14 يونيو 2016
التصنيف : سلسلة (سؤال وجواب)
لا تعليقات
4٬982 مشاهدة

سؤال وجواب (19): تلفيق خاطئ بين آيتين في دعاء أبي حمزة الثمالي

صورة تلفيق خاطئ بين آيتين في دعاء أبي حمزة الثمالي-للموقع

(الثلاثاء 14 ـ 6 ـ 2016)

إنّ النصّ القرآني في سورة النساء هو: ﴿وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ (النساء: 32)، وفي سورة الإسراء: ﴿رَبُّكُمْ الَّذِي يُزْجِي لَكُمْ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ (الإسراء: 66)، ولا وجود في النصّ القرآني للقول: «وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً»، وإنّما هو جمعٌ تلفيقيّ بين آيتين.

وهذا الوَهْم والخَلْط والخطأ يحصل في نقل بعض العلماء ـ وله أمثلةٌ عديدة في كتب الحديث ـ، ولعلَّه بسبب عدم مراجعتهم للآية في المصحف الشريف، وإنّما يذكرونها اعتماداً على ما في ذاكرتهم، التي قد تخونهم أحياناً ـ ولا سيَّما أنّهم ليسوا من حفظة القرآن الكريم بتمامه ـ، فتكون مثل هذه السَّقْطات والهَفَوات.

ورُبَما يكون ذلك من قِبَل الراوي الذي يسمع كلام الإمام(ع)، ثمّ يذهب ليكتبه، فيقع في مثل هذا الخَلْط.

ولهذا يعيب أهل السنّة على الشيعة عدم اهتمامهم بالقرآن. وهي تهمةٌ غير صحيحة، فلئن كان السنّة يهتمّون بحفظه وقراءته ـ وقد أصبح بحمد الله في الشيعة مَنْ يهتمّ بذلك بشكلٍ كبير ـ فإنّ الشيعة منذ القِدَم يهتمّون بتفسيره وشرحه وبيان معانيه ودقائقه. وطبعاً هذا لا يُعفي كلا الفريقين من الاهتمام بالجانب الآخر، وقد تقدَّم أنّ الشيعة يستدركون ذلك، ويحرصون على تنشئة جيلٍ من الحَفَظة والقرّاء، فجزاهم الله خير الجزاء.

وبالعودة إلى أصل الموضوع نقول: الظاهر أنّ أوّل مَنْ وقع في هذا الاشتباه والخطأ هو ابن طاووس في كتابه إقبال الأعمال 1: 158، حيث ذكر في دعاء السحر للإمام زين العابدين(ع)، المعروف بـ «دعاء أبي حمزة الثُّمالي»: «اللهمّ أنت القائل، وقولك حقٌّ، ووعدك صدقٌ: «وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً»». ونقلها عنه كذلك ـ بشكلٍ خاطئ ـ المجلسي في بحار الأنوار 95: 83.

بينما الموجود في الصحيفة السجادية: 216، ومصباح الكفعمي: 589: «اللهمّ أنت القائل، وقولك حقٌّ، ووعدك صدقٌ: ﴿وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾»، وهذا هو المتوافق مع ما جاء في النصّ القرآني في سورة النساء.

وقد كان بالإمكان تنزيه ابن طاووس من هذه الهَفْوة، ونسبتها إلى النُّسّاخ، لولا أنّه وقع فيها مرّةً أخرى في نقله للدعاء بعد صلاة عيد الفطر، حيث ذكر المجلسي في بحار الأنوار 88: 23، نقلاً عن كتابَيْ (إقبال الأعمال) و(زوائد الفوائد) ـ وكلاهما لابن طاووس ـ أنّ فيهما: «اللهمّ وقد قلتَ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وقلتَ: «وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً»».

ولكنْ في موضعٍ آخر ذكر المجلسي في بحار الأنوار 95: 207، نقلاً عن الإقبال فقط أنّ فيه: «اللهمّ وقد قلتَ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وقلتَ: ﴿وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾».

وبالفعل فإنّ الموجود في الإقبال 1: 499: «اللهمّ وقد قلتَ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وقلتَ: ﴿وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾».

وعليه فإنّ هذه الهَفْوة قد وقعت من ابن طاووس مجدَّداً في كتاب «زوائد الفوائد»، في الدعاء بعد صلاة عيد الفطر.

ومن البعيد أن يكون ذلك قد حصل اتّفاقاً من النُّسّاخ في كتابَيْن لابن طاووس نفسه، فالأرجح أنّ ابن طاووس قد اعتمد على ذاكرته في إثبات هذه العبارة في كتابَيْه، فحصل الوَهْمٌ والخَلْط بين الآيتين.

ورُبَما يكون ذلك من باب التصحيف، حيث كان ابن طاووس ينقل عن بعض الكتب الحديثيّة، ولكنّ ارتكاز الآية في ذهنه بذاك الشكل الخاطئ يجعله يقرأ النصّ الذي بين يدَيْه بما يتوافق مع ما في ذهنه، فتنقلب ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ إلى «بِكُمْ رَحِيماً». والتصحيف في مثل هذه الموارد والكلمات المتشابهة كثيرٌ.

وعلى أيّ حال، هذا الخطأ والاشتباه لا ينتسب إلى الإمام(ع) قطْعاً، وإنّما هي مجرّد هَفْوةٍ غير مقصودة من المحدِّث الجليل ابن طاووس. وتجدر الإشارة إلى أنّ المُثبَت في النسخ المتداولة من مفاتيح الجنان هو العبارة الخاطئة: «وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً»، فينبغي تصحيحها، والاجتناب عن قراءتها بكيفيتها المغلوطة؛ كي لا يكون من قبيل الافتراء على الله، ونسبة قولٍ إليه لم يَقُلْه، وإنْ كان الجهل بذلك وعدم القصد له يرفع أيّ إثمٍ أو مؤاخذة في هذا المقام. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.



أكتب تعليقك