26 فبراير 2016
التصنيف : مقالات عقائدية، منبر الجمعة
لا تعليقات
7٬350 مشاهدة

فاطمةُ الزهراء(عا)، الصدِّيقةُ والشهيدة

2016-02-26-منبر الجمعة#مكرر+إضافات-فاطمةُ الزهراء(عا)، الصدِّيقة والشهيدة

(الجمعة 26 / 2 / 2016م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

تمهيد

للأسف الشديد ليس هناك تواريخ محدَّدة بالضبط لكثيرٍ من الحوادث التاريخية، ومنها: ولادة مولاتنا فاطمة الزهراء(عا) ـ كما وفاتها، التي نعيش أجواءها في هذه الأيّام، والتي يختلف في تاريخها على ما يقرب من عشرين قولاً([1]). والصحيح أنّها في 13 جمادى الأولى عام 11هـ، أي بعد وفاة النبيّ(ص) بـ 75 يوماً، وهو مفادُ روايةٍ صحيحة([2])، ويكون عمرها حينئذٍ ما يقرب من 28 عاماً؛ حيث وُلدَتْ وقريش تبني البيت، أي الكعبة، وقد حصل ذلك قبل بعثة النبيّ(ص) بخمس سنوات ـ.

ولكنّ المعروف والمشهور عند الإماميّة أنّها(عا) وُلدَتْ في 20 جمادى الثانية بعد البعثة النبويّة الشريفة. وقد ذُكر في بعض المصادر التاريخية أنّها(عا) أصغرُ بنات النبيّ(ص)، الذي كان له من البنات أربع، وهُنَّ: زينب، ورقيّة، وأمّ كلثوم، وفاطمة.

بناتُ النبيّ(ص) أم ربائبه

يحاول البعض جاهداً إثبات أنّ مولاتنا فاطمة الزهراء(عا) هي البنت الوحيدة للنبيّ الأكرم والخاتَم محمد(ص)، ويختلفون في تحديد هويّة البنات الثلاثة الأُخَر؛ فيقول البعض: هُنَّ أولاد زوجته خديجة؛ ويقول آخرون: إنَّهُنَّ بنات أخت أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد، وتُدعى «هالة».

ولكنَّ هذه الأقوال برُمَّتها لا تخلو من الخطأ والاشتباه، وعدم الانسجام مع مجريات التاريخ، والنصّ القرآنيّ القاطع، ويشتمّ منها رائحة العصبيّة المذهبيّة، بعيداً عن التحقيق الكافي، والبحث العلميّ الرصين.

ففي حين ينفون كونهُنَّ بناتاً له(ص) يقبلون أنّه زوَّجَ اثنتين منهُنَّ لـ «عثمان بن عفّان»، واحدةً بعد أخرى، علماً أنّه جاء في كتب التراث الحديثيّ أنّه أساء معاملة الأولى، وهي رقيّة، حتّى ماتت من جرّاء ضربه لها، وزوَّجه النبيّ(ص) بعد ذلك أمَّ كلثوم، ولُقِّب لأجل ذلك بـ «ذي النُّورَيْن». والتحقيقُ في هذا الأمر موكولٌ إلى محلِّه.

فهل نُجِلُّ النبيَّ الأكرم محمّداً(ص) عن تزويج بناته من «عثمان»، ونرضى منه أن يزوِّج بنات زوجته من هذا الرجل ذو التعامل السيِّئ مع زوجاته؟!

ويغلو البعض أكثر، فينفي أن يكُنَّ بنات خديجة، وإنّما هُنَّ بنات أختها هالة، في محاولةٍ منه لتنزيه رحِم خديجة من الحَمْل بغير فاطمة الزهراء(عا).

وهنا يكون الإشكال أكبر من سابقه؛ فإنّ ما يحِلُّ للمرء بالزواج من النساء النظرُ إلى بنات الزوجة، ويُسمَّيْنَ «الربائب»، قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ… وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ…﴾ (النساء: 23)، وأمّا بنات أخت الزوجة فلا يحلّ للزوج أن ينظر إليهنَّ، ولا يحرُم عليه الزواج بهنَّ. وعليه فكيف حَلَّ للنبيِّ(ص) أن يتعاطى مع هؤلاء البنات تعاطيه مع محارمه من النساء؟!

ولكنَّ الصحيح أنَّهُنَّ جميعاً بنات النبيّ(ص) من زوجته خديجة، ويدلُّنا على ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ (الأحزاب: 59)، حيث إنّ مقتضى العطف التغاير، فيكون للنبيّ(ص)؛ بمقتضى هذه الآية الكريمة أزواجٌ؛ وبناتٌ. ولا يعني بهنَّ نساء المؤمنين ـ اعتماداً على أنّ النبيّ أبو أمّته ـ؛ لأنّه عاد فذكر هؤلاء بعنوانٍ مستقلّ. كما أنّه لا تصحّ نسبة بنات الزوجة أو بنات أخت الزوجة إلى الزوج، فذلك خلاف ما أمر الله تعالى به، حيث يقول: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ (الأحزاب: 4 ـ 5)، وهي واضحةٌ في المنع عن نسبة الربيب أو الربيبة إلى النَّفْس، ولزوم نسبته إلى أبيه الذي تولَّد منه.

الولادة الميمونة

والمعروف أنّ بناته الثلاثة الأُوَل وُلدْنَ قبل البعثة. أمّا مولاتنا فاطمة الزهراء(عا) فالمشهور عند السنّة أنّها وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، والمشهور عند الشيعة أنّها وُلدت بعد البعثة بخمس سنين.

ولكنَّ القول بولادتها بعد البعثة بخمس سنين بعيدٌ؛ لعدّة وجوه:

1ـ إنّها ستكون قد وُلدت وعمر خديجة ـ كما هو المشهور ـ 60 سنة، فهل يمكن أن تحمل وتلد وهي بهذا العمر؟!

قد يُقال بإمكان ذلك؛ وقد يُقال بأنّ عمرها كان أصغر من ذلك لأنّ النبيّ تزوَّجها وهي بعمر 25 سنة، وليس في سنّ الأربعين، كما هو معروفٌ.

2ـ إنّه بناءً على هذا القول ستكون(عا) قد تزوَّجت من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) وهي في سنّ التاسعة من عمرها. وهذا بعيدٌ؛ إذ لم يكن هذا متعارَفاً في الزواج. والشاهدُ على ذلك أنّ أمير المؤمنين(ع) لمّا خطب إليه الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب ابنته أمَّ كلثوم اعتذر بأنّها صبيَّةٌ([3])، عِلْماً أنّ عمرها كان أزيد من 13 عاماً؛ لأنها وُلدت عام 6هـ أو 7هـ، وقد تزوَّجها عمر في أواخر حياته، ومات قبل أن تنتقل إلى بيته (علماً أن الخطوبة عندهم فترةٌ قصيرة جدّاً). وفي أسوأ الحالات (لو تزوَّجها عمر في خلافته، ونقلها إلى بيته ـ ويُقال أنّه فعل ذلك في سنة 17هـ، أي في السنة الخامسة من خلافته، ويبقى له خمس سنوات أخرى ـ) كان عمرها 10 سنوات، فاحتجَّ الإمام عليٌّ بصغر سنِّها، ما يكشف أنّ الزواج في هذا السنّ لم يكن شائعاً ومعروفاً، بل كان غريباً وممجوجاً.

3ـ إنّها(عا) قد حملَتْ بأولادها الأربعة (الحسن، والحسين، وزينب، وأمّ كلثوم) في السنوات الخمس الأولى بعد زواجها، فهل تطيق ذلك امرأةٌ لم تبلغ الرابعة عشر من عمرها؟!

هويَّةُ فاطمة

هي أمُّ أبيها في ما تحمله كلمة (الأمّ) من معنى الحياة، فبها وبذرِّيتها الأطهار كانت حياة الرسالة. بها استمرَّتْ مسيرة الإسلام في أمنٍ وسلام.

هي (فاطمة) اسمٌ على مسمّى، فمع كون هذا الاسم شائعاً معروفاً في العصر الجاهليّ، حيث سُمِّيت به الكثيرُ من النساء([4])، اختار لها رسولُ الله(ص) هذا الاسمَ دون غيره، لما أَمِلَه فيها، وكانت محقِّقةَ آماله، فكانت السيدة الطاهرة الجليلة المعصومة، وكانت ـ بحقٍّ ـ الفاطمةَ لنفسها من اتِّباع الشهوات، والانغماس في الدَّنَس والخطيئات.

هي ابنةُ حبيب الله وخاتَم رُسُله محمد بن عبد الله(ص)، ولكنَّ ذلك لم يُصِبْها بغرورٍ، كيف وقد سمعَتْ أباها يوصيها فيقول: «يا فاطمة بنت محمّد، اعملي؛ فإنّي لا أغني عنك من الله شيئاً»([5])؟!

وعملَتْ لله وجاهدَتْ في سبيل الله. أحبَّتْه فأحبَّها، وأخلَصَتْ له فاستخْلَصَها، وتقرَّبَتْ إليه فقرَّبها، وترفَّعت عن الموبقات فرَفَعَها. هي فاطمة وَكَفَى.

تقصيرٌ وغلوٌّ غيرُ مبرَّرين

وكما لا يعرف الكثيرون عن الحسين(ع) سوى أنّه سيِّدُ الشهداء، وصريعُ كربلاء، لا يعرفون أيضاً عن الزهراء(عا) سوى أنَّها مظلومةٌ مقهورة، وشهيدةٌ في نهاية المطاف.

رُوي عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم(ع): «إنّ فاطمةَ(عا) صدِّيقةٌ شهيدة»([6]).

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ لفظ «شهيد» استُخدِم في القرآن الكريم كثيراً، ولكنّه لم يُستعمل في المعنى المتبادَر منه اليوم، وهو «مَنْ يُقتَل في سبيل الله»، وإنّما استُخدِم بمعنى «الشاهد». وعندما أراد القرآن الكريم أن يتحدَّث عن المجاهدين الذين يلقَوْن حتفهم أثناء القتال في سبيل الله عبَّر عنهم بقوله: «الذين قُتلوا في سبيل الله»([7]). وقد ذهب إلى هذا القول المرجع الدينيّ الكبير السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي(ر).

وإذا عرفنا أنّ لفظ (صدِّيق) أُطلق في القرآن الكريم على الأنبياء والأولياء وعباد الله المؤمنين المخلصين([8])، الذين لهم مقام الشهادة عند الله، حيث يقول: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاَء (النحل: 89)، و﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً (النساء: 41)، و﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (البقرة: 143)، وإذا لاحظنا الاقتران بين لفظ (صدِّيق) ولفظ (شهيد) في الحديث عن هذه الفئة من عباد الله الصالحين والمخلَصين([9])، ندرك أنّ معنى (صدِّيق شهيد) هو الصادقُ المصدِّق، صاحبُ الشهادة على الخلائق، وكيف تمَّتْ الحُجَّة عليهم، ولكنَّهم عصَوْا وانحرفوا.

وهذا هو معنى «أنّ فاطمةَ(عا) صدِّيقةٌ شهيدة»، ولكنَّنا صبَبْنا جُلَّ اهتمامنا على شهادتها، وانصرفنا بوجوهنا عن التأمُّل في صِدْقها، مع الله عبادةً وإخلاصاً، ومع النبيّ(ص) إيماناً وتصديقاً وعَوْناً، ومع الإمام عليٍّ(ع) صبراً ونصراً، ومع أولادها رعايةً وتربية، ومع الناس تعليماً وإرشاداً وتزكيةً.

هي الصادقةُ المصدِّقة والمصدَّقة، والشاهدةُ على المسلمين، بَرِّهم وفاجرهم. ويوم القيامة تقف(عا) لأداء الشهادة. فهل نستحضر أنّها تشهد أعمالنا، وستشهد بها لنا أو علينا يوم القيامة؟! ﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ (التوبة: 105).

مزاياها الخُلُقيّة والعِلْميّة

عندما نتحدَّث عن الزهراء نتحدَّث عن المرأة الكاملة. ومن هنا لن نستطيع أن نحيط بكلِّ صفاتها في هذه العجالة.

ولكنْ ما لا يدرك كلُّه لا يترك كلُّه، فنختار ثلاث صفاتٍ يمكن للنساء أن يقتَدِينَ من خلالها بالزهراء(عا):

1ـ العالِمة: لقد أولَتْ الزهراءُ(عا) العِلْمَ اهتماماً كبيراً، فكان لها ورقاتٌ قد كتبَتْ فيها بعضاً من حديث رسول الله(ص)، فافتقدَتْها ذات يومٍ ولم تجِدْها، فنادت بفِضَّة: اطْلِبيها (ابحثي عنها)، فإنَّها تعدل عندي حَسَناً وحُسَيْناً([10]). وكلُّنا يعرف مكانة الحسن والحسين عند فاطمة(عا).

وكانت لها جلساتٌ مع نساء المهاجرين والأنصار تعلِّمهنَّ أحكام الإسلام، وتوصيهِنَّ بمكارم الأخلاق.

2ـ العامِلة لعيالها داخل بيتها: لا تتأفَّف ولا تشكو، فلقد استَقَتْ وطَحَنَتْ وكَسَحَتْ (أي كَنَسَتْ) وأَوْقَدَت حتَّى أصابها ضررٌ شديد، فأشفق عليها عليٌّ(ع)، وطلب من رسول الله(ص) خادمةً تعينها، فكان أن علَّمهما(ص) ما عُرف بعد ذلك بـ (تسبيح الزهراء(عا))([11]).

3ـ الصابرة: فقد صبرَتْ على ما لَقِيَه رسول الله(ص) من أذى المشركين في بداية الدعوة، وما عاناه في مواجهته لأعداء الرسالة طيلة 23 سنة.

ثم تحمَّلت شظف العيش مع زوجها الفقير، الذي لم يكن فقرُه لكَسَلٍ في الطَّلَب، وإنَّما هو زهدٌ في ملذّاتِ الدنيا الفانية.

وصبرت على فراق أبيها(ص)، وظلامة زوجها(ع)، فلم تجزَعْ، ولم تهِنْ، ولم تضعُفْ، وإنّما دافعَتْ عن الحقّ حتّى الرَّمَق الأخير من حياتها.

خلافاً لما يرويه بعضُهم من أنّها شكَتْ إلى أبيها فَقْرَ زوجها، فأخذ يسلِّيها بما أعدَّه اللهُ له من النَّعيم يوم القيامة([12]).

وخلافاً لما يقوله البعض من أنّها أقامَتْ نِياحةً دائمةً عاليةً، حتَّى تأذَّى منها سُكّان المدينة([13]).

وخلافاً لما يذكره بعضهم من أنّها وجَّهَتْ اللَّوْم والعِتاب لأمير المؤمنين(ع) على قعوده عن استرداد حقِّه بالسَّيْف([14]).

أقاويل وأباطيل

يعتقد بعضُ العوامّ أنّ للزهراء(عا) صفاتٍ خَلْقِيّة تختلف عمّا لغيرها من النِّساء، فهي ـ بنظرهم ـ امرأةٌ لا تشبه بناتَ جنسها، وقد وَلَدَتْ أولادَها من فخذها([15])، ولا ترى دماً كبقيَّة النِّساء([16]).

وكلُّ ذلك مخالفٌ لطبيعتها البشريّة. وهي على أيِّ حالٍ ليست أفضل من أبيها رسول الله(ص)، الذي كان يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق([17])، وقد خاطبه الله عزَّ وجلَّ بقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (فصِّلت: 6؛ والكهف: 110)، ولم يكتفِ بصفة البشريّة حتَّى أثبت لها صفة المِثْليّة التامّة، إلاّ في ما يرتبط بتلقِّي الوَحْي، فقال: ﴿يُوحَى إِلَيَّ.

ومن هنا فنحن نرى أنّ إلصاق هذه الصفات بالصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عا) غيرُ صحيح، وقد وردَتْ روايةٌ صحيحة ـ على المشهور ـ في أنّ رسول الله(ص) كان يأمر فاطمة(عا) بقضاء ما يفوتها من الصِّيام، وكانت تأمر بذلك المؤمنات([18]).

بل نرى أنّ هذه الإشاعات تمثِّل في حقيقتها إساءةً وإهانةً لشخص الزهراء(عا)، حيث تُرْمى بما هو نقصٌ وعيبٌ في الفتاة([19])، وهو أمرٌ معروفٌ ولا ينبغي النقاش فيه.

وهي حُجَّةُ الله، و﴿للهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ (الأنعام: 149)، وحُجَّتُه على النساء في ما أمرهُنَّ به من أحكامٍ خاصّة بهنَّ هي الزهراء(عا)، وزينب(عا)، ومريم البتول(عا)، وخديجة(عا)، وكلُّ تلك النسوة الطاهرات المؤمنات، فأيُّ حُجَّةٍ ستبقى مع التمايُز في الخَلْق؟! وكيف تكون شهيدةً (شاهدةً) ما لم تتعرَّض لما يتعرَّضْنَ له، وتنجح في أداء التكليف على أَتَمِّ وجهٍ، وتشهد على تقصيرهنَّ وتقاعسهنَّ عن الالتزام الكامل بتعاليم الله؟!

طاهرةٌ معصومة، وقدوةٌ للأنام

وتبقى فاطمةُ الزَّهْراء، والبضعةُ الحَوْراء، الطاهرةَ من كلِّ رجسٍ، والمعصومةَ من كلِّ إِثْمٍ، والقُدْوةَ للمؤمنات من النِّساء، فقد بلغَتْ(عا) ما بلغَتْ بكامل اختيارها، مع كونها امرأةً عاديّة في طبيعة تكوينها، فاستحقَّتْ الدَّرَجات العُلى، ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً﴾ (النساء: 69). وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالَمين.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) اختلفوا في مدّة بقائها بعد النبيّ(ص) إلى عدّة أقوال: 30 يوماً (اليعقوبي)؛ 35 يوماً (اليعقوبي)؛ 40 يوماً (المسعودي في مروج الذهب)؛ 45 يوماً (حكاه الأمين في أعيان الشيعة)؛ شهران 60 يوماً (الحاكم النيسابوري عن عائشة)؛ 70 يوماً (ابن عبد البرّ في الاستيعاب)؛ 72 يوماً (حكاه الأمين في أعيان الشيعة)؛ 75 يوماً (الكليني والمفيد وابن شهرآشوب، وحكاه ابن عبد البرّ في الاستيعاب)؛ 85 يوماً (حكاه الأمين في أعيان الشيعة)؛ ثلاثة أشهر 90 يوماً (أبو الفرج الأصفهاني)؛ 95 يوماً (الطبري الإمامي، الدولابي)؛ 100 يوم (حكاه الأمين في أعيان الشيعة [لعشر بقين من جمادى الآخرة فيكون المجموع 102 يوماً]، وكذا نقل الأمين حكاية ابن عبد البرّ في الاستيعاب له، ونقل تبنّي الشهيد الأول في الدروس له)؛ 4 أشهر (حكاه الأمين في أعيان الشيعة)؛ 5 أشهر ()؛ 6 أشهر إلاّ يومان (حكاه الأمين في أعيان الشيعة)؛ 6 أشهر (الواقدي، ومشهور عند العامّة)؛ 6 أشهر و5 أيّام (المديني)؛ 8 أشهر (عبد الله بن الحارث، وعمرو بن دينار).

([2]) فقد روى الكليني في الكافي 4: 561، عن عدّةٍ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(ع)، قال: سمعتُه يقول: «عاشَتْ فاطمة سلام الله عليها بعد رسول الله(ص) خمسة وسبعين يوماً، لم تُرَ كاشرةً ولا ضاحكةً، تأتي قبور الشهداء في كلِّ جمعةٍ مرَّتين: الاثنين؛ والخميس، فتقول: هاهنا كان رسول الله(ص)، وهاهنا كان المشركون». وهذا الإسناد صحيحٌ.

([3]) روى الكليني في الكافي 5: 346، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحمّاد، عن زرارة، عن أبي عبد الله(ع)، في تزويج أم كلثوم، فقال: إن ذلك فرجٌ غصبناه.

وروى أيضاً عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(ع) قال: لمّا خطب إليه قال له أمير المؤمنين: إنّها صبيّةٌ، قال: فلقي العبّاس، فقال له: ما لي، أَبي بأسٌ؟! قال: وما ذاك؟! قال: خطبْتُ إلى ابن أخيك فردَّني. أما واللهِ، لأُعْوِرَنَّ زمزم، ولا أَدَعُ لكم مكرمةً إلاّ هدمْتُها، ولأقيمَنَّ عليه شاهدَيْن بأنّه سرق، ولأقطعَنَّ يمينه، فأتاه العبّاس، فأخبره، وسأله أن يجعل الأمر إليه، فجعله إليه.

([4]) راجع مقالتنا بعنوان: «فاطمة» اسمٌ جاهليّ بامتياز، قراءةٌ تاريخيّة، على الرابط التالي: http://dohaini.com/?p=307

([5]) رواه أبو الفتح الكراجكي في التعجُّب: 94؛ ورواه البخاري في الصحيح 3: 190 ـ 191، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنّه قال: «قام رسول الله(ص) حين أنزل الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ، قال: يا معشر قريش ـ أو كلمة نحوها ـ، اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطَّلب لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا صفية عمّة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد(ص) سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً»؛ وكذا رواه مسلم في الصحيح 1: 133.

([6]) رواه الكليني في الكافي 1: 458، عن محمد بن يحيى، عن العمركي بن عليّ، عن عليّ بن جعفر أخيه، أبي الحسن(ع) قال: «إنّ فاطمة(عا) صدِّيقةٌ شهيدة، وإنّ بنات الأنبياء لا يطمثن». وهذا الإسناد صحيحٌ.

([7]) ﴿وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ﴾ (البقرة: 154)؛ ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ (آل عمران: 157)؛ ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً﴾ (آل عمران: 169)؛ ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا﴾ (الحجّ: 58)؛ ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ (محمد: 4).

([8]) ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ (المائدة: 75)؛ ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ (يوسف: 46)؛ ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً﴾ (مريم: 41)؛ ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً﴾ (مريم: 56).

([9]) ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ (الحديد: 19)؛ ﴿وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً﴾ (النساء: 69).

([10]) رواه محمد بن جرير الطبري (الشيعي) في دلائل الإمامة: 65 ـ 66، عن القاضي أبي بكر محمد بن عمر الجعابي، عن أبي عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي، عن الخليل بن أسد أبي الأسود النوشجاني، عن رويم بن يزيد المنقري، عن سوار بن مصعب الهمداني، عن عمرو بن قيس، عن سلمة بن كهيل، عن شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود، أنّ رجلاً جاء إلى مولاتنا فاطمة(عا) فقال: يا ابنة رسول الله، هل ترك رسول الله(ص) عندك شيئاً تطرفينيه. فقالت: «يا جارية، هاتِ تلك الحريرة. فطلبَتْها فلم تجِدْها، فقالت: ويحك، اطلبيها، فإنها تعدل عندي حسناً وحسيناً»، فطلبَتْها فإذا هي قد قمَّمتها في قمامتها، فإذا فيها: قال محمدٌ النبيّ(ص): ليس من المؤمنين مَنْ لم يأمن جاره بوائقه. ومَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره. ومَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُلْ خيراً أو يسكت. إنّ الله يحبّ الخيِّر الحليم المتعفِّف، ويبغض الفاحش الضنين السئآل الملحف. إنّ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة؛ وإنّ الفحش من البذاء، والبذاء في النار.

([11]) راجِعْ ما رواه الصدوق في علل الشرائع 2: 366، عن أحمد بن الحسن القطّان، عن أبي سعيد الحسن بن عليّ بن الحسين السكري، عن الحكم بن أسلم، عن ابن علية، عن الحريري، عن أبي الورد بن ثمامة، عن عليٍّ(ع) أنه قال لرجل من بني سعد: «ألا أحدِّثك عنّي وعن فاطمة. إنها كانت عندي، وكانت من أحبّ أهله إليه، وإنها استقَتْ بالقربة حتّى أثَّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتّى مجلت يدها، وكسحت البيت حتّى غبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتّى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضررٌ شديد، فقلتُ لها: لو أتيتِ أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرَّ ما أنتِ فيه من هذا العمل، فأتَتْ النبيّ(ص)، فوجدَتْ عنده حدّاثاً، فاستحَتْ وانصرفَتْ، قال: فعلم النبيّ(ص) أنّها جاءت لحاجةٍ، قال: فغدا علينا ونحن في لفاعنا، فقال: السلام عليكم يا أهل اللفاع، فسكَتْنا واستحيَيْنا لمكاننا، ثمّ قال: السلام عليكم، فسكَتْنا، ثم قال: السلام عليكم، فخشينا إنْ لم نردّ عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك، يسلِّم ثلاثاً فإنْ أُذن له وإلاّ انصرف، فقلتُ: وعليكَ السلام يا رسول الله، ادخُلْ، فلم يعْدُ أن جلس عند رؤوسنا، فقال: يا فاطمة، ما كانت حاجتُك أمس عند محمد، قال: فخشيت إنْ لم نُجِبْه أن يقوم، قال: فأخرجْتُ رأسي، فقلتُ: أنا واللهِ أخبرك يا رسول الله، إنّها استقَتْ بالقربة حتّى أثر في صدرها، وجَرَتْ بالرحى حتّى مجلت يداها، وكسحَتْ البيت حتّى اغبرَّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتّى دكنت ثيابها، فقلتُ لها: لو أتيتِ أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرَّ ما أنتِ فيه من هذا العمل، قال: أفلا أعلِّمكما ما هو خيرٌ لكما من الخادم، إذا أخذتما منامكما فسبِّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبِّرا أربعاً وثلاثين، قال فأخرجت فاطمة(عا) رأسَها، فقالت: رضيتُ عن الله ورسوله، ورضيتُ عن الله ورسوله، ورضيتُ عن الله ورسوله».

([12]) فقد روى محمد بن سليمان في مناقب الإمام أمير المؤمنين(ع) 1: 270، عن إسماعيل بن موسى، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن أنس، قال: قالت فاطمة لرسول الله(ص): زوجتني من عائلٍ لا مال له؟ قال: زوَّجْتُك أقدمهم سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً.

وروى محمد بن سليمان في مناقب الإمام أمير المؤمنين(ع) 1: 279، عن محمد بن منصور، عن عثمان عن أبي نعيم، عن عبد السلام بن حرب، عمَّنْ سمع بكر بن عبد الله (بن عمرو) المزني قال: قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني أفقر أهلك؟ قال: زوَّجْتُك أوَّل أمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً.

والأدهى من ذلك ما رواه محمد بن سليمان في مناقب الإمام أمير المؤمنين(ع) 1: 258 ـ 259، عن الخضر بن بان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن شريك، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أنس بن مالك قال: قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني حمش الساقين عظيم البطن أعمش العينين؟ فقال: زوَّجْتُك أقدم أمّتي سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً.

وجاء في مسند أحمد بن حنبل 5: 26، عن أبي أحمد، عن خالد بن طهمان، عن نافع بن أبي نافع، عن معقل بن يسار قال وضأت النبيّ(ص) ذات يومٍ فقال: هل لك في فاطمة رضي الله عنها تعودها؟ فقلتُ: نعم، فقام متوكِّئاً عليَّ، فقال: أما إنّه سيحمل ثقلها غيرك، ويكون أجرها لك، قال: فكأنه لم يكن على شيءٍ، حتى دخلنا على فاطمة(عا)، فقال لها: كيف تجدينك؟ قالت: والله لقد اشتدَّ حزني، واشتدَّت فاقتي، وطال سقمي، قال أبو عبد الرحمن: وجدتُ في كتاب أبي بخطّ يده في هذا الحديث قال: أَوَما ترضين أنّي زوَّجْتُك أقدم أمَّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 101 ـ 102، معلَّقاً على هذا الحديث: رواه أحمد والطبراني. وفيه خالد بن طهمان وثَّقه أبو حاتم وغيره، وبقيّة رجاله ثقات. وعن أبي إسحاق أن عليّاً لما تزوج فاطمة قالت للنبيّ(ص): زوجتنيه أعيمش عظيم البطن؟ فقال النبيّ(ص): لقد زوجتكه وإنّه لأول أصحابي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً. رواه الطبراني وهو مرسلٌ صحيح الإسناد.

([13]) رواه الصدوق في الخصال: 272 ـ 273، عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن محمد بن سهل البحراني، يرفعه إلى أبي عبد الله(ع) قال: البكّاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعليّ بن الحسين(عم)…. أمّا فاطمة فبكَتْ على رسول الله(ص) حتّى تأذّى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتِنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر ـ مقابر الشهداء ـ فتبكي حتّى تقضي حاجتها، ثم تنصرف…، الحديث.

([14]) روى أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج 1: 145 ـ 146، معلَّقاً عن عبد الله بن الحسن ـ وهو عبد الله المحض بن الحسن المثنّى بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب(ع) ـ بإسناده عن آبائه(عم) أنّ الزهراء(عا) بعد أن ألقَتْ خطبتها الشهيرة في المسجد، وعادت إلى البيت، قالت لأمير المؤمنين عليٍّ(ع): إنّه يا بن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين. نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل. هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحلة أبي وبلغة ابني! لقد أجهد في خصامي، وألفيته ألدّ في كلامي، حتى حبسَتْني قيلةُ نصرها، والمهاجرة وصلها، وغضَّتْ الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع. خرجْتُ كاظمة، وعدْتُ راغمة. أضرَعْتَ خدَّك يوم أضعت حدَّك. افترست الذئاب، وافترشت التراب. ما كففتَ قائلاً، ولا أغنيت طائلاً. ولا خيار لي. ليتني مِتُّ قبل هنيئتي، ودون ذلَّتي. عذيري الله منه عادياً، ومنك حامياً. ويلاي في كلّ شارق! ويلاي في كلّ غارب! مات العَمَد، ووهن العضد. شكواي إلى أبي، وعدواي إلى ربّي! اللهُمَّ إنك أشدّ منهم قوّة وحولاً، وأشدّ بأساً وتنكيلاً. فقال أمير المؤمنين(ع): لا ويل لك، بل الويل لشانئك، ثم نهنهي عن وجدك، يا ابنة الصفوة، وبقية النبوّة، فما ونيت عن ديني، ولا أخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما أعدّ لك أضلّ مما قطع عنك، فاحتسبي الله. فقالت: حسبي الله وأمسَكَتْ.

([15]) قال الحسين بن حمدان الخصيبي في الهداية الكبرى: 180: والذي ولدت فاطمة(عا) من أمير المؤمنين(ع): الحسن والحسين ومحسناً سقطاً وزينب وأم كلثوم، وكان اسمها آمنة. وولدت الحسن والحسين من فخذها الأيمن، وأم كلثوم وزينب من فخذها الأيسر.

وقال حسين بن عبد الوهّاب في عيون المعجزات: 51: وروي أن فاطمة(عا) ولدت الحسن والحسين من فخذها الأيسر، وروى أن مريم(عا) ولدت المسيح(ع) من فخذها الأيمن.

([16]) كما في جملةٍ من الروايات، وأغلبها ضعيفٌ سنداً. ولو صحَّ منها شيءٌ فإنّه معارَضٌ بما دلّ على أنّها كانت ترى الدم، وتدَعُ الصلاة والصيام، ويأمرها النبيّ(ص)، بقضاء الصوم، دون الصلاة، وكانت تأمر المؤمنات بذلك.

([17]) كما حدَّثنا القرآن الكريم عنه(ص) فقال: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (الفرقان: 7).

([18]) رواها الكليني في الكافي 3: 104 ـ 105، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة قال: سألتُ أبا جعفر(ع) عن قضاء الحائض الصلاة، ثم تقضي الصوم؟ قال: ليس عليها أن تقضي الصلاة، وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان، ثم أقبل عليَّ، وقال: إنّ رسول الله(ص) [كان] يأمر بذلك فاطمة(عا)، وكانت تأمر بذلك المؤمنات. وهذا الإسناد صحيحٌ على المشهور.

([19]) فقد روى الكليني في الكافي 3: 108، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن داوود بن فرقد قال: سألتُ أبا عبد الله(ع) عن رجلٍ اشترى جاريةً مدركة ولم تحِضْ عنده حتّى مضى لذلك ستّة أشهر، وليس بها حَبَلٌ قال: إنْ كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كِبَرٍ فهذا عيبٌ تُرَدُّ منه. وهذا الإسناد صحيحٌ.

ورواه أيضاً في الكافي 5: 213، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعاً، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن داوود بن فرقد، عن أبي عبد الله(ع)…. وهذا الإسناد صحيحٌ.



أكتب تعليقك