28 يوليو 2017
التصنيف : منبر الجمعة
التعليقات : 1
16٬757 مشاهدة

«أشهد أنّ عليّاً وليُّ الله» ـ في الأذان والإقامة ـ بدعةٌ في الشريعة المقدَّسة

(الجمعة 28 / 7 / 2017م)

اللهُمَّ صلِّ على عليٍّ، أمير المؤمنين، ووصيّ رسول ربّ العالَمين، عبدِك، ووليِّك، وأخي رسولك، وحجَّتِك على خلقك، وآيتِك الكبرى، والنبأ العظيم.

مقدّمة

لا شَكَّ ولا رَيْب عند جميع المسلمين في أنّ الشهادة الثالثة ـ أعني قول: «أشهد أن عليّاً وليّ الله» ـ لم تكن موجودةً في الأذان والإقامة في عهد النبيّ(ص)، ولا في عهد أمير المؤمنين(ع)، ولا في عهد أيّ إمام معصومٍ ظاهرٍ، وبالتالي فإنّها ليست جزءاً من الأذان والإقامة المشرَّعَيْن من قبل السماء.

غير أنّ هذه الشهادة قد وردت في بعض الأخبار، التي وصفها كبار العلماء والرجاليّين بالشواذّ، ما دفع بالمتأخرِّين من العلماء إلى القول باستحبابها فيهما، بناءً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن، أو اعتماداً على خبر مرسَلٍ من كتاب «الاحتجاج»، للطبرسيّ(548هـ)([2]).

وسكت عنها العلماء رَدْحاً من الدهر، فخفي أمرُها على المؤمنين، حتّى صارت من الثوابت في وجدانهم، وشعاراً للمذهب والطائفة، ويشقّ عليهم تركها وإسقاطها.

فما هي حقيقة دخول هذه الفقرة في الأذان والإقامة؟

أقوال جملة من العلماء المتقدِّمين والمتأخِّرين

قال الشيخ الصدوق(ر)(381هـ)، بعد ذكره فصول الأذان المعهودة: «هذا هو الأذان الصحيح، لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوِّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً، وزادوا في الأذان «محمد وآل محمد خير البرية» مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمداً رسول الله «أشهد أن علياً ولي الله» مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك «أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً» مرتين، ولا شكّ في أن علياً ولي الله، وأنه أمير المؤمنين حقّاً، وأن محمداً وآله صلوات الله عليهم خير البريّة، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان، وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتَّهمون بالتفويض، المدلِّسون أنفسهم في جملتنا»([3]).

إذن فالشيخ الصدوق يشهد بأنّ المفوِّضة الغلاة قد وضعوا أخباراً تتضمَّن اعتبار الشهادة الثالثة «أشهد أن عليّاً وليّ الله» جزءاً من الأذان الشرعيّ، على نحو الوجوب أو الاستحباب، لم يبيِّن لنا الشيخ الصدوق طبيعة هذه الزيادة، غير أنّه أبدى استنكاره الشديد لها، ساعياً لفضح هذه المحاولات الخبيثة.

وقال الشيخ الطوسيّ(ر)(460هـ): «فأما قول: أشهد أن علياً أمير المؤمنين، وآل محمد خير البرية، على ما ورد في شواذّ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله»([4]).

وقال(ر): «وأما ما روي في شواذّ الأخبار من قول: أشهد أن علياً ولي الله، وآل محمد خير البرية، فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل بها كان مخطئاً»([5]).

والظاهر أنّ مراده من «شواذّ الأخبار» الأخبار الضعيفة والكاذبة والموضوعة، وإلاّ لم ينسب العاملَ بها ـ جازماً ـ إلى الخطأ.

وقال العلاّمة الحلّي(ر)(726هـ): «وأما ما روي في الشاذّ من قول: أن علياً وليّ الله، وآل محمد خير البريّة، فممّا لا يعوَّل عليه»([6]).

وقال الشهيد الأوّل(ر)(786هـ): «قال الشيخ: فأما قول: أشهد أن علياً ولي الله، وأن محمداً خير البرية، على ما ورد في شواذّ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله. وقال ابن بابويه: إنه من وضع المفوِّضة، وكذا أشهد أن عليّاً وليّ الله»([7]).

ولم يُعلِّق على ذلك بشيء ما يعني أنّه يرتضيه.

وقال الشهيد الثاني(ر)(966هـ): «ولا يقول في خلال الأذان والإقامة: أشهد أنّ عليّاً وليّ الله، وإذا قال: أشهد أنّ محمّداً رسول الله لا يقول: صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ لأنّ الأذان المعهود هو مورد النصّ»([8]).

وقال(ر): «وأمّا إضافة «أن عليّاً وليّ الله»، و«آل محمد خير البريّة»، ونحو ذلك، فبدعةٌ، وأخبارها موضوعة، وإنْ كانوا خير البريّة؛ إذ ليس الكلام فيه، بل في إدخاله في فصول الأذان المتلقّى من الوحي الإلهيّ، وليس كلّ كلمة يسوغ إدخالها في العبادات الموظَّفة شرعاً»([9]).

وقال المحقِّق الأردبيليّ(ر)(993هـ)، بعد أن نقل قول الصدوق المتقدِّم: «…فينبغي اتّباعه؛ لأنه الحق، ولهذا يشنَّع على الثاني بالتغيير في الأذان الذي كان في زمانه(ص)، فلا ينبغي ارتكاب مثله مع التشنيع عليه. ولا يتوهَّم المنع من الصلاة على النبي(ص) فيه؛ لظهور خروجه منه، وعموم الأخبار الدالة بالصلاة عليه مع سماع ذكره، ولخصوص الخبر الصحيح المنقول في هذا الكتاب عن زرارة (الثقة): وصلِّ على النبي(ص) كلما ذكرته، أو ذكره ذاكر عنده في أذان أو غيره. ومثله في «الكافي» في الحسن (لإبراهيم)، كما مرّ»([10]).

وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء(ر)(1228هـ): «وليس من الأذان قول: أشهد أن عليّاً ولي الله، أو أن محمداً وآله خير البرية، وأن علياً أمير المؤمنين حقّاً، مرتين مرتين؛ لأنه من وضع المفوِّضة لعنهم الله، على ما قاله الصدوق، ولما في «النهاية»: أن ما روي أن منه أن عليّاً ولي الله وأن محمداً وآله خير البشر أو البرية من شواذّ الأخبار لا يعمل عليه، وما في «المبسوط» من أن قول: أشهد أن عليّاً أمير المؤمنين(ع)، وآل محمد خير البرية، من الشاذّ لا يعوَّل عليه، وما في «المنتهى» ما روي من أنّ قول: أن عليّاً وليّ الله، وآل محمد خير البرية، من الأذان من الشاذّ لا يعوَّل عليه. ثم إن خروجه من الأذان من المقطوع به؛ لإجماع الإمامية من غير نكير، حتى لم يذكره ذاكرٌ بكتاب، ولا فَاهَ به أحد من قدماء الأصحاب؛ ولأنه وُضِع لشعائر الإسلام دون الإيمان، ولذا ترك فيه ذكر باقي الأئمة(عم)؛ ولأن أمير المؤمنين(ع) حين نزوله كان رعيّة للنبيّ(ص)، فلا يذكر على المنابر؛ ولأن ثبوت الوجوب للصلاة المأمور بها موقوف على التوحيد والنبوة فقط؛ على أنه لو كان ظاهراً في مبدأ الإسلام لكان في مبدأ النبوة من الفترة ما كان في الختام. ومن حاول جعله من شعائر الإيمان فألزم به لذلك يلزمه ذكر الأئمّة(عم)، وقد أمر النبي(ص) مكرَّراً من الله في نصبه للخلافة، والنبي(ص) يستعفي حذراً من المنافقين، حتّى جاءه التشديد من ربّ العالمين؛ ولأنه لو كان من فصول الأذان لنقل بالتواتر في هذا الزمان، ولم يَخْفَ على أحدٍ من آحاد نوع الإنسان، وإنما هو من وضع المفوِّضة الكفّار المستوجبين الخلود في النار، ولعل المفوِّضة أرادوا أن الله تعالى فوَّض الخلق إلى عليّ(ع)، فساعده على الخلق، فكان ولياً ومعيناً، فمن أتى بذلك قاصداً به التأذين فقد شرع في الدين، ومن قصده جزءاً من الأذان في الابتداء بطل أذانه بتمامه، وكذا كلّما انضم إليه في القصد، ولو اختصّ بالقصد صحّ ما عداه، ومن قصد ذكر أمير المؤمنين(ع) لإظهار شأنه أو لمجرَّد رجحانه لذاته؛ مع ذكر ربّ العالمين أو ذكر سيد المرسلين، كما روي ذلك فيه وفي باقي الأئمة الطاهرين، أو الردّ على المخالفين وإرغام أنوف المعاندين، أُثيب على ذلك، لكنّ صفة الولاية ليس لها مزيد شرفية؛ لكثرة معانيها، فلا امتياز لها، إلا مع قرينة إرادة معنى التصرُّف والتسلُّط فيها، كالاقتران مع الله ورسوله في الآية الكريمة ونحوه؛ لأن جميع المؤمنين أولياء الله، فلو بدَّل بالخليفة بلا فصل، أو بقول: أمير المؤمنين، أو بقول: حجة الله تعالى، أو بقول: أفضل الخلق بعد رسول الله(ص)، ونحوها، كان أولى وأبعد عن توهُّم العوام أنه من فصول الأذان. ثم قول: وأن علياً ولي الله مع ترك لفظ أشهد أبعد عن الشبهة. ولو قيل بعد ذكر رسول الله: صلى الله على محمد سيد المرسلين وخليفته بلا فصل علي ولي الله أمير المؤمنين لكان بعيداً عن الإيهام، وأجمع لصفات التعظيم والاحترام. ثم الذي أنكره المنافقون يوم الغدير وملأ من الحسد قلوبهم النصّ من النبي(ص) عليه بإمرة المؤمنين. وعن الصادق(ع): من قال: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، فليقُلْ: عليّ أمير المؤمنين(ع). ويجري في وضعه في الإقامة نحو ما جرى في الأذان»([11]).

وقال السيد محمد حسين فضل الله(ر)(1431هـ): «هذا وقد ذهب بعض الفقهاء إلى استحباب الشهادة لأمير المؤمنين عليّ(ع) بالولاية بعد الشهادة للنبيّ(ص) بالرسالة في كلٍّ من الأذان والإقامة، ولكن لم يثبت عندي استحبابها…. كما أنني لا أجد مصلحةً شرعيّةً في إدخال أيّ عنصر جديد في مقدّمات الصلاة أو أفعالها، لا سيّما وأنّ الفقهاء قد أجمعوا على أنّها ليست جزءاً من الأذان، ولا من الإقامة، وأنّ اعتقاد جزئيّتها تشريع محرّم. وقد أجاد الشهيد الثاني رضي الله عنه عندما عبَّر عن هذه الفكرة بقوله: إنّ الشهادة لعليّ بالولاية من حقائق الإيمان، لا من فصول الأذان»([12]).

حقائق واضحة

وممّا تقدَّم تظهر لنا جملةٌ من الحقائق، وهي:

1ـ لم يَجْرِ التعرُّض لهذه المسألة في كلمات العلماء قبل الشيخ الصدوق، كالكليني، وابن بابويه، وغيرهما، ما يشير إلى أنّ هذه المسألة قد تبلورت وصارت مورداً للبحث منذ عصر الصدوق فما بعد، ما يجعلنا في موقع الاطمئنان بأنّ شهادة الشيخ الصدوق بأنّ «المفوِّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان «محمد وآل محمد خير البريّة» مرّتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمداً رسول الله «أشهد أن علياً ولي الله» مرتين، ومنهم مَنْ روى بدل ذلك «أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً» هي شهادة حسّيّة على شيء قد حدث في عصره، وشهده بأمّ العين، فأطلق صرخته المدوّيّة لتسمعها كلّ الأجيال اللاحقة، فتعرف نقيّ الأخبار من سقيمها، وأصيلها من دخيلها.

إذن إنّ هذه الأخبار التي جرى فيها ذكرٌ لفقرات غير الفقرات المعهودة في الأذان هي أخبارٌ موضوعةٌ، وينبغي أن يُضرب بها عرض الجدار، كما أوصانا أهل البيت(عم).

وقد يُقال: إنّ إثبات كون شهادة الصدوق حسّيّةً مشكلٌ؛ لأن معنى حسّيّة وضعها أنه سمع الحديث من الواضع، وسمع شهادته بكونها موضوعة من قبله مثلاً. غير أنّه من المحتمل أنّ الصدوق لم يَرَ هذه الروايات في أمّهات الكتب الشيعيّة، ثم قارنها بالروايات المعتبرة عندنا في الأذان، فتوصَّل اجتهاداً إلى وضعها، بناءً على نقد متنيّ، مع غياب حضورها في الكتب المعروفة آنذاك.

ويردُّه: إنّ غاية ما ينفيه هذا الاحتمال هو القطع بحسّيّة شهادة الصدوق تلك، ولكنّ مراجعةً بسيطة للكتب الروائية والعلميّة (الفقهيّة) قبل الشيخ الصدوق تولِّد عندنا اطمئناناً بأنّ الشهادة الثالثة قد أُدرجت في الأذان في عصر الصدوق، ولتبرير ذلك عمدوا إلى وضع بضعة أحاديث تحثّ على الإتيان بها فيه.

وقد يُقال: إنّ شهادة الصدوق حجّةٌ له وعليه، لا علينا؛ لعدم إحراز حسّيّتها، وليس كلّ شهادة بالوضع دليل الحسّيّة، وعدم وجودها في الكافي وغيره ليس بمعنى عدم وجودها في متفرّقات كتب الحديث الشيعيّة قبل الصدوق، بل قد يكون هذا دليلاً على عدم اهتمام الكلينيّ بها، رغم وجودها في عصره، ولا نافي لهذا الاحتمال المعقول، ولا سيّما بعد أن لم يذكر الصدوق تاريخ وضعهم لهذه الأحاديث.

ويردُّه: إنّها لو كانت موجودةً في كتب شيعيّة متفرّقة هنا وهناك لوصلت إلينا بعد ذلك، من خلال المجاميع الحديثيّة الكبرى التي استقصَتْ بشكلٍ كبير جدّاً ما كان موجوداً في تلك الكتب الحديثيّة غير الرائجة، غير أنّنا لم نجد كتاباً حديثيّاً يذكر تلك الأحاديث بوضوحٍ، وإنّما هي نقولاتٌ خجولة ومتعثِّرة، وأغلبُ الفقهاء يعتمدون على قول الشيخ الطوسيّ بوجود شواذّ من الأخبار في ذلك الموضوع، دون أن يتعرَّضوا لسندها ومتنها بذكرٍ أو نقاشٍ، ما يعني أنّ تلك الأحاديث الموضوعة لا تعدو كونها حديثاً أو حديثين حاولت فئةٌ ضالّة من الشيعة إظهارها وترويجها في عصر الشيخ الصدوق، فما كان من العلماء الغيارى على الدين إلاّ أن تصدّوا لذلك بقوّةٍ، فاختفت تلك الأحاديث الموضوعة التي لم تكن تحمل في داخلها قدرة البقاء والاستمرار، بخلاف بقيّة الأحاديث الصادرة بحقّ، التي إنْ غُيِّبت في فترةٍ ما عادت للظهور في فترات لاحقةٍ، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ (الأنفال: 7).

وعلى أيّ حالٍ لا شكَّ ولا شبهة في أنّ الشهادة الثالثة لم تكن معروفةً في أذان وإقامة الشيعة قبل عصر الصدوق، منذ عصر النبيّ الأكرم(ص) والأئمّة الهداة(عم)، بل في أذان مشهور الشيعة في عصر الصدوق.

فهل يُعقَل أن تكون مشروعةً، وقد ذكرها بعض الأئمّة في أقوالٍ لهم (الأخبار القليلة المدّعاة)، ولا يكون لها أيّ بروز أو ظهور لدى الشيعة وعلمائهم حتّى أواخر القرن الرابع الهجريّ؟! علماً أنّ الشيعة قد مرّوا في تلك القرون الأربعة في فترات تسمح لهم بإبداء معتقداتهم وتشريعاتهم بنحوٍ من الأنحاء. فلماذا لم يبادروا إلى إثباتها في الأذان والإقامة، واتّخاذها شعاراً للمذهب ـ كما يدّعي بعض المتأخِّرين أنّها كذلك في هذا الزمان، وبالتالي تكون مستحبّةً! ـ؟!

وهكذا يتَّضح أيضاً وَهْنُ ما ذكره الشيخ عبد الله المراغي (في القرن السابع الهجري)، وهو من أعلام علماء السنّة في القرن السابع الهجري، في كتابه «السلافة في أمر الخلافة»، حيث نقل روايتين مرسلتين ـ أي بدون ذكر إسنادهما ـ تحدِّدان تاريخ البَدْء بذكر الشهادة الثالثة في الأذان.

أمّا الرواية الأولى فمضمونها أن الصحابيّ الجليل سلمان المحمدي (الفارسي) أذَّن بزيادة الشهادة الثالثة، فأنكر ذلك بعض الصحابة ورفعوا الشكوى إلى النبيّ(ص)، لكنه(ص) لم يأبَهْ بهذه الشكوى، بل جابههم بالتأنيب، وأقرّ لسلمان هذه الزيادة، ولم يعترض عليه في ذلك.

وأمّا الرواية الثانية فإنّ الصحابيّ الجليل أبا ذرّ الغفاري أذّن بعد يوم الغدير، فزاد الشهادة الثالثة، وشهد بالولاية لعليّ بن أبي طالب عليه السلام، فثار جمعٌ ممَّنْ سمع الأذان، وهرعوا إلى رسول الله(ص)، وشكوا إليه ما سمعوه من أبي ذرّ، إلاّ أن الرسول(ص) لم يأبَهْ بهم، بل وبَّخهم بقوله: «أما وعيتم خطبتي يوم الغدير لعليٍّ بالولاية؟!»».

إذ لو كان ذلك قد حصل من قِبَل أبي ذرٍّ وسلمان، ورضي به النبيّ(ص)، ووبَّخ المعترضين أمام جمهور المسلمين، لشاع واشتهر، ولعمل به جملةٌ من الصحابة الأبرار، الذين كانوا يعترضون على بعض الخلفاء حين يبدِّلون ـ زيادةً أو نقيصةً ـ ما أمر به النبيُّ(ص) من الشريعة الإلهيّة الغرّاء، كما فعل ابنُ عبّاس في اعتراضه على تحريم الخليفة الثاني متعة النساء.

وعليه فإنّ عقيدتنا أنّ هاتين الروايتين من المختَرَعات؛ لإثبات ما ليس بثابتٍ بدليلٍ قاطع، وبرهانٍ ساطع.

2ـ إنّ اعتماد القائلين باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة إنّما هو على قاعدة التسامح في أدلّة السنن، التي تقول: إنّ من بلغه عن رسول الله(ص) شيءٌ من الثواب على عملٍ، فعمله رجاءً لذلك الثواب، ناله، ولو كان رسول الله(ص) لم يقُلْ شيئاً.

غير أنّ هذه القاعدة لو تمَّتْ ـ ولم يتعرَّض لها قدماء الأصحاب، ما يعني أنّهم لا يرَوْنها، وهي غير تامّة عند كثيرٍ من الفقهاء المتأخِّرين، كالسيد محسن الحكيم، والسيد أحمد الخوانساريّ، والسيد أبو القاسم الخوئيّ، والسيد محمد الروحاني، والسيد مصطفى الخمينيّ، والسيد السيستانيّ، والسيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ محمد إسحاق الفياض، والشيخ حسين(وحيد) الخراساني ـ فهي مختصّةٌ بما لو لم يثبت كذب هذه الأخبار، وقد ثبت كذبها ووضعها بشهادة الشيخ الصدوق الحسّيّة.

3ـ ويعتمد القائلون بالاستحباب أيضاً على رواية القاسم بن معاوية في «الاحتجاج»، وقد تقدّم ذكرها.

غير أنّ هذه الرواية مرسلةٌ، فلا يعتمد عليها لاستنباط الأحكام الشرعيّة، إلا بناءً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن، وقد تقدّمت الإشارة إلى عدم تماميّة هذه القاعدة عند المتقدّمين وأكثر المتأخِّرين. ومتى كان الاعتماد على المراسيل هو ديدن العلماء الأفاضل؟!

فضلاً عن أنّها لا تشمل بإطلاقها موارد الأعمال العباديّة التوقيفيّة، كالصلاة ونحوها. ومن ذلك الأذان. ألا ترى إلى الفقهاء كيف أنّهم لا يجيزون الإتيان بالشهادة لعليّ(ع) بالولاية في التشهُّد في الصلاة؟! إذن هم لا يرَوْن إطلاق هذه المرسلة بحيث تشمل الأفعال العباديّة التوقيفيّة المنصوصة، فكيف يعتمدون عليها في الأذان والإقامة؟!

وقد يقول قائلٌ: إنّ هناك فرقاً بين الأذان وبين الصلاة، من حيث إنّ التوقيفية في الصلاة بشرط لا من حيث الزيادة، ولو بدون قصد الجزئية؛ أما التوقيفيّة في الأذان فلم يَرِدْ المنع عن قول كلامٍ في وسطه مع عدم الاعتقاد بجزئيّته. لهذا فمن الأفضل إثبات أنّ توقيفيّة الأذان تضارع توقيفيّة الصلاة؛ لئلاّ يُقال: إنّ توقيفية الأذان محفوظة بعدم إدراج جزء جديد، لا بضرورة عدم التلفُّظ بقولٍ بلا جزئية، ولا تشريع لحكم وضعي في مورده.

ونقول: ربما يصحّ هذا في الأذان، وأمّا الإقامة فقد جاء في بعض الروايات النهي عن الكلام في الإقامة، وفي بعضها الترخيص بالكلام في الأذان والإقامة([13]). ويكون الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات بحمل النهي على بيان الحكم الوضعيّ، وهو فساد الإقامة بالكلام في أثنائها، والحاجة عندئذٍ إلى إعادتها، وهذا ما جاء في رواية محمد بن مسلم ـ وهي صحيحةٌ على بعض المباني ـ، قال: قال أبو عبد الله(ع): «لا تتكلَّم إذا أقمت الصلاة فإنّك إذا تكلَّمتَ أعدتَ الإقامة»([14])، وحمل الترخيص بالكلام في أثنائها على بيان الحكم التكليفيّ، بمعنى أنّه يجوز لك الكلام في أثناء الإقامة، ولا يحرم عليك ذلك، وغايته بطلان وفساد الإقامة، فإنْ أعدتها كُنْتَ قد أتيتَ بالمستحبّ، وهو الإقامة، وإلاّ كانت صلاتك بلا إقامةٍ، والإقامة مستحبّةٌ، وليست واجبةً.

هل الشهادة الثالثة ذكرٌ لله تعالى؟

قال ابن منظور(711هـ) في «لسان العرب»: «والذكر: الصلاة لله والدعاء إليه والثناء عليه…. قال أبو العباس: الذكر الصلاة والذكر قراءة القرآن والذكر التسبيح والذكر الدعاء والذكر الشكر والذكر الطاعة…. وقد تكرَّر ذكر الذكر في الحديث، ويُراد به تمجيد الله وتقديسه وتسبيحه وتهليله والثناء عليه بجميع محامده. وفي الحديث: القرآن ذكرٌ فذكِّروه، أي إنه جليل خطير فأجِلّوه»([15]).

وقال الشهيد الثاني(966هـ) في «روض الجنان»: «[ومن الذكر] حكاية الأذان، وهو حسنٌ. في فصل فيه ذكرٌ، دون الحيعلات؛ لعدم النص عليه على الخصوص، إلا أن يبدَّل بالحوقلة، كما ذكر في حكايته في الصلاة»([16]).

وقال الشيخ الأنصاريّ(1281هـ) في «كتاب الطهارة»: «ومما عُدّ من الذكر: حكاية الأذان. ففي الصحيح عن أبي جعفر(ع): «يا بن مسلم، لا تدعنّ ذكر الله على كلّ حال، ولو سمت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله، وقُلْ كما يقول المؤذن». وفي رواية أبي بصير: «إن سمعت الأذان وأنتَ على الخلاء فقُلْ مثل ما يقول المؤذِّن، ولا تدع ذكر الله عزَّ وجلَّ في تلك الحال؛ لأن ذكر الله حسن على كلّ حال».

وظاهر قوله: «فقُلْ كما يقول المؤذِّن» شموله لحكاية «الحيعلات». ولهذا طعن بعضٌ على الشهيد الثاني، حيث أنكر النصّ في ذلك، واستشكل في الاستدلال عليه بعمومات الذكر؛ لأن «الحيعلات» ليس من الذكر، قال: إلاّ أن تبدل بالحولقة.

لكنّ الإنصاف أن روايتي العلل لا يخلو ظهورهما المذكور من الموهن، حيث علَّل الحكاية فيهما بأنّها من ذكر الله، ومن المعلوم: أن «الحيعلات» ليست منه. والتزام كونها منه ـ فلا يكون التعليل أخصّ من الحكم حتى يخصِّصه أو يوهن عمومه ـ مخالِفٌ للعُرف واللغة.

لكنّ الإنصاف أن ظهور الأمر بالحكاية في حكاية الكلّ أقوى، فيحمل التعليل على التغليب، أو على أن اشتماله على الذكر مع كونه عملاً واحداً هو المسوِّغ للتكلُّم به.

ويؤيِّد إرادة جميع فصول الأذان من غير تبديل رواية سليمان بن مقبل: «قلتُ لأبي الحسن موسى بن جعفر(ع): لأيّ علّةٍ يستحبّ لإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذِّن، وإن كان على البول والغائط؟ قال: لأنّ ذلك يزيد في الرزق»؛ فإن التعليل المذكور ظاهر في إرادة حكاية جميع فصوله؛ لأنها هي التي تزيد في الرزق، مع أنّه لو اختصّ المحكيّ بما كان منه ذكراً لم يكن وجهٌ للسؤال عنه، وكان الأنسب تعليله بذكر الله؛ لأنه أصلح لحكمة الاستحباب واقعاً، وأَفْيَد للمخاطَب، حيث يستفيد منه عموم رجحان الذِّكْر، فعُلِم أنّ هذا عنوان غير عنوان «ذكر الله»»([17]).

ومن هنا أقول: ليست هذه الصيغة «أشهد أن عليّاً وليّ الله» ذكراً لله تعالى، فهي تختلف تماماً عن قولك: «سبحان الله» و«الحمد لله» و«الله أكبر» و…، حيث يؤخذ في الذِّكْر أن يكون فيه تمجيدٌ وتعظيم لله. وهذه الصيغة ليست كذلك، وإنْ كان مضمونها حقّاً ومستوجِباً لرضا الله سبحانه وتعالى.

وقد سألتُ بنفسي عدداً من الفقهاء ـ وهم: الشيخ باقر الإيرواني، والسيد كاظم الحائري، والسيد منير الخبّاز ـ عن كون صيغة الشهادة ـ حتّى الأولى والثانية ـ ذكراً لله تعالى؟ وكان جوابهم ـ بشكلٍ جازمٍ ـ: إنّها ليست ذِكْراً.

ومن هنا كان إشكال مشهور الفقهاء على الإتيان بهذه الشهادة (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) في التشهُّد في الصلاة، في الركعتين الثانية والرابعة.

ولو كانت ذِكْراً فلا داعي لهذا الإشكال.

كما أنّ مَنْ يحاول إثبات كونها ذِكْراً، وأنّه يجوز الإتيان به في أيّ مقطعٍ من الصلاة، لا يفتي بكفاية الإتيان به في الوفاء بالنذر لمَنْ نذر أن يذكر الله ساعةً كاملة، وهو نذرٌ صحيح، فهل يُجْزيه ـ عندهم ـ أن يردِّد على مدى ساعةٍ كاملة (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله)؟!

ولو فرضنا أنّ الأذان بتمام فصوله هو ذكرٌ لله تعبُّداً؛ اعتماداً على رواية محمد بن مسلم، فإنّ عبارة «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» لم تكن من فصول الأذان آنذاك، فلا يشملها هذا الحديث، ولا تكون ذِكْراً.

الشهادة الثالثة، شعارٌ وشعيرة

استدلّ بعضُ العلماء المتأخِّرين على استحباب الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة بأنّها أضحَتْ في هذا الزمن شعاراً للمذهب، ويعني به المذهب الشيعيّ، وهو مذهب الفرقة المحقّة.

وهنا نتساءل: أكلَّما صار شيءٌ ما شعاراً للمذهب والفرقة المحقّة جاز لنا إدراجه في الأذان والإقامة ـ العبادتين التوقيفيّتين ـ، وتحوَّل إلى شعيرةٍ؟!

لا أعتقد أنّ أحداً يقول بذلك، واعياً للوازم ما يقول به.

فصلُ الخطاب

قال النراقي(1244هـ) في «عوائد الأيّام»: «والمهمُّ تحقيق معنى (البدعة) ومصداقها؛ فاني أراه مشتبهاً على كثير من الأعلام، فإنهم يقولون: إنّ الفعل الفلانيّ لم يثبت من الشرع، فلو فعل لا بقصد العبادة والثبوت من الشارع وإطاعته، فهو لغوٌ، لا ثواب عليه ولا عقاب، وإنْ فعله أحد بقصد العبادة والإطاعة وباعتقاد ذلك يكون حراماً موجباً للعقاب؛ لأنه يكون بدعةً وتشريعاً. ومقتضى ذلك أن البدعة هي كلّ فعل يفعل بقصد العبادة والمشروعية وإطاعة الشارع مع عدم ثبوته من الشرع….

والتحقيق أنّ كل فعل لم يثبت من الشرع لا يمكن الإتيان به باعتقاد أنه من الشرع، ولكن يمكن فعله بإزاء أنه من الشرع، أو جعله شرعاً للغير، وهو تشريع وإدخال في الدين وإن لم يعتقده المتشرِّع، وهذه هي (البدعة). ولذا تطلق (البدعة) على ما ابتدعه خلفاء الجَوْر، كالأذان الثالث يوم الجمعة، وغسل الرجلين، وتثليث غسل الوجه في الوضوء، وصلاة الضحى، والجماعة في النوافل، ونحو ذلك، مع أنهم ما كانوا يعتقدون ثبوته من الشارع، وإنما أدخلوه في الدين إدخالاً، بل وإن اعتقدوه أيضاً. وبالجملة المناط في الابتداع والتشريع والإدخال في الدين وضع شيء شرعاً للغير، وجعله من أحكام الشارع له، لا لنفسه؛ لأنه غير ممكن. فالبدعة فعل قرَّره غير الشارع شرعاً لغيره من غير دليل شرعيّ. ولا شكّ في كون ذلك (بدعة)، كما ترى إطلاقها عليه في جميع ما ابتدعه العامّة، مع أنّه تدليس وإغراء وكذب وافتراء، فيكون محرَّماً قطعاً، وأمّا ما لم يكن كذلك فإطلاق البدعة عليه غير معلوم، ولم يثبت كونه بدعةً وتشريعاً»([18]).

وأقول في المقام: ليست هذه الشهادة الحقّة «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» من فصول الأذان، ولم يقُم دليلٌ على أنّها من المستحبّات في الأذان والإقامة، فلا هي من فضيلة الأذان، ولا من كمال فصوله، بل هي بدعةٌ ـ على حدّ تعبير الشهيد الثاني، وبحَسَب معنى البدعة عند المحقِّق النراقيّ ـ، تذكِّرُنا بما أقدم عليه الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب من إضافات وزيادات في الأذان والصلاة. وبعبارةٍ مختصرةٍ وخفيفةٍ نقول: إنّ مقتضى الصناعة الفقهيّة هو عدم الإتيان بها فيهما.

المنشأ الحقيقي للقول بالاستحباب

غير أنّ كثيراً من العلماء تساهلوا في القول بالاستحباب؛ اعتماداً على عدم كون الأذان والإقامة من الأجزاء الواجبة في الصلاة، وعدم قدح الكلام الأجنبيّ في صحّة الأذان، فلا بأس إذن أن تبقى هذه الفقرة التي فيها تذكير بالعقيدة الشيعيّة، وبها يرضى العوامّ من الناس، الذين يعيشون العصبيّة العمياء للمذهب الذي ينتمون إليه، فلا يعنيهم بعد ذلك شيءٌ من الحقّ والحقيقة.

الأمرُ خطيرٌ، فانتبهوا

غير أنّ خطورة الأمر تكمن في أنّنا أصبحنا ندافع عن الإتيان بها دفاع المستميت، معتبرين أنّها هي المعيار في معرفة الولائيّ من غيره، ومقدِّمين للإتيان بها على ما هو أهمّ منه في بعض الأحيان.

نصيحةٌ من القلب

أيّها الأحبّة، ليكن همُّكم الأوّل تحصيل رضا الله تعالى، والحفاظ على دين الله الذي أُنزل على رسوله من كل شائبة أو دسيسة، مهما كانت صغيرةً أو كبيرةً. ولا تلتفتوا إلى اعتراض هنا أو اتّهام هناك؛ فإنّ ذلك كلَّه يزول، ويبقى لكم مع الله يوم الحساب لقاءٌ، ليسألكم: ألم تسمعوا؟ ألم تقرأوا؟ ألم تعلموا؟ ألم تعرفوا؟ لماذا سكتُّم؟ كي تُرْضُوا العوامّ؟ فها أنتم وإيّاهم سواءٌ سواء. ولا ينبغي أن يكون هذا هو الهدف، بل إنّ الهدف المطلوب ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾، أن يكون العلماء ورثة الأنبياء حقّاً، وقادة المسيرة، يتصدَّرون الصفوف، لا حبّاً بالزعامة والوجاهة، بل لكي يهدوا الناس إلى الحقّ والحقيقة، دون أن يخافوا في الله لومة لائمٍ.

ويبدو أن الشهادة الثالثة لم تكن تُذْكَر في الأذان الرسميّ للشيعة قبل أن يأمر بها الشاه إسماعيل الصفوي عام 907هـ.

وطالما حاول علماء كبار أن يصرفوا الناس والسلاطين عن هذه البِدَع.

فقد «ذكر الميرزا محمد الأخباري، في رسالته «الشهادة بالولاية»، أن فقيه الشيعة الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء أرسل إلى فتح علي شاه القاجاري يطلب منه منع الشهادة الثالثة في الأذان. وفي النصف الثاني من نفس القرن حاول علماء الهند الشيعة أن يقنعوا الشيعة بحذفها، إلاّ أنهم فشلوا»([19]).

وفي عصرنا هذا فتح بابَ الخلاص من هذه البدعة مرجعٌ دينيٌّ كبير، عنيتُ به السيد محمد حسين فضل الله(ر)، الذي ترك الإتيان بالشهادة الثالثة في الإقامة للصلاة.

كما أنّ إمام الأمّة الراحل السيد روح الله الخميني(ر) كان يأتي بالشهادة الثالثة بصوت خافتٍ جدّاً، ولمرّةٍ واحدة فقط، ما يوحي بأنّ في نفسه شيئاً من دعوى استحبابها بالشكل الذي هي عليه الآن.

أيُّها الأحبّة، لقد رُوي عن مولانا الباقر(ع) ـ وهو يبيِّن عدد فصول الأذان والإقامة ـ قولُه: «الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً، فعَدَّ ذلك بيده واحداً واحداً. الأذان ثمانية عشر حرفاً، والإقامة سبعة عشر حرفاً»([20]).

وفيه إشعارٌ بأنّ هذه الفصول توقيفيّةٌ، فلا يجوز الزيادة عليها بصفة الواجب والجزئيّة، أو المستحبّ والخارجيّة. كما لا يجوز الإنقاص منها، فإنّ كلَّ ذلك تشريعٌ محرَّم، وبدعةٌ في الدين.

وعليه فإنّ أذان محمدٍ وآل محمد(ص) هو هذا، دون غيره، سواءٌ زيد فيه أو نقُص:

أذان محمد وآل محمد(ص)

1ـ الله أكبر

2ـ الله أكبر

3ـ الله أكبر

4ـ الله أكبر

5ـ أشهد أن لا إله إلاّ الله

6ـ أشهد أن لا إله إلاّ الله

7ـ أشهد أن محمداً رسول الله

8ـ أشهد أن محمداً رسول الله

9ـ حيَّ على الصلاة

10ـ حيَّ على الصلاة

11ـ حيَّ على الفلاح

12ـ حيَّ على الفلاح

13ـ حيَّ على خير العمل

14ـ حيَّ على خير العمل

15ـ الله أكبر

16ـ الله أكبر

17ـ لا إله إلاّ الله

18ـ لا إله إلاّ الله

إقامة محمد وآل محمد(ص)

1ـ الله أكبر

2ـ الله أكبر

3ـ أشهد أن لا إله إلاّ الله

4ـ أشهد أن لا إله إلاّ الله

5ـ أشهد أن محمداً رسول الله

6ـ أشهد أن محمداً رسول الله

7ـ حيَّ على الصلاة

8ـ حيَّ على الصلاة

9ـ حيَّ على الفلاح

10ـ حيَّ على الفلاح

11ـ حيَّ على خير العمل

12ـ حيَّ على خير العمل

13ـ قد قامت الصلاة

14ـ قد قامت الصلاة

15ـ الله أكبر

16ـ الله أكبر

17ـ لا إله إلاّ الله

أيُّها الأحبّة، إنّ حذف (حيَّ على خير العمل) من الأذان والإقامة بدعةٌ وخطيئة، وإنّ الأذان والإقامة من دونها (مرّتين) باطلٌ باطل.

وإنّ إضافة (الصلاة خيرٌ من النوم) في الأذان بدعةٌ وخطيئة.

وإنّ إضافة (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) في الأذان والإقامة بدعةٌ وخطيئة، وإنّ الإقامة معها (مرّةً أو مرّتين) باطلةٌ، ويجب إعادتها، لتحصيل ثواب هذا الجزء المستحبّ مؤكَّداً، ألا وهو (الإقامة).

هذه هي حقيقة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، فاسمعوا نصيحتي: أذِّنوا وأقيموا واحذفوها منهما قربةً إلى الله تعالى.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([2]) الطبرسي، الاحتجاج 1: 230 ـ 231. ويقول فيه: «وروى القاسم بن معاوية قال: قلت لأبي عبد الله(ع): هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنه لما أسري برسول الله رأى على العرش مكتوباً لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، فقال: سبحان الله غيّروا كل شيء حتى هذا، قلتُ: نعم. قال: إن الله عزَّ وجلَّ لما خلق العرش كتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليّ أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزَّ وجلَّ الماء كتب في مجراه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزَّ وجلَّ الكرسيّ كتب على قوائمه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزَّ وجلَّ اللوح كتب فيه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله إسرافيل كتب على جبهته: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله جبرئيل كتب على جناحيه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزَّ وجلَّ السماوات كتب في أكتافها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزَّ وجلَّ الأرضين كتب في أطباقها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزَّ وجلَّ الجبال كتب في رؤوسها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزَّ وجلَّ الشمس كتب عليها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزَّ وجلَّ القمر كتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، وهو السواد الذي ترونه في القمر، فإذا قال أحدكم: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فليقُلْ: عليّ أمير المؤمنين(ع)».

وقد اعتمد على ما ذكرناه هنا المحدِّث البحراني، حيث يقول: «ثم إن ما ذكره! من قوله: «والمفوضة لعنهم الله…إلخ» ففيه ما ذكره شيخنا في البحار حيث قال ـ ونعم ما قال ـ: أقول: لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان؛ لشهادة الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها. قال الشيخ في «المبسوط»: وأما قول «أشهد أن علياً أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية» على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله. وقال في «النهاية»: فأما ما روي في شواذّ الأخبار من قول: «أن عليّاً ولي الله وأن محمداً وآله خير البشر» فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً. وقال في «المنتهى»: وأما ما روي في الشاذ من قول: «أن علياً ولي الله ومحمد وآل محمد خير البرية» فمما لا يعوَّل عليه. ويؤيِّده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب «الاحتجاج» عن القاسم بن معاوية قال:…، فيدلّ على استحباب ذلك عموماً، والأذان من تلك المواضع، وقد مر أمثال ذلك في أبواب مناقبه(ع). ولو قاله المؤذن أو المقيم لا بقصد الجزئية، بل بقصد البركة، لم يكن آثماً، فإن القوم جوَّزوا الكلام في أثنائهما مطلقاً. وهذا من أشرف الأدعية والأذكار، انتهى. (البحراني، الحدائق الناضرة 7: 403 ـ 404).

([3]) الصدوق، من لا يحضره الفقيه 1: 290 ـ 291.

([4]) الطوسيّ، المبسوط 1: 99.

([5]) الطوسي، النهاية: 69.

([6]) الحلّيّ، منتهى المطلب (الطبعة الجديدة) 4: 381.

([7]) الشهيد الأوّل، البيان (الطبعة القديمة): 73.

([8]) رسائل الشهيد الثاني (ترجمة الشهيد بقلمه الشريف) 2: 1193.

([9]) الشهيد الثاني، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 646.

([10]) الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 2: 181 ـ 182.

([11]) جعفر كاشف الغطاء، كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء (الطبعة القديمة) 1: 227 ـ 228.

([12]) محمد حسين فضل الله، فقه الشريعة: 292.

([13]) راجع: الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 5: 393 ـ 397، باب 10 من أبواب الأذان والإقامة.

([14]) وسائل الشيعة 5: 394.

([15]) ابن منظور، لسان العرب 4: 310.

([16]) الشهيد الثاني، روض الجنان (الطبعة القديمة): 27.

([17]) الأنصاريّ، كتاب الطهارة 1: 488 ـ 490.

([18]) النراقي، عوائد الأيام: 320، 325.

([19]) نقلاً عن: د. حسين المدرسي الطباطبائي، تطوُّر المباني الفكريّة للتشيُّع في القرون الثلاثة الأولى: 73.

([20]) الكليني، الكافي 3: 302 ـ 303، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر(ع). وهذا الإسناد صحيحٌ.


عدد التعليقات : 1 | أكتب تعليقك

  • علي دهيني
    الجمعة 28 يوليو 2017 | الساعة 10:42
    1

    دراسة جادة وهامة تستوجب الوقوف عند مبانيها لدلالاتها.


أكتب تعليقك