14 فبراير 2016
التصنيف : مقالات فكرية
لا تعليقات
5٬255 مشاهدة

عيد الحُبّ، في محضر القرب الإلهي

2016-02-14-عيد الحُبّ، في محضر القرب الإلهي-صغيرة

(الخميس 11 / 2 / 2016م)

«كُلُّ يومٍ لا يُعصى الله فيه فهو عيد»([1]). وعلى المؤمن العاقل أن يبذل قصارى جهده لتكون كلُّ أيّامه أعياداً، بطاعة الله، ونَيْل رضاه.

وبالقياس، على العاشق والمُحِبّ أن يجهد نفسه لتكون كلُّ أيّام حياته عيداً للحُبّ والعشق الدائمَيْن:

1ـ حبِّ الله، الخالق والمدبِّر، والمُنْعِم المتفضِّل، حيث يتحبَّب إلى خَلْقه بالنِّعَم، ويقابلونه بالمعاصي والذنوب([2])، فعن أيِّ أَدَبٍ يَصْدُرون؟! فحَرِيٌّ بالعاقل الواعي أن يبادل هذا الحُبَّ والحنان، والرأفة والرحمة، بحُبٍّ صادق، يتجلّى في سلوكه وأعماله، طاعةً وانقياداً، وتضحيةً وفداءً، كما فعل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) حين برز في خيبر للقتال؛ فداءً للدين، وصدق رسولُ الله(ص) حيث قال: «لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله، لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه»([3]).

2ـ حبِّ الوالدين، حيث تعبا وسهرا وطلبا راحته، فمن العَدْل والإحسان أن يبادلهما هذه العواطف الجيّاشة، طاعةً وبِرّاً، وشَفَقةً وإحساناً، فلا يقول لهما أُفٍّ، ولا ينهرهما، ويقول لهما قولاً كريماً.

3ـ حبِّ الزَّوْجة أو الزَّوْج، حيث جعلهما الله سَكَناً لبعضهما، وأراد لهما أن يكونا في وافرٍ من المودّة، وفائضٍ من الرَّحْمة([4])، وشبَّههما باللِّباس([5])، يستر أحدهما الآخر، ويجمِّله، ويكمِّله.

وهكذا يتجلّى الحبُّ رِفْقاً وعَوْناً بالضعيف ـ وهو المرأة غالباً ـ، فأيُّ ضَيْر أن يساعدها ويعينها، وهي قُرَّة العين([6])، وحَبَّة القلب، وأنيس النَّفْس، ورفيق الدَّرْب؟! وهذه هي سنن الأنبياء والمرسلين، والأوصياء والصالحين.

000               0000

4ـ حبِّ الأطفال، الذين هم قُرَّة عين الوالدَيْن([7])، ولذّة هذه الدنيا وزينتها([8])، فيحرص على مصلحتهم الدنيويّة والأخرويّة على السواء. فكما يهتمّ بتعليمهم وثقافتهم؛ لينالوا حظّاً من هذه الحياة الدنيا، عليه أن يهتمّ بتربيتهم الدينيّة؛ ليكونوا في منأىً عن الخسران المُبين، والعذاب المُهين، ﴿يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشعراء: 88 ـ 89)، مستجيباً لنداء الله الرحمن الرحيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم: 6).

5ـ حبِّ الناس، كلِّ الناس، حيث إنّهما «صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين؛ وإمّا نظيرٌ لك في الخَلْق»([9])، «فأَحْبِبْ لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكْرَهْ له ما تكره لها»([10])، ولا يمنعك كفرهم أو إعراضهم عن أن تحسن إليهم، فلرُبَما كان الإحسان سبباً لهدايةٍ، كما قد تكون الإساءة سبباً للنفور والإصرار على الضلال والغِواية.

أيُّها الأحِبَّة، عيدُ الحُبّ محطّةٌ متميِّزة في حياة الإنسان، حيث يكشف عن مشاعره النبيلة، وعواطفه السامية، تجاه خالقِه ورَحِمِه، وخادمِه وأنيسه، تلك المشاعر والعواطف الصادقة التي تنطلق من أعماق قلبه، لتصل إلى أعماق قلوب الآخرين، فتملأها بهجةً وسعادة وحبوراً، ولتتجلّى في كافّة صفحات حياتهم خَيْراً وعَدْلاً وإحساناً.

إنّه عيد الحُبّ الصادق، والعِشق الخالص من كلِّ رياءٍ وسُمْعة، والغرام الطاهر من كلِّ دَنَسٍ ورِجْسٍ وفِسْقٍ وفجور، بعيداً عن كلّ أشكال الظُّلْم والقَهْر والغِشّ والكَذِب والخِداع.

ذاك هو عيدُ الحُبّ والعشق الإنسانيّ، القائم على طهارة القلب، وعفاف الرُّوح، وإخلاص النيّة في القُرْب من الله تبارك وتعالى، والتودُّد لعياله، والنَّفْع لعباده، فـ «الخلقُ كلُّهم عيالُ الله، وأحبُّهم إلى الله عزَّ وجلَّ أنفعُهم لعياله»([11]).

بهذا المفهوم الإيمانيّ والإنسانيّ للحُبّ وعيد العُشّاق تتهاوى خصوصيّة اللون أو اليوم([12])، لتغدو الأيّام كلُّها أعياد حُبٍّ لله والإنسان، امرأةً أو رجلاً أو طفلاً.

ونستحضر في هذا اليوم قول أمير المؤمنين عليٍّ(ع): «أقلُّ ما يلزمكم لله أن لا تستعينوا بنِعَمه على معاصيه»([13])؛ لدعوة كلِّ الذين يريدون الاحتفال في هذا اليوم أن يفرحوا ـ وليس مطلق الفَرَح حراماً ـ، وإنَّما يحرم فَرَح البَطَر والكِبْر والخُيَلاء والبَغْي([14])، الفَرَح الذي يرافقه الإسراف والتبذير، الفَرَح الذي لا ينفكُّ عن الرَّذيلة والفاحشة([15])، وإيذاء النَّفْس([16])، والإضرار بالآخرين([17]).

«اللهُمَّ، امْلأ قلبي حُبّاً لكَ، وخَشْيةً منكَ، وتصديقاً وإيماناً بكَ، وفَرَقاً منك، وشَوْقاً إليكَ، يا ذا الجلال والإكرام. اللهُمَّ حبِّبْ إليَّ لقاءَك، واجعَلْ لي في لقائك خير الرَّحمة والبَرَكة، وأَلحِقْني بالصالحين، ولا تؤخِّرني [تُخْزِني] مع الأشرار، وأَلحِقْني بصالح مَنْ مضى، واجعَلْني مع صالح مَنْ بَقي، وخُذْ بي سبيل الصالحين، وأَعِنِّي على نفسي بما تُعين به الصالحين على أنفسهم، ولا تَرُدَّني في سوءٍ استنقذْتَني منه، يا ربَّ العالمين»([18]).

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) نهج البلاغة 4: 100، من قولٍ له(ع) في بعض الأعياد.

([2]) ورد في دعاء أبي حمزة الثّمالي، الذي ينقله عن الإمام زين العابدين(ع)، قوله: «تتحبَّب إلينا بالنِّعَم ونعارضك بالذنوب». (الصحيفة السجّاديّة (أبطحي): 220).

([3]) رواه الصدوق في الأمالي: 603 ـ 604، عن أحمد بن محمد بن صقر الصائغ، عن محمد بن العبّاس بن بسّام، عن محمد بن خالد بن إبراهيم، عن سويد بن عبد العزيز الدمشقي، عن عبد الله بن لهيعة، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، مرفوعاً.

([4]) ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21).

([5]) ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ (البقرة: 187).

([6]) ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ (الفرقان: 74).

([7]) ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (القصص: 13).

([8]) ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ (الكهف: 46).

([9]) نهج البلاغة 3: 84، من عهده(ع) لمالك الأشتر حين ولاّه مصر.

([10]) نهج البلاغة 3: 45، من وصيّةٍ له(ع) لوَلَده الحسن المجتبى(ع).

([11]) رواه الحميري في قرب الإسناد: 12، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه[عما]، مرفوعاً.

([12]) حيث اختير اللون الأحمر كرمزٍ لهذا اليوم العاطفي الكبير، واختير يوم 14 شباط من كلّ عامٍ يوماً عالميّاً للعشّاق. ويدعو البعض في مقابل ذلك لاتِّخاذ يوم زواج أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) من سيِّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عا) عيداً للحُبّ الطاهر المقدَّس.

([13]) نهج البلاغة 4: 78.

([14]) ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ (القصص: 76).

([15]) كالغِناء وما يستتبعه من أعمال منافيةٍ للقِيَم الإنسانيّة، والشرائع السماويّة، كالزِّنا، ونحوه.

([16]) كشرب الخَمْر، ولعب القمار، و…

([17]) كإطلاق الرصاص، واستخدام مكبِّرات الصوت المزعجة، و…

([18]) رواه الكليني في الكافي 2: 585 ـ 586، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ، عن كرّام، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله(ع)…

001-صغيرة002-صغيرة003-صغيرة004-صغيرة005-صغيرة006-صغيرة



أكتب تعليقك