هل للثياب دورٌ في الفساد الاجتماعيّ؟
(بتاريخ: 15 ـ 12 ـ 2012م)
يحرم على المرأة أن ترتدي من الثياب ما يكشف شيئاً من جسدها، أو يبرز مفاتنها، أو يلفت أنظار الرجال إليها. إنّها كلماتٌ يردِّدها علماء الدين على مسامعنا كثيراً، فما هي الحكمة من ذلك الحكم؟ أو فقُلْ: هل صحيحٌ أنّ الثياب التي ترتديها المرأة قد تؤدّي إلى فسادٍ اجتماعيّ، وانحلالٍ خُلُقيّ؟
من الواضح جدّاً أنّ للباس دوراً كبيراً في لفت النظر، ولذا تعتني الفتيات والسيّدات باختيار ملابسهنّ، حيث يعرفْنَ ما لذلك من تأثير في الطرف المقابل، سواءٌ كان رجلاً أو امرأة، فتكون الفتاة أو السيّدة ذات الثياب الجميلة محطّ إعجاب. وكذلك يفعل الرجال، وإنْ باهتمامٍ أقلّ من اهتمام النساء.
وكذلك هي حال الثياب التي تكشف شيئاً من الجسم، فإنّها تكون سبباً مباشراً في لفت نظر الجنس الآخر إلى ما يحبّونه ويعجبهم فيه، فتثور كوامنُ الغرائز، وتشتهي ما لا يحقّ لها تناوله، ويُستَرَق البصرُ إلى شيءٍ من ذلك؛ فتكون الخيانة، دون شبعٍ أو ارتواء.
وميلُ الرجل إلى جسد المرأة ورغبته فيه، وكذا ميلُها إلى جسد الرجل ورغبتها فيه، أمرٌ ضروريّ وفطريّ ـ بل إنّ عدمه يُعتبر مرضاً وعيباً ونقصاً ـ، وينبغي إشباعه، ولكنْ بالطريقة المشروعة، ألا وهي الزواج، وليس من خلال علاقاتٍ عاطفيّة عابرة ودنيئة، فيها من الأنانيّة الكثير الكثير، حيث يقضي الرجل شهوته، ثم يَدَعُ الفتاة أو السيّدة تكابد من جرّاء فعلته الشنيعة.
وقد كان أستاذنا السيّد محمد حسين فضل الله رحمه الله يقول: إنّ المرأة والرجل كالبنزين والنار، لا يمكن أن تجعلهما يقتربان من بعضهما كثيراً، وإلاّ ستكون الكارثة (الحريق).
أعود فأقول: إنّ انجذاب الرجل إلى الفتاة وانجذاب الفتاة إلى الرجل، بل أقول: إنّ انجذاب كلّ طرفٍ إلى جسد الطرف الآخر، هو انجذابٌ فطريّ ضروريّ ومشروع، بل هو أمرٌ غير إراديّ، كما ينجذب الجائع إلى الطعام من خلال ما يشمّه من رائحته الشهيّة، غير أنّه ينبغي لهذا الانجذاب وما يستتبعه من علاقة حميمة أن يقنَّن وينظَّم من خلال مؤسَّسة الزواج، لا من خلال الفوضى القاتلة والمدمِّرة.
إنّ حاجة الرجل إلى المرأة، والعكس قائمٌ أيضاً، من قبيل حاجتهما إلى الطعام والشراب، ولكنْ هل يرضى الشخص لنفسه أن يكون دنيء النفس، فيتناول كلّ ما يجده أمامه، ولو كان فيه هلاكه وضرره.
على الرجل والمرأة أن يسعيا في هذا المجال لإشباع حاجتهما من خلال التأسيس لحياة زوجيّة (حياة المودّة والرحمة والسكينة والاطمئنان)، وهكذا يعيشان في رغدٍ وهناء، وفي ظلّ رضا الله عزّ وجلّ، وبعيداً عن أيّ خطرٍ أو ضرر أو أذى.
وما أجمل هذا الدرس من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، حيث جاء في الخبر أنّه عليه السلام كان جالساً في أصحابه فمرّت بهم امرأةٌ جميلة، فرمقها القوم بأبصارهم، فقال عليه السلام: إنّ أبصار هذه الفحول طوامح، وإنّ ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأةٍ تعجبه فليلامِسْ أهلَه، فإنّما هي امرأةٌ كامرأة، فقال رجلٌ من الخوارج: قاتله الله كافراً ما أفقهه! فوثب القوم ليقتلوه، فقال عليه السلام: رويداً، إنما هو سبٌّ بسبّ، أو عفوٌ عن ذنب.
ما أعظمك يا مولاي يا عليّ! لم يعنِّفْ، لم يوبِّخْ، بل أرشد وعلَّم، فهدى الله به أقوماً ضلّوا، وصدق الله حيث يقول لرسوله: (إنّما أنتَ منذرٌ ولكلِّ قومٍ هاد).
شكراً جزيلاً شيخنا العزيز على هذا المقال، وفقكم الله وسدد خطاكم.