24 أبريل 2014
التصنيف : برامج تلفزيونية (إعداد وتقديم)
لا تعليقات
3٬867 مشاهدة

الجهاد في سبيل الله، أنواعه وثوابه

014-دعاية-برنامج-آيات5.jpg

(بتاريخ: 18 ـ 4 ـ 2014م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69) (صدق الله العليّ العظيم).

كثيرةٌ هي الآيات القرآنيّة الكريمة التي تناولت موضوع «الجهاد»، وتعرَّضَتْ لثواب المجاهدين في سبيل الله.

ومن القرآن الكريم، وهو المصدرُ الأوّل والأساس للتشريع، نحاول أن نستخلص جملةً من الأحكام والمفاهيم والمبادئ، جواباً عن تساؤلاتٍ عِدّة تخطر في البال: ما هو الجهاد في سبيل الله؟ وهل له أقسامٌ وأنواع؟ وما هي النيّة المطلوبة فيه؟ وهل كلُّ الناس مكلَّفون بالجهاد؟ وما الذي يحصل لو ترَكْنا الجهاد في سبيل الله؟. وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات نستمع وإيّاكم، مشاهدينا الكرام، إلى هذا التقرير حول الحالات التي يكون فيها الجهاد في سبيل الله، فلنتابِعْه.

1ـ في أيِّ الحالات يكون الجهاد في سبيل الله؟

مشاهدينا الكرام، وكما جاء في هذا التقرير، ينقسم الجهاد إلى قسمَيْن:

1ـ جهاد العدوّ، سواءٌ كان ظالماً باغياً أم غاصِباً محتلاًّ.

2ـ جهاد النفس الأمّارة بالسوء. وهذا هو الجهاد الأكبر، كما جاء عن النبيّ(ص)أنّه بعث بسريّةٍ، فلما رجعوا قال: «مرحباً بقوم قضَوْا الجهاد الأصغر، وبقي الجهاد الأكبر»، قيل: يا رسول الله، وما الجهادُ الأكبر؟ قال: «جهادُ النفس»([1]).

ولعلّنا نستطيع استخلاص هذا التقسيم ممّا جاء في قوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ المُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (الحجّ: 78). فالجهادُ الحقّ والأصعب هو في التزام تعاليم الأنبياء والرسل، واتِّباع شريعة السماء، بكلِّ ما فيها.

وجهادُ النفس، أيّها الأحبّة، هو بذلُ كامل الجهد والطاقة في مواجهة وسوسة الشيطان الرجيم، إبليس وأعوانه من الجنِّ والإنس، الذين يزيِّنون الشهوات المحرَّمة، من النساء والأموال والمناصب. وليست كلُّ علاقة بامرأةٍ هي علاقةٌ حرام، وليس كلُّ مالٍ محرَّماً، وليس كلُّ منصبٍ أو موقع اجتماعيّ أو سياسيّ أو اقتصاديّ أو عسكريّ محظوراً على المؤمن، ولكنَّ كلَّ ذلك يجب أن يخضع للضوابط والمعايير والحدود التي وضعها الله سبحانه وتعالى.

فشهوةُ الرجال إلى النساء لها ساحةٌ مخصوصة، لا يجوز أن تتواجَد في غيرها، وهي التي حدَّدها الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ العَادُونَ﴾ (المؤمنون: 5 ـ 7؛ المعارج: 29 ـ 31).

وشهوةُ الإنسان إلى المال لها إطارٌ لا يجوز أن تتخطّاه، ويتمثَّل بالموارد الحلال، كالعمل في التجارة الحلال، والزراعة الحلال، والصناعة الحلال. ولا يحِلُّ مالٌ محصَّلٌ من عملٍ حرام، كالربا والقمار وبيع الخمر و…

وشهوةُ الإنسان إلى المنصب والجاه يمثِّل طموحاً ذاتيّاً مشروعاً، ولكنْ أيُّ منصبٍ هو هذا الذي يشتهيه المؤمن؟ إنَّه المنصب الذي يستطيع من خلاله إحقاقَ حقٍّ، وإزهاقَ باطلٍ، وخدمةَ الناس ومساعدتهم. وهذه هي سيرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)، حيث دخل عليه عبد الله بن العبّاس وهو يخصف نَعْلَه، فقال له: ما قيمة هذا النَّعْل؟ فقال: لا قيمة لها، فقال(ع): «واللهِ، لهي أحبُّ إليَّ من إِمْرَتِكم، إلاّ أنْ أُقيم حقّاً أو أدفع باطلاً»([2]).

وفي دعاءٍ له(ع): «اللهمّ إنَّك تعلم أنّه لم يكُنْ الذي كان منّا منافسةً في سلطان، ولا التماسَ شيءٍ من فضول الحُطام، ولكنْ لنرُدَّ المعالمَ من دينك، ونظهرَ الإصلاح في بلادك، فيأمَنَ المظلومون من عبادك، وتُقامَ المعطَّلةُ من حدودك»([3]).

إذاً الممنوع هو كلُّ منصبٍ وموقع يكون الهدف منه الاستعلاء والاستكبار على الناس، وأمّا إذا كان عازماً على مساندة الحقّ وأهله، ومواجهة الباطل وأهله، ومساعدة المستضعفين، فليستهدِفْ أيَّ منصبٍ يشاء.

ومن جهاد النفس مدافعةُ الذنوب كافّةً، صغيرِها وكبيرها، التي تعترض طريق المرء خلال حياته. فيبتعد عن الغِيبة، والنميمة، والبُهْتان، والفتنة بين الناس، وظُلمهم، والتجسُّس لصالح عدوّ الأمّة والوطن.

ومن جهاد النفس أيضاً التصدّي لما يتوهَّمُه العقلُ القاصر من شبهاتٍ مختلفة، سواءٌ في العقيدة أم الشريعة؛ كالذي يطرحه بعض الجَهَلة من فَصْل الدين عن الدولة، فلله المسجِدُ، وللناس ومَنْ يتزعَّمهم ما سوى ذلك. تلك قسمةٌ جائرةٌ لا يجوز لمَنْ يؤمن بالله واليوم الآخر أنْ يرضى بها. فلله المشرقُ والمغرب، ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعد، وكلُّ الناس عبادٌ لله، ومَنْ لا يرضى بذلك فليخرج من مُلْكه؛ أو كالذي يصدر من بعض الناس: أنا مؤمنةٌ ولكنِّي لم أقتنع بالحجاب؛ أنا مؤمنٌ ولكنِّي لم أقتنع بفريضة الخُمْس. أيُّ إيمانٍ هذا؟! ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (البقرة: 85).

وأمّا جهاد العدوّ فإنَّه ينقسم بدوره إلى نوعين: 1ـ جهاد بالنَّفْس؛ و2ـ جهاد بالمال.

يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ﴾ (الحجرات: 14 ـ 15).

وفي آيةٍ أخرى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ المُؤْمِنِينَ﴾ (الصفّ: 10 ـ 13).

والذي يلفت النظر هاهنا اعتبارُ الجهاد في سبيل الله بالمال والنَّفْس علامةً على الإيمان، ومَنْ لا يؤدّي هذا التكليف والواجب فهو ناقصُ الإيمان، ولا يصحّ له أن يقول: أنا مؤمنٌ.

وهذا ما تؤكِّده آيةٌ أخرى: ﴿انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الكَاذِبِينَ * لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِينَ﴾ (التوبة: 41 ـ 44).

هذا، وقد اعتبَرَتْ بعض الآيات أنّ تاركَ الجهاد؛ حِرْصاً منه على الدنيا وما فيها، فاسقٌ، أي عاصٍ، ويحتاج إلى توبةٍ نصوح: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ﴾ (التوبة: 24).

فلماذا هذا التركيز على فريضة الجهاد في سبيل الله؟ يبيِّن لنا ذلك أعلمُ هذه الأمّة بعد رسول الله(ص)، ألا وهو إمامُ المتَّقين عليٌّ(ع)، فيقول في خطبته المعروفة بـ «خطبة الجهاد»: «أمّا بعد، فإنّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة، فتحه الله لخاصّة أوليائه، وهو لباسُ التقوى، ودِرْعُ الله الحصينة، وجُنَّتُه [سترته] الوثيقة. فمَنْ تركه؛ رغبةً عنه، ألبسه الله ثوبَ الذُلّ، وشَمْلَة [كساء وغطاء] البلاء، ودُيِّث بالصَّغار [المهانة] والقَماءة [الذلّ]، وضُرب على قلبه بالأسداد، وأُديل الحقُّ منه [نُزع الحقُّ منه]؛ بتضييع الجهاد، وسيم الخَسْف [أُذيق الذُّلَّ والهَوان]، ومُنع النِّصْف [أي الإنصاف]»([4]).

ومن الجهاد ما هو مواجهةٌ بالسلاح، والتحامٌ جسديّ مباشِر مع العدوّ؛ ومنه ما هو مقارعةٌ وجهادٌ بالموقف، و«الموقف سلاحٌ»، وأيُّ سلاحٍ؟!

إذا أحسنَّا إدارةَ الصراع بين الحقّ والباطل، واستخدَمْنا الموقف في اللحظة المناسبة والملائمة، فإنّ تأثيرَ الموقف قد يفوق بأضعافٍ مضاعفة تأثير السلاح المادّي في حركة الصراع والمواجهة. وبهذا ندرك المعنى الصحيح لما رُوي عن النبيّ(ص) أنّه قال: «أفضلُ الجهاد كلمةُ عدلٍ عند إمامٍ جائر»([5]).

ولكي يكون القتال في سبيل الله لا بُدّ أن يكون في معرض الدفاع عن النَّفْس والعِرْض والأرض والمال، ودَفْعاً للأذى من كلِّ ظالمٍ باغٍ، وإعلاءً لكلمة الله وإيصالها إلى كلِّ أرجاء المعمورة؛ لتتمّ الحُجّة على الناس كافّةً.

وأمّا أنْ يتحوَّل القتال واستخدام السلاح إلى استعراضٍ للعَضَلات أمام الناس، وأنْ يبتغي منه صاحبُه تحصيلَ بعضٍ من حطام هذه الدنيا، أو انتقاماً وثأراً شخصيّاً أو عائليّاً أو حزبيّاً، فهذا عدوانٌ وجُرْمٌ وإرهابٌ، وليس مرضيّاً لله سبحانه وتعالى بأيِّ وَجْهٍ من الوجوه، وتحت أيِّ عُذْرٍ من الأعذار.

إذاً هو الجهاد في سبيل الله طريقُ المؤمن لنَيْل رضاه، فما هو ثواب المجاهد؟ نتعرَّف إلى ذلك، ولكنْ بعد أننستمع وإيّاكم، مشاهدينا الكرام، إلى هذا التقرير، فلنتابِعْه.

2ـ ما هو ثواب المجاهد في سبيل الله؟

مشاهدينا الكرام، وكما جاء في هذا التقرير، فإنّ الجنّة هي مآلُ المجاهدين في سبيل الله، يدخلونها بما صبروا على الأذى من قِبَل العدوّ، وحَرِّ السيوف والأسنّة والرماح، وأَلَمِ الجِراح، ومشقّة الإعاقة، وصولاً إلى القتل والشهادة.

وهذا وعدٌ من الله سبحانه وتعالى، ضمَّنَه كتابَه المجيد، فقال جلَّ جلالُه: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ (آل عمران: 142).

وقال عزَّ من قائلٍ: ﴿لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ المُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ (التوبة: 88 ـ 89).

وقال تقدَّسَتْ أسماؤه: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الفَائِزُونَ﴾ (التوبة: 19 ـ 20).

وقال عزَّ وجلَّ: ﴿لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾ (النساء: 95).

ولا يحسبَنَّ الذين يجاهدون في سبيل الله أنّ الله بحاجةٍ إلى جهادهم، وإنَّما يجاهدون لأنفسهم، لإصلاح حياتهم وحياة الناس من حولهم: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ العَالَمِينَ﴾ (العنكبوت: 6).

فإذا ما جاهد الإنسان في سبيل الله، بنيّةٍ خالصةٍ لوجهه الكريم، فليكُنْ على يقينٍ بأنّ سُبُل الخير والنجاح والرضوان ستنفتح أمامه، ذلك وعدُ الله حيث يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69).

ليكون الختام في نهاية الطريق إلى الله نَصْراً مؤزَّراً أو شهادةً مباركة، وهما الحُسْنيان. فلا ينبغي طلبُ أحدهما دون الآخر، ولا ينبغي اتِّخاذُ الشهادة هَدَفاً للجهاد في سبيل الله، بل لا بُدّ من استهداف النَّصْر والغَلَبة، فإنْ فات النَّصْرُ، واستلزمَتْ التضحيات ـ والجهادُ سلسلةٌ من التضحيات ـ الوصولَ إلى الشهادة، فتلك حُسنى من الله، ودرجةٌ رفيعةٌ عنده.

اللهمَّ انصُرْ المجاهدين في سبيلك في كلِّ مكانٍ، وثبِّتْ أقدامَهم، وأَلْقِ في قلوبِ عدوِّهم الرُّعْبَ منهم، وانصُرْهم نصراً عزيزاً، وافتَحْ لهم فَتْحاً يسيراً، واجعَلْ لهم من لَدُنْك سُلطاناً نصيراً.

والسلام عليكم ـ مشاهدينا الكرام ـ ورحمة الله وبركاته.

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) رواه الكليني في الكافي 5: 12، باب وجوه الجهاد، ح3، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(ع)، مرفوعاً.

ورواه الصدوق في الأمالي: 553 قال: حدَّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس(رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: أخبرني محمد بن يحيى الخزاز، قال: حدَّثني موسى بن إسماعيل، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه(عم)، عن أمير المؤمنين(ع) أنّه قال: «إنّ رسول الله(ص) بعث سريّةً، فلما رجعوا قال: مرحباً بقومٍ قضَوْا الجهاد الأصغر، وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس»، ثم قال(ص): «أفضل الجهاد مَنْ جاهد نفسه التي بين جنبَيْه».

([2]) نهج البلاغة 1: 80، من خطبةٍ له(ع) عند خروجه لقتال أهل البصرة.

([3]) نهج البلاغة 2: 13.

([4]) نهج البلاغة 1: 67 ـ 68.

([5]) رواه الكليني في الكافي 5: 60، عن عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله(ع)، مرفوعاً.



أكتب تعليقك