتلني ربُّ محمد.
وأمّا العاص بن وائل السهمي فإنّه خرج في حاجة له إلى موضعٍ، فتدهده تحته حجرٌ، فسقط، فتقطَّع قطعةً قطعة، فمات، وهو يقول: قتلني ربُّ محمد.
وأمّا الأسود بن عبد يغوث فإنّه خرج يستقبل ابنة [ابنه] زمعة، فاستظلّ بشجرة، فأتاه جبرئيل، فأخذ رأسه، فنطح به الشجرة، فقال لغلامه: امنَعْ هذا عنّي، فقال: ما أرى أحداً يصنع بك شيئاً إلاّ نفسك، فقتله، وهو يقول: قتلني ربُّ محمد.
ورُوي أنّ الأسود بن عبد يغوث أكل حوتاً مالحاً، فأصابه العطش، فلم يزلْ يشرب الماء حتّى انشقّت بطنه، فمات، وهو يقول: قتلني ربُّ محمد.
وأمّا الأسود بن المطَّلب فإنّ النبيّ(ص) دعا عليه أن يعمى بصره، وأن يثكله ولده، فلمّا كان في ذلك اليوم خرج حتّى صار إلى موضعٍ، فأتاه جبرئيل بورقةٍ خضراء، فضرب بها وجهه، فعَمِيَ، وبقي حتّى أثكله الله ولده.
وأما الحرث بن الطلاطلة فإنَّه خرج من بيته في السموم [وهي الريح الحارّة، وقيل: الحرّ الشديد النافذ في المسام]، فتحوَّل حبشيّاً، فرجع إلى أهله، فقال: أنا الحرث، فغضبوا عليه، فقتلوه، وهو يقول: قتلني ربُّ محمد([69]).
وقال الخوئي: هذه الآية الكريمة نزلت بمكّة في بدء الدعوة الإسلاميّة، فأخبرت الآية عن ظهور دعوة النبيّ(ص)، ونصرة الله له، وخذلانه للمشركين، الذين ناوؤوه، واستهزءوا بنبوّته، واستخفّوا بأمره، وكان هذا الإخبار في زمانٍ لم يخطر فيه على بال أحدٍ من الناس انحطاط شوكة قريش، وانكسار سلطانهم، وظهور النبيّ(ص) عليهم([70]).
وأقول: في بعض ما تقدّم إشارةٌ إلى أنّ الآية نزلت بعد أن أهلك اللهُ المستهزئين.
وفي بعضٍ آخر إشارة إلى أنّها نزلت تُطَمْئن النبيّ بأنّهم لن يصلوا إليه، وأنّ الله سيهلكهم.
فبناءً على الإشارة الأولى تكون الآية إخباراً عن شيء قد حصل، وبمرأىً من الناس.
وبناءً على الإشارة الثانية تكون الآية ـ حقّاً ـ شاهداً على إعجاز القرآن من حيث اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبليّة التي لا سبيل لمعرفتها إلاّ بالوحي، سواءً قلنا بأنّ المراد بالمستهزئين مجموعةٌ خاصّة من رجال قريش، كما هو مفاد كلّ الروايات المتقدّمة الذكر، أو قلنا بأنّ المراد بهم عموم المشركين، وعلى رأسهم قريش، كما يظهر من كلام الخوئي(رحمه الله).
وأمّا إذا قلنا بأنّ الآية تُخبر عن أنّ الله سيكفي رسولَه(ص) شرَّ كلّ مستهزئٍ، وإلى يوم القيامة ـ أي لن يقدر أحدٌ على النيل منه، في إخلاصه، وصدقه، ورحمته…، إلخ، بحيث ينفضّ الناس عنه، بعد أن ترتسم له صورةٌ قبيحة في أذهانهم ـ فحينها تكون نبوءة هذه الآية قد تحقَّقت حتّى هذه اللحظة، غير أنّ هذا الخبر لا يُعتبر شاهِداً على إعجاز القرآن، إلاّ أن تقوم الساعة دون أن يستطيع أحدٌ النيلَ من رسول الله(ص).
7ـ {وَإنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}([71]).
قال الطوسي: وفي قوله: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} دلالةٌ على صحّة نبوّته؛ لأنّه يتضمَّن الإخبار عن حالهم في المستقبل بأنّهم لا يفعلون، ولا يجوز لعاقلٍ أن يقدم على جماعة من العقلاء، يريد تهجينهم، فيقول: أنتم لا تفعلون، إلاّ وهو واثقٌ بذلك، ويعلم أنّ ذلك متعذِّرٌ عندهم، وينبغي أن يكون الخطاب خاصّاً لمَنْ علم اللهُ أنَّه لا يؤمن، ولا يدخل فيه مَنْ آمن فيما بعد، وإلاّ كان كذباً([72]).
وقال محمد رشيد رضا: ولا يمكن أن يصدر مثل هذا النفي الاستقباليّ المؤكَّد، أو المؤبَّد، من عاقلٍ، كالنبيّ(عليه الصلاة والسلام)، في أمرٍ ممكن عقلاً، لولا أن أنطقه الله، الذي خصَّه بالوحي، وهو الذي يعلم غيب السماوات والأرض، بأنّه غيرُ ممكنٍ لأحدٍ([73]).
وقال الزرقاني: المثال الثالث [في إعجاز القرآن من خلال أنباء الغيب فيه] ما جاء في معرض التحدّي بالقرآن من قوله سبحانه: {فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}، وفيه القطع بانتفاء قدرة المخاطَبين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، [و]قد تحقَّقت نبوءة القرآن، ولا تزال متحقِّقةً، حيث انقرضت طبقة المخاطَبين به دون أن يستطيعوا معارَضة أقصر سورة منه([74]).
وأقول: إنّ الخطاب في هذه الآية للناس([75])، والناس لفظٌ يدلّ على العموم، فهو شاملٌ لكلّ بني الإنسان.
ولا يختصّ الخطاب القرآنيّ بعصر نزوله، بل هو خطابٌ دائمٌ ما دامت السماوات والأرض، وبالتالي لا نستطيع أن نقول: إنّ نبوءة القرآن قد تحقَّقت، وإنْ كنّا نؤمن أنّها ستتحقَّق، غير أنّ علينا أن ننتظر إلى يوم فناء البشريّة، كي نستطيع أن نقول: إنّ نبوءة القرآن قد تحقَّقت.
نعم، يمكن القول بأنّها قد تحقَّقت بالنسبة إلى الأقوام الذين مضَوْا دون أن يستطيعوا معارَضة القرآن والإتيان بمثله، ولكنَّ الآيةَ عامّةٌ وشاملةٌ في خطابها لكلِّ الناس، منذ عصر رسول الله(ص) إلى يوم القيامة.
8ـ {وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلاَّ بِشِقِّ الأنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}([76]).
في تفسير القمّي، قال: [من] العجائب التي خلقها الله في البحر والبرّ([77]).
وقال الطوسي والطبرسي: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من أنواع الحيوان والجماد والنبات لمنافعكم([78])، ويخلق من أنواع الثواب للمطيعين، وأنواع العقاب للعصاة ما لا تعلمون([79]).
وقال ابن الجوزي: ذكر قومٌ من المفسِّرين أنّ المراد به عجائب المخلوقات في السموات والأرض، التي لم يُطَّلع عليها، مثل ما يروى أنّ الله ملكاً من صفته كذا، وتحت العرش نهرٌ من صفته كذا؛ وقال قومٌ: هو ما أعدّ الله لأهل الجنّة فيها، ولأهل الناس؛ وقال أبو سليمان الدمشقي: في الناس مَنْ كره تفسير هذا الحرف؛ وقال الشعبي: هذا الحرف من أسرار القرآن([80]).
وفي تفسير الجلالين: من الأشياء العجيبة الغريبة([81]).
وقال الطباطبائي: أي يخلق ما لا علم لكم به من الحيوان وغيره، وسخَّرها لكم؛ لتنتفعوا بها، والدليل على ما قدَّرناه هو السياق([82]).
وقال الحائري: إنّ هذه الآية تكون إخباراً عن اختراع وسائل النقل في زماننا، بناءً على ما قد يُقال من أنّ عطفَ قوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} على ما يُركب قديماً من الخيل والبغال والحمير، التي وصفها الله تعالى بكونها وسائل السفر والنقل إلى ما لم نكن نبلغه إلاّ بشقّ الأنفس، ظاهِرٌ في كون المقصود بما يَخلُق بعد ذلك، ممّا لم تكن البشريّة تعلم به، هو وسائل السفر والنقل الحديثة، أمثال: السيارات والطائرات، ممّا لم يكن ممكناً توضيحه، حتّى على مستوى التصوُّر، للبشريّة وقتئذٍ، إلاّ بمثل {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
وهذا لا يكون إلاّ من قول إلهٍ، نسبتُه إلى الماضي والحال والمستقبل سواءٌ([83]).
وقال الشعراوي: …وهو يتحدَّث عن نعمه قد حدَّد للإنسان ما خلقه له؛ ليساعده على التنقُّل في الأرض، ولكن هل هذا هو نهاية المطاف، لو أنّني أفكّر بتفكير ذلك العصر، العصر الذي نزل فيه القرآن، لقلتُ: إنّها نهاية المطاف، ولكنّ الله يعلم أنّ الإنسان سيركب السيارة، والصاروخ، والطائرة، وأنّ كل جيل سيختلف عن الجيل الآخر بوسائل التنقُّل، فكيف يسجِّل ذلك دون أن يقول ما هو فوق عقول الناس في ذلك الوقت، ممّا قد يُذهب الإيمان من نفوسهم، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِنيَة وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، أترى بلاغة القرآن، قد سجّل علم الله، وفي نفس الوقت احتفظ به غيباً على الذين عاصروا نزول القرآن،
{وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، هنا معناها أنّ ما ذكرتُه ليس نهاية المطاف، ولذلك فأنا أقول لكم من الآن: إنّ هذه هي وسائل تنقُّلكم، ولكنّي سأخلق في الأجيال القادمة ما لا تعلمون أنتم، سأخلق للأجيال التي بعدها ما لا تعلمه الأجيال القادمة، وهكذا إلى نهاية الدنيا، ومن هنا فقد سجّل القرآن التطوُّر الذي سيحدث، وفي نفس الوقت احتفظ بعبارته في مستوى العصر الذي نزل فيه([84]).
وأقول: بناءً على ما قاله الشعراوي لن تكون هذه الآية شاهداً على إعجاز القرآن، ففي كلّ عصرٍ يكون الناس مخاطَبون بهذه الآية: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، فإذا جاء العصر الجديد، وتطوَّرت وسائل التنقُّل، كان ذلك شاهداً على إعجاز القرآن للمخاطَبين في العصر الماضي، وأمّا المخاطَبون في هذا العصر الجديد فإنّهم ينتظرون هذا التطوُّر الموعود، وهكذا تبقى هذه الآية شاهداً متأخِّراً، يُدركُه بعضُ الناس فقط، أي مَنْ تطول أعمارهم من العصر القديم، أو أهلُ العصر الجديد، ويطَّلعون على التطُّور الحاصل في وسائل التنقُّل، من عصرٍ إلى عصر.
9ـ {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}([85]).
ومثلُها: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}([86]).
في تفسير العيّاشي: عن أبي جعفر(ع)، في قوله الله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، يكون أن لا يبقى أحدٌ إلاّ أقرَّ بمحمدٍ(ص).
وفيه أيضاً: في خبرٍ آخر عنه، قال: ليظهره الله في الرجعة.
وفيه أيضاً: عن أبي عبد الله(ع): {هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} قال: إذا خرج القائم لم يبقَ مشركٌ بالله العظيم، ولا كافرٌ، إلاّ كره خروجه([87]).
وفي تفسير القمّي: في قوله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، فإنَّها نزلت في القائم من آل محمد([88]).
وفيه أيضاً: وقوله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}، وهو الإمام الذي يظهره الله على الدين كلِّه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً، وهذا ممّا ذكرنا أنّ تأويله بعد تنزيله([89]).
وقال الطوسي: وفي الآية دلالةٌ على صدق نبوّته(ص)؛ لأنَّها تضمَّنت الوعد بظهور الإسلام على جميع الأديان، وقد صحَّ ظهوره عليها.
وقال ابن عباس: إنّ الهاء في {ليظهره} عائدةٌ إلى الرسول(ص)، أي ليعلِّمه الله الأديان كلَّها، حتى لا يخفى عليه شيءٌ منها([90]).
وقال القرطبي: ومنها [من وجوه الإعجاز القرآنيّ]: الإخبار عن المغيَّبات في المستقبل، التي لا يطّلع عليها إلاّ بالوحي، فمن ذلك:
ما وعد الله نبيّه(ع) أنّه سيظهر دينه على الأديان، بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ…} الآية، ففعل ذلك.
وكان أبو بكر إذا أغزى جيوشه عرَّفهم ما وعدهم الله في إظهار دينه؛ ليثقوا بالنصر، وليستيقنوا بالنجح، وكان عمر يفعل ذلك، فلم يزَلْ الفتح يتوالى شرقاً وغرباً، برّاً وبحراً([91]).
وأقول: يُلاحظ على ما أُفيد أنّ الفتح الإسلامي قد توالى شرقاً وغرباً، برّاً وبحراً، غير أنّ ذلك لا يعني ظهور الإسلام على الدين كلِّه، بل لن يكون تحقيقُ ذلك إلاّ عند ظهور القائم من آل محمد(ص)، الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، وحيث يرث الأرضَ عبادُ الله الصالحون، وآنذاك يكون الإسلام هو الدين المسيطر، بل هو الدين الوحيد، وهذا ما دلَّتٍْ عليه الروايات المتقدِّمة.
وعليه فهذه النبوءة القرآنيّة الإلهيّة لم تتحقَّق بعدُ، وبالتالي فلا يمكننا أن نعتبر هذا الخبر من شواهد إعجاز القرآن الكريم، وأنّه من عند الله تعالى.
10ـ {يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}([92]).
أخرج الحاكم والترمذي عن عائشة، قالت: كان النبيّ(ص) يحرس حتّى نزلت هذه الآية: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ}، فأخرج رأسه من القبّة، فقال: يا أيُّها الناس، انصرفوا، فقد عصمني الله.
وأخرج الطبراني عن أبي سعيد الخدري، قال: كان العبّاس عمُّ رسول الله(ص) في مَنْ يحرسه، فلمّا نزلت {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ} ترك الحرس.
وأخرج ابن حبّان في (صحيحه) عن أبي هريرة، قال: كنّا إذا أصبحنا ورسول الله(ص) في سفر تركنا له أعظمَ شجرة وأظلَّها، فينزل تحتها، فنزل ذات يوم تحت الشجرة، وعلَّق سيفه فيها، فجاء رجلٌ، وأخذه، وقال: يا محمد، مَنْ يمنعك منّي، فقال رسول الله(ص): الله يمنعني منك، ضَعْ السيف، فوضعه، فنزلت {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ}([93]).
وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله، قال: لمّا غزا رسول الله(ص) بني أنمار نزل ذات الرقيع، بأعلى نخلٍ، فبينما هو جالس على رأس بئرٍ، قد دلّى رجلَيْه، فقال الوارث من بني النجار: لأقتلنَّ محمداً، فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له أَعْطِني سيفَك، فإذا أعطانيه قتلتُه به، فأتاه، فقال: يا محمد، أَعْطِني سيفَك أشمُّه، فأعطاه إيّاه، فرعدت يده حتّى سقط السيف من يده، فقال رسول الله(ص): حال الله بينك وبين ما تريد، فأنزل الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}([94]).
وفي تفسير القمّي: وقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، قال: نزلت هذه الآية في عليٍّ(ع)، {وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ}، قال: نزلت هذه الآية في منصرف رسول الله(ص) من حجّة الوداع، وحجّ رسول الله(ص) حجّة الوداع لتمام عشر حججٍ من مقدمه المدينة، [وبعد أن انتهى من تنصيب عليّ(ع) وليّاً للمسلمين، وأميراً للمؤمنين، في غدير خمّ] قال أصحابُه الذين ارتدّوا بعدَه: قد قال محمد في مسجد الخيف ما قال، وقال هاهنا ما قال، وإنْ رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له، فاجتمعوا أربعة عشر نفراً، وتآمروا على قتل رسول الله(ص)، وقعدوا في العقبة…، بين الجحفة والأبواء، فقعدوا سبعة عن يمين العقبة، وسبعة عن يسارها؛ لينفروا ناقة رسول الله(ص)، فلمّا جنّ الليل تقدَّم رسول الله(ص) في تلك الليلة العسكر، فأقبل ينعس على ناقته، فلمّا دنا من العقبة ناداه جبرئيل: يا محمد، إنّ فلاناً وفلاناً قد قعدوا لك، فنظر رسول الله(ص) فقال: مَنْ هذا خلفي، فقال حذيفة اليماني: أنا يا رسول الله حذيفة بن اليمان، قال: سمعتَ ما سمعتُ، قال: بلى، قال: فاكتُمْ، ثمّ دنا رسول الله(ص) منهم، فناداهم بأسمائهم، فلمّا سمعوا نداءَ رسول الله(ص) فرُّوا، ودخلوا في غمار الناس، وقد كانوا عقلوا رواحلهم، فتركوها، ولحق الناس برسول الله(ص)، وطلبوهم، وانتهى رسول الله(ص) إلى رواحلهم، فعرفهم([95]).
قال الجصّاص: وقد دلّ قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ} على صحّة نبوّة النبيّ(ص)؛ إذ كان من أخبار الغيوب التي وجد مخبَرُها على ما أخبر به؛ لأنّه لم يصل إليه أحدٌ بقتلٍ، ولا قهرٍ، ولا أسرٍ، مع كثرة أعدائه، المحاربين له مصالتةً، ثمّ والقصد لاغتياله مخادعةً.
ولو لم يكن ذلك من عند الله لما أخبر به النبيّ(ص)، ولا ادّعى أنّه معصومٌ من القتل والقهر من أعدائه، وهو لا يأمن أن يوجَد ذلك على خلاف ما أخبر به، فيظهر كذبه، مع غناه عن الإخبار بمثله([96]).
وقال الطبرسي: وفي هذه الآية دلالةٌ على صدق النبيّ(ص)، وصحّة نبوّته، من وجهين: أحدهما: إنّه وقع مخبَرُه على ما أخبر به فيه، وفي نظائره، فدلّ على أنّه من عند عالم الغيوب والسرائر؛ والثاني: إنّه لا يُقدِم على الإخبار بذلك إلاّ وهو يأمن أن يكون مخبَرُه على ما أخبر به؛ لأنّه لا داعي له إلى ذلك إلاّ الصدق([97]).
وقال الزرقاني: المثال الثاني [في إعجاز القرآن من خلال أنباء الغيب فيه] إنباء القرآن بأنّ الله عاصم رسوله، وحافظه من الناس، لا يصلون إليه بقتلٍ، ولا يتمكَّنون من اغتيال حياته الشريفة بحالٍ، وذلك في قوله عزَّ وجلَّ: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ}، ولقد تحقَّقت نبوءة القرآن هذه، ولم يتمكَّن أحدٌ من أعداء الإسلام أن يقتله(عليه الصلاة والسلام)، مع كثرة عددهم، ووفرة استعدادهم، ومع أنّهم كانوا يتربَّصون به الدوائر، ويتحيَّنون الفرص للإيقاع به، والقضاء عليه، وعلى دعوته، وهو أضعف منهم استعداداً، وأقلّ جنوداً…، حتى لقد كان يتَّخذ الحرّاس قبل نزول هذه الآية، فلمّا نزلت إذا ثقته واعتداده بها أعظم من ثقته واعتداده بمَنْ كانوا يحرسونه، وسرعان ما صرف حرّاسه، وسرَّحهم عند نزول الآية، قائلاً: أيُّها الناس، انصرفوا، فقد عصمني الله.
ومن شواهد حماية الله لرسوله، وإنجازه له هذا الوعد، ما ورد عن عليٍّ(رضي الله عنه)، قال: كنّا إذا احمرّ البأس، وحمي الوطيس، اتَّقَيْنا برسول الله، فما يكون أحدٌ منّا أقربَ إلى العدوّ منه.
ومن أبلغ الشواهد على ذلك أيضاً ما ثبت من أنّه في يوم حنين، حين أعجبت المسلمين كثرتهم، وأدَّبهم الله بالهزيمة حتّى ولَّوْا مدبرين، أنزل سبحانه سكينته على رسوله، حتّى لقد جعل يركض بغلته إلى جهة العدوّ، والعبّاس بن عبد المطَّلب آخذ بلجامها يكفُّها، إرادة أن لا تسرع، فأقبل المشركون إلى رسول الله، فلمّا غشَوْه لم يفرّ، ولم ينكص، بل نزل عن بغلته، كأنَّما يمكِّنهم من نفسه، وجعل يقول:
أنا النبيُّ، لا كذب أنا ابن عبد المطَّلب
كأنَّما يتحدّاهم، ويدلّهم على مكانه، فوالله ما نالوا منه نيلاً، بل أيَّده الله بجنده، وكفّ أيديهم عنه بيده([98]).
وأقول: يمكن أن نحمل قوله: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ} على ما ذكروه، وقد صار واضحاً.
ويمكن حمله على العصمة من كلام الناس واتِّهامهم؛ فقد نزلت هذه الآيات تدعو رسول الله إلى تبليغ ما أُنزل إليه من ربِّه في ولاية أمير المؤمنين عليّ(ع) وأبنائه من بعده، وكان من المحتمل جدّاً آنذاك أن ينطلق الناس في اتّهام رسول الله(ص) بأنّه يُحابي ابنَ عمّه وصهره، وأنّه يُريد أن يجعل الخلافة مُلْكاً عضوداً، يتوارثه أولادُ عليٍّ(ع) من فاطمة الزهراء(عا)، وهذا ما يجعل جهده طيلة ثلاث وعشرين سنة يذهب أدراج الرياح، ويجعل الناس ينفضُّون من حوله، وهذا نقضٌ للغَرَض من بعثته.
وقد خاف النبيُّ(ص) أن يحصل هذا الأمر، فكان الوعد الإلهيّ القاطع بأنّ الله يعصمه من الناس، أن يصلوا إليه فيقتلوه، وأن يتَّهموه في إخلاصه للرسالة.
وهذا ما شاهدناه إلى اليوم، فمع البغض الشديد الذي يكنُّه الحاقدون والنواصب لأهل البيت(عم) لم يتجرّأ أحدُهم على اتِّهام النبيّ(ص) بأنّه حابى عليّاً(ع)، بل يحاولون صرف النصوص الصادرة منه(ص) عن مداليلها الواقعيّة، ويعتبرون أنّ الشيعة هم مَنْ فسَّر هذه النصوص بما يُثبت إمامة عليٍّ(ع) والأئمّة من وُلده(ع)، وينأَوْن برسول الله(ص) عن مورد التُّهْمة، وهكذا عصم الله نبيَّه من كلام الناس واتّهامهم.
غير أنّ هذا الخبر الغيبيّ الإلهيّ قد تحقَّق حتّى هذه الساعة، وسيبقى ـ حسب اعتقادنا ـ إلى يوم القيامة، إلاّ أنّه لا يمكننا أن نعتبره من الأخبار التي تحقَّقت، بحيث يكون شاهداً على إعجاز القرآن، وأنّه من عند الله؛ إذ قد يقول لنا قائلٌ: ما يُدريكم أنّه لن يأتي يومٌ يتَّهم الناسُ فيه رسولَ الله(ص) بأنّه قد حابى عليّاً؟
11ـ {وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّّذي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}([99]).
قال الطوسي: في هذه الآية وعدٌ من الله تعالى للذين آمنوا من أصحاب النبيّ(ص)، وعملوا الصالحات، بأنْ يستخلفهم في الأرض، ومعناه يورثهم أرض المشركين، من العرب والعجم.
وقال النقّاش: يريد بالأرض أرض مكّة؛ لأنّ المهاجرين سألوا ذلك، والأوّل قول المقداد بن الأسود، وروى عن رسول الله(ص) أنّه قال: «لا يبقى على الأرض بيت مدرٍ، ولا وبرٍ، إلاّ ويدخله الإسلام، بعزّ عزيزٍ أو ذلّ ذليلٍ».
وفي ذلك دلالةٌ على صحّة نبوّة النبيّ(ص)؛ لأنّه أخبر عن غيبٍ وقع مخبَره على ما أخبر، وذلك لا يعلمه إلاّ الله تعالى([100]).
وقال الزرقاني: المثال الخامس [في إعجاز القرآن من خلال أنباء الغيب فيه] تنبّؤ القرآن بأنّ المستقبل السعيد ينتظر المسلمين، في وقتٍ لم تكن عوامل هذا المستقبل السعيد مواتيةً، ثمّ إذا تأويل هذا النبأ يأتي على نحو ما أخبر القرآن، في أقصر ما يكون من الزمان.
إنّ سجلات التاريخ لا تزال تحفظ بين طيّاتها ما يُشيب الوليد من ألوان الاضطهاد والأذى الذي أصاب الرسول وأتباعه في مكّة والمدينة، على عهد نزول هذه الوعود المؤكَّدة الكريمة، حتى لقد كان أكبر أماني المسلمين، بعد هجرتهم، وتنفُّسهم الصعداء قليلاً، أن يسلم لهم دينهم، ويعيشوا آمنين في مهاجرهم.
هكذا كان حال الصحابة أيّام أنْ وعدهم الله ما وعد.
[أخرج الحاكم وصحَّحه، والطبراني، عن أُبَيّ بن كعب، قال: لمّا قدم رسول الله(ص) وأصحابه المدينة، وآوتهم الأنصار، رمَتْهم العربُ عن قوسٍ واحدة، وكانوا لا يبيتون إلاّ بالسلاح، ولا يصبحون إلاّ فيه، فقالوا: تَرَوْن أنّا نعيش حتّى نبيت آمنين مطمئنّين لا نخاف إلاّ الله، فنزلت {وَعَدَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ…} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن البرّاء، قال: فينا نزلت هذه الآية، ونحن في خوفٍ شديدٍ]([101]).
وما أعجل تحقُّق هذا الوعد الإلهي، رغم هذه الحال المنافية في العادة لما وعد، فدالت الدولة لهم، واستخلفهم في أقطار الأرض، وأورثهم ملك كسرى وقيصر، ومكَّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وأبدلهم من بعد خوفهم أمناً.
يا لها نبوءة، تأبى عادة أن يتحدّث بها إلاّ مَنْ يملك تحقيقها، ومَنْ يخرق ـ إنْ شاء ـ عادات الكون ونواميسه من أجلها([102]).
وأقول: إنْ قلنا: إنّ الآية تعني الذين آمنوا وعملوا الصالحات من أصحاب النبيّ(ص)، من المهاجرين والأنصار، فقد تحقَّقت النبوءة القرآنيّة، وتكون الآية شاهداً على إعجاز القرآن الكريم.
وأمّا إنْ قلنا: إنّ الآية تعني كلَّ المؤمنين الذين عملوا الصالحات، منذ عصر النبيّ(ص) إلى يوم القيامة، فهُنا نسأل: هل استُخلف هؤلاء، وتمكَّن دينُهم، وأمِنوا؟ وهل دخل الإسلام إلى كلّ بيتٍ على وجه الأرض، كما في الرواية عن رسول الله(ص)؟!
هذا لم يتحقَّق حتّى الآن، ولن يتحقَّق قبل ظهور المهديّ(ص).
إذن فنبوءة القرآن لم تتحقَّق بعدُ، وبالتالي لا تكون الآية، في هذا الزمن، شاهداً على إعجاز القرآن الكريم.
نعم، سيأتي يومٌ تتحقَّق فيه هذه النبوءة القرآنيّة الإلهيّة، وعندها يظهر الإعجاز القرآنيّ بجلاءٍ ووضوح.
12ـ {فَإنْ رَجَعَكَ اللهُ إلَى طَائِفَة مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيْتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّة فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ}([103]).
قال الطوسي: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أبَداً} أي لا يقع منكم الخروج أبداً، والأبد الزمان المستقبل من غير انتهاء إلى حدٍّ، وقوله: {وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً} إخبارٌ بأنّهم لا يفعلون ذلك أبداً، ولا يختارونه([104]).
وقال القرطبي: {فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً} أي عاقبهم بأن لا تصحبهم أبداً، وهو كما قال في سورة الفتح: {قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا}([105]).
وقال الفيض الكاشاني: {فَإنْ رَجَعَكَ اللهُ إلَى طَائِفَة مِنْهُمْ}: فإنْ ردّك إلى المدينة، وفيها طائفةٌ من المتخلِّفين، يعني منافقيهم، ممَّنْ لم يتُبْ، ولم يكن له عذرٌ صحيحٌ في التخلُّف، {فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ} إلى غزوةٍ أخرى بعد تبوك، {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً}: إخبارٌ في معنى النهي؛ للمبالغة، {إِنَّكُمْ رَضِيْتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرًّة}: تعليلٌ له، وكان إسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبةً لهم على تخلُّفهم أوّل مرّة، وهي الخرجة إلى غزوة تبوك، {فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} أي المتخلِّفين؛ لعدم لياقتهم للجهاد، كالنساء والصبيان([106]).
وأقول: إنْ اعتبرنا قوله: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً} إخباراً عمّا سيكون في المستقبل تمَّ الاستشهاد بالآية على إعجاز القرآن.
وأمّا إذا اعتبرنا قوله: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً} إخباراً في معنى النهي، كما ذكر الفيض الكاشاني، فقد يُخدَش مثلُ ذلك الاستشهاد؛ إذ سيخرج مفاد هذه الجملة من الإخبار إلى الإنشاء، فتخرج الآية ـ تخصُّصاً ـ من الشواهد على إعجاز القرآن من جهة اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبليّة.
13ـ {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}([107]).
في تفسير القمّي: عن أبي عبد الله(ع): إنّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله(ص)، وكان سيّدهم الأهتم، والعاقب، والسيّد، وحضرت صلاتهم، فأقبلوا يضربون بالناقوس، وصلّوا، فقال أصحاب رسول الله(ص): هذا في مسجدك؟!، فقال: دَعُوهم، فلمّا فرغوا دنَوْا من رسول الله(ص)، فقالوا: إلى ما تدعو؟ فقال: إلى شهادة أنْ لا إله إلاّ الله، وأنّي رسول الله، وأنّ عيسى عبدٌ مخلوقٌ، يأكل، ويشرب، ويُحدِث، قالوا: فمَنْ أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله(ص)، فقال: قل لهم: ما تقولون في آدم(ع)؟ أكان عبداً مخلوقاً، يأكل، ويشرب، وينكح؟ فسألهم النبيّ(ص)، فقالوا: نعم، فقال: فمَنْ أبوه؟ فبُهِتوا، فبقَوْا ساكتين، فأنزل الله {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ…} الآية([108])، وأمّا قوله: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إلى قوله فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} فقال رسول الله(ص): فباهِلُوني؛ فإنْ كنتُ صادقاً أُنْزِلَتْ اللعنةُ عليكم؛ وإنْ كنتُ كاذباً نزلت عليَّ، فقالوا: أَنْصَفْتَ، فتواعدوا للمباهلة، فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم؛ السيّد؛ والعاقب؛ والأهتم: إنْ باهَلَنا بقومه باهلناه؛ فإنّه ليس بنبيٍّ؛ وإنْ باهَلَنا بأهل بيته خاصّةً فلا نباهله؛ فإنَّه لا يقدم على أهل بيته إلاّ وهو صادقٌ، فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله(ص)، ومعه أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين(صلوات الله عليهم)، فقال النصارى: مَنْ هؤلاء؟ فقيل لهم: هذا ابن عمّه، ووصيّه، وختنه، عليّ بن أبي طالب، وهذه بنته فاطمة، وهذان ابناه، الحسن والحسين(ع)، فعرفوا، وقالوا لرسول الله(ص): نعطيك الرضا، فاعْفِنا من المباهلة، فصالحهم رسول الله(ص) على الجِزْية، وانصرفوا([109]).
وقال الطوسي: الذين دعاهم النبيّ(ص) في المباهلة نصارى نجران، ولمّا نزلت الآية أخذ النبيّ(ص) بيد عليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين(ع)، ثمّ دعا النصارى إلى المباهلة، فأحجَموا عنها، وأقرّوا بالذِّلّة والجِزْية، ويُقال: إنّ بعضهم قال لبعضٍ: إنْ باهلتموه اضطرم الوادي ناراً عليكم، ولم يبقَ نصرانيٌّ ولا نصرانيّة إلى يوم القيامة، ورُوي أنّ النبيّ(ص) قال لأصحابه مثل ذلك، ولا خلاف بين أهل العلم أنَّهم لم يُجيبوا إلى المباهلة([110]).
وقال الطبرسي: وفي هذه الآية دلالةٌ على أنَّهم علموا أنّ الحقَّ مع النبيّ؛ لأنّهم امتنعوا عن المباهلة، وأقرّوا بالذُّلّ والخزي؛ لقبول الجِزْية، فلو لم يعلموا ذلك لباهلوه، فكان يظهر ما زعموا من بطلان قوله في الحال، ولو لم يكن النبيّ(ص) متيقِّناً بنزول العقوبة بعدوِّه دونه لما أدخل أولاده، وخواصَّ أهله، في ذلك، مع شدَّة إشفاقه عليهم([111]).
وقال الطباطبائي: وقوله: {فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللهِ} كالبيان للابتهال، وقد قيل: فنجعل، ولم يقُلْ: فنسأل، إشارة إلى كونها دعوةً غير مردودة، حيث يمتاز بها الحقُّ من الباطل، على طريق التوقُّف والابتناء([112]).
وأقول: الملاحظ في هذه الآية أنَّها علَّقَتْ اللعنة على الابتهال، بحيث تحصل بحصوله، وتنتفي بانتفائه.
وقد عرفنا، من خلال الروايات المبيِّنة لقصّة وفد نصارى نجران، أنّ الوفد طلب من رسول الله(ص) إعفاءَهم من المباهلة، ففعل، وبالتالي لم تحدث اللعنة؛ لانتفاء المباهلة، وهي أمرٌ اختياريٌّ.
ولو باهلوا النبيّ(ص) لحلَّتْ اللعنةُ عليهم، كما وعدت الآية، وهذه هي عقيدتنا.
ولكنْ هل يظهر إعجاز القرآن من خلال هذه الآية؟!
لا، فقد أخبر القرآن عن حصول اللعنة عند حصول المباهلة، ولكنْ لم تحصل المباهلة، فلم تحصل اللعنة.
وليس في ذلك ما يدلُّ على إعجاز القرآن من جهة اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبليّة؛ إذ لم تحصل اللعنة، لتكون شاهداً على صحّة نبوءة القرآن.
كما أنّه ليس فيه ما يدلّ ـ والعياذ بالله ـ على كذب القرآن؛ إذ لم تحصل اللعنة؛ لعدم حصول المباهلة، لا أنّها لم تحصل مع حصول المباهلة.
وبعبارة أخرى: إذا لم يحصل الابتهال، اختياراً، فكيف نستفيد الإعجاز من جهة الإخبار عن المغيّبات المستقبليّة؟!
نعم، لو حصل الابتهال فحصلت اللعنة، والقرآنُ قد أخبر عن ذلك، لقلنا بأنّ هذا من الإخبار عن المغيَّبات المستقبليّة.
وأمّا أن يكون ترك الابتهال، الذي هو أمرٌ اختياريٌّ، ولو لعلم التاركين بأنّ الارتباط صحيحٌ بينه وبين اللعنة، موجِباً للقطع بصحّة العلاقة بينه وبين اللعنة، وبالتالي موجِباً للقول بإعجاز القرآن من جهة اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبليّة، فهذا أمرٌ لا نستسيغُه.
الخلاصة
ما يلحظه المتأمِّل في هذه الآيات، التي ذكروها كأمثلة لإعجاز القرآن من حيث اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبَلِيّة، أنّها تنقسم إلى تسعة أقسامٍ، وهي:
1ـ ما كان إخباراً عن أمورٍ قد حَصَلَت وانقَضَت، بيد أنّ الله عزَّ وجلَّ يُخبِر أنَّه كان قد أطلَعَ نبيَّه عليها قبل وقوعها، وقد أخبَر بها أصحابَه، ولكنَّ الآيات التي أشارت إليها قد نزلت بعد حدوثها ووقوعها، كما في الآية 1.
2ـ ما كان إخباراً عن حوادث مستقبَليّة، وقد تحقّقَتْ بالفِعْل، وكانت من الشواهد على أنّ القرآن من عند الله، وأنّ النبيَّ الأكرم(ص) صادقٌ في دعوته، كما في القسم الأوّل من الآية 2، والآيات 3، 4، 5.
3ـ ما كان إخباراً عن أمرٍ ما، وقد تردَّد؛ نتيجة الاختلاف في روايات أسباب النزول، بين كونه إخباراً عن أمرٍ قد حصل وانقضى، وكونه إخباراً عن حادثٍ مستقبَليّ، وقد تحقَّق بالفِعْل، وكان من الشواهد على أنّ القرآن من عند الله، كالآية 6.
4ـ ما كان إخباراً عن أمورٍ لم تتحقَّق حتّى الآن، وقد أَخْبَر القرآنُ بأنّها لن تحصل أبداً، إلى يوم القيامة، غير أنّنا لو نظرنا إلى الزمن كمراحل وقطعٍ متّصلة لأمكننا القول بأنّ عدمَ تحقُّق هذه الأمور في تلك الأزمنة، الموافِق لما أخبر القرآن به، سيكون شاهداً على إعجاز القرآن الكريم، بلحاظ تلك الأزمنة، دون زماننا هذا، كما في القسم الثاني من الآية 2، والآيتَيْن 7، 8.
5ـ ما كان إخباراً عن أمورٍ قد وَعَد اللهُ عزَّ وجلَّ بحصولها في هذه الدنيا، قبل يوم القيامة، غير أنّه لم يتحقَّق منها شيءٌ إلى يومنا هذا، فلم يظهر إعجازُه، لا في الأزمنة الماضية، ولا في الأزمنة الحاضرة، إلاّ أنّه سيظهر قبل يوم القيامة، كما في الآية 9.
6ـ ما كان إخباراً عن أمرٍ ما، وقد تردَّد؛ نتيجة الاختلاف في إطلاق الآية وعدمه، وفي تأثير أسباب النزول على معنى الآية، بين كونه إخباراً عن أمرٍ مستقبَليّ، وقد تحقَّق بالفِعْل، وكان من الشواهد على أنّ القرآن من عند الله، وكونه إخباراً عن أمرٍ قد وعد الله بتحقُّقه إلى يوم القيامة، وقد تحقَّق في ما مضى من الأزمنة والعصور، غير أنّ الإخبار عنه لا يكون شاهداً على الإعجاز القرآنيّ إلاّ إذا قامت الساعة وهو لا يزال متحقِّقاً، كما في الآية 10.
7ـ ما كان إخباراً عن أمرٍ ما، وقد تردَّد؛ نتيجة الاختلاف في إطلاق الآية وعدمه، وفي معنى بعض الكلمات، بين كونه إخباراً عن أمرٍ مستقبَليّ، وقد تحقَّق بالفِعْل، وكان من الشواهد على أنّ القرآن من عند الله، وكونه إخباراً عن أمرٍ قد وَعَد الله عزَّ وجلَّ بحصوله في هذه الدنيا، قبل يوم القيامة، غير أنّه لم يتحقَّق منه شيءٌ إلى يومنا هذا، فلم يظهر إعجازُه إلى اليوم، إلاّ أنّه سيظهر قبل يوم القيامة، كما في الآية 11.
8ـ ما كان في صورة إخبار، غير أنّه مردَّدٌ؛ بسبب الاختلاف في تفسيره، بين كونه إخباراً حقيقيّاً، وكونه إنشاءً واقعاً، كما في الآية 12.
فإنْ قلنا بأنّه إخبارٌ كان هذا القسم تابعاً للقسم الثاني.
وإنْ قلنا بأنّه إنشاءٌ، لا إخبارٌ، خرج هذا القسم عن محلِّ البحث تخصُّصاً؛ إذ البحث في إعجاز القرآن من جهة اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبليّة، ولا علاقة له بما كان في القرآن من الإنشاء (النهي).
9ـ ما كان إخباراً عن حصول أمرٍ معلَّقٍ على حصول أمرٍ آخر، وهذا الأمر الآخر اختياريٌّ، كما في الآية 13.
ولا نرى في هذا القسم شهادةً على إعجاز القرآن من حيث اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبَليّة.
النتيجة
الإنصاف أنّ الأقسام 1، 5، 9، لا علاقة لها ببحث إعجاز القرآن من جهة اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبَليّة:
فإنَّ الآية في القسم الأوّل تُخبِر عن حوادث قد وقعت، وإنْ كان رسول الله(ص) قد أخبَر بها قبل وقوعها بما أطلَعَه الله عليه من علم الغَيْب، ولكنَّه لم يطَّلِع عليها بوحيٍ قرآنيٍّ، بل اطَّلَع عليها بوحيٍ غير قرآنيٍّ، فلا تكون الآية من مصاديق الآيات التي تتضمَّن إخباراً بحوادث ووقائع ستقع في المستقبل، وبالتالي فهي خارجة عن موضوع بحث إعجاز القرآن من حيث اشتمالُه على الإخبار بالمغيَّبات المستقبَليّة، فلا ينبغي ذكرُها هاهنا.
والآيةُ في القسم الخامس تُخبر عن أمورٍ لم يتحقَّق منها شيءٌ إلى يومنا هذا، فلم يظهر إعجازُه حتّى هذه الساعة، ولعلّ قائلاً يقول: إنّ ما أخبَر الله به لن يتحقَّق؛ بمعنى أنّ ما أخبَر أنّه لن يحصل أبداً قد يحصل في مستقبَل الأيّام؛ وما أخبَر أنّه حاصِلٌ قبل يوم القيامة لا محالة قد لا يحصل، وبالتالي فكيف تكون هذه الأخبار شاهداً على أنّ هذا القرآن من عند الله؟!
والآية في القسم التاسع لا شهادة لها على إعجاز القرآن من حيث اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبَليّة.
ومن هنا نرى أنّ الأجدر بالباحثين، حين التعرُّض لموضوع إعجاز القرآن من حيث اشتماله على الأخبار الغيبيّة المستقبَليّة، أن يذكروا الآيات التي أَخْبَر اللهُ بها عن حوادث ستقع، وقد وقعت فِعْلاً بعد نزول تلك الآيات، وتكون تلك الآيات شاهداً لا غبار عليه على إعجاز القرآن، وأنّه من عند علاّم الغيوب.
نعم، كلَّما تحقَّق حَدَثٌ ما، ممّا أخبَر القرآن بوقوعه، أدخَلْنا الآية التي تخبر به في الآيات الدالّة على إعجاز القرآن.
**********
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) راجع: محمد هادي معرفة، التمهيد في علوم القرآن 4: 28، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، ط2، 1416هـ.
وراجع: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 2: 230 ـ 238 (النوع الرابع والستّون في إعجاز القرآن)، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1424هـ ـ 2003م.
([2]) ابن فارس، المقاييس في اللغة: 738 ـ 739، دار الفكر، بيروت، ط3، 1424هـ ـ 2003م.
([3]) الراغب الإصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن: 547، دار القلم، دمشق؛ والدار الشاميّة، بيروت، ط1، 1416هـ ـ 1996م.
([4]) ابن منظور، لسان العرب 10: 43، دار صادر، بيروت، ط1، 2000م.
([5]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 1: 69 ـ 71، مؤسّسة التاريخ العربي، بيروت، 1405هـ.
([6]) العلاّمة الحلّي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 218، انتشارات شكوري، إيران، ط4، نقلاً عن المحقِّق نصير الدين الطوسي في «تجريد الاعتقاد».
([7]) عليّ بن محمد القوشجي، شرح التجريد: 465.
([8]) الطريحي، مجمع البحرين 3: 126، مكتب نشر الثقافة الإسلاميّة، ط2، 1408هـ.
([9]) محمد جواد البلاغي، آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1: 29، مؤسّسة البعثة، قم، ط1، 1420هـ.
([10]) محمد بن عبد الرحيم النهاوندي، نفحات الرحمن في تفسير القرآن وتبيين الفرقان 1: 3، مطبعة علمي، طهران.
([11]) الطباطبائي، الميزان في تفسيرالقرآن 1: 73، مؤسّسة النشر الإسلاميّ.
([12]) أبو القاسم الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 33، دار الزهراء، بيروت، ط4، 1395هـ.
([13]) ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المُنْزَل 1: 121، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب(ع)، قم، ط1، 1421هـ ـ 1379هـ.ش.
([14]) معرفة، التمهيد في علوم القرآن 4: 16.
([15]) محمد علي رضائي إصفهاني: پژوهشي در إعجاز علمي قرآن 1: 61، انتشارات كتاب مبين، رشت، ط3، 1381هـ.ش.
([16]) رضائي إصفهاني، پژوهشي در إعجاز علمي قرآن 1: 64.
([17]) الراغب الإصفهاني، جامع التفاسير 1: 102، دار الدعوة، الكويت.
([18]) رضائي إصفهاني، پژوهشي در إعجاز علمي قرآن 1: 67.
([22]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 60.
([23]) ابن فارس، المقاييس في اللغة: 808.
([26]) محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار (محاضرات الشيخ محمد عبده) 1: 171 ـ 175، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1420هـ ـ 1999م (بتصرُّف وجمْعٍ).
([27]) الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 2: 482، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1424هـ ـ 2003م.
([28]) رضائي إصفهاني، محاضرة بتاريخ: الأربعاء 14 كانون الأوّل 2005م ـ 12 ذو القعدة 1426هـ ـ 23 آذار 1384هـ.ش، في كلّيّة أصول الدين في قم المقدّسة (بتصرّف).
([29]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 1: 74.
([30]) الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 67 ـ 68.
([31]) الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 2: 481 ـ 482.
([32]) الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 2: 481 (بتصرّف).
وقد عدّها من الآيات المتضمّنة للأخبار الغيبية المستقبليّة، والدالّة على صحّة النبوّة، كلٌّ من:
ـ الباقلاني، إعجاز القرآن: 48، دار المعارف، مصر، ط3.
ـ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 1: 74 ـ 75.
([35]) الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن 9: 247 ـ 248، دار الفكر، بيروت، 1415هـ.
([36]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 5: 80، مكتب الإعلام الإسلاميّ، ط1، 1409هـ؛ الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 4: 430، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1415هـ.
([37]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 5: 80.
([38]) الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 4: 430.
([39]) الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 68.
([40]) ابن هشام الأنصاري، السيرة النبويّة 4: 587، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1422هـ ـ 2001م، نقلاً عن محمد بن إسحاق، السيرة [النبويّة].
وقد عدّها من الآيات المتضمّنة للأخبار الغيبيّة المستقبليّة، والدالّة على صحّة النبوّة، كلٌّ من:
ـ الباقلاني، إعجاز القرآن: 48.
ـ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 1: 75.
ـ الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 95 ـ 96، دار إحياء الكتب العربيّة، القاهرة، ط1، 1376هـ.
ـ محمد جواد البلاغي، آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1: 46.
ـ محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار (محاضرات الشيخ محمد عبده) 1: 170 ـ 171.
ـ الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 69.
([43]) الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 8: 43.
([44]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 1: 74.
([45]) الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 8: 43.
([46]) الواحدي، أسباب نزول الآيات: 232، مؤسّسة الحلبيّ وشركاه، القاهرة، 1388هـ.
([47]) تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 2: 152.
([48]) الواحدي، أسباب نزول الآيات: 232.
([49]) الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 2: 267 ـ 268، طبعة دار الفكر.
وقد عدّها من الآيات المتضمِّنة للأخبار الغيبيّة المستقبليّة، والدالّة على صحّة النبوّة، كلٌّ من:
ـ الباقلاني، إعجاز القرآن: 48.
ـ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 9: 334.
ـ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 9: 210.
ـ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 1: 74 ـ 75.
ـ الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 95 ـ 96.
ـ محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار (محاضرات الشيخ محمد عبده) 1: 170 ـ 171.
ـ الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 18: 286.
([51]) تفسير مجاهد بن جبر 2: 603، مجمع البحوث الإسلاميّة،إسلام آباد؛ الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن 26: 138؛ ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم 4: 195، دار القلم العربيّ، سوريا (حلب)، 1425هـ ـ 2004م؛ السيوطي، أسباب النزول المسمّى لباب النقول في أسباب النزول: 237 (بتصرّف).
([52]) الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 2: 486 ـ 487.
وقد عدّها من الآيات المتضمِّنة للأخبار الغيبيّة المستقبليّة، والدالّة على صحّة النبوّة، كلٌّ من:
ـ الباقلاني، إعجاز القرآن: 48.
ـ ابن الجوزي، إعجاز القرآن: 48.
ـ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 17: 146.
ـ الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 95 ـ 96.
([54]) السيوطي، أسباب النزول المسمّى لباب النقول في أسباب النزول: 249.
([55]) تفسير عليّ بن إبراهيم القُمّي 2: 342.
([56]) الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 2: 487.
([57]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 17: 146.
([58]) ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم 4: 286.
([59]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 9: 459.
([60]) الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 9: 323.
([61]) الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 2: 487.
([62]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 19: 84.
([63]) الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 69 ـ 70.
وقد عدّها من الآيات المتضمّنة للأخبار الغيبيّة المستقبليّة، والدالّة على صحّة النبوة محمد جواد البلاغي في آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1: 46.
([65]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 6: 356.
([65]) الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 133:6.
([66]) الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 7: 46، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1408هـ ـ 1988م: في رواية عن ابن عبّاس؛ السيوطي، أسباب النزول المسمّى لباب النقول في أسباب النزول: 155؛ عليّ بن برهان الدين الحلبي، إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون(عليه الصلاة والسلام)، المعروف بـ «السيرة الحلبيّة» 1: 510.
([67]) الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 7: 46 ـ 47.
([68]) تفسير محمد بن مسعود العيّاشي 2: 252.
([69]) أحمد بن عليّ الطبرسي، الاحتجاج 1: 321 ـ 322، دار النعمان.
([70]) الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 68 ـ 69.
وقد عدّها من الآيات المتضمّنة للأخبار الغيبيّة المستقبليّة، والدالّة على صحّة النبوّة، كلٌّ من:
ـ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 1: 75.
ـ الثعالبي، الجواهِر الحسان في تفسير القرآن 1: 197.
([72]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 1: 106.
([73]) محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار (محاضرات الشيخ محمد عبده) 1: 163.
([74]) الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 2: 484.
([75]) لابتداء الخطاب بقوله تعالى: {يَا أيُّها النّاسُ اعْبٌدٌوا رَبّكُمْ الّذي خَلَقَكُمْ وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكم تَتّقونَ * الّذي جَعَلَ لَكُمْ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وأنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أندَاداً وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ وإنْ كُنْتُمْ فِي ريْبٍ مِمّا نَزّلْنا عَلَى عَبْدِنا فَأتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُم صَادِقِينَ * فَإنْ لَمْ تَفْعَلوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}.
وقد عدّها من الآيات المتضمّنة للأخبار الغيبيّة المستقبليّة، والدالّة على صحّة النبوّة كاظم الحائري في أصول الدين: 213، دار التفسير، قم، ط1، 1424هـ ـ 1382هـ.ش.
([77]) تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 1: 382.
([78]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 6: 363؛ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 6: 142.
([79]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 6: 363.
([80]) ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير 4: 315.
([81]) السيوطي، تفسير الجلالين: 346، دار المعرفة، بيروت.
([82]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 12: 212.
([83]) الحائري، أصول الدين: 213.
([84]) محمد متولّي الشعراوي، معجزة القرآن: 36 ـ 37، المختار الإسلاميّ، القاهرة، ط1، 1398هـ.
وقد عدّها من الآيات المتضمّنة للأخبار الغيبيّة المستقبليّة، والدالّة على صحّة النبوّة، كلٌّ من:
ـ الباقلاني، إعجاز القرآن: 49.
ـ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 1: 75.
ـ البلاغي، آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1: 46.
ـ الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 69.
([87]) تفسير محمد بن مسعود العيّاشي 2: 87.
([88]) تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 1: 289.
([89]) تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 1: 289، 2: 317.
([90]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 5: 209.
([91]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 1: 74 ـ 75.
وقد عدّها من الآيات المتضمّنة للأخبار الغيبيّة المستقبليّة، والدالّة على صحّة النبوّة محمد رشيد رضا في تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار (محاضرات الشيخ محمد عبده) 1: 170 ـ 171.
([93]) السيوطي، أسباب النزول المسمّى لباب النقول في أسباب النزول: 105 ـ 106.
([94]) الشوكاني، فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم التفسير 2: 61، عالم الكتب.
([95]) تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ 1: 171 ـ 174 ـ 175.
([96]) الجصّاص، أحكام القرآن 2: 562.
([97]) الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 383.
([98]) الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 2: 483 ـ 484.
وقد عدّها من الآيات المتضمّنة للأخبار الغيبيّة المستقبليّة، والدالّة على صحّة النبوّة، كلٌّ من:
ـ الباقلاني، إعجاز القرآن: 49.
ـ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 1: 74 ـ 75.
ـ الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 95.
ـ محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار (محاضرات الشيخ محمد عبده) 1: 170 ـ 171، حيث قال: «وكان الأستاذ الإمام يقول: إنّ الله تعالى لمّا يُنجز لنا وعدَه هذا كلَّه، بل بعضه، ولا بدّ من إتمامه بسيادة الإسلام في العالم كلِّه حتّى أوربة [أوروبا] المعادية له».
([100]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 7: 454 ـ 455.
([101]) السيوطي، أسباب النزول المسمّى لباب النقول في أسباب النزول: 188.
([102]) الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 2: 486.
وقد عدّها من الآيات المتضمّنة للأخبار الغيبيّة المستقبليّة، والدالّة على صحّة النبوّة الباقلاني في إعجاز القرآن: 49.
([104]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 5: 271.
([105]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 8: 217.
([106]) الفيض الكاشاني، تفسير الصافي 2: 363.
وقد عدّها من الآيات المتضمّنة للأخبار الغيبيّة المستقبليّة، والدالّة على صحّة النبوّة الباقلاني في إعجاز القرآن: 49.
([109]) تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 1: 104.
([110]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 2: 484.