9 ديسمبر 2016
التصنيف : مقالات عقائدية، منبر الجمعة
لا تعليقات
8٬228 مشاهدة

يوم فرحة الزهراء(عا)، قراءةٌ نقديّة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

تمهيد: فرحة الزهراء(عا) بمقتل الخليفة عمر

يقوم بعض المؤمنين(هداهم الله)؛ بسبب جهلهم بحقائق الأمور، وطرق الاستدلال العلميّ والشرعيّ، باتّخاذ اليوم التاسع من ربيع الأوّل عيداً ولائيّاً، ويومَ سرورٍ وابتهاج؛ بسبب مقتل الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب في هذا اليوم.

ويتناقلون في ذلك روايةً منسوبةً إلى الإمام العسكري(ع)، أنّ هذا اليوم يومُ عيدٍ، وهو أفضل الأعياد عند أهل البيت وعند مواليهم؛ ويروي(ع)، عن أبيه الهادي(ع)، أنّ الصحابيّ الجليل حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم، وهو اليوم التاسع من ربيع الأوّل، على رسول الله(ص)، فرأى أمير المؤمنين مع ولدَيْه(عم) يأكلون مع رسول الله(ص)، وهو يبتسم في وجوههم، ويقول لولدَيْه الحسن والحسين: كُلا، هنيئاً لكما ببركة هذا اليوم؛ فإنه اليوم الذي يُهلِك الله فيه عدوَّه وعدوَّ جدِّكما، ويستجيب فيه دعاء أمِّكما. كُلا؛ فإنه اليوم الذي يقبل الله فيه أعمال شيعتكما ومحبِّيكما…. كُلا؛ فإنه اليوم الذي تُكسَر فيه شوكة مُبْغِض جدِّكما…. كُلا؛ فإنه اليوم الذي يعمد الله فيه إلى ما عملوا من عملٍ فيجعله هباءً منثوراً…. ثمّ يُخبر النبيُّ(ص) عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: يا محمد…، وأمرتُ الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق كلِّهم ثلاثة أيّامٍ من ذلك اليوم، لا يكتبون شيئاً من خطاياهم؛ كرامةً لك ولوصيِّك. ولأعتقنَّ من النار من كلِّ حَوْلٍ في مثل ذلك اليوم ألفاً من مواليكم وشيعتكم، ولأجعلنَّ سعيهم مشكوراً، وذنبهم مغفوراً، وأعمالهم مقبولة…. ثمّ دخل حذيفة على أمير المؤمنين عليٍّ(ع)، فذكَّره بهذا اليوم وفضله، فقال حذيفة: يا أمير المؤمنين، أُحبُّ أن تسمعني أسماء هذا اليوم، فقال(ع): هذا يوم الاستراحة…، ويوم ظفر بني إسرائيل…، ويوم الوقت المعلوم…، ويوم المفاخرة…، ويوم إذاعة السرّ…، الحديث([1]).

وبما أنّ هذه الظاهرة آخذةٌ في الانتشار، وتساعد على إذكاء نار الفتنة بين المسلمين، وبثِّ روح العداء والفُرْقة في أوساطهم، وتتضمَّن كَذِباً وافتراءً على الله عزَّ وجلَّ، ورسوله(ص)، وأهل البيت(عم)، كان لا بُدَّ من وقفةٍ أمامها، فنقول:

مصادر الرواية

المصدر الأوّل

رواية السيد عليّ بن عليّ بن موسى بن طاووس (نجل السيد ابن طاووس المشهور) في كتاب (زوائد الفوائد)، عن خطّ محمد بن عليّ بن محمد بن طيّ([2])، أي إنّه وجدها في كتابٍ.

وينسب المجلسي إلى السيد عليّ بن عليّ بن موسى بن طاووس قوله: «ووجدنا في ما تصفَّحنا من الكتب عدّة رواياتٍ موافقةً لها، فاعتمدنا عليها»([3]).

نقدٌ وتعليق

وبما أنّ كتاب (زوائد الفوائد) ليس بأيدينا اليوم، فنحن مضطرّون للاعتماد على ما نقله العلاّمة المجلسي في شأن هذه الرواية.

إذن فهذه الرواية من طريق ابن طاووس مبتلاةٌ بفقدان السند؛ إذ لم يُذكَر، وبالتالي لا يمكن تقييمه من الناحية الرجاليّة.

وأمّا الروايات التي تصفَّحها ابنُ طاووس في الكتب، واعتبرها موافقةً لهذه الرواية، فلم ينقلها لنا أحدٌ من العلماء. وهذا النقل المجمل من ابن طاووس لوجودها ودلالتها لا يغني في العِلْم شيئاً. وبالتالي لا يمكن الاعتماد على مجرَّد قوله المتقدِّم.

المصدر الثاني

رواية الشيخ عزِّ الدين الحسن بن سليمان بن محمد بن خالد الحلّي(حيٌّ سنة 802هـ)، في كتابه «المحتضر»، فقال: «ما رُوي في فضل يوم التاسع من ربيع الأوّل: ما نقله الشيخ الفاضل عليّ بن مظاهر الواسطي، عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي»([4])، عن أحمد بن إسحاق القمّي صاحب العسكر، عن مولانا أبي الحسن عليّ بن محمد العسكري ـ أي الإمام الهادي(ع).

وهذه الرواية من طريق الحسن بن سليمان الحلّي هي القابلة للدراسة والتحقيق، فنقول:

قال العلاّمة المجلسي: «قال الشيخ حسن [ويعني به الحسن بن سليمان الحلّي، صاحب المحتضر]: نقلتُه من خطّ الشيخ الفقيه عليّ بن مظاهر الواسطي، بإسنادٍ متّصلٍ، عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن محمد بن جريح البغدادي، قالا: تنازعنا في ابن الخطّاب، فاشتبه علينا أمره، فقصدنا جميعاً أحمد بن إسحاق القمّي، صاحب أبي الحسن العسكري(ع)…، الحديث»([5]).

ولم يذكر صاحب البحار تتمّة السند، أي سلسلة الرواة بين ابن مظاهر الواسطي وابن العلاء الهمداني.

وقفةٌ مع سند الرواية

أمّا الحسن بن سليمان الحلّي(802هـ) فقد وصفه الحُرّ العاملي بـ «فاضل عالم فقيه»([6]).

وعليّ بن مظاهر(القرن8هـ) هو «الشيخ الفقيه الفاضل»([7]).

ومحمد بن العلاء الهمداني الواسطي(248هـ)، المعروف بـ (أبي كريب الكوفي)، لم يذكره الرجاليّون([8])، ما يعني أنّه مهمَلٌ عند علماء الرجال الشيعة. وبالعودة إلى كتب علماء الرجال السنّة تبيَّن أنّهم وثَّقوه، ووصفوه بـ «صدوق»([9]).

ويحيى بن جريح البغدادي لم يذكره علماء الرجال الشيعة([10])، فهو مهمَلٌ عندهم. ولم أجِدْ مَنْ تعرَّض له من علماء الرجال السنّة. غير أنّ عدم ثبوت وثاقة هذا الراوي لا تضرّ في المقام؛ لكونه متابَعاً في هذا الحديث من قبل محمد بن العلاء الهمداني الواسطي، وقد وثَّقه علماء الرجال السنَّة. اللهُمَّ إلاّ أن نرفض الأخذ بتوثيقهم بالمطلق، فيكون هذان الرجلان مهملان، ولا تثبت وثاقتهما.

وأحمد بن إسحاق القمّي هو ابن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري، أبو عليّ القمّي. قال النجاشي: «…كان وافد القمّيين، وروى عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسن(عما)، وكان خاصّة أبي محمد(ع)»([11]). ونقل الكشّي ما يفيد وثاقته([12]). وقال الطوسي: «…قمّي، ثقة»([13]). إذن هو ثقةٌ جليل.

غير أنّ مشكلة السند الحقيقيّة تكمن في السند الساقط بين عليّ بن مظاهر الواسطي ومحمد بن العلاء الهمداني الواسطي؛ إذ يفصل بينهما ما لا يقلّ عن خمسة قرون، فالسند الساقط يتكوَّن في أقلّ تقدير من خمسة رجال. وهذا إعضالٌ كبير ـ وهو سقوط أكثر من راوٍ متتالٍ من السند ـ، لا يمكن التغاضي عنه بحالٍ. ونحن لا نعرف شيئاً عن حال هؤلاء الرجال.

وقد ذكرنا في ما تقدَّم أنّ الحسن بن سليمان الحلي(حيٌّ سنة 802هـ) قال في كتابه «المحتضر»: «ما رُوي في فضل يوم التاسع من ربيع الأوّل: ما نقله الشيخ الفاضل عليّ بن مظاهر الواسطي، عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي». ويبدو من عبارته أنّ عليّ بن مظاهر الواسطي نقلها عن محمد بن العلاء الهمداني مباشرةً، ولم يُشِر إلى أنّ هناك سنداً بينهما. ويكون ذلك من باب التدليس في الإسناد.

فالعجبُ من العلاّمة المجلسي كيف يقول: «قال الشيخ حسن: نقلتُه من خطّ الشيخ الفقيه عليّ بن مظاهر الواسطي، بإسنادٍ متّصل»([14])! ورُبَما يكون ذلك لاختلاف النسخة التي بأيدينا عن النسخة التي كانت بين يدَيْه(ر).

وعلى أيّ حال لا شَكَّ في سقوط غير واحدٍ من الرواة من هذا السند، ولا نعرف عن حالهم شيئاً، فلا تثبت وثاقتهم.

إذن هذه الرواية ضعيفة السند؛ للإعضال، وبالتالي لا تثبت وثاقة جميع رواتها.

وإذا لم نأخذ بتوثيق علماء الرجال السنَّة لمحمد بن العلاء الهمداني الواسطي فيكون السند ضعيفاً أيضاً لعدم ثبوت وثاقة كلٍّ من: هذا الراوي، ومتابِعه يحيى بن جريح البغدادي.

وقفةٌ مع المضمون

هذا، وفي بعض فقرات هذا الحديث نقاشٌ وتأمُّل:

1ـ إنّ هذا اليوم هو «أفضل الأعياد عند أهل البيت وعند مواليهم».

وهذا مخالفٌ لما رُوي أنّ أفضل أعياد المسلمين هو يوم الغدير([15])، وهو اليوم الذي نصَّب فيه النبيّ(ص) أمير المؤمنين عليّاً وليّاً وإماماً ووصيّاً وخليفةً من بعده.

«فإنه اليوم الذي فيه يقبل الله أعمال شيعتكما ومحبِّيكما».

أهكذا تُقبَل الأعمال على الإطلاق؟! وأين هذا الكلام من قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (المائدة: 27)؟!

«فإنه اليوم الذي تُكسَر فيه شوكة مبغض جدِّكما».

وهل كُسرَتْ بالفعل شوكة الظلم والعدوان؟! أَوَلم يستمرّ الظلم والاضطهاد بحقِّ أهل البيت(عم) مع الخليفة الثالث، ومَنْ وتابعه بعد ذلك، وصولاً إلى دولة بني أميّة، فدولة بني العبّاس؟!

«فإنه اليوم الذي يعمد الله فيه إلى ما عملوا من عملٍ فيجعله هباءً منثوراً».

وهل صار غَصْبُهم وظلمُهم هباءً منثوراً؟! وهل سقطت كلُّ مؤامراتهم ومكائدهم ضدّ أهل البيت(عم)؟!

«وأمرتُ الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق كلِّهم ثلاثة أيّامٍ من ذلك اليوم، لا يكتبون شيئاً من خطاياهم؛ كرامةً لك ولوصيِّك».

وهل يمكن لمسلمٍ يؤمن بيوم الحساب أن يتصوَّر ارتفاع القلم عن الخلق كلِّهم لمدّة ثلاثة أيّامٍ، يرتكبون فيها ما شاؤوا من المعاصي، فلا تُسجَّل عليهم؟! ما سمعنا بهذا في مجالس العِلْم والفَضْل أبداً، وإنَّما هي نقنقاتٌ تصدر في جلساتٍ لا يُحْرَز فيها رضا الله تعالى، بل هي إلى سخطه ونقمته أقرب.

«ولأعتقنَّ من النار من كلِّ حَوْلٍ في مثل ذلك اليوم ألفاً من مواليكم وشيعتكم، ولأجعلنَّ سعيهم مشكوراً، وذنبهم مغفوراً، وأعمالهم مقبولة».

أهكذا يتمّ العتق من النار، من دون توبةٍ نصوح، ولا عملٍ صالح؟! أهكذا تُغفَر الذنوب، وتُقبَل الأعمال؛ لبركة يومٍ، ولأجل مقتل شخصٍ؟! «هيهات، لا يُخْدَع الله عن جنَّته، ولا تُنال مرضاتُه إلاّ بطاعته»([16]).

«قال حذيفة: فقلتُ: يا أمير المؤمنين، أحبّ أن تسمعني أسماء هذا اليوم، فقال(ع): هذا يوم…، ويوم ظَفَر بني إسرائيل».

وما هي علاقة بني إسرائيل بهذا اليوم؟! وأيُّ ظَفَرٍ لهم فيه؟!

«ويوم الوقت المعلوم».

وما هو يوم الوقت المعلوم؟! إنّنا نقرأ عن يوم الوقت المعلوم في كتاب الله المجيد، حيث يحدِّثنا تبارك وتعالى عمّا جرى من حوارٍ مع الشيطان الرجيم: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ (الحجر: 36 ـ 38؛ ص: 79 ـ 81). وبقرينة حديثه جلَّ وعلا عن ذاك الحوار نفسه في موردٍ آخر: ﴿قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ﴾ (الأعراف: 14 ـ 15)؛ وحيث لم يذكر يوماً آخر غير الذي طلب الشيطان الإنظار إليه، وهو (يوم يبعثون)، يكون (يوم الوقت المعلوم) هو (يوم يُبعثون).

فهل هناك يومان للوقت المعلوم: يوم مقتل الخليفة الثاني؛ ويوم انتهاء مهلة إبليس؟! أم أنّ هذه الرواية تفيد أنّ الشيطان اجتُثَّ من الوجود بمقتل الخليفة الثاني؟!

وهل يصدِّق أحدٌ مثلَ هذا الكلام ووساوس الشيطان تعتري الإنسان في كلّ حينٍ، ومن كلِّ حَدْبٍ وصَوْبٍ؟!

«ويوم المفاخرة».

وهل من شأن أهل البيت(عم)، أو شيعتهم، المفاخرة؟! ولا سيَّما في القتل وإزهاق النفوس. وهل سيفاخرون بشيءٍ لم يرتكبوه هم، وليست لهم أيُّ علاقةٍ به؟!

10ـ «ويوم إذاعة السرّ».

أيُّ سرٍّ سوف يُذاع في هذا اليوم؟! وهل أُذيع السرُّ بالفعل؟! أَوَكان خافياً على الناس فضلُ أهل البيت(عم)، أو مظلوميّتُهم، أو أحقِّيتُهم، حتّى تكون إذاعة ذلك كلِّه في ذلك اليوم؟!

وبعد هذا الكمِّ من المخالفات والمغالطات والغرائب في مضمون الرواية ـ مضافاً إلى ضعف السند بالإعضال ـ نكاد نقطع بأنّها من الموضوعات على لسان أهل البيت(عم)، وأصحاب النبيّ(ص)، ويريد بها واضعوها أن يشوِّهوا صورة أهل البيت(عم)، وشيعتهم، وإظهارهم بمظهر الشامت الحاقد، وحاشاهم أن يكونوا كذلك. 

حذارِ حذارِ

أيُّها الأحبّة، هناك ـ قديماً وحديثاً ـ مَنْ يحاول أن يوقع بين المسلمين بمثل هذه التُّرَّهات، التي لا نشكّ في كذبها ووضعها.

فالحَذَر الحَذَر، عباد الله، من هؤلاء المنحرفين، وأضاليلهم وأراجيفهم، فإنّها كَذِبٌ وافتراءٌ على الله جلَّ وعلا، ورسوله(ص)، وأهل بيته(عم)، وفي ذلك كلِّه سخطُ الله وغضبُه وعقابُه.

نعوذ بالله من سخطه، ونعوذ به من شرِّ أنفسنا الأمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربُّنا. اللهُمَّ عفوك عفوك عفوك. ﴿وقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُه وَالمُؤْمِنُون، ﴿وَسَيْعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ، ﴿وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالَمين.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) قال الحسن بن سليمان الحلّي في المحتضر: 89 ـ 102: وممّا جاء في عمر بن الخطّاب من أنه كان منافقاً [ما رُوي في فضل يوم التاسع من ربيع الأوّل] ما نقله الشيخ الفاضل عليّ بن مظاهر الواسطي، عن محمد بن العلا الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي قال: تنازعنا في أمر ابن الخطّاب، فاشتبه علينا أمره، فقصدنا جميعاً أحمد بن إسحاق القمّي صاحب العسكر(ع)، بمدينة قم، وقرعنا عليه الباب، فخرجت إلينا من داره صبيّةٌ عراقيّة، فسألناها عنه، فقالت: هو مشغولٌ بعياله؛ فإنه يوم عيد، فقلنا: سبحان الله! الأعياد عند الشيعة أربعة: الأضحى؛ والفطر؛ ويوم الغدير؛ ويوم الجمعة، قالت: فإنّ أحمد يروي عن سيِّده أبي الحسن عليّ بن محمد العسكري(ع) أنّ هذا اليوم يوم عيد، وهو أفضل الأعياد عند أهل البيت وعند مواليهم، قلنا: فاستأذني لنا بالدخول عليه وعرِّفيه بمكاننا، فدخلت عليه، وأخبرته بمكاننا، فخرج إلينا، وهو متَّزرٌ بمئزرٍ له، محتضنٌ لكسائه، يمسح وجهه، فأنكرنا ذلك عليه، فقال: لا عليكما، فإنّي كنتُ اغتسلتُ للعيد، قلنا: أَوَهذا يوم عيدٍ؟! وكان ذلك اليوم التاسع من شهر ربيع الأوّل، قال: نعم، ثمّ أدخلنا داره، وأجلسنا على سريرٍ له، وقال: إنّي قصدتُ مولانا أبا الحسن العسكري(ع)، مع جماعةٍ من إخوتي، بسُرَّ مَنْ رأى، كما قصدتماني، فأستأذنّا بالدخول عليه في هذا اليوم، وهو اليوم التاسع من شهر ربيع الأوّل، وسيّدنا قد أوعز إلى كلّ واحدٍ من خدمه أن يلبس ما له من الثياب الجُدُد، وكان بين يدَيْه مجمرةٌ، وهو يحرق العود بنفسه، قلنا: بآبائنا أنتَ وأمهاتنا يا بن رسول الله، هل تجدَّد لأهل البيت فرحٌ؟ فقال: وأيّ يومٍ أعظم حرمة عند أهل البيت من هذا اليوم؛ ولقد حدَّثني أبي أنّ حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم، وهو اليوم التاسع من شهر ربيع الأوّل، على جدّي رسول الله(ص)، قال: فرأيتُ سيّدي أمير المؤمنين مع ولدَيْه الحسن والحسين(عم) يأكلون مع رسول الله(ص)، ورسول الله(ص) يتبسّم في وجوههم، ويقول لولدَيْه الحسن والحسين(عما): كُلا، هنيئاً لكما ببركة هذا اليوم الذي يقبض الله فيه عدوَّه وعدوَّ جدّكما، ويستجيب فيه دعاء أمِّكما. كُلا؛ فإنه اليوم الذي فيه يقبل الله أعمال شيعتكما ومحبِّيكما. كُلا؛ فإنه اليوم الذي يصدق فيه قول الله ـ تعالى ـ: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾. كُلا؛ فإنه اليوم الذي تُكسَر فيه شوكة مبغض جدِّكما. كُلا؛ فإنه اليوم الذي يفقد فيه فرعون أهل بيتي وظالمهم وغاصب حقّهم. كُلا؛ فإنه اليوم الذي يعمد الله فيه إلى ما عملوا من عملٍ فيجعله هباءً منثوراً. قال حذيفة: فقلتُ: يا رسول الله، وفي أمتك وأصحابك مَنْ ينتهك هذه الحرمة؟! فقال(ص): يا حذيفة، جِبْتٌ من المنافقين، يترأّس عليهم، ويستعمل في أمّتي الرياء، ويدعوهم إلى نفسه، ويحمل على عاتقه درّة الخِزْي، ويصدّ عن سبيل الله، ويحرّف كتابه، ويغيِّر سنّتي، ويشتمل على إرث ولدي، وينصب نفسه عَلَماً، ويتطاول عليَّ من بعدي، ويستحلّ أموال الله من غير حِلِّه، وينفقها في غير طاعته، ويكذِّب أخي ووزيري، وينحّي ابنتي عن حقِّها؛ فتدعو الله عليه، ويستجيب دعاءها في مثل هذا اليوم. قال حذيفة: فقلتُ: يا رسول الله، فلِمَ لا تدعو الله ربَّك عليه ليهلكه في حياتك؟ فقال: يا حذيفة، لا أحبّ أن أجترئ على قضاء الله ـ تعالى ـ؛ لما قد سبق في علمه، لكنّي سألتُ الله أن يجعل اليوم الذي يقبض فيه له فضيلة على سائر الأيام؛ ليكون ذلك سنّةً يستنّ بها أحبّائي وشيعة أهل بيتي ومحبّوهم، فأوحى الله إليَّ ـ جلَّ ذكره ـ أنْ يا محمد، كان في سابق علمي أن تمسّك وأهل بيتك محن الدنيا وبلاؤها، وظلم المنافقين والغاصبين من عبادي، الذين نصحتَهم وخانوك، ومحضتَهم وغشّوك، وصافيتَهم وكاشحوك، وصدقتَهم وكذبوك، وأنجيتَهم وأسلموك، فأنا آليتُ بحولي وقوّتي وسلطاني لأفتحنَّ على روح مَنْ يغصب بعدك عليّاً حقَّه ألف باب من النيران من أسفل الفيلوق، ولأُصلينَّه وأصحابه قعراً يشرف عليه إبليس فيلعنه، ولأجعلنَّ ذلك المنافق عبرةً في القيامة لفراعنة الأنبياء، وأعداء الدين في المحشر، ولأحشرنَّهم وأولياءهم وجميع الظَّلَمة والمنافقين إلى نار جهنّم زُرْقاً كالحين، أذلّةً خزايا نادمين، ولأخلدنَّهم فيها أبد الآبدين. يا محمد، لن يرافقك وصيُّك في منزلتك إلاّ بما يمسّه من البلوى من فرعونه وغاصبه، الذي يجترئ عليَّ، ويبدِّل كلامي، ويشرك بي، ويصدّ الناس عن سبيلي، وينصب نفسه عجلاً لأمّتك، ويكفر بي في عرشي. إنّي قد أمرتُ سبع سماواتي لشيعتكم ومحبِّيكم أن يتعيَّدوا في هذا اليوم الذي أقبضه فيه إليَّ، وأمرتُهم أن ينصبوا كرسيّ كرامتي حذاء البيت المعمور، ويثنوا عليَّ، ويستغفروا لشيعتكم ومحبِّيكم من وُلد آدم، وأمرتُ الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق كلِّهم ثلاثة أيّامٍ من ذلك اليوم، لا يكتبون شيئاً من خطاياهم؛ كرامةً لك ولوصيِّك. يا محمد، إنّي قد جعلتُ ذلك اليوم عيداً لك ولأهل بيتك ولمَنْ تبعهم من شيعتهم، وآليتُ على نفسي بعزَّتي وجلالي وعلوّي في مكاني لأحبونَّ مَنْ يعيّد في ذلك اليوم ـ محتسباً ـ ثواب الخافقين في أقربائه وذوي رحمه، ولأزيدنَّ في ماله إنْ وسَّع على نفسه وعياله فيه، ولأعتقنَّ من النار من كلِّ حَوْلٍ في مثل ذلك اليوم ألفاً من مواليكم وشيعتكم، ولأجعلنَّ سعيهم مشكوراً، وذنبهم مغفوراً، وأعمالهم مقبولة. قال حذيفة: ثمّ قام رسول الله(ص) إلى أمِّ سلمة، فدخل ورجعتُ عنه، وأنا غيرُ شاكٍّ في أمر الشيخ، حتّى ترأَّس بعد وفاة النبيّ(ص)، وأعاد الكفر، وارتدّ عن الدين، وشمَّر للملك، وحرّف القرآن، وأحرق بيت الوحي، وأبدع السنن، وغيَّر الملّة، وبدَّل السنّة، وردّ شهادة أمير المؤمنين(ع)، وكذَّب فاطمة(عا)، واغتصب فَدَكاً، وأرضى المجوس واليهود والنصارى، وأسخط قرّة عين المصطفى، ولم يُرْضِهم، وغيَّر السنن كلَّها، ودبَّر على قتل أمير المؤمنين(ع)، وأظهر الجَوْر، وحرَّم ما أحلَّ الله، وأحلَّ ما حرَّم الله، وألقى إلى الناس أن يتَّخذوا من جلود الإبل دنانير، ولطم حرّ وجه الزكيّة، وصعد منبر الرسول(ص) غصباً وظلماً، وافترى على أمير المؤمنين(ع)، وعانده، وسفَّه رأيه. قال حذيفة: فاستجاب الله دعاء مولاتي على ذلك المنافق، وأجرى قتله على يد قاتله(ر)، فدخلتُ على أمير المؤمنين(ع) لأهنِّئه بقتله ورجوعه إلى دار الانتقام، فقال لي: يا حذيفة، أتذكر اليوم الذي دخلْتَ فيه على رسول الله(ص)، وأنا وسبطاه نأكل معه، فدلَّك على فضل ذلك اليوم الذي دخلْتَ عليه فيه؟ قلتُ: بلى يا أخا رسول الله، فقال: هو ـ واللهِ ـ هذا اليوم، الذي أقرَّ الله به عين آل الرسول. وإنّي لأعرف لهذا اليوم اثنين وسبعين اسماً. قال حذيفة: فقلتُ: يا أمير المؤمنين، أُحبُّ أن تسمعني أسماء هذا اليوم، فقال(ع): هذا يوم الاستراحة؛ ويوم تنفيس الكربة؛ ويوم العيد الثاني؛ ويوم حطّ الأوزار؛ ويوم الخيرة؛ ويوم رفع القلم؛ ويوم الهدو؛ ويوم العافية؛ ويوم البركة؛ ويوم الثأر؛ ويوم عيد الله الأكبر؛ ويوم إجابة الدعاء؛ ويوم الموقف الأعظم؛ ويوم التوافي؛ ويوم الشرط؛ ويوم نزع السواد؛ ويوم ندامة الظالم؛ ويوم انكسار الشوكة؛ ويوم نفي الهموم؛ ويوم القنوع؛ ويوم عرض القدرة؛ ويوم التصفُّح؛ ويوم فرح الشيعة؛ ويوم التوبة؛ ويوم الإنابة؛ ويوم الزكاة العظمى؛ ويوم الفطر الثاني؛ ويوم سيل الشعاب؛ ويوم تجرُّع الدقيق؛ ويوم الرضا؛ ويوم عيد أهل البيت؛ ويوم ظفر بني إسرائيل؛ ويوم قبول الأعمال؛ ويوم تقديم الصَّدَقة؛ ويوم الزيارة؛ ويوم قتل النِّفاق؛ ويوم الوقت المعلوم؛ ويوم سرور أهل البيت؛ ويوم الشهود؛ ويوم القهر للعدوّ؛ ويوم هدم الضلالة؛ ويوم التنبيه؛ ويوم التصريد؛ ويوم الشهادة؛ ويوم التجاوز عن المؤمنين؛ ويوم الزَّهْرة؛ ويوم التعريف؛ ويوم الاستطابة؛ ويوم الذهاب؛ ويوم التشديد؛ ويوم ابتهاج المؤمن؛ ويوم المباهلة؛ ويوم المفاخرة؛ ويوم قبول الأعمال؛ ويوم التبجيل؛ ويوم إذاعة السرّ؛ ويوم النصرة؛ ويوم زيادة الفتح؛ ويوم التودُّد؛ ويوم المفاكهة؛ ويوم الوصول؛ ويوم التذكية؛ ويوم كشف البِدَع؛ ويوم الزهد؛ ويوم الوَرَع؛ ويوم الموعظة؛ ويوم العبادة؛ ويوم الاستسلام؛ ويوم السلم؛ ويوم النَّحْر؛ ويوم البَقْر. قال حذيفة: فقمتُ من عنده، وقلتُ في نفسي: لو لم أدرك من أفعال الخير وما أرجو به الثواب إلاّ فضل هذا اليوم لكان مُناي. قال محمد بن العلا الهمداني ويحيى بن جريح: فقام كلُّ واحدٍ منا وقبَّل رأس أحمد بن إسحاق بن سعيد القمّي، وقلنا له: الحمد لله الذي قيَّضكَ لنا حتّى شرَّفتنا [عرَّفتنا] بفضل هذا اليوم، ثمّ رجعنا عنه، وتعيَّدنا في ذلك.

وقال العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 31: 119 ـ 120: «والمشهور بين الشيعة في الأمصار والأقطار في زماننا هذا هو أنه [أي مقتل عمر بن الخطّاب] اليوم التاسع من ربيع الأول، وهو أحد الأعياد. ومستندهم في الأصل ما رواه خلف السيد النبيل عليّ بن طاووس ـ رحمة الله عليهما ـ في كتاب زوائد الفوائد، والشيخ حسن بن سليمان في كتاب المحتضر. واللفظ هنا للأخير، وسيأتي بلفظ السيد قدِّس سرُّه في كتاب الدعاء. قال الشيخ حسن [ويعني به الحسن بن سليمان الحلّي، صاحب المحتضر]: نقلتُه من خطّ الشيخ الفقيه عليّ بن مظاهر الواسطي، بإسنادٍ متَّصلٍ، عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن محمد بن جريح البغدادي، قالا: تنازعنا في ابن الخطّاب، فاشتبه علينا أمره، فقصدنا جميعاً أحمد بن إسحاق القمّي، صاحب أبي الحسن العسكري(ع)…، الحديث».

([2]) على ما نقله عنه العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 31: 120، 129.

([3]) بحار الأنوار 31: 129.

([4]) المحتضر: 89 ـ 101.

([5]) بحار الأنوار 31: 120.

([6]) أمل الآمل 2: 66.

([7]) كما وصفه الشيخ علي النمازي في مستدركات علم رجال الحديث 5: 480.

([8]) قال النمازي في مستدركات علم رجال الحديث 7: 210: «لم يذكروه».

([9]) راجع: المزّي، تهذيب الكمال 26: 247.

([10]) راجع: مستدركات علم رجال الحديث 8: 193، 8: 229 ـ 230.

([11]) رجال النجاشي: 91.

([12]) راجع: رجال الكشّي 2: 831.

([13]) رجال الطوسي: 397.

([14]) بحار الأنوار 31: 120.

([15]) روى الصدوق في الأمالي: 187 ـ 188، عن الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، عن فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، عن محمد بن ظهير، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه(عم)، قال: قال رسول الله(ص): «يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي…، الحديث».

وروى الصدوق في الخصال: 394، عن أبيه(رض)، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن غير واحدٍ، عن أبي عبد الله(ع) قال: «…والجمعة للتنظُّف والتطيُّب، وهو عيد المسلمين، وهو أفضل من الفطر والأضحى، ويوم الغدير أفضل الأعياد…، الحديث».

([16]) نهج البلاغة 2: 12.



أكتب تعليقك