1 مايو 2015
التصنيف : مقالات عقائدية، منبر الجمعة
لا تعليقات
4٬339 مشاهدة

مع أمير المؤمنين(ع): ولاءٌ خالص، وغلوٌّ مرفوض

10403214_599886243480249_1396377669450209149_n - Copy

(الجمعة 1 / 5 / 2015م)(الجمعة 30 / 3 / 2018م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وجميع الأنبياء والمرسلين.

تمهيد: مَنْ هو عليّ بن أبي طالب(ع)؟

جُمِعَتْ في صِفاتِكَ الأضدادُ

فلِهذا عزَّتْ لكَ الأندادُ

زاهدٌ حاكمٌ حليمٌ شجاعٌ

ناسكٌ فاتكٌ فقيرٌ جوادُ

ونلتقيه مجدَّداً في يوم مَوْلِدِه، وهو الحاضرُ بيننا دَوْماً لا يغيب.

هو الحاضرُ في عُمْقِ وِجْدانِنا البشريِّ والإنسانيِّ، عالِماً زاهِداً عادِلاً، محِقّاً، لا يطلُبُ النصرَ بالجَوْر([1]). ولنا إلى كُلِّ هذه الصفاتِ عودةٌ في ما يأتي.

نلتقيه وليداً في بيتِ الله الحرام، أشرفِ وأطهرِ وأقدسِ بقعةٍ على وجه الأرض. لم يسبِقْه ولم يلحَقْه أحدٌ. ويشهد لذلك التاريخ، فلا نحتاج إلى شِقٍّ في جدارٍ يؤكِّد الحقيقة. فإنْ لم يوجَدْ لم تكُنْ. وكثيرون ممَّنْ أَمُّوا البيتَ لم يجِدُوه، والبيتُ قد هُدِم لمرّاتٍ.

هو وليدُ البيت، وشهيدُ المحراب، وفي ما بينهما عبدٌ مطيعٌ لخالقه، وكفاه بذلك عزّاً.

لم يُشرِكْ بالله طَرْفةَ عَيْن، ولم يسجُدْ لصَنَمٍ قطّ، فكان إمامَ الموحِّدين، بعد رسول الله(ص).

أحبَّ الله حُبّاً صادقاً فأطاعه، والمُحِبُّ لمَنْ يُحِبُّ مطيعُ، فأحبَّه اللهُ، وقرَّبه إليه، وفرض محبَّته على المؤمنين، فلا يحبُّه إلاّ مؤمنٌ، ولا يبغضه إلاّ منافقٌ.

هو الأعلمُ والأكفأ، ولا تكون الخلافةُ لغيرهما. وليس يفضل عليّاً من البشر إلاّ رسولُ الله(ص)، الذي أحبَّ عليّاً منذ طفولته، لا حُبَّ القرابة، بل حبُّ الرسالة، يرفعُ له في كلِّ يومٍ من أخلاقه عَلَماً، ويأمرُه بالاقتداء به، ويفعلُ عليٌّ ما يؤمَر([2]).

ولهذا ـ أيُّها الأحبَّة ـ نتولاّهُ دون سِواه.

نعرِّفه فارساً شجاعاً، وبطلاً مِغْواراً، يقلع باب خيبر بيدٍ واحدة، ويضرب مَرْحَباً فيفلقَه نصفَيْن، ولكنْ مَنْ يلتفتُ إلى مصدر قوَّته وشجاعته، وهو الإيمان والثقة بالله، لا بغيره، وهو القائل: «ما قلعْتُ باب خيبر بقوّةٍ جسديّة، بل بقوّةٍ ربّانيّة»([3])؟

هو المحِقُّ في كلِّ أحواله، لازَمَ الحقَّ فلازَمَه، فكان مع الحقِّ في كلِّ مواقعه، وكان الحقُّ معه في كلِّ مواقفه، ويدورُ مع الحقّ حيثما دار. والحقُّ مُكْلِفٌ أيُّها الأحبّة، حتّى قال(ع) ـ في ما اشتُهر عنه ـ: «ما ترك لي الحقُّ من صديقٍ»([4]).

هو الزاهدُ في هذه الدنيا الفانية، فلا تغريه مباهجُها ولذائذُها، حتّى قام في محرابه ذات يومٍ، وهو يقول: «يا دنيا، إليكِ عَنِّي، أَبِي تعرَّضْتِ، أَمْ إليَّ تشوَّقْتِ. لا حانَ حينُكْ. هيهات، غُرِّي غيري. لا حاجة لي فيكِ. قد طلَّقْتُكِ ثلاثاً لا رَجْعةَ فيها. فعيشُكِ قصيرٌ، وخطرُكِ يسيرٌ، وأَمَلُكِ حقيرٌ. آهٍ مِنْ قلّةِ الزاد، وطولِ الطريق، وبُعْدِ السفر، وعظيمِ المورِد»([5]).

هو العابدُ، الذي لم يستهِنْ بفريضةٍ قَطّ، بل حافَظَ على المسنون من العبادات، حتَّى «لقد وقف ليلةَ الهرير، وهي أشدُّ ليلةٍ في حرب صِفِّين، وقف بين الصفَّيْن ليصلِّي وِرْدَه، فقال له ابنُ عبّاس: وهل هذا وقت الصلاة؟ إنّ عندنا لشغلاً بالقتال عن الصلاة، فقال(ع): عَلامَ نقاتلُهم؟ إنّما نقاتلُهم على الصلاة»([6]). ثُمّ تُطالعنا بعض المَروِيّات الضعيفة بأنّه فوَّت صلاةَ العَصْر حتّى غَرُبَتْ الشمسُ، فردَّها اللهُ له([7]).

هو الحاكمُ العادل، الذي لم يجعَلْ لنفسه مِيزةً على غيره، بل يجوعُ إذا جاعوا، ولسانُه يردِّد: «ولعلَّ بالحِجاز أو اليمامة مَنْ لا طَمَعَ له في القُرْص، ولا عَهْدَ له بالشَّبَع، أَوَأَبيتُ مِبْطاناً وحولي بُطونٌ غَرْثى، وأكبادٌ حَرّى؟ أَأَقنَعُ من نفسي بأنْ يُقالَ: أميرُ المؤمنين، ولا أشاركُهم في مكارهِ الدَّهْر، أو أكونُ أسوةً لهم في جُشوبة العيش»([8]).

ويأتيه أخوه عقيلٌ، يطالبه بزيادةٍ في المؤنة عمّا يعطي بقيّة الناس، فما الذي حصل؟ يروي لنا عليٌّ بنفسه تفاصيلَ القِصّة: «واللهِ، لقد رأيتُ عقيلاً وقد أَمْلَقَ، حتَّى استماحَني مِنْ بِرُّكُم صاعاً، ورأيتُ صِبْيانه شُعْثَ الشعور، غُبْر الألوان، مِنْ فَقْرِهِم، كأنَّما سُوِّدَتْ وجوهُهُم بالعِظْلَم، وعاودني مؤكِّداً، وكرَّر عليَّ القولَ مردِّداً، فأصغيتُ إليه سمعي، فظَنَّ أنّي أبيعُه ديني، وأتَّبع قيادَه مفارِقاً طريقي، فأحميتُ له حديدةً، ثم أدنيتُها مِنْ جسمِه؛ ليعتبرَ بها، فضجَّ ضجيجَ ذي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِها، وكاد أن يحترِقَ من مَيْسَمِها، فقلتُ له: ثَكَلَتْكَ الثواكلُ يا عقيل، أَتَئِنُّ مِنْ حديدةٍ أَحْماها إنسانُها لِلَعِبِه، وتجُرُّني إلى نارٍ سجَّرَها جبَّارُها لغضبِه. أَتَئِنُّ من الأذى، ولا أَئِنُّ من لظى»([9]).

هو العالمُ، الذي لم يتبجَّح على أحدٍ بعِلْمِه، ولم يخْزِنْه لنفسِه، وإنّما كان يبحث عن حَمَلةٍ مؤتَمَنين، ليودِعَ عندهم عِلْماً جَمّاً، عِلْماً نافعاً في الدِّين والدنيا، حيث يقول: «أيُّها الناس، سَلوني قبل أنْ تفقِدوني، فلأنا بطُرُق السماء (أي بتعاليم الله، وهي الطريق إلى الجنّة) أعلمُ منّي بطُرُق الأرض (أي ما يحتاجه الناس فيها لتيسير أمورهم)»([10]).

أمير المؤمنين، وإمام المتَّقين

أيّها الأحبّة، تستوقفنا في حياة عليّ محطّاتٌ كثيرة، ولكنّي في هذه العجالة أقف عند محطّتين اثنتين:

1ـ هو «أمير المؤمنين» و«إمام المتَّقين»، فما هي دلالة هاتين الصفتين؟

إنّهما تعنيان أنْ ليس المهمُّ أن نحبَّ نحنُ عليّاً ونهتفَ باسمِه، وندَّعي أنّنا شيعتُه، بل المهمُّ أن يبادلَنا عليٌّ هذا الحبَّ، ويقبلَنا شيعةً وموالين، ويكونَ أميراً وإماماً لنا. ومن الواضح من هاتين الصفتين أنّه أميرٌ للمؤمنين، وإمامٌ للمتَّقين، وأمّا مَنْ لم يكُنْ في عداد المؤمنين، ولم يكتبْ اسمَه في سجلِّ المتَّقين، فليس لعليٍّ علاقةٌ به على الإطلاق.

وهذا يدفعنا للعملِ الجادّ لإحراز صفة «المؤمنين»، وصفة «المتَّقين»؛ كي نحقِّق هدفَنا وغايتَنا في ما نرفعُه من شعارات، ونأملُه من فوزٍ ونجاة.

شعار عليٍّ(ع): «لأسالمنَّ ما سلِمَتْ أمور المسلمين»

2ـ لقد سلبوا عليّاً(ع) الخلافة الفعليّة بعد رسول الله(ص). والخلافةُ عند عليٍّ ليست كرسيّاً يعشقُه، كما هي حالُ كثيرٍ من الحكّام، وإنّما هي مسؤوليّة عن الخلقِ (عباد الله) ومصالحِهم. إذاً هي تكليفٌ ومسؤوليّة. وعندما غصبوها منه وقف أمام خيارَيْن:

إمّا أنْ يقاتِل القومَ وتكونَ الفتنةُ، ويكونَ الفسادُ في أمور المسلمين.

وإمّا أن يقفَ موقف المؤمن المسؤول، متعالياً على الجراح، مترفِّعاً عن صغائر الأحداث. يقف لينصر الذين آذَوْه، وحاربُوه، وأبعدُوه؛ لأنّ في نصرتِه لهم، ووقوفِه إلى جانبهم، ومدِّ يد العون إليهم، نجاةَ المسلمين، وسلامةَ أمور دينهم ودنياهم.

فاختار(ع) مدَّ اليد، والمعونة، وهو يقول: «لأُسالِمَنَّ ما سلمَتْ أمورُ المسلمين، ولم يَكُنْ بها جورٌ إلاّ عليَّ خاصّة؛ التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً في ما تنافستموه من زخرفه وزبرجه»([11]).

وأمّا عندما بلغ الانحراف مداه، وتعرَّضت مصالح المسلمين للخطر، فقد خرج شاهراً سيفه، مقاتِلاً الناكثين والقاسطين والمارقين، ولم تأخُذْه في الله لومةُ لائمٍ.

أيُّها الأحِبّة، هذا هو عليٌّ أميرُ المؤمنين، وإمامُ المتَّقين، العالمُ والعابدُ والزاهدُ والعادلُ، هذا هو عليٌّ وما أدراكَ ما عليّ؟!

وصيَّته(ع) للموالين

ولعليٍّ وصيّتُه لِكُلِّ مَنْ أرادَ أن يتَّخِذَه إماماً وقائداً، وهادياً ومرشِداً، وأيُّ عاقلٍ لا يرغب في ذلك: «أَلا وإنَّ لكُلِّ مأمومٍ إماماً يقتدي به، ويستَضِيء بنورِ علمِه. أَلا وإنَّ إمامَكم قد اكتفى مِنْ دُنياه بطِمْرَيْه، ومِنْ طِعْمِه بقُرْصَيْه. أَلا وإنَّكم لا تقدِرون على ذلك، وَلكِنْ أعينوني بوَرَعٍ واجتهاد، وعفّةٍ وسداد»([12]).

أيُّها الأحبَّة، ليس الولاءُ كلماتٍ نردِّدُها، وشعاراتٍ نرفعُها، إنَّه عقيدةٌ في جِنان، وقولٌ بلسانٍ، وعملٌ بالأركان، إنّه سُلوكٌ وموقِف.

صفات الوليّ

أيُّها الأحبَّة، لقد حدَّد لنا الباري عزَّ وجلَّ صفات الوليّ فقال: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (المائدة: 55).

و(إنَّما) تفيد الحصر، فلا ولاية إلاّ لمَنْ كان بهذه الصفات، وهي:

1ـ أن يقيم الصلاة، بما تمثِّله من بُعدٍ عن المنكر، كلِّ منكَرٍ، فقد جاء في آيةٍ: ﴿وَأَقِمْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت: 45)، وجاء في الحديث عن النبيِّ(ص): «مَنْ لم تَنْهَه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدَدْ من الله إلاّ بُعْداً»([13]).

2ـ أن يؤتي الزكاة، بما تمثِّله من تكافلٍ اجتماعيّ، ورعايةٍ للضعيف والمحتاج، وأداء لحقٍّ معلوم في المال، لا يجوز أن يُمنَع صاحبه منه: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (المعارج: 24 ـ 25).

3ـ أن يكون راكعاً، بما يمثِّله الركوع في العُرْف العامّ من الخضوع والاستسلام والانقياد، فلا أمر ولا نهي له مع مَنْ يركع له، بل هو التسليم المطلق لله سبحانه وتعالى. وهذا هو المعنى العميق للإسلام.

ولم تتعرَّض الآية لصفاتٍ أخرى، كالشجاعة، والجمال، والمال، والجاه، و…

فإذا كان المطلوب في الوليّ (مَنْ له الولاية) أن يكون طائعاً عابداً خاضعاً فكيف بالمَوالي (مَنْ هو وليٌّ عليهم) والتابعين؟! وهل يُعقَل أن يطالَب الوليُّ بالطاعة ويُعفى من ذلك مريدُه ووليُّه؟!

كلمةٌ توجيهيّة: سبيل النجاة حبٌّ وعمل

ومن هذا المنطلق لا بُدَّ من كلمةٍ لشيعة عليٍّ(ع): أيُّها الأحبَّة، حين نوالي عليّاً، وهو الإمام والوليّ المعصوم، فلا بُدَّ أن نستحضر أنَّنا قد اخترنا طريقاً شاقّاً وصعباً، طريقَ ذات الشوكة، طريقَ الجهاد والتصدّي، لا للعدوّ فحسب، بل للنفس الأمّارة بالسوء أيضاً، التي تلحُّ علينا في كلِّ حينٍ بالمعصية، وترغِّبها إلينا.

أَفيكفي أن نحبّ عليّاً ونتولاّه ثمّ لا نكون كما كان، مطيعين لله، منيبين إليه، متَّقين وَرِعين، نرقب الله عند كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، فلا نقدِّم رجلاً ولا نؤخِّر أخرى حتَّى نعلم أنّ ذلك لله رضا؟!

لا، واللهِ، لقد قالها عليٌّ(ع) قبل مئات السنين كلماتٍ خالدةً مدى العصور: «أفبهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قُدْسه، وتكونوا أعزَّ أوليائه عنده؟! هيهات، لا يُخدَع الله عن جنَّته»([14]).

فالخوفَ الخوفَ من الله سبحانه وتعالى، ربِّ عليٍّ، وسيِّد عليٍّ، وخالق عليٍّ، ورازق عليٍّ، والمثيب على حبِّ عليٍّ(ع).

وأمّا ما يصدر من بعض الشيعة الأعزّاء ـ هداهم الله ـ من اندفاعٍ في الغلوّ، حتّى إنَّهم ليسيئون إلى الله سبحانه وتعالى، باسم الحُبِّ والعشق لعليٍّ(ع)، فيردِّدون:

أبا حسنٍ واليتُك اليومَ راضياً

بما أنتَ فيه ليس لي عنك معزلُ

فلو أنَّ ربِّي في القيامة قال لي

دَعِ المرتضى أو تدخل النارَ أدخلُ

فهل يعي هؤلاء ما يقولون؟!

أَوَليس سببُ حبِّنا لعليٍّ أنّ الله قد أمر به، ولم يرضَ بغيره؟!

أَوَليست قيمةُ عليٍّ أنّه وليُّ الله، وحبيبُ الله، وأنَّ الله قد أمَّره على الناس كافّةً، وأمر بحبِّه وولايته؟!

فلو ـ والكلام هنا افتراضٌ ـ أنّ الله أمرنا بترك المرتضى عليٍّ(ع)، فهل نطيع اللهَ في أمره، أو نعصي اللهَ؛ حبّاً بعليٍّ؟! وأيُّ قيمة لذاك الحبّ حينئذٍ؟!

منكَراتٌ عقائديّة وشرعيّة

وكذلك هو حال ما يردِّده بعض الشيعة، بعشقٍ وحبٍّ لأمير المؤمنين عليٍّ(ع)، ولكنَّه في واقع الحال يُسيء إليه، ويتضمَّن منكَراتٍ عقائديّةً وشرعيّة، من قبيل: «كيف لا أعبُد ربّاً كان ربَّك يا عليّ؛ كيف لا أَتْبَعُ رجلاً كان ابن عمِّك يا عليّ؛ كيف لا أحجّ بيتاً فيه وُلدتَ يا عليّ؛ كيف لا أقرأ وَحْياً نزل بإذنك يا عليّ؛ كيف لا أصلّي خمساً كما صلَّيْتَ يا عليّ؛ كيف لا أصوم شهراً به قُتلتَ يا عليّ؛ كيف لا ألعنُ جَهْراً مَنْ آذاكَ يا عليّ؛ كيف أخشى من نكيرٍ وهو يدري مَنْ عليّ؛ كيف أخشى من صراطٍ وأنت صراطي يا عليّ؛ سجِّروا النار لغيري أنا من حزب عليّ».

فنحنُ نعبد الله لأنّه خلقنا وهدانا، لا لأنّه ربُّ عليٍّ فحسب.

ونحن نتْبَعُ رسول الله؛ لأنّه الصادق المصدَّق بما جاء به من عند الله، وقد أوجب الله طاعته، ولا علاقة لذلك بقرابته من عليٍّ(ع).

ونحن نحجّ بيت الله الحرام؛ ونتَّجه إليه في صلواتنا أيضاً؛ لأنّ الله أمر بذلك، لا لأنّ عليّاً قد وُلد فيه. وقد استقبل النبيُّ الأكرم(ص)، والمسلمون معه، بيتَ المقدس في صلواتهم لأكثر من 13 سنة، مع أنّ عليّاً(ع) لم يرَه، ولم يمرَّ به.

ونحن نقرأ كتاب الله، الذي نزل بإذن الله على قلب ولسان رسوله وحبيبه محمد(ص). ولا نؤمن قطُّ أنّه نزل بإذن عليٍّ(ع). وفي الاعتقاد بذلك مشكلةٌ عقائديّة كبيرة، فلنلتفِتْ.

ونحن نصلّي ونصوم؛ لأنّ الله أمرنا بهذه العبادات بكيفيَّةٍ خاصّة، ولا علاقة لذلك كلِّه بما حصل مع عليٍّ(ع)، من صلاةٍ، أو صيام، أو قتل، أو…

ونحن نسأل الله أن يجنِّبنا أهوالَ القبر، ومنها: سؤال منكرٍ ونكير، وهما مَلَكان مأموران، كبقيَّة الملائكة، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. فأيُّ جرأةٍ منكَرةٍ في هذا التحدّي للمَلَك (نكير) بأنّه لا يُخْشى منه فهو يعرف مَنْ عليّ؟! فكأنَّه تهديدٌ ووعيد لهذا المَلَك الكريم. وعندما يأمره الله بأمرٍ فسيقوم به، ولن يخافَ من أحدٍ، ولن يتجرّأَ أحدٌ في الوجود أن يمنعَه من عمله.

نسأل الله العليَّ القدير أن يثبِّتنا على دينه، ولا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، إنَّه نِعْمَ المولى، ونِعْمَ النصير. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

**********

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) من كلامٍ له(ع) لمّا عُوتب على التسوية في العطاء، فقال: «أتأمروني أن أطلب النصر بالجَوْر في مَنْ ولِّيتُ عليه». (نهج البلاغة 2: 6).

([2]) نهج البلاغة 2: 157، من خطبةٍ له% تُسمّى القاصعة: ولقد كنتُ أتبعه اتّباع الفصيل أثر أمِّه، يرفع لي في كلّ يومٍ من أخلاقه عَلَماً، ويأمرني بالاقتداء به.

([3]) روى الصدوق في (الأمالي: 604 ـ 605)، عن عليّ بن أحمد بن موسى الدقّاق، عن محمد بن هارون الصوفي، عن أبي بكر عبيد الله بن موسى الحبّال الطبري، عن محمد بن الحسين الخشّاب، عن محمد بن محصن، عن يونس بن ظبيان، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه(عم)، أن أمير المؤمنين(ع) قال في رسالته إلى سهل بن حنيف(ر): «واللهِ، ما قلعتُ باب خيبر، ورميتُ بها خلف ظهري أربعين ذراعاً، بقوّة جسديّة، ولا حركة غذائيّة، لكنّي أُيِّدْتُ بقوّةٍ ملكوتية، ونفسٍ بنور ربِّها مضية، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء».

([4]) لم نجِدْ له أثراً في المصادر الحديثيّة، ولكنَّ نسبته إلى أمير المؤمنين(ع) مشهورةٌ جدّاً.

([5]) نهج البلاغة 4: 16 ـ 17، من خبر ضرار بن ضمرة الضبابي عند دخوله على معاوية ومسألته له عن أمير المؤمنين(ع).

([6]) وسائل الشيعة 4: 246، نقلاً عن (الإرشاد)، للحسن بن محمد الديلمي.

([7]) راجع تفسير العياشي 2: 70 ـ 71.

([8]) نهج البلاغة 3: 72، من كتابٍ له(ع) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، وهو عامله على البصرة، وقد بلغه أنّه دُعي إلى وليمة قومٍ من أهلها فمضى إليها.

([9]) نهج البلاغة 2: 217 ـ 218.

([10]) نهج البلاغة 2: 130.

([11]) نهج البلاغة 1: 124، من كلامٍ له(ع) لمّا عزموا على بيعة عثمان.

([12]) نهج البلاغة 3: 70، من كتابٍ له(ع) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، وهو عامله على البصرة، وقد بلغه أنّه دُعي إلى وليمة قومٍ من أهلها فمضى إليها.

([13]) رواه المجلسي في (بحار الأنوار 79: 198)، معلَّقاً مرفوعاً؛ وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد 2: 258): «عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله(ص): «مَنْ لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدَدْ من الله إلاّ بُعْداً». رواه الطبراني في الكبير، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقةٌ، ولكنَّه مدلِّسٌ. وعن عبد الله بن مسعود قال: «مَنْ لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهاه عن المنكر لم يزدَدْ من الله إلاّ بُعْداً». رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح».

([14]) نهج البلاغة 2: 12.



أكتب تعليقك