18 نوفمبر 2016
التصنيف : مقالات عقائدية، منبر الجمعة
لا تعليقات
3٬473 مشاهدة

(الله) يقبض بنفسه روح (الحسين)، قراءةٌ نقديّة

2016-11-18-%d9%85%d9%86%d8%a8%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%85%d8%b9%d8%a9%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%8a%d9%82%d8%a8%d8%b6-%d8%a8%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%87-%d8%b1%d9%88

(الجمعة 18 / 11 / 2016م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

دعوى باطلةٌ

يدّعي بعض المشايخ وجود روايات تفيد بـ «أنّ الإمام الحسين(ع) وأصحابه وصلوا إلى مرتبةٍ بحيث إنّ جبرائيل قال للنبيّ(ص): إنّ الله تعالى بنفسه يقبض أرواحهم. فما هذا المقام الذي بلغ أنّ الله يقبض أرواحهم، وليس عزرائيل(ع)، والنبيّ(ص) يحفر لهم ويدفنهم؟!».

الردّ الثاقب في آليّة إثبات المناقب

ما يُنقَل على أنّه روايةٌ ليس له عينٌ أو أثرٌ في كتب الحديث والأخبار. وبالتالي فهو من مخترَعات قائليه، وبناتِ أوهامهم، كائناً مَنْ كانوا.

فيا أيُّها المؤمن لا يغرَّنَّك مَنْ قال، بل انظُرْ إلى ما قيل، هل هو صادرٌ عن النبيّ(ص) أو أهل بيته(عم)؟

1ـ التحقيق السندي

ولمعرفة ذلك طرقه المعروفة للعلماء المحقِّقين، والباحثين الجادّين. ولا يكفي أن نجده في كتابٍ هنا أو هناك، بل لا بُدَّ أن يكون مؤلِّف هذا الكتاب معروفاً أنّه من العلماء، بل من الثقات، وينقل الخبر مُسْنَداً، أي بذكر جميع الرواة له عن المعصوم(ع).

فحتّى لو وجدنا خبراً في كتابٍ للشيخ الطوسي، أو الشيخ المفيد، أو غيرهما من علمائنا الكبار، ولكنّه قد نسبه مباشرةً إلى المعصوم(ع)، فلا يمكن الاعتماد على هذا الخبر؛ إذ لا بدّ من إثبات الاتّصال بين مؤلِّف الكتاب والمعصوم من خلال مجموعةٍ من الرواة، ينقل الواحد عمَّنْ قبله ممَّنْ شاهده والتقاه وسمع منه أو نقل من كتابه. فكيف إذا لم يكن للخبر وجودٌ أصلاً في كتابٍ من الكتب المختصّة بنقل روايات المعصومين(عم)؟!

2ـ التحقيق المضموني

ولو ثبت وجود الحديث في كتابٍ معتَبَر، وكان الاتّصال بالمعصوم متحقِّقاً، من خلال رواةٍ ثقات، فلا بُدَّ من النظر في مضمون الرواية، ومدى صحّة مضمونها وموافقته للقرآن الكريم والسنّة القطعيّة الثابتة عن المعصومين(عم)؛ إذ هما المرجع في الحُكم على صحّة الروايات الغريبة. وهذا ما أمرنا به أهلُ البيت(عم) حيث نريد التمييز بين الصحيح وغيره عند اختلاف الروايات في موضوعٍ واحد؛ وذلك أنّ أهل البيت(عم) تعرَّضوا للأذى عبر طريقَيْن:

1ـ الطعن في فضائلهم، حتّى قيل للناس يوماً أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) لا يصلّي، وصدَّقوا ما قيل، وفوجئوا بشهادته في محراب المسجد.

2ـ الغلوّ في فضائلهم، حتّى أصبح الناس ينفرون منهم، ويعتقدون أنّهم يرَوْن لأنفسهم مكاناً لم يجعله الله لهم، وفي ذلك جرأةٌ منهم على الله.

ومن خلال الطريقَيْن معاً ينفر الناس من أهل البيت(عم)، وهذا ما تريده السلطة الحاكمة آنذاك.

إذن لقد استُخدم الطريقان معاً؛ للإساءة إليهم(عم). ولهذا حذَّر الأئمّة(عم) من الوقوع في هذا الفخّ، فقال أمير المؤمنين عليٌّ(ع): «هلك فيَّ اثنان: محبٌّ غالٍ، ومبغضٌ قالٍ».

وقال بعضُ أئمّة أهل البيت(عم): «وكونوا زيناً، ولا تكونوا شيناً، حبِّبونا إلى الناس، ولا تبغِّضونا، جرّوا إلينا كلَّ مودّةٍ، وادفعوا عنّا كلَّ قبيحٍ، وما قيل فينا من خيرٍ فنحن أهله، وما قيل فينا من شرٍّ فما نحن كذلك. لنا حقٌّ في كتاب الله، وقرابةٌ من رسول الله(ص)، وولادةٌ طيبة، فهكذا فقولوا، ولا تعدوا بنا أقدارنا، فإنمّا نحن عبيدٌ لله مربوبون، لا نملك إلاّ ما ملكنا، ولا نأخذ إلاّ ما أعطانا، لا نستطيع لأنفسنا نفعاً ولا ضرّاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، لا واللهِ لا أعلم ـ أنا، ولا أحدٌ من آبائي ـ الغَيْب، ولا يعلم الغَيْب إلاّ الله، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾».

وقالوا أيضاً: «فكونوا لنا شيعةً، ولا تقولوا فينا ما لا نقول في أنفسنا فلا تكونوا لنا شيعةً».

ومن هنا لو سلَّمنا بوجود هذا القول في كتاب حديثيّ، وبسندٍ صحيح، فلا بُدَّ من النظر والتأمُّل في مضمونه؛ للوقوف على صحّته:

قراءةٌ نقديّة في مضمون هذا القول

مضمون القول: عزرائيل يؤمَر من قبل الله عزَّ وجلَّ بقبض روح الحسين(ع)، فينزل لقبضها، ثمّ يصعد متحيِّراً من أيِّ مكانٍ (عضوٍ) يقبض روح الحسين(ع)، وبالتالي يعتذر عن أداء المهمّة، فيتولّى الله سبحانه وتعالى ذلك بنفسه.

ويرِد على هذا القول من الإشكالات ما يلي:

أوّلاً: الملائكة كما وصفهم الله سبحانه وتعالى فقال: ﴿عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾، وهذا يعني أنّه ليس لعزرائيل أن يعصي أمر الله، أو يعتذر عن تلبيته.

وهنا أودّ الإشارة إلى ما يُقال أيضاً من أنّ ملكاً يُسمَّى «فُطْرُس» عصى الله عزَّ وجلَّ، فعاقبه، ثمّ تشفَّع فيه الحسين(ع)، فعفا الله عنه، وسُمّي «عتيق الحسين». هذا كلامٌ خاطئ؛ فالملائكة لا تعصي الله أبداً. هذه عقيدتُنا في الملائكة(عم)، وقد جاء بها القرآن الكريم، ومَنْ أصدقُ من الله حديثاً.

ثانياً: هل خفي على الله تقطُّع أعضاء الحسين(ع)، بحيث لا مجال لنزع روحه من أحدها، وبالتالي يكون قد كلَّف عزرائيل بمهمّةٍ مستحيلة غير مقدورة، والتكليف بغير المقدور قبيحٌ، لا يصدر منه سبحانه وتعالى، تعالى اللهُ عن الجهل والقبيح عُلُوّاً كبيراً.

ثمّ مَنْ قال بأنّ نزع الروح لا بُدَّ أن يكون من أحد الأعضاء؟! وإذا كان ذلك ضروريّاً فكيف نزع اللهُ روح الحسين(ع)؟! ومن أيّ عضوٍ، ما دامت كلُّها مقطوعة، وقد عجز عزرائيل قبله عن نزعها منها؟!

ثمّ لنا أن نتساءل هنا: كيف يقبض عزرائيل(ع) أرواح الذين يموتون بعد تعرُّضهم لحادثٍ مفجع، فتتقطَّع أعضاؤهم، وتتناثر لحومهم؟! فهل يعتذر عن قبض أرواحهم أيضاً، ويكِلُ الأمر إلى الله، فيقبضها بنفسه!!

ثالثاً: إذا كان امتناع عزرائيل عن قبض روح الحسين(ع) لشرفها فروح رسول الله(ص) أشرف من روح الحسين(ع)، ومن روح أمِّه وأبيه، وكذا سائر الأنبياء والأوصياء والأئمّة(عم) ـ وهذه هي عقيدتُنا، التي استقيناها من روايات المعصومين(عم) الصحيحة التي تقول: «فإنّ رسول الله(ص) هو خيرٌ من عليّ» ـ، فكيف قبض عزرائيل روح النبيّ(ص)؟!

شبهةٌ وبيان

وأمّا ما قد يُقال من أنّ قبض الأرواح يكون من قِبَل عزرائيل تارةً؛ ومن قِبَل الله مباشرةً وبلا واسطة تارةً أخرى، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾.

فجوابُه: إنّ الصحيح في تفسير هذه الآية أنّ عزرائيل هو الذي يتولّى قبض الأرواح بمشيئة الله وإذنه، لا بشكلٍ مستقلّ وإرادةٍ ذاتيّة. ومن هنا فإنّ الفاعل الحقيقي هو الله، ولكنْ بواسطة المَلَك الكريم عزرائيل. ولا دليل على أنّ الله يقبض الأرواح بنفسه. إذن هاتان الآيتان تدلاّن على أنّ الله هو الفاعل الحقيقي، ولكنْ هناك مَنْ قد أذن اللهُ له وكلَّفه بمهمّة قبض الأرواح، ولا يفعل شيئاً من تلقاء نفسه.

خلاصة القول

إنّه لا وجود لهذه الخرافة في كتب الحديث والأخبار.

وإنَّما هي قولٌ مخترَعٌ، مكذوبٌ، موضوعٌ، يسيء لأهل البيت(عم)، وللملائكة الكرام(عم)، وقد راج مؤخَّراً من قبل بعض الغلاة المنحرفين.

فالحَذَر الحَذَر من التصديق بها أو الركون إليها. كما ويحرم تداولها وترويجها. ويجب مع القدرة والتمكُّن الردُّ عليها وتفنيدها في كلّ موقعٍ تطرح فيه؛ حفظاً لعقائد المؤمنين من الانحراف.

اللهُمَّ نبِّهْنا من نومة الغافلين، وثبِّتْنا على صراطك المستقيم، بمحمَّد وآله الطيِّبين الطاهرين. وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.



أكتب تعليقك