مصحف فاطمة(عليها السلام)، مقدِّماتٌ تمهيديّة
(الجمعة 10 / 6 / 2016م)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
1ـ هل يعلم الأنبياء والأوصياء(عم) الغَيْب؟
أـ ينقل لنا القرآن الكريم ما قاله نبيُّ الله نوح(ع)، وهو أوّلُ أنبياء أولي العَزْم، الذين فضَّلَهم الله على سائر أنبيائه ورُسُله، وأخذ منهم ميثاقاً غليظاً: ﴿وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمْ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ﴾ (هود: 31).
ب ـ ونقرأ في القرآن الكريم أيضاً ما أمر الله عزَّ وجلَّ به النبيَّ الأكرم والخاتَم محمداً(ص)، من أن يخبر الناس بأنّه لا يعلم الغَيْب، ولا يعلم المصير. وهو(ص) مثالٌ يُقاس عليه سائر الأنبياء والأولياء، من الرجال والنساء على السواء:
1ـ ﴿قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: 188).
2ـ ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ (الأحقاف: 9).
3ـ ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً﴾ (الجنّ: 25).
4ـ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ * قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ * إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنْ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ (الأنبياء: 107 ـ 112).
5ـ ﴿قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ﴾ (الأنعام: 50).
2ـ حدود ومقدار علم الأنبياء والأوصياء(عم) للغَيْب
يحدِّثنا القرآن الكريم، وهو أحسن الحديث وأوثقه وأصدقه، أنّ الله عزَّ وجلَّ قد استأثر لنفسه بعلم الغَيْب، وإنَّما يُظْهِر بعضَه لرُسُله؛ وذلك بهَدَف أن يتمكَّنوا من إبلاغ رسالة الله إلى الناس. يقول تبارك وتعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً﴾ (الجنّ: 26 ـ 28).
إذن الأنبياء(عم) لا يعلمون الغَيْب إلاّ بمقدار ما يمكِّنهم من أداء الرسالة، وإبلاغ الشريعة.
3ـ الكتب المنسوبة إلى الإمام عليّ(ع)، والسيِّدة الزهراء(عا)
نُسبَتْ إلى الإمام عليّ(ع) والسيّدة الزهراء(عا) جملةٌ من الكتب، نذكر منها:
1ـ كتاب جمع القرآن وتأويله، أو «مصحف عليّ(ع)»: وهو أوّل جمعٍ للقرآن الكريم في كتابٍ واحد، قام به الإمام عليّ(ع) بعد وفاة النبيّ(ص) مباشرةً، ولم يتوانَ في ذلك أبداً، حتّى جمع فيه النصّ القرآني، وتفسيره، وبيَّن فيه الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابِه، وأسباب النزول، ومَنْ نزلت فيهم بعض الآيات، ورتَّبه على ترتيب النزول للآيات طيلة ثلاث وعشرين سنة، إلاّ ما رتَّبه النبيّ(ص) في مكانٍ آخر بأمرٍ من الله. وسيأتي الحديث عن هذا المصحف مفصَّلاً إنْ شاء الله.
2ـ كتاب عليٍّ(ع): وقد ذُكرت له في الروايات أوصافٌ (طوله سبعون ذراعاً)، واعتمد عليه أئمّة أهل البيت(عم) في كثيرٍ من أحكامهم، وبيانهم للحلال والحرام، وكانوا يقولون: «وجدنا في كتاب عليّ(ع)». وبالنظر إلى ما جاء في الروايات ـ بغضّ النظر عن ثبوت صحّتها وعدمه ـ فإنّ كتاب عليّ(ع) كان يشتمل على السِّيرة العباديّة لأمير المؤمنين عليٍّ(ع) (عبادة عليّ)؛ والأخلاق والوصايا؛ وأحكام الشريعة؛ وبيان الحدود؛ وبعض الأقضية؛ مضافاً إلى بعض الأخبار الغيبيّة.
3ـ الجامعة: وهي ـ كما جاء في الروايات ـ صحيفةٌ طولها سبعون ذراعاً، من إملاء النبيّ(ص) وخطّ عليّ(ع). وفيها كلّ حلالٍ وحرام، حتّى الأَرْش في الخَدْش.
4ـ الصحيفة: وقد أكَّد الأئمّة(عم) أنّها عندهم، وطولها سبعون ذراعاً، وفيها جميع ما يحتاج إليه الناس، حتّى أَرْش الخَدْش.
5ـ الجَفْر: وفيه علومٌ نبويّة (حلال وحرام وأصول)، وكذلك أخبار عن حوادث ستقع، وكذلك تفسير بعض المتشابِه في القرآن الكريم.
6ـ مصحف فاطمة(عا): وقد اختُلف في ماهيّته، ومضمونه، اختلافاً كبيراً. وها نحن في طريق توضيح ذلك بإذن الله تعالى.
وتجدر الإشارة إلى أنّه يُحتَمَل؛ اعتماداً على ما جاء في أوصاف هذه المصنَّفات، أن يكون بعضها متّحداً مع البعض الآخر، كما في كتاب عليّ(ع) والصحيفة والجامعة، فيُحتَمَل قويّاً أن تكون كتاباً واحداً في صحائف متّصلة، وطولها مجتمعةً سبعون ذراعاً.
4ـ منع التدوين، ومدوَّناتُ أهل البيت(عم)
بعد وفاة النبيّ(ص) منع الخلفاء تدوين الحديث، معلِّلين ذلك بالحفاظ على القرآن، ومنع اختلاطه بغيره من كلام الآدميين، ومنع انصراف الناس إلى الحديث النبويّ، تعليماً وتعلُّماً وحفظاً وشرحاً، وإهمال القرآن.
وليست هذه بالعلل الحقيقيّة، وإنّما كان للسياسة دَوْرها الكبير في هذا المنع. وعلى أيّ حالٍ فإنّ أهل البيت(عم) وجمعاً من الصحابة لم يلتزموا بهذا المنع.
«وفي طليعة أولئك الصحابة الإمام [أمير المؤمنين] عليّ(ع)، حيث إنّه وعى وحفظ كلّ ما قاله الرسول(ص) له، وكان أوّل مَنْ صنَّف في أحاديث الرسول(ص)»([1]).
وقد كتب(ع) أحاديث النبيّ(ص) كلَّها في صحيفةٍ كبيرةٍ، طُولُها سبعون ذراعاً، بخطِّه(ع) وإملاءِ رسول الله(ص)، وكانت تُعرَف عند أهل البيت(عم) بالجامعة([2]).
«وللإمام عليّ(ع) كتابٌ آخر في الدِّيات، سمَّاه «الصحيفة»، كان يعلِّقه(ع) بقراب سيفه. وقد روى البخاريُّ في «صحيحه» عن هذه الصحيفة([3])»([4]).
«وممَّنْ جَدَّ في كتابة الحديث فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وكتابُها يُسمَّى «مصحف فاطمة»»([5]).
5ـ السيّدة الزهراء(عا) عالمةٌ معلِّمة
وفي هذا المجال نطلّ على حياة وسيرة سيّدة نساء العالمين(عا)؛ لنرى كيف صوَّرتها لنا أخبارها المعلِّمة الأولى للمسلمات، اللواتي كنَّ يُقْبلنَ على بيتها، مستفهماتٍ متعلِّمات، فتفيض عليهنَّ مولاتُنا فاطمة الزهراء(عا) بما وعَتْه من علمٍ، وتثقِّفهنَّ بثقافة العصر، وتشجِّعهنّ على طلب العلم والمعرفة. وهكذا كان بيتُها المدرسة الأولى في الإسلام للمرأة.
وما أورده المؤرِّخون من أخبارها في رحابة صدرها في تثقيفها للراغبين، وفي إقبال النساء عليها طالباتٍ للعلم، كلُّ هذا يُرينا بعض حقائق «مولاتنا فاطمة(عا)» العالمة المعلِّمة.
ومن ذلك: ما يُروى عن إمامنا العسكريّ(ع) أنّه قال: «وحضرت امرأةٌ عند الصديقة فاطمة الزهراء(عا) فقالت: إنّ لي والدةً ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيءٌ، وقد بعثَتْني إليكِ أسألُكِ، فأجابَتْها فاطمة(عا) عن ذلك، ثمّ ثنَّتْ، فأجابَتْ، ثمّ ثلَّثَتْ [فأجابَتْ]، إلى أن عشَّرَتْ، فأجابَتْ، ثمّ خجلَتْ من الكثرة، فقالت: لا أشقّ عليك يا بنت رسول الله، قالت فاطمة(عا): هاتي وسلي عمّا بدا لكِ، أرأيتِ مَنْ اكترى يوماً يصعد إلى سطحٍ بحِمْلٍ ثقيل، وكراؤه مائة ألف دينار، أيثقل عليه؟ فقالت: لا. فقالت: اكتريتُ أنا لكلّ مسألة بأكثر من مِلْء ما بين الثَّرى إلى العَرْش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل عليَّ، سمعتُ أبي [رسول الله](ص) يقول: إنّ علماء شيعتنا يُحْشَرون، فيخلع عليهم من خِلَع الكرامات على قَدْر كَثْرة علومهم، وجِدِّهم في إرشاد عباد الله، حتَّى يُخْلَع على الواحد منهم ألف ألف خِلْعة من نورٍ»([6]).
ولا بدّ ونحن نتحدّث عن سيّدتنا فاطمة الزهراء(عا) من الإشارة إلى أنّ تثقيفها لم يقتصر على النساء، بل كان الرجال أيضاً يقصدونها؛ للاستفادة من علمها. فقد روى الصحابيُّ الجليل عبد الله بن مسعود «أنّ رجلاً جاء إلى مولاتنا فاطمة(عا) فقال: يا ابنة رسول الله، هل ترك رسول الله(ص) عندك شيئاً تُطْرفينيه. فقالت: يا جارية، هاتِ تلك الحريرة. فطلبَتْها فلم تجِدْها، فقالت: وَيْحَكِ، اطْلِبيها، فإنّها تعدل عندي حسناً وحسيناً، فطلبَتْها فإذا هي قد قمَّمَتْها في قمامتها، فإذا فيها: قال محمدٌ النبيّ(ص): ليس من المؤمنين مَنْ لم يأمن جارُه بوائقَه. ومَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره. ومَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُلْ خيراً أو يسكت. إنّ الله يحبّ الخيِّر الحليم المتعفِّف، ويبغض الفاحش الضنين السأّآل المُلْحِف. إنّ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة؛ وإنّ الفُحْش من البَذاء، والبَذاء في النار»([7]).
إنّه الحِرْص على العلم، ولا سيَّما إذا كان عِلْماً من رسول الله(ص)؛ حيث إنّها كانت تجمع في تلك الأوراق أحاديث رسول الله(ص) التي حدَّثها بها، فاجتمع لديها من حديثه كمٌّ هائل، شكَّل مصحفها المعروف باسم «مصحف فاطمة»، يتوارثه الأئمّة(عم) من ذرِّيّتها، حتّى وصل في عصرنا هذا إلى إمامنا ومنقذنا الحجّة بن الحسن المهديّ المنتظر(عج).
6ـ «مصحف فاطمة»، شُبْهَةٌ ووَهْم
وممّا يؤسَف له أنّ بعض أهل السنّة انطلقوا يتَّهمون الشيعة بأنّ لديهم قرآناً غير هذا القرآن الموجود بين المسلمين؛ حيث خدعَتْهم ـ وللأسف الشديد ـ كلمة «مَُِصحف»، وعَمُوا عن أنّ هذه الكلمة (مَُِصحف) تعني الصحف والأوراق المجتمعة([8])، وكلمةُ «المصحف» أُطلقت على القرآن الكريم من هذا القبيل، فكيف لم يُلتفت إلى هذا؟! إنّه لأمرٌ غريبٌ حقّاً.
وممّا يؤكِّد أنّه ليس لـ «مصحف فاطمة(عا)» بالنصّ القرآني، الذي يتلوه المسلمون جميعاً، في صلواتهم ومجالسهم وأذكارهم، ما رُوي عن الإمام الصادق(ع)، حيث قال: «…ومصحف فاطمة، أما واللهِ، ما أزعم أنّه قرآنٌ»([9]).
فالإمام(ع) ينفي أن يكون مصحف فاطمة(عا) قرآناً، إلى جنب القرآن الكريم. وعليه فالمقطوعُ به، ولا ينبغي لأحدٍ أن ينسب إلى الشيعة غيرَه، أنّ مصحف فاطمة(عا) ليس قرآناً، أي نصّاً مقروءاً ومتلوّاً على نحو التعبُّد لله، فهو ليس وحياً إلهيّاً بنصّه وكلماته وحروفه، ولا يُتعامل معه كما يُتعامَل مع القرآن الكريم، حيث نقرؤه ونتلوه، بل هو كلام النبيّ الأكرم(ص)، ألقاه إلى ابنته، ويتضمَّن تفسيرات وتوضيحات ووصايا نبويّة، خصَّها بها(عا). وسيأتي مزيد بيانٍ حول مضمونه إنْ شاء الله تعالى.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ المَُِصْحَف ـ في اللُّغَة ـ هو «الجامع للصحف المكتوبة بين الدفَّتَيْن كأنّه أصحفٌ»([10]).
وفرَّق أبو هلال العسكري بين «الكتاب» و«المصحف» بقوله: «إنّ الكتاب يكون ورقةً واحدة، ويكون جُمْلةَ أوراق؛ والمصحف لا يكون إلاّ جماعة أوراق، صُحِّفت، أي جُمع بعضُها إلى بعض»([11]).
ومن منطلق الدفاع عن كتاب الله العزيز، ونحن في شهر رمضان المبارك، شهر الكتب الإلهيّة كافّةً، وعلى رأسها القرآن الكريم، حيث نزلت في هذا الشهر الكريم جميع الكتب السماويّة، وهي: صحف إبراهيم(ع)، وتوراة موسى(ع)، وزَبور داوود(ع)، وإنجيل عيسى(ع)، وقرآن النبيّ الأكرم محمد(ص)، سيكون لنا في الأسبوع المقبل، إن شاء الله تعالى، وقفةٌ مع ما جاء في الروايات حول «مصحف فاطمة»؛ لبيان حقيقته وماهيّته، وأين هو اليوم؟ وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.
**********
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) عبد الرسول الغفّار(معاصر)، الكليني والكافي: 24، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم، ط1، 1416هـ.
([2]) الكليني، الكافي 1: 239. وفيه: «عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع) ـ في حديثٍٍ، قال: يا أبا محمّد، وإنّ عندنا الجامعة، وما يُدريهم ما الجامعة؟ قال: قلتُ: جُعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفةٌ طولُها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله(ص) وإملائه من فلق فيه، وخطِّ عليٍّ بيمينه، فيها كلُّ حلالٍ وحرامٍ، وكلُّ شيءٍ يحتاج الناس إليه، حتّى الأرش في الخدش».
([3]) صحيح البخاري 1: 36. وفيه: «عن أبي جحيفة، قال: قلتُ لعليّ: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلاّ كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة، قال: قلتُ: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ».
صحيح البخاري 8: 10. وفيه: «عن إبراهيم التيميّ، عن أبيه، قال: قال عليّ,: ما عندنا كتاب نقرؤه إلاّ كتاب الله، غير هذه الصحيفة، قال: فأخرجها، فإذا فيها أشياء من الجراحات، وأسنان الإبل، قال: وفيها: المدينةُ حرمٌ ما بين عير إلى ثور، فمَنْ أحدث فيها حدثاً أو آوى مُحدِثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرفٌ ولا عدل، ومَنْ والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرفٌ ولا عدل، وذمّةُ المسلمين واحدةٌ، يسعى بها أدناهم، فمَنْ أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرفٌ ولا عدل».
([4]) الغفّار، الكليني والكافي: 25.
([5]) الغفّار، الكليني والكافي: 26.
ولكنْ في بعض الروايات عن أهل البيت(عم) أنّ مصحف فاطمة «مصحفٌ فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرفٌ واحدٌ». (الكليني، الكافي 1: 239).
وفي بعضها: «إنّ الله تعالى لمّا قبض نبيه(ص) دخل على فاطمة(عا) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عزَّ وجلَّ، فأرسل الله إليها ملكاً، يسلّي غمّها، ويحدّثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين(ع) فقال: إذا أحسَسْتِ بذلك، وسمعتِ الصوت، قولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين(ع) يكتب كلَّ ما سمع، حتّى أثبت من ذلك مصحفاً، قال: ثمّ قال: أما إنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكنْ فيه علمُ ما يكون». (الكليني، الكافي 1: 240).
وفي بعضها: «إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله(ص) خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل(ع) يأتيها، فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيِّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيّتها، وكان عليّ(ع) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة(عا)». (الكليني، الكافي 1: 241).
وفي بعضها: «عن أبي عبد الله(ع): كنتُ أنظر في كتاب فاطمة(عا)، ليس من ملك يملك الأرض إلاّ وهو مكتوبٌ فيه، باسمه واسم أبيه، وما وجدتُ لوُلد الحسن فيه شيئاً». (الكليني، الكافي 1: 242).
وفي بعضها: «عن أبي جعفر(ع): أُنزل عليها بعد موت أبيها…، فلمّا أراد الله عزَّ وجلَّ أن يُنزله عليها، أمر جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوا المصحف، فينزلوا به عليها، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل، هبطوا به عليها وهي قائمةٌ تصلّي، فما زالوا قياماً حتّى قعدت، فلمّا فرغت من صلاتها سلَّموا عليها، وقالوا لها: السلام يُقرئكِ السلام، ووضعوا المصحف في حجرها، فقالت لهم: الله السلام، ومنه السلام، وإليه السلام، وعليكم يا رسل الله السلام، ثمّ عرجوا إلى السماء، فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرؤه، حتّى أتت على آخره». (محمد بن جرير بن رستم الطبري(أواسط القرن الخامس)، دلائل الإمامة: 105 ـ 106، مؤسّسة البعثة، قم، ط1، 1413هـ).
وقد يُستفاد من مجموع هذه الروايات أنّ مصحف فاطمة(عا) ليس من المدوَّنات الحديثيّة عن رسول الله(ص)، وبالتالي لا يكون مصحف فاطمة دليلاً على أنّها ممَّنْ صنَّف في الحديث. وسنتعرَّض في المحاضرة القادمة للنقاش في هذه الروايات، ودلالتها، وتظهر النتيجة الأخيرة جليّةً واضحة.
نعم، قد ثبت أنّها(عا) كانت تكتب أحاديث رسول الله(ص). ففي دلائل الإمامة: «عن ابن مسعود، قال: جاء رجلٌ إلى فاطمة(عا)، فقال: يا ابنة رسول الله، هل ترك رسول الله(ص) عندك شيئاً تطرفينيه؟ فقالت: يا جارية، هاتِ تلك الحريرة، فطلبتها، فلم تجدْها، فقالت: ويحك اطلبيها، فإنّها تعدل عندي حسناً وحسيناً، فطلبتها، فإذا هي قد قمّمتها في قمامتها، فإذا فيها: قال محمّد النبيّ(ص): ليس من المؤمنين مَنْ لم يأمن جارُه بوائقَه، ومَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُلْ خيراً أو يسكت، إنّ الله يحبّ الخيّر الحليم المتعفِّف، ويبغض الفاحش الضنين السئّآل [الصحيح: السأّآل] الملحف، إنّ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإنّ الفحش من البذاء، والبذاء في النار». (راجع: الطبري، دلائل الإمامة: 65 ـ 66).
ونقل الخرائطيّ عن مجاهد قوله: «دخل أبيّ بن كعب على فاطمة(رضا)، ابنة محمد، فأخرجت إليه كربة فيها كتاب: مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُحسن إلى جاره». (راجع: الشهرستاني، منع تدوين الحديث، أسبابٌ ونتائج: 405، نقلاً عن «مكارم الأخلاق»: 43، ح317، لمحمد بن جعفر الخرائطي(327هـ)، مكتبة السلام، طبعة القاهرة.
([6]) تفسير الإمام العسكريّ(ع): 340.
([7]) رواه محمد بن جرير الطبري (الشيعي) في دلائل الإمامة: 65 ـ 66، عن القاضي أبي بكر محمد بن عمر الجعابي، عن أبي عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي، عن الخليل بن أسد أبي الأسود النوشجاني، عن رويم بن يزيد المنقري، عن سوار بن مصعب الهمداني، عن عمرو بن قيس، عن سلمة بن كهيل، عن شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود.
([8]) يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ (الأعلى: 18 ـ 19)؛ وقال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية: 447: «الفرق بين الكتاب والمصحف أنّ الكتاب يكون ورقة واحدة ويكون جملة أوراق؛ والمصحف لا يكون إلاّ جماعة أوراق، صحِّفت، أي جُمع بعضها إلى بعض»؛ وقال ابن منظور في لسان العرب 9: 186: «والمِصحف والمَصحف [والمُصحف]: الجامع للصحف المكتوبة بين الدفّتين كأنه أصحف».
([9]) رواه الصفّار في بصائر الدرجات: 174، عن أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبيه الحسن، عن أبي المعزا، عن عنبسة بن مصعب، عن أبي عبد الله(ع).