24 فبراير 2017
التصنيف : منبر الجمعة
لا تعليقات
3٬106 مشاهدة

هَمَساتٌ في مدى الزَّمَن

(الجمعة 24 / 2 / 2017م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين.

الزواج للنجاة من المعصية

إنّ حبَّ الشهوات من النساء من جِبِلّة الإنسان السويّ، وقد قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ (آل عمران: 14). كما نلاحظ أنّ الأنبياء(عم) لم يأنَفوا من هذا العمل، بل فعلوه كبقيّة البشر، واعتبروه حاجةً طبيعيّة، كالطعام والشراب، لا بُدَّ منها؛ لاستمرار الحياة، ولسدّ حاجةٍ طبيعيّة في داخل الإنسان.

غير أنّ الله سبحانه وتعالى أراد لهذه الحاجة الطبيعية أن تُقضى وتُشبَع في إطارٍ منظَّم وطاهر، ألا وهو الزواج ـ أو ملك اليمين عندما كان نظام الرِّقّ سائداً، وقد زال ولله الحمد بجهودٍ حثيثة من الدين الحنيف، وأصبح الناس كلُّهم أحراراً ـ.

إذن الطريق الصحيح والسليم لإشباع تلك الرغبة المشروعة هو الزواج. وهو طريقٌ إلى السكينة والطمأنينة في الحياة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21).

والزواج أمرٌ يمكننا أن نجعله صعباً للغاية،  ويمكننا أن نجعله بسيطاً للغاية.

عندما نعرف أنّ طريقنا نحو السكينة والطمأنينة هو الزواج لا غير؛ إذ كل علاقة خارج إطار الزواج لا يمكن أن تتَّسم بالثبات والاستقرار، وبالتالي لا تنتج سكينةً واطمئناناً، فلا بُدَّ من تسهيل أمر الزواج، بعيداً عن المهور العالية، والمتطلَّبات الكثيرة.

إذن الوضع المادّيّ لا يشكِّل من منظور الإسلام عائقاً أمام تحصين كلٍّ من الفتاة والشابّ بالزواج.

وأمّا المرض فلا يشكِّل عائقاً واقعيّاً في هذا المجال؛ إذ لا بدّ أن يجد الشابّ مَنْ ترضى بالارتباط به رغم مرضه، وهكذا تكون له زوجةٌ تسرُّه إذا نظر إليها، وتعينه في أمر دنياه وآخرته.

وللزواج الشرعيّ قسمان: الدائم؛ والمنقطع. وكلاهما شُرِّع في الإسلام، ولهما شروطٌ وقيود، تجعلهما في إطارٍ من التنظيم الدقيق الذي يمنع أيّ نتائج سلبيّة في هذا المجال. فمَنْ لم يستطِعْ الزواج الدائم؛ لقصورٍ مادّيّ أو جسديّ، فليستعِنْ بالزواج المؤقَّت ـ بعد الاطّلاع على شروطه وقيوده ـ فإنّه قد يكون الحلّ الأوفق له.

وهنا أشير إلى أنّه لا ينبغي للمؤمن أن يلجأ إلى الزواج المؤقَّت من غير ضرورةٍ، وإلى ذلك أشارت بعض الروايات الشريفة.

وإذا لم يكن قادراً على الزواج مطلقاً فلا بُدَّ له من الاستعانة بالصوم، حيث ورد عن النبيّ الأكرم(ص): «مَنْ استطاع منكم الباه فليتزوَّجْ، ومَنْ لم يستطعه فَلْيَصُمْ؛ فإنّ الصوم وِجاءٌ»([1]).

وأمّا إذا لم يكن قادراً على الصوم فما عليه سوى اللجوء إلى ذكر الله على الدوام، فبذكر الله تطمئنّ القلوب، وعسى يكون انشغاله بالذكر، مع التفاته إلى معانيه، عاملاً محرِّكاً لمخزون إيمانه، كي يَحُول بينه وبين ارتكاب المعصية.

وفي الختام لا بُدَّ من التذكير بأنّ من أنجع الطرق للتخلُّص من هيجان الغريزة الجنسيّة الابتعاد عن كلّ أشكال الاختلاط بين النساء والرجال. هكذا ينشغل المرء، سواء كان شابّاً أم فتاة، بما بين يدَيْه من أعمال، دون أن تكون منبِّهات الغريزة حاضرةً.

إنّ الاختلاط بين النساء والرجال، في السَّهَرات، في العمل، في الأسواق، في أيِّ مكانٍ، محرِّكٌ قويّ للغريزة في كلٍّ من الرجل والمرأة على السواء، وحينها لا يؤمَنُ على المَرْء من الوقوع في معصية الزِّنا ـ والعياذُ بالله ـ، أو معصية النظر المحرَّم، مباشَراً أو إلى صورةٍ.

﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾، فاطمةً وبنيها

1ـ اتَّفق المسلمون على أنّ هذه السورة قد نزلت في مرحلة الدعوة العلنيّة، أي بعد السنة الثالثة من البعثة النبويّة .

2ـ ضمير المتكلِّم للجمع يفيد عظمة النِّعْمة والعَطِيّة الإلهيّة .

3ـ الإعطاء غير الإيتاء، وهو من مختصَّات النبيّ الأكرم محمّد(ص)؛ فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يخاطب أحداً من أنبيائه، غير النبيّ(ص)، بالإعطاء .

﴿أَعْطَيْنَاكَ﴾ فعلٌ ماضٍ. وهذا يعني أنّ الإعطاء قد حَصَل فعلاً. وبهذا نعرف أنْ ليس المراد من الكوثر الشفاعة، ولا حوض الكوثر؛ فإنَّهما لم يُعطَيا فعلاً وتحقيقاً، وإنْ أُعطيا وَعْداً .

﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ دعوةٌ من الله إلى الصلاة والنحر، وهما من مظاهر الشكر لله تعالى. وهذا يعني أنّ العطيّة الإلهيّة مقارِنةٌ لهذا الأمر؛ إذ إنّ تأخيرَ الشكر عن وقت العطاء قبيحٌ . وبقرينة زمان النزول الإجماليّ للسورة لا يمكن أن تكون النعمة النبوّة، ولا القرآن، ولا الخُلُق العظيم، ولا الحكمة، بل لا بُدَّ أن تكون نعمةً مقارِنةً لنزول السورة، وهو في مرحلة الدعوة العلنيّة .

6ـ عظمةُ العطيّة، مع وصفها بالكوثر، مع طلب الشكر الخاصّ عليها، كلُّ ذلك يدلّ على أنْ لا نعمة أعظم من هذه النعمة المعطاة. وأعظمُ نعمةٍ هي استمرارُ رسالة النبيّ(ص)؛ إذ الإبقاء على العمل أعظم من إيجاده. واستمرارُ الرسالة بالإمامة. فالإمامُ رسولٌ، وليس بنبيٍّ يتلقَّى الوحيَ وعلم الغيب. وعليه فأعظمُ نعمةٍ هي الإمامة. وهكذا نعلم أنّ العطيّة هي النَّسْلُ، ولا نسلَ إلاّ من الزهراء(عا)، فهي الكوثر.

7ـ قالوا : إنّ  مثال ﴿شَانِئ﴾ في هذه السورة خاصٌّ، وهو العاص بن وائل، لا عامٌّ .

ولكنّ الصحيحَ أنّ مثالَه عامٌّ، وهو الشانئ لشخصيّة النبيّ(ص)، لا لشخصه؛ إذ ليس من دأب القرآن بيان أمورٍ خاصّةٍ بالنبيّ(ص) ما لم يكن لها ربطٌ بحياة المسلمين.

بالإضافة إلى أنّه لو قلنا بأنّ المثال هو خاصٌّ فإنّ ذلك سينجرّ إلى الكذب؛ فإنّ للعاص ولداً ـ وإنْ ادّعائيّاً ـ، وهو عمرو بن العاص .

ومن هنا نعرف أيضاً أنّ الأبتر ليس مَنْ لا عَقِب له؛ إذ يلزم من القول به كذب القرآن ـ والعياذ بالله ـ؛ فإنّ ذرّيّة بني أميّة كبيرةٌ، ومع ذلك قال تعالى : ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾.

إذن فالمقصودُ من ﴿الأَبْتَر﴾ هو المقطوعُ عن المقصود والغرض، وهو الجنّة والثواب ورضا الله تعالى. وقد ورد في الحديث: «كلُّ عملٍ لا يُبدأ فيه بـ «بِسْمِ اللهِ» فهو أبتر»([2])، أي لا يوصَل به إلى المقصود، وهو الله والثواب والأجر.

والمحصَّل أنّ شانئي محمدٍ(ص) مقطوعون عن الخير والجنّة والثواب.

هل للثياب دورٌ في الفساد الاجتماعيّ؟

يحرم على المرأة أن ترتدي من الثياب ما يكشف شيئاً من جسدها، أو يبرز مفاتنها، أو يلفت أنظار الرجال إليها. إنّها كلماتٌ يردِّدها علماء الدين على مسامعنا كثيراً، فما هي الحكمة من ذلك الحكم؟ أو فقُلْ: هل صحيحٌ أنّ الثياب التي ترتديها المرأة قد تؤدّي إلى فسادٍ اجتماعيّ، وانحلالٍ خُلُقيّ؟ 

من الواضح جدّاً أنّ للباس دوراً كبيراً في لفت النظر، ولذا تعتني الفتيات والسيّدات باختيار ملابسهنّ، حيث يعرفْنَ ما لذلك من تأثيرٍ في الطرف المقابل، سواءٌ كان رجلاً أو امرأة، فتكون الفتاة أو السيّدة ذات الثياب الجميلة محطَّ إعجاب. وكذلك يفعل الرجال، وإنْ باهتمامٍ أقلّ من اهتمام النساء.

وكذلك هي حال الثياب التي تكشف شيئاً من الجسم، فإنّها تكون سبباً مباشراً في لفت نظر الجنس الآخر إلى ما يحبّونه ويعجبهم فيه، فتثور كوامنُ الغرائز، وتشتهي ما لا يحقّ  لها تناوله، ويُستَرَق البصرُ إلى شيءٍ من ذلك؛ فتكون الخيانة، دون شبعٍ أو ارتواء.

ومَيْلُ الرجل إلى جسد المرأة ورغبته فيه، وكذا مَيْلُها إلى جسد الرجل ورغبتها فيه، أمرٌ ضروريّ وفطريّ ـ بل إنّ عدمه يُعتبر مَرَضاً وعَيْباً ونَقْصاً ـ، وينبغي إشباعه، ولكنْ بالطريقة المشروعة، ألا وهي الزواج، وليس من خلال علاقاتٍ عاطفيّة عابرة ودنيئة، فيها من الأنانيّة الكثير الكثير، حيث يقضي الرجل شهوته، ثم يَدَعُ الفتاة أو السيّدة تكابد من جرّاء فعلته الشنيعة.

وقد كان سيّدنا الأستاذ(ر) يقول: إنّ المرأة والرجل كالبنزين والنار، لا يمكن أن تجعلهما يقتربان من بعضهما كثيراً، وإلاّ ستكون الكارثة (الحريق).

أعود فأقول: إنّ انجذاب الرجل إلى الفتاة وانجذاب الفتاة إلى الرجل، بل أقول: إنّ انجذاب كلّ طرفٍ إلى جسد الطرف الآخر، هو انجذابٌ فطريّ ضروريّ ومشروع، بل هو أمرٌ غير إراديّ، كما ينجذب الجائع إلى الطعام من خلال ما يشمّه من رائحته الشهيّة، غير أنّه ينبغي لهذا الانجذاب وما يستتبعه من علاقةٍ حميمة أن يقنَّن وينظَّم من خلال مؤسَّسة الزواج، لا من خلال الفوضى القاتلة والمدمِّرة.

إنّ حاجة الرجل إلى المرأة، والعكس قائمٌ أيضاً، من قبيل حاجتهما إلى الطعام والشراب، ولكنْ هل يرضى الشخص لنفسه أن يكون دنيء النفس، فيتناول كلَّ ما يجده أمامه، ولو كان فيه هلاكه وضرره.

على الرجل والمرأة أن يسعيا في هذا المجال لإشباع حاجتهما من خلال التأسيس لحياة زوجيّة (حياة المودّة والرحمة والسكينة والاطمئنان)، وهكذا يعيشان في رغدٍ وهناء، وفي ظلّ رضا الله عزّ وجلّ، وبعيداً عن أيّ خطرٍ أو ضرر أو أذى.

وما أجمل هذا الدرس من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)! حيث جاء في الخبر أنّه(ع) كان جالساً في أصحابه فمرّت بهم امرأةٌ جميلة، فرمقها القوم بأبصارهم، فقال(ع): «إنّ أبصار هذه الفحول طوامح، وإنّ ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأةٍ تعجبه فليلامِسْ أهلَه، فإنّما هي امرأةٌ كامرأة»، فقال رجلٌ من الخوارج: قاتله الله كافراً ما أفقهه! فوثب القوم ليقتلوه، فقال(ع): «رويداً، إنما هو سبٌّ بسبّ، أو عفوٌ عن ذنب»([3]).

ما أعظمك يا مولاي يا عليّ! لم يعنِّفْ، لم يوبِّخْ، بل أرشد وعلَّم، فهدى الله به أقوماً ضلّوا، وصدق الله حيث يقول لرسوله: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ (الرعد: 7).

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) رواه الشريف الرضي في المجازات النبوية: 85، معلَّقاً مرفوعاً.

ورواه البيهقي في السنن الكبرى 4: 296، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن عليّ بن المؤمل: ثنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري: ثنا أبو أحمد بن عبد الوهاب: أنبأ يعلى بن عبيد: ثنا الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله: كنا مع رسول الله(ص) شباباً ليس لناشئ، فقال: يا معشر الشباب، مَنْ استطاع منكم الباه فليتزوَّج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفَرْج، ومَنْ لم يستطع فعليه بالصَّوْم فإن الصوم له وجاء. أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث الأعمش.

وفي صحيح البخاري 2: 228 ـ 229: حدَّثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: بينا أنا أمشي مع عبد الله رضي الله عنه، فقال: كنّا مع النبيّ(ص) فقال: مَنْ استطاع الباءة فليتزوَّج؛ فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفَرْج، ومَنْ لم يستطِعْ فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء.

([2]) تفسير العسكري: 25، معنعناً عن مولانا الصادق(ع) أنّه قال: لقد دخل عبد الله بن يحيى على أمير المؤمنين(ع)…، فقال(ع): أما علمْتَ أن رسول الله(ص) حدَّثني عن الله عزَّ وجلَّ أنه قال : «كلّ أمرٍ ذي بال لم يذكر «بِسْمِ اللهِ» فيه فهو أبتر».

([3]) نهج البلاغة 4: 98 ـ 99.



أكتب تعليقك