العيد بين السياسة والدين: وضاعت الوحدة الإسلاميّة
(بتاريخ: الأحد 5 / 10 / 2014م)
هو العيد، يوم البهجة والفرح والسرور، يوم التآخي والتواصل والتلاقي، يوم التزاور وصلة الأرحام…
هو العيد، «عيدٌ لمَنْ قبل الله منه صيامه، وشكر قيامه، وكلُّ يومٍ لا يُعصى الله فيه فهو عيدٌ»([1]).
قبلنا ورضينا عَنْكَ يا أمير المؤمنين، يا عليّ بن أبي طالب(ع).
ولكن ها هم المسلمون اليوم يختلفون في يوم العيد، في يومين، وربما في ثلاثة أيّام، كما قد حصل يوماً ما. يختلفون في تحديد يوم العيد، ويَعْزُون ذلك إلى اختلافهم في المباني الفقهيّة لإثبات هلال الشهور. وليس في ذلك من كلامٍ الآن.
غير أنّه إذا كان لإظهار هذا الخلاف، وتمسُّك كلٍّ من الفريقين برأيه، في تحديد (بداية شهر رمضان) و(عيد الفطر السعيد) ما يبرِّره، ألا وهو ارتباط تكاليف عِدَّةٍ بهذا الشهر وهذا اليوم، كاستحباب إحياء ليالي القَدْر المباركة، ووجوب إخراج زكاة الفِطْرة يوم العيد، وحرمة الصَّوْم في يوم العيد، فإنَّه من الغريب حقّاً أن يجتهد بعضُ المسلمين في إظهار هذا الخلاف في تحديد (عيد الأضحى المبارك)، حيث إنّ التكليف والنُّسُك الأبرز هو لحجّاج بيت الله الحرام، في وجوب الوقوف في عَرَفات في اليوم التاسع من ذي الحجّة، ووجوب الوقوف في مزدلفة في اليوم العاشر منه، ووجوب نَحْر الهَدْي في مِنَى فيه أيضاً، ولن يستطيعوا الإتيان بهذه المناسك إلاّ وفق ما تُقرِّره مملكةُ آل سعود.
فإذا علمنا أنّ جملةً من فقهاء المسلمين يرَوْن أنّه إذا احتمل المكلَّف موافقة اليوم الواقعيّ ليوم عرفة أو للعيد مع ما أعلنه قاضي الديار المقدَّسة فإنّ حجّه يكون صحيحاً، وأمّا إذا علم بالخلاف ـ ولم يمكنه أن يأتي ولو بالوقوف الاضطراريّ في المزدلفة وحده ـ فإنَّه يبطل حجُّه ـ فتوىً([2]) أو احتياطاً وجوبيّاً([3]) ـ، ومن الفقهاء مَنْ يذهب إلى صحّة حجِّه في كلتا الصورتين([4])، فإذا علمنا هذا ألا يحقّ لنا أن نتساءل:
لماذا يسعى بعض المسلمين لإظهار وتأكيد هذا الخلاف بين الواقع وحُكْم آل سعود؟
ومَنْ هو المتضرِّر من هذا الإعلان للخلاف؟
أليس المتضرِّرُ هم شريحةٌ كبيرة من المسلمين الذين يقلِّدون مَنْ يرى بطلان الحجِّ في حال العلم بالمخالفة، وسيحصل لهم العلمُ ـ وليس أقلّ من الاطمئنان ـ حين يرَوْن إجماع علماء طائفتهم على كون العيد في اليوم التالي لعيد آل سعود؟
فلماذا نسوق إخوتَنا من المؤمنين والمؤمنات إلى الضَّرَر والمَشَقَّة والحَرَج؟
ونتساءل أيضاً ـ وليكُنْ هذا السؤال برسم الدُّعاة إلى الوحدة الإسلاميّة؛ حيث لا يتركون فرصةً إلاّ ويتحدَّثون في هذا الموضوع، الذي يلقى إحسان جمهور المسلمين، ويزيد من احترام ومهابة الداعي إليه ـ:
لماذا هذا الإصرار على بثّ الفرقة بين المؤمنين؟
لماذا هذا التأكيد على تمزيق صفوف الأمّة الإسلاميّة؟
لماذا هذا الإسراع إلى نقض عُرَى مظاهر الوحدة بين المسلمين، من دون طائلٍ؟
ففي الديار المقدَّسة كلُّ الحجيج سيقفون في عرفات حين يقرِّر آل سعود ذلك، شاء مَنْ شاء وأبى مَنْ أبى، وإلى أنْ يقضي الله أمراً كان مفعولاً ـ قريباً بإذن الله ـ، وسيقفون في المزدلفة كذلك، وسيأتون بجميع مناسكهم وفق هذا التقويم، مهما كان موقفُنا وموقفُهم منه.
ومن هنا فإنّني أدعو هؤلاء ـ والله خيرُ الشاهدين ـ إلى أنْ يمتنعوا عن إصدار بيانات هلال ذي الحجّة الحرام، ليبقى للناس احتمالُ موافقة حُكْم آل سعود لحُكْم الله، فيصحَّ حجُّهم، مهما كان مرجِعُهم ومقلَّدُهم، فإنّه من الضَّرَر والمَشَقَّة والحَرَج والأذى النفسيّ والجَسَديّ والماليّ أن نطلب من حاجٍّ قد قضى شَطْراً من عمره في ادِّخار ما يكفيه لحجّ البيت الحرام أن يقلب حجَّه إلى عُمْرةٍ مفردة، ويحجّ في العام المقبل.
وأمّا في شهرَيْ رمضان وشوّال فلا بُدَّ من الوقوع في هذا المحذور، ما لم يبلغ التواصل الإسلاميّ على مستوى الفِقْه والفِكْر رُشْده، فيخرج علماء المسلمين جميعاً بفتوىً واحدةٍ في هذا الشأن.
نسأل الله العليَّ القدير أن يهدينا جميعاً سواء السبيل، وأن يعيننا على رصّ الصفوف، ونبذ الخلاف، وتوحيد الكلمة، وأن يكشف هذه الغمّة عن هذه الأمّة، بحقّ محمّد(ص) والأئمّة(عم)، وأن يعيد علينا هذا العيد، كما عيد الفطر من قبل، وقد خَلَتْ نفوسنا من كلّ ما يشينها، وتحلَّت بما يزينها، أفراداً وجماعات، فتصلح البلاد، ويأمن العباد، إنّه سميعٌ مجيب.
**********
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) نهج البلاغة 4: 100، ممّا قاله(ع) في بعض الأعياد.
([2]) محسن الحكيم، دليل الناسك: 353، وهو يرى بطلان الحجّ حتّى لو أمكنه أن يدرك الوقوف الاضطراي في المزدلفة وحده؛ أبو القاسم الخوئي، مناسك الحجّ: 158؛ جواد التبريزي، مناسك الحجّ: 180 ـ 181.
([3]) علي السيستاني، مناسك الحجّ: 186؛ وحيد الخراساني، مناسك الحجّ: 155.
([4]) محمد صادق الروحاني، مناسك الحجّ: 141؛ لطف الله الصافي الكلبايكاني، مناسك الحجّ: 201؛ روح الله الخميني، تحرير الوسيلة 1: 441؛ ونقل هذا أيضاً عن كلٍّ من: علي الخامنئي، ومحمد تقي بهجت، و[محمد سعيد] الحكيم (راجع الرابط التالي: http://hajrnet.net/hajrvb/showthread.php?t=402935473، الذي نقله عن (تحرير المناسك طبقاً لآراء المراجع في النجف وقم): 218 ـ 219، للشيخ مالك مصطفى وهبي العاملي، في الفصل الرابع: أحكام يوم العيد؛ (مجمع مناسك الحجّ طبقاً لفتاوى المراجع العظام): 270 ـ 271، للشيخ أحمد الماحوزي).