الفساد والطغيان: ماهيّتهما، وبعض المصاديق
(الجمعة 8 / 5 / 2015م)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
تمهيد
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (الأعراف: 85) (صدق الله العليّ العظيم).
كثيرون هم الذين يدَّعون الإسلام والإيمان، ويوزِّعون العبارات والألفاظ المرتبطة بمفاهيم الإسلام ومبادئه ذات اليمين وذات الشمال. ولكنْ قليلٌ هم الذين يقرنون القَوْل بالعَمَل، ويترجمون إسلامهم وإيمانهم سُلُوكاً ومواقف.
والآية التي تقدَّمت تشير إلى مسألةٍ ينبغي لكلِّ مؤمنٍ أن يلتفت إليها، وهي أنّ على المؤمن أن لا يُفسد في الأرض بعد أن أصلحها الله بتعاليم دينه الحنيف، وسيرة الأنبياء والمرسلين، والأوصياء والأولياء الصالحين.
فما هو الفساد والطغيان؟ وما هي مظاهرهما؟ ومَنْ هم أبرز الطواغيت في التاريخ ممَّنْ ذكرهم لنا القرآن الكريم؟
مَنْ هم الطواغيت الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم؟
ذُكر في القرآن الكريم عِدّةُ أصناف من الطواغيت والمُفْسِدين في الأرض، وأبرزهم:
1ـ فرعون وهامان: فلقد بلغا مبلغاً عظيماً في الطغيان والفساد والبَغْي، حتّى اشتهرا بذلك بين الأمم، وأصبحا مصداقاً أجلى للطاغوت والباغي.
يقول عزَّ من قائلٍ: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ المُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (القصص: 4 ـ 6)([1]).
ومن خصال فرعون الذميمة، التي تعكس فسادَه وطغيانَه وبَغْيَه أنّه كان يستخفُّ بعقول قومه، ولا يَدَعُ لهم مجالاً للتفكير في عواقب ما يأمرهم به أو ينهاهم عنه، وكانوا يَتْبَعونه كهَمَجٍ رُعاع، أتباعِ كلِّ ناعقٍ، يميلون مع كلِّ ريح، لم يستضيئوا بنور العِلْم، ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيق: ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ المَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ (الزخرف: 51 ـ 54).
2ـ قارون: وهو من قوم موسى(ع)، وكان ثريّاً جدّاً، ويمتلك من الأموال ما لا يحصيه إلّا اللهُ عَدَداً، وكانت تصيبه نشوة الفَرَح والغُرور بما أُوتيه من هذه الكنوز، ويعتقد أنّه قادرٌ على تطويع الناس وقَهْرهم بها. وانطلق خلف ملذّات هذه الحياة الدنيا، متناسياً الدار الآخرة، فلم يَسْعَ لها سَعْيَها، وكانت كلُّ مشاريعه تستبطن الفساد والبَغْي والطغيان والاستعلاء والقَهْر والغَلَبة: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِي مَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ﴾ (القصص: 76 ـ 77).
3ـ المطفِّفون: حيث كانت هذه العادة من صفات قوم نبيِّ الله شعيب(ع)، فحذَّرهم منها، ونَعَتَهم بالمفسدين؛ بسببها: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (الأعراف: 85).
وفي آيةٍ أخرى: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (هود: 85).
4ـ السَّحَرة: حيث خاطبهم موسى بعد أن ألقَوْا ما في أيديهم من الحبال والعِصِيّ، وخُيِّل للناس من سِحْرهم أنّها تسعى: ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ﴾ (يونس: 81).
5ـ السارقون والنصّابون: بقوّة السلاح؛ أو بالخِدْعة والمَكْر والحِيلة، وسواءٌ كان المال خاصّاً أو عامّاً. فالكلُّ سواءٌ. وهذا ما نستوحيه ممّا عبَّر به إخوةُ يوسف(ع) عندما أُخبِروا بفقدان صُواع الملك: ﴿قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ (يوسف: 72 ـ 73).
6ـ الرادّ خاطِباً كَفُؤاً: والكفاءة هي صلاحُ الدِّين والخُلُق. وقد رُوي في الصحيح عن النبيّ(ص) أنّه قال: «إذا جاءكم مَنْ ترضون خُلُقَه ودينه فزوِّجوه، إنْ لا تفعلوه تكُنْ فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير»([2]).
ما هو الطغيان؟
يمكننا تعريفُ الطغيان بأنّه تجاوز الحَدِّ المقرَّر للأشياء.
فإذا تجاوز الماءُ الحدَّ المقرَّر له تكويناً في الأنهار أو البحار كان ذلك طغياناً: ﴿إِنَّا لمَّا طَغَى المَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾(الحاقّة: 11).
وقد رسم الله سبحانه وتعالى للناس حدوداً وضوابط في تعاملهم مع بعضهم، فكلُّ تجاوزٍ لتلك الحدود هو طغيانٌ، سواءٌ كان صغيراً أم كبيراً.
أبرز أسباب الطغيان
ولعلّ من أبرز أسباب الطغيان أن يمتلك الإنسان مالاً وجاهاً وسلطةً وقوّة، فيظنّ أنّه قد حصل على هذا المال بقوَّته وقدرته، وأنّ له سلطةً واقعيّة على الناس من حوله، فيتجاوز كلَّ الحدود القائمة بينهم وبينه. يقول جلَّ وعلا في محكم كتابه: ﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ (العلق: 6 ـ 7).
وقد تقدَّم في قصّة قارون ما يؤكِّد هذا الأمر.
وهكذا هو الحال في قصّة النمرود، الذي عاصر خليل الله إبراهيم(ع). فقد طغى وتجبَّر وتكبَّر، وكفر وأَنْكَر، حتّى قالها بلسانِ المُستَخِفِّ بالله: «أنا أحيي وأميت»: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ المُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 258).
ثمّ ما لبث أن أمر بإحراق نبيّ الله إبراهيم(ع)، فأظهر اللهُ عَجْزَه، وأخزاه على رؤوس الأشهاد: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ﴾ (الأنبياء: 68 ـ 70).
لماذا ينتشر الفساد والطغيان والبَغْي؟
وفي موضوع الفساد والطغيان تستوقفنا آيةٌ كريمة: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم: 41).
إذن هو الفساد والطغيان والبَغْي ينتشر بما كسبَتْ أيدي الناس، فما الذي فعله هؤلاء المستضعفون والفقراء حتّى يتسلَّط عليهم مَنْ ينهب ثرواتهم، ويصادر حرّيّاتِهم، ويتحكَّم بمصائرهم؟
قد يكون هؤلاء من خِيرة العابدين الزاهدين، الأتقياء الوَرِعين، ولكنّهم لا يحرِّكون ساكناً أمام ظالمٍ، ولا يَصْدَحون بكلمة حقٍّ أمام معتدٍ، ولا يتَّخذون موقفاً من باغٍ طاغٍ، مخالفين أمرَ الله، حيث يصف المؤمنين بقوله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ (الشورى: 39). فيبقى الظالم والباغي والطاغي والمعتدي يتحرَّك في الساحة وحده، دون أن يجد مَنْ يردعُه ولو بكلمةٍ، على سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فهذا هو ما كسِبَتْه أيديهم. إنّ سكوتهم عن حقِّهم شجَّع الطاغي على التوغُّل في تجاوز الحَدّ، فمن سيِّئٍ إلى أسوأ.
لكنَّ الله شرَّع سُبُلاً للخلاص من هذا الطغيان والفساد، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة: 251).
إذن هو الإنسان نفسُه يرفع عن نفسِه الظلم، ويردع الطاغي والباغي عن فعله.
بإنكار الطغيان، وقطع أيِّ علاقةٍ مع الطغاة، ترتسم سبيلُ الخلاص، وتكون النجاة قضاءً لا مَرَدَّ له: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 256).
ومن هنا كان التشنيع الإلهيّ على مَنْ يرتبط بالطاغوت، سواءٌ كان سياسيّاً أم اقتصاديّاً أم اجتماعيّاً أم عسكريّاً، ويتحاكم إليه، فقال تقدَّست أسماؤه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً﴾ (النساء: 60 ـ 61).
كيف حارب الإسلام الفساد؟
لقد حارب الإسلامُ الفساد والطغيان كما حارب كثيراً من الموبِقات والمُنْكَرات الأخرى، من خلال الدعوة إلى التصدّي لظاهرة الفساد والمُفسدين، فنخوِّفهم ونحذِّرهم غضبَ الله تعالى، ونحُول بينهم وبين ما يَصْبون إليه، في وقفةٍ فرديّة وجماعيّة.
وكلَّما توحَّدت الجهود في هذا السبيل كلَّما كانت النتيجة أقرب إلى التحقُّق.
فالعلماءُ الأبرار بسيرتهم العَطِرة، ومواعظهم البليغة، ومحاضراتهم القيِّمة، قادرون على أن يساهموا في عمليّة الإصلاح هذه.
وولاةُ الأمر العادلون، بما لديهم من قدرةٍ وسلطة، قادرون على إصلاح ما فَسَد، ومنع أيِّ فسادٍ قد يطرأ بعد ذلك. ولكنّ ذلك يحتاج إلى شجاعةٍ وإرادة وعَزْم، وأن لا تأخذهم في الله ونصرة المستضعفين والمظلومين وإحقاق الحقّ لومةُ لائمٍ، أو يثنيهم عن قرارهم طمعٌ في حُطامٍ حقير فانٍ.
جزاء الطغاة والفاسدين
هذا وقد بيَّن الله في محكم كتابه شيئاً ممّا أعدّه للفاسدين والطغاة من العذاب والجزاء في الدنيا والآخرة، فقال: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة: 33).
وفي آيةٍ أخرى: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ (الرعد: 25).
وقال جلَّ وعلا: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾ (النحل: 88).
وقال عزَّ من قائلٍ: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى﴾ (النازعات: 37 ـ 39).
وقال جلَّ شأنُه: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ (طه: 81).
وفي مقابل ذلك وَعَد الذين لا يريدون عُلُوّاً في الأرض ولا فساداً بأن تكون لهم الدار الآخرة بكلِّ نعيمها، خالدين فيها، جزاءً بما كَسَبوا، فقال: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (القصص: 83).
أيُّها الأحبَّة، إنّه النَّهْي الإلهيّ عن الطغيان، نَهْياً مغلَّظاً، بعد الأمر بالاستقامة، وعدم الخروج عن جادّة الحقّ إلى غيرها: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (هود: 112). هو نَهْيٌ أدرك حقيقتَه نبيُّنا الأكرم محمد(ص)، حين قال: «شيَّبَتْني هود»، فقيل له في ذلك، فقال: «قوله: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾»([3]).
فهل ننتهي بنَهْي الله؟ ذلك هو الامتحان، حيث يُكرَم المَرْءُ أو يُهان. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
**********
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ﴾(يونس: 90 ـ 91).
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾(الفجر: 6 ـ 12).
﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾(طه: 24).
([2]) رواه الكليني في الكافي 5: 347، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسين بن بشّار الواسطي، عن أبي جعفر(ع).
ورواه أيضاً ـ بإسنادٍ صحيح ـ عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد؛ وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعاً، عن عليّ بن مهزيار، عن عليّ بن أسباط، عن أبي جعفر(ع)، مرفوعاً.
ورواه أيضاً عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن إبراهيم بن محمد الهمداني، عن أبي جعفر(ع)، مرفوعاً.
([3]) رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 11: 213، معلَّقاً مرفوعاً.
اسلوب راقي وتفسير غير معقد يتسنى للقارئ فهمه بسهولة ادامك الله منارة للجميع