4 مارس 2016
التصنيف : منبر الجمعة
لا تعليقات
5٬072 مشاهدة

أخلاقٌ اجتماعية (1) / النظافة: واجبٌ ديني، وخُلُقٌ إنساني

2016-03-04-منبر الجمعة#مقابلة النظافة-أخلاق اجتماعية(1)، النظافة، واجب ديني، وخلق إنساني

(الجمعة 4 / 3 / 2016م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

مساحات النظافة في حياتنا

لقد أَوْلى الإسلام النظافة اهتماماً بالغاً حتّى جاء في القرآن الكريم الأمر بالتزيُّن عند كلِّ صلاة، فقال: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ (الأعراف: 31). ومن الطبيعيّ أنْ لا تكون زينةٌ إلاّ في نظافةٍ.

وجاء في الحديث النبويّ الشريف: «تخلَّلوا؛ فإنّه من النظافة، والنظافة من الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنّة»([1]).

ورُوي عن النبيّ(ص) أنّه قال: «أتاني جبرئيل، فقال: يا محمد، كيف ننزل عليكم وأنتم لا تستاكون، ولا تستنجون بالماء، ولا تغسلون بَراجِمَكم [وهي العُقَد ـ أو المفاصل ـ التي في ظهور الأصابع يجتمع فيه الوسخ، الواحدة: بُرْجُمة، بالضمّ]؟!»([2]).

وعن النبيّ(ص): «نقُّوا أفواهكم بالخِلال؛ فإنّها مسكنُ المَلَكَيْن الحافظَيْن الكاتبَيْن»([3]).

وعن النبيّ(ص): «مَنْ اتَّخذ ثوباً فلينظِّفْه»([4]).

وعن أمير المؤمنين(ع): «تنظَّفوا بالماء من النَّتِن [المنتن] الريح الذي يُتأذَّى به»([5]).

وعنه(ع) أيضاً: «غسل الثياب يذهب بالهمّ والحزن، وهو طهورٌ للصلاة»([6]).

وعن أبي الحسن الرضا(ع) قال: «من أخلاق الأنبياء التنظُّف»([7]).

وفي المقابل نرى ذمّاً للقذارة وأهلِها. فالوَسِخ مبغوضٌ عند الله والناس، حيث رُوي عن النبيّ(ص) أنّه قال: «إنّ الله يبغض الوَسِخ والشَّعِث»([8]).

و«رأى رسول الله(ص) رجلاً عليه ثيابٌ وَسِخة فقال: أما كان هذا يجد ماءً يغسل به ثوبه؟!»([9]).

وعن أمير المؤمنين(ع): «تعهَّدوا أنفسكم؛ فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُبغِض من عباده القاذورة، الذي يتأنَّف [يتأفَّف] به مَنْ جلس إليه»([10]).

وهذا ما نستوحيه أيضاً ممّا ورد في الشريعة الإسلاميّة من الأمر بقصّ الأظفار والشوارب، وتسريح الشعر، وغَسْل الثياب والبَدَن والأواني من النجاسة والقذارة، وفَرْكها بالتراب من بعض النجاسات التي لا يُطمأنّ بزوالها من دون ذلك.

هذا وقد جاء في القرآن الكريم الدعوة إلى تطهير الثياب، حيث أمر الله سبحانه وتعالى نبيَّه الكريم محمداً(ص) بتطهير ثيابه، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ (المدَّثِّر: 1 ـ 4).

واعتبر التطهُّر من دواعي محبّة الله للعَبْد، فقال: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: 222).

ويحدِّثنا الله عن دعوته خليلَه إبراهيم وابنَه إسماعيل إلى تطهير بيته الحرام من كلّ قذارةٍ مادّيّة أو معنويّة، ليكون محلاًّ للعبادة والسَّكينة والراحة النفسيّة والجَسَديّة: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ (الحجّ: 26).

إذن هي دعوةٌ إلى النظافة في البَدَن والملبس والمأكل والمشرب والمسكن والمسجِد، والابتعاد عن كلّ دَنَسٍ أو قذارة أو وَسَخ.

هذا من الناحية المادّيّة، وأمّا من الناحية المعنويّة فقد أوجب الإسلام طهارةً ونظافةً من نوعٍ آخر، وتتمثَّل في:

1ـ الغُسْل عند الجنابة، حيث قال تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا﴾.

2ـ الغُسْل بعد الحَيْض والنِّفاس، فقال عزَّ من قائل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: 222).

3ـ الغُسْل بعد مسّ الميت، حيث وردت رواياتٌ كثيرة في هذا المعنى.

4ـ الوضوء عند كلّ صلاةٍ، وتجديده في كلِّ حينٍ، وقد قال تقدَّست أسماؤه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (المائدة: 6).

5ـ الوضوء عند مسِّ كتاب الله العزيز، إذ قال جلَّ وعلا: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 77 ـ 79).

إذن للنظافة والطهارة في الإسلام مساحاتٌ واسعة، في الجانب المادّيّ والمعنويّ على السواء.

سعي الإنسان إلى النظافة

الإنسان كائنٌ اجتماعيّ بطَبْعه، ولا يجد بُدّاً من الاختلاط بمَنْ حوله من بني جِنْسه، يأنس بهم ويُؤنسهم. ولا يمكن لمثل هذا الاجتماع والاختلاط أن يستمرّ ويدوم إلاّ بشروطٍ، منها: حُسْن العِشْرة، والعَدْل، والعَفْو، ومنها: الاهتمام بنظافة الجَسَد والبيت والملبس والطعام والشراب. فلا يُعقَل مثلاً أن يجتمع الناس ويقتربوا من رجلٍ تفوح منه الروائح النَّتِنة والكريهة. إذن فوجوب التنظُّف حكمٌ عقليٌّ بالدرجة الأولى، ناشئ عن اهتمام الإنسان بالاجتماع والاختلاط ببني جنسه. وقد أرشد الإسلام إلى هذا الحكم، وأكَّد عليه، ورغَّب فيه من خلال جملةٍ من الأحكام الخاصّة، كالحثّ الشديد على غُسْل الجمعة، الذي يسبق حضور الصلاة في المسجد، لئلاّ يتأذَّى الناسُ من رائحةٍ كريهة هنا أو هناك. فقد يكون للإنسان مهنةٌ تسبِّب له برائحةٍ خبيثة في بَدَنه أو ثيابه، وكلُّ المِهَن شريفةٌ محبوبةٌ مرغوبةٌ، ويحتاج إليها المجتمع، فجزى الله كلَّ عاملٍ أجراً، ولكنَّ هذا لا يسوِّغ لأحدهم أن يقتحم المجالس برائحته تلك.

إذن يسعى الإنسان إلى النظافة ليكون محبوباً مرغوباً مقبولاً في المجالس التي يرتادها، فلا ينفر منه أصدقاؤه وأقرباؤه.

كما أنّ بعض الواجبات الدينيّة تستدعي منه أن يكون نظيفاً، ولو في وقت تلك الواجبات، كالصلاة. فالصلاة تحتاج إلى وضوءٍ، ولا يصحّ الوضوء مع اتِّساخ الوجه أو اليدين، بل لا بدّ من تنظيفهما.

مبرِّراتٌ غير مقبولة

يحاول البعض تبرير عدم اهتمام الإنسان بنظافته بمبرِّراتٍ عديدة، منها: ضيق ذات اليد (الفقر)، والتربية التي تلقّاها في صِغَره، والعادات التي تتحكَّم بسلوكه وسيرته.

وفي اعتقادي أنّ هذه المبرِّرات غيرُ واقعيّةٍ. فمهما قيل من أنّ الطبع يغلب التطبُّع، أو أنّ العادات قاهرةٌ للإنسان على أفعالٍ لا يريدها، أو أنّ الفقر يجعل الإنسان لا يلتفت إلى بعض الحيثيّات في سلوكه وسيرته؛ إذ قد شغلته عن ذلك همومه المعيشيّة والحياتيّة، فإنّ السبب الرئيس خلف عدم الاهتمام بالنظافة هو الجهلُ وقلَّة الثقافة. فالذي لا يدرك قيمة النظافة وآثارها، ولا يعرف مدى اهتمام الشارع بها وحثِّه عليها، لن يجد في نفسه المحفِّز والدافع للسعي إليها، والالتزام بها.

إذن نحن بحاجة إلى علمٍ ومعرفة بطبيعة الموضوع، وآثاره ونتائجه في حياة الفرد والمجتمع. وعند حصول هذه المعرفة، وحضورها الدائم في وجداننا ووَعْينا، سنجد أنفسنا ننساق بكلِّ طواعيةٍ وأريحيّة نحو الالتزام بهذا المبدأ، والاتِّصاف بهذا الخُلُق، والانصياع لهذا الحُكْم والقانون. أمّا إذا بقينا غارقين في الجَهْل شبه المُطْبِق فلن يكون لهذه المفاهيم والمبادئ والأحكام أيُّ حضور في وَعْينا وتطلُّعاتنا وآفاقنا المستقبليّة.

مجتمعاتٌ نظيفة وأخرى غير نظيفة

في الواقع لا يمكننا أن نصف مجتمعاً ما بأنّه نظيفٌ أو غير نظيف بشكلٍ مطلق؛ إذ قد يكون هذا المجتمع نظيفاً بلحاظ أمورٍ كثيرة، ولكنَّه يعيش قمّة القذارة من ناحيةٍ أخرى، سواء في البُعْد المادّيّ أو المعنويّ للقذارة.

فبعض المجتمعات يأنفون من رمي ورقةٍ بيضاء في الطريق، ولكنَّهم لا يأبهون على الإطلاق لفضلات حيواناتهم الأليفة ـ كالقطط والكلاب ـ المنتشِرة في كلِّ مكانٍ.

وبعض المجتمعات يتحرَّزون من مَسْحة عَرَقٍ تصيب الثوب، ويعتبرونه نَتِناً، ولكنَّهم لا يرَوْن حزازةً في استخدامهم المناديل الورقيّة للاستنجاء من البول والغائط، رغم أنّ القذارة المادّيّة لا تزول بذلك تماماً.

وبعض المجتمعات تهتمّ بالمحافظة على البيئة الطبيعيّة ـ بما فيها من حيواناتٍ وأشجار وبحار وأنهار ـ من التلوُّث القاضي على هذه المحميّات، ولكنَّهم لا يجدون حَرَجاً في أن يؤجِّجوا نار الصراع والفتنة بين الناس في هذه الدولة وذلك البَلَد؛ خدمةً لمصالحهم الاستعماريّة الكبرى.

وبعض المجتمعات تتغنّى بنظافة الشوارع، وهندسة العمارات، وجمال البناء، ولكنَّهم في سلوكيّاتهم الاجتماعيّة الأخلاقيّة هم أبعد ما يكون عن الطهارة والعِفّة والحَياء. فالنساء شبهُ عاريات، بل عارياتٌ تماماً، ولا يرَوْن في ذلك أيَّ مشكلةٍ. وصولاً إلى الزواج المثلي الذي قنَّنته بعض الدول. وفي الإسلام هذا مخالِفٌ للطهارة، حيث جاء في عِظة نبيّ الله لوط(ع) لقومه، وكانوا ممَّنْ يرتكبون هذه الفاحشة (اللواط): ﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ (هود: 78). فالنظافة والطهارة هي في معاشرة الرجال للنساء، لا في أيِّ شيءٍ آخر.

وطبعاً هناك مجتمعاتٌ قد جمعَتْ خِصال السوء طُرّاً، فلا تعرف للنظافة المادّيّة معنىً، ولا تتجلَّى هذه الخصلة في أيٍّ من متعلَّقاتها. كما أنَّها أبعد ما يكون عن طهارة الروح، ونقاء السريرة، فالفسادُ مستشرٍ، والخداعُ والسرقة والعدوان هو الخبز اليوميّ للمواطنين. نسأل الله العفوَ والعافية.

نظافة الشارع بين الوجوب الدينيّ والحسّ الشخصيّ

نرى في بعض الأحيان أشخاصاً يهتمّون بنظافتهم ونظافة بيوتهم، ولكنَّهم يرمون الأوساخ في الشارع. وهذا ناشئٌ عن قلّة وَعْيٍ، وغيابٍ للثقافة التوجيهيّة الفاعلة والمؤثِّرة. فهو يعتقد أنّ حدود حياته الشخصيّة تنتهي عند حدود البيت، ولكنَّ الصحيح أنّ كثيراً من الناس يقضون أغلب أوقاتهم مستيقظين خارج البيت. إذن فالشارع أو محلّ العمل أو مدخل البيت أو المنتزه أو… هو لك، بمعنى أنّك تستفيد منه، وتتواجد فيه لفتراتٍ تطول وتقصُر بحسب الأشخاص. ومن هنا فإنّ نظافة هذه المواضع ينبغي أن تكون مهمّةً بالنسبة إليك تماماً كنظافة بيتك أو مكتبك أو ثيابك. لكنَّ الثقافة والوَعْي شبهُ منعدمَيْن في هذا المقام.

والبعضُ لا يرمي الأوساخ بنفسه، ولكنَّه يغضّ الطَّرْف عمّا يفعله غيرُه، كأبنائه مثلاً، في هذا المجال. وهذا نوعُ تقصيرٍ في التربية الصحيحة للناشئة، وهي مسؤوليّة ألقاها الله على عاتق الأب والأمّ، ولا يجوز لهما أنْ يفرِّطا فيها. إذن فتربية وتدريب الأولاد على الاهتمام بنظافة الشارع والحديقة و… مسؤوليّةٌ عقليّة وشرعيّة ووطنيّة، ولا يجوز بحالٍ من الأحوال تضييعها؛ بسبب الإهمال أو اللامبالاة أو الاستخفاف أو…

ومن الخطأ الاعتقاد أنّ الاهتمام بنظافة الشارع إنَّما هي مجرَّد ذوقٍ شخصيّ رفيع، وإحساسٍ ذاتيّ مرهَف، أو أنَّها نظامٌ وقانون بلديّ ملزِم، وبالتالي حين نشعر بأنّ البلديّة غيرُ حاضرةٍ فلن يكون لهذا الاهتمام أيُّ حضور في سلوكنا.

الاهتمام بنظافة الأماكن العامّة، ولا سيَّما الطرقات والحدائق والبساتين والأرصفة، حيث يتواجد الناس ويجلسون، هو حكمٌ شرعيّ إلهيّ، لا يجوز مخالفته والابتعاد عنه.

ولعلّنا نستطيع أن نستفيد ذلك ممّا رُوي من نهي النبيّ(ص) وأهل بيته(عم) عن التنخُّع في المساجد [وهو إخراج النخامة أو المُخاط من صدره أو أنفه]، و عن البول في الماء الراكد، وتحت الشجرة المثمرة أو على قارعة الطريق([11]). كما أنّه «لا يجوز التغوُّط على شطوط الأنهار؛ لأنها موارد الناس للشُّرْب والطهارة، ولا يجوز أن يفعل فيها ما يتأذَّوْن به، ولا يجوز التغوُّط على جوادّ الطرق، ولا في أفنية الدُّور، ولا يجوز تحت الأشجار المثمرة، ولا في المواضع التي ينزلها المسافرون، ولا في أفنية البيوت، ولا يجوز في مجاري المياه، ولا في الماء الراكد»([12]).

المجتمعات الإسلاميّة والنظافة

تُتَّهم بعض المجتمعات الإسلامية بأنّها مجتمعات وَسِخة. ولكنَّ مشكلة بعض المجتمعات الإسلاميّة أنّها ابتعدَتْ كثيراً عن أحكام الدين الحنيف، فلا هي حافظت على تعاليم الدين الراقية، ولا هي اكتسبت من حضارات الغَرْب والشرق شيئاً من عاداتها الحَسَنة. ما يكشف عن أنّ المسلمين لم يتخلُّوا عن تعاليم دينهم لأنّهم يرَوْن أنّها لا تصلح للدنيا ومتطلَّباتها، وإلاّ فلماذا لم يأخذوا بما هو صالحٌ لها من مظاهر الحضارة الغربيّة أو الشرقيّة، وإنّما تركوا المبادئ والتعاليم والقِيَم؛ هَرَباً من المسؤوليّة، وتفلُّتاً من الالتزام، وسكوناً إلى الراحة والدَّعَة.

ومن الخطأ تعميم الحكم على المجتمعات الإسلاميّة كافّةً. فإنّ كثيراً من المجتمعات الإسلاميّة لا زالت تتحرَّك في دائرة الالتزام بمبادئ وقِيَم دينيّة صحيحة وراسخة. وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالَمين.

وللحديث تتمّةٌ إنْ شاء الله

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) رواه المجلسي في بحار الأنوار 59: 291، نقلاً عن كتاب «طبّ النبيّ(ص)»، المنسوب إلى الشيخ أبي العباس المستغفري، معلَّقاً مرفوعاً.

([2]) رواه القاضي النعمان في دعائم الإسلام 1: 119، معلَّقاً عن الصادق(ع)، مرفوعاً.

([3]) رواه الحسن بن الفضل الطبرسي في مكارم الأخلاق: 152، نقلاً من كتاب «الفردوس»، معلَّقاً عن سعد بن معاذ، مرفوعاً.

([4]) رواه الكليني في الكافي 6: 441، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(ع)، مرفوعاً.

([5]) رواه الصدوق في الخصال: 612، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جدِّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله(ع)، عن أبيه، عن جدِّه، عن آبائه(عم)، عن أمير المؤمنين(ع) ـ في حديث الأربعمائة ـ.

([6]) رواه الصدوق في الخصال: 612، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جدِّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله(ع)، عن أبيه، عن جدِّه، عن آبائه(عم)، عن أمير المؤمنين(ع) ـ في حديث الأربعمائة ـ.

ورواه الكليني في الكافي 6: 444، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن القاسم بن يحيى، عن جدِّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع)، عن أمير المؤمنين(ع): «النظيف من الثياب يُذهب الهمَّ والحزن، وهو طهورٌ للصلاة».

([7]) رواه الكليني في الكافي 5: 567، عن عدّةٍ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه أو غيره، عن سعد بن سعد، عن الحسن بن جهم، عن أبي الحسن الرضا(ع).

([8]) رواه المتَّقي الهندي في كنز العمّال 6: 641، معلَّقاً مرفوعاً.

([9]) محيي الدين النووي، المجموع 4: 467. وفيه: «رواه أبو داوود بإسنادٍ صحيح على شرط البخاري ومسلم».

([10]) رواه الصدوق في الخصال: 620،، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جدِّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله(ع)، عن أبيه، عن جدِّه، عن آبائه(عم)، عن أمير المؤمنين(ع) ـ في حديث الأربعمائة ـ.

([11]) روى الصدوق في الأمالي: 509، عن حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب(عم)، عن أبي عبد الله عبد العزيز بن محمد بن عيسى الأبهري، عن أبي عبد الله محمد بن زكريّا الجوهري الغلابي البصري، عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن يزيد، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عم)، قال: «نهى رسول الله(ص)…».

([12]) الطوسي، تهذيب الأحكام 1: 29 ـ 30. ويدلّ على ذلك ما رواه الطوسي عن المفيد، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله(ع)، قال: قال رجلٌ لعليّ بن الحسين صلوات الله عليهما: أين يتوضّأ الغرباء؟ فقال: «يتَّقي شطوط الأنهار، والطرق النافذة، وتحت الأشجار المثمرة، ومواضع اللعن»، قيل له: وأين مواضع اللعن؟ قال: «أبواب الدور».

وروى الطوسي عن المفيد، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، رفعه، قال: خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله(ع)، وأبو الحسن موسى(ع) قائمٌ، وهو غلامٌ، فقال له أبو حنيفة: يا غلام، أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: «اجتنِبْ أفنية المساجد، وشطوط الأنهار، ومساقط الثمار، ومنازل النزّال، ولا تستقبل القبلة بغائطٍ ولا بول، وارفَعْ ثوبك وضَعْ حيث شئتَ».



أكتب تعليقك