16 يونيو 2012
التصنيف : مقالات قرآنية
لا تعليقات
12٬060 مشاهدة

روايات الجري والتطبيق والبطن

(بتاريخ: 12 ـ 2 ـ 2005م)

تقسيم الروايات الواردة في تفسير الآيات

قسَّم العلاّمة الطباطبائيّ الروايات الواردة في تفسير الآيات القرآنيّة إلى ثلاثة أقسامٍ:

1ـ روايات الجري والتطبيق.

2ـ روايات البطن.

3ـ الروايات المفسِّرة، أو روايات التفسير.

وذلك بقوله، في ذيل تفسير الآية 8 من سورة الصفّ: «وهي من الجري والتطبيق، أو من البطن، وليست بمفسِّرة»[1].

وإليكَ بيانُ معنى كُلٍّ من: روايات الجري والتطبيق؛ وروايات البطن؛ وروايات التفسير:

معنى هذه الأقسام الثلاثة من الروايات

1ـ روايات التفسير

هي الروايات التي تبيِّن تمام مراد الله (عزّ وجلّ) من الآية، ولا تدلّ على المصاديق أو الموارد التي تنطبق عليها الآية، بظاهرها أو بباطنها[2].

مثالٌ من الروايات المفسِّرة

1ـ قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ﴾ (البقرة: 219).

رُوي في تفسير العيّاشِيّ عن عبد الرحمن قال: «سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ﴾ قال: ﴿الذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾، قال: هذه بعد هذه هي الوسط»[3].

2ـ روايات الجري والتطبيق

وهي التي لا تبيِّن تمام مراد الله، وإنّما تذكر بعض المصاديق، أو تطبِّق الآية على غير موارِد النزول، مع كون اللفظ في الآية شامِلاً، ظاهِراً وعُرْفاً، لهذا المصداق أو المورِد[4].

قال العلاّمة الطباطبائيّ: «واعلم أنّ الجري اصطلاحٌ مأخوذٌ من قول أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

ففي تفسير العيّاشيّ عن الفضيل بن يسار قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية: «ما في القرآن آيةٌ إلاّ ولها ظهرٌ وبطنٌ، وما فيها حرفٌ إلاّ وله حدٌّ، ولكلِّ حدٍّ مطلعٌ»، ما يعني بقوله ظهر وبطن؟ قال: ظهره تنزيله، وبطنه تأويله، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعدُ، يجري كما يجري الشمس والقمر، كلّما جاء منه شيء وقع الحديث».

وفي هذا المعنى رواياتٌ أخر.

وهذه سليقةُ أئمّة أهل البيت، فإنّهم (عليهم السلام) يطبّقون الآية من القرآن على ما يقبل أن ينطبق عليه من الموارد، وإنْ كان خارجاً عن مورد النزول، والاعتبارُ يساعده؛ فإنّ القرآن نزل هدىً للعالمين، يهديهم إلى واجب الاعتقاد وواجب الخُلُق وواجب العمل، وما بيّنه من المعارف النظريّة حقائق لا تختصّ بحال دون حال، ولا زمان دون زمان، وما ذكره من فضيلة أو رذيلة أو شرّعه من حكمٍ عمليٍّ لا يتقيّد بفردٍ دون فردٍ، ولا عصرٍ دون عصرٍ؛ لعموم التشريع.

وما ورد من شأن النزول (وهو الأمر أو الحادثة التي تعقب نزول آية أو آيات في شخصٍ أو واقعةٍ) لا يوجب قصر الحكم على الواقعة، لينقضي الحكم بانقضائها، ويموت بموتها؛ لأنّ البيان عامٌّ، والتعليلَ مطلقٌ، فإنّ المدح النازل في حقّ أفراد من المؤمنين، أو الذمّ النازل في حقّ آخرين، معلَّلاً بوجود صفاتٍ فيهم، لا يمكن قصرهما على شخصِ مورد النزول، مع وجود عين تلك الصفات في قومٍ آخرين بعدهم، وهكذا.

والقرآنُ أيضاً يدلُّ عليه، قال تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ﴾ (المائدة: 16)، وقال: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ﴾ (السجدة: 41 ـ 42)، وقال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9).

والرواياتُ في تطبيق الآيات القرآنيّة عليهم (عليهم السلام)، أو على أعدائهم، أعني روايات الجري، كثيرةٌ في الأبواب المختلفة، وربما تبلغ المئين»[5].

أمثلة من روايات الجري والتطبيق عند العلاّمة الطباطبائيّ

1ـ قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (الفاتحة: 6).

قال العلاّمة: «في الفقيه [أي من لا يحضره الفقيه» ـ للصدوق]، وتفسير العيّاشيّ، عن الصادق (عليه السلام) قال: «الصراط المستقيم أمير المؤمنين (عليه السلام)».

وفي المعاني [أي «معاني الأخبار» ـ للصدوق أيضاً] عن الصادق (عليه السلام) قال: «هي الطريق إلى معرفة الله، وهما صراطان؛ صراطٌ في الدنيا؛ وصراطٌ في الآخرة، فأمّا الصراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة، مَنْ عرفه في الدنيا واقتدى بهُداه مَرَّ على الصراط، الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومَنْ لم يعرفه في الدنيا زلَّت قدمُه في الآخرة، فتردّى في نار جهنم».

وفي المعاني أيضاً عن السجّاد (عليه السلام) قال: «ليس بين الله وبين حجّته حجاب، ولا لله دون حجّته ستر، نحن أبواب الله، ونحن الصراط المستقيم، ونحن عيبة علمه، ونحن تراجمة وحيه، ونحن أركان توحيده، ونحن موضع سرّه».

وعن ابن شهرآشوب، عن تفسير وكيع بن الجرّاح، عن الثوريّ، عن السدّيّ، عن إسباط ومجاهد، عن ابن عباس، في قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، قال: «قولوا معاشر العباد: أرشدنا إلى حبّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام)».

أقول: وفي هذه المعاني رواياتٌ أخر، وهذه الأخبار من قبيل الجري، وعدّ المصداق للآية»[6].

أقول: وسياقُ الآية لا يُساعِد على تفسير الصراط المستقيم بأمير المؤمنين (عليه السلام)، وإنْ كان هو (عليه السلام) مصداقاً للصراط المستقيم، الذي مَنْ سار عليه نجا، ومَنْ حاد عنه غرق وهوى؛ فإنّه (عليه السلام) حامِلُ الناس على المحجّة البيضاء، كما أقرّ بذلك عمر بن الخطّاب، فمَنْ تبعه كان على الصراط المستقيم، الذي أراد الله لعباده أن يكونوا عليه، ومِنْ هنا صحَّ التعبير عنه ـ في الرواية ـ بالصراط المستقيم.

2ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ﴾ (البقرة: 159).

قال العلاّمة: «في تفسير العيّاشي عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) قال: «قلتُ له: أخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ…الآية﴾، قال: نحن يعني بها ـ والله المستعان ـ إنّ الواحد منّا إذا صارت إليه لم يكن له، أو لم يسعه، إلاّ أن يبيّن للنّاس من يكون بعده».

وعن الباقر (عليه السلام): في الآية، قال: «يعني بذلك نحن، والله المستعان».

وعن محمّد بن مسلم، قال (عليه السلام): «هم أهل الكتاب».

أقول: كلُّ ذلك من قبيل الجري والانطباق، وإلاّ فالآية مطلقةٌ.

وفي بعض الروايات عن عليٍّ (عليه السلام) تفسيره بالعلماء إذا فسدوا.

وفي المجمع عن النبيّ في الآية، قال: «مَنْ سُئل عن علمٍ يعلمه فكتمه أُلجِم يوم القيامة بلجام من نارٍ، وهو قوله: ﴿أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ﴾».

أقول: والخبران يؤيِّدان ما قدَّمناه.

وفي تفسير العيّاشيّ عن الصادق (عليه السلام)، في قوله تعالى: ﴿وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ﴾، قال: «نحن هم».

أقول: هو إشارةٌ إلى ما يفيده قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ (هود: 18)، فإنّهم الأشهاد المأذونون في الكلام يوم القيامة، والقائلون صواباً.

وفي تفسير العيّاشيّ عن الصادق (عليه السلام): «﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾ في عليّ».

أقول: وهو من قبيل الجري والانطباق»[7].

أقول: ولكتمانِ الهدى والحقّ مراتبُ؛ فمن الناس مَنْ يكتم حقّ غيره في ما هو من الأمور المادّيّة والدنيويّة؛ ومن الناس مَنْ يكتم ما يعلمه من علمٍ نافِعٍ عن غيره، سواءً كان علماً دنيويّاً أم أُخرويّاً. وكتمُ العلم الأخرويّ أخطر من كتم العلم الدنيوِيّ. وهذا العلم منه ما يكون من الأهمّيّة بحيث يكون كتمانُه ظلماً عظيماً، ومنه ما لا يكون كذلك. وعليه فالمصداقُ الأبرز، والأعظم قبحاً، لكتم العلم والهدى، هو كتمُ خبر الإمام، وهويّته، سواءً كان ذلك من الأئمّة (عليهم السلام) أو من غيرهم؛ فإنّ ذلك موجِبٌ لضلال الناس وانحرافهم وخُسرانهم في الدنيا والآخرة، ومن هنا كان هذه الرواية في بيان المصداق الأبرز للمعنِيّ بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى..﴾.

وأمّا تفسير قوله: ﴿وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ﴾ بالأئمّة (عليهم السلام) فلأنّ اللاعِن، الذي يحُقُّ له اللعن، هو مَنْ كان قاطعاً بتحقُّق المخالَفة والجُرْم من الملعون، وهو مَنْ لم يرتكب كعمل الملعون، وهذا يندُر أن يتحقَّق في أحَدٍ سوى أهل البيت (عليهم السلام)، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، ومن هنا كانوا المصداق الأتمّ لـ «اللاعنين».

3ـ قوله تعالى: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ (البقرة: 255).

قال العلاّمة: «في تفسير العيّاشيّ عن معاوية بن عمّار عن الصادق (عليه السلام) قال: «قلتُ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾؟ قال: نحن أولئك الشافعون».

أقول: إنّ الشفاعة في الآية مطلقةٌ، تشمل الشفاعة التكوينيّة والتشريعيّة معاً، فتشمل شفاعتهم (عليهم السلام)، فالرواية من باب الجري»[8].

أقول: وهُمْ (عليهم السلام) الأكثر قُرباً منه (عزّ وجلّ)، وهم أكثر المخلوقات شفاعةً يوم القيامة، ومن هنا كان ذكرهم كمصداقٍ أكمل للآية، وإلاّ فإنّ غيرهم من الأنبياء، والملائكة، بل وحتّى الأطفال ـ كما في بعض الروايات ـ، يشفعون بإذن الله.

4ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (آل عمران: 19).

قال العلاّمة: «عن ابن شهرآشوب عن الباقر (عليه السلام)، في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ… الآية﴾، قال: «التسليم لعليّ بن أبي طالب بالولاية».

أقول: وهو من الجري»[9].

أقول: والإسلامُ لا يكون كامِلاً وتامّاً، ولا يكون ممّا يُدانُ لله به، أي يُخضَع لله من خلاله، إلاّ إذا كان مقروناً بالتسليم لعليٍّ (عليه السلام) بالولاية؛ فإنّها من أركان الدين الأساسيّة، وبها أكمل الله الدين، وأتمّ النعمة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ (المائدة: 3)، ومن هنا كان الدّين ـ كمركَّبٍ كامِلٍ ـ هو التسليم لعليٍّ (عليه السلام) بالولاية؛ وذلك لأنّها هي الأمر الناقص عند الآخرين، ممّن والى غير أمير المؤمنين (عليه السلام).

5ـ قوله تعالى: ﴿وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكهف: 29).

قال العلاّمة: «في الكافي، وتفسير العيّاشيّ، وغيره، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: ﴿وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾: «في ولاية عليّ (عليه السلام)».

أقول: وهو من الجري»[10].

أقول: فإنّ ولاية علِيٍّ هي الحقُّ الذي لا ريب فيه، وهي أمرٌ إلهِيٌّ لا دخل للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيها، خلافاً لما اتّهموه به من أنّه أراد الخلافة لابن عمِّه، فهي حقٌّ من الله، ولكنّ الحقَّ مُرٌّ في أغلب الأحيان، فمنهم مَنْ يقبله تسليماً لله تعالى، ومنهم مَنْ يرفضه عناداً وتكبُّراً وعُلُوّاً، وولاية علِيٍّ (عليه السلام) هي المصداق الأبرز للحقّ المُرّ، المعرَّض لرفض الكثير من الناس، فكان ذكرُها كمصداقٍ أبرز، وإلاّ فإنّ أموراً كثيرةً غيرها هي من الحقّ الإلهِيّ.

6ـ قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ (الكهف: 46).

قال العلاّمة: «وقد ورد من طرق الشيعة، وأهل السنّة، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن طرق الشيعة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، عدّةٌ من الروايات، أنّ الباقيات الصالحات التسبيحات الأربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر.

وفي أخرى أنّها الصلاة.

وفي أخرى مودّة أهل البيت.

وهي جميعاً من قبيل الجري، والانطباق على المصداق»[11].

أقول: وما اختلاف الروايات في تفسيرها سوى دليلٍ على أنّ ذلك كلَّه من قبيل المصداق للآية، ولعلَّ ذِكْر هذه المصاديق لكونها أهمّ الأعمال عند الله (عزّ وجلّ)، فالتسبيحات تمجيدٌ وتعظيمٌ لله وهو غاية العبادات جميعها، وكُلُّ المخلوقات تقوم به: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ (الإسراء: 44)، والصلاة عمود الدين، وقربان كُلِّ تقِيٍّ، ومودّةُ أهل البيت (عليهم السلام) هي أجرُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على تبليغ الرسالة: ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى: 23)، فأيُّ شيءٍ أعظم وأثمن منها.

7ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً﴾ (الكهف: 107).

قال العلاّمة: «في تفسير القمّيّ عن جعفر بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في حديثٍ قال: «قلتُ قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً﴾؟ قال: نزلت في أبي ذرّ، وسلمان، والمقداد، وعمّار بن ياسر، جعل الله لهم جنّات الفردوس نُزُلاً، أي مأوىً ومنزلاً».

أقول: وينبغي أن يحمل على الجري، أو المراد نزولها في المؤمنين حقّاً، وإنّما ذكر الأربعة لكونهم من أوضح المصاديق، وإلاّ فالسورة مكّيّة وسلمان رضي الله عنه ممّن آمن بالمدينة»[12].

أقول: الإيمانُ والعملُ الصالح من الأمور التي لا تظهر عند كلِّ الناس، فمن الناس مَنْ يؤمن بما يجب الإيمان به دون أن يقرن ذلك بالعمل، وهذا نقصٌ في الإيمان، ومنهم مَنْ يعمل صالحاً ونافعاً دون أن يكون ذلك نابعاً عن تديُّنٍ وإيمانٍ فيحبط عمله، وعليه فاجتماع الأمرَيْن معاً قليلٌ، وتنكشف السرائر في الشدائد وفي المواقف المصيرِيّة، والأربعةُ المذكورون في الرواية هم الذين قارن عملُهم إيمانَهم، فوقفوا بثباتٍ وجُرأةٍ منقطعة النظير إلى جانب أمير المؤمنين (عليه السلام)، ودافعوا عنه، وعن حقِّه في الخلافة، في زمنٍ تخلَّى عنه كُلُّ أَحَدٍ، فكانوا المصداق الأتمّ للذين آمنوا وعملوا الصالحات.

8ـ قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (الأنبياء: 7).

قال العلاّمة: «في تفسير القمّيّ بإسناده عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾، من المعنون بذلك؟ قال: «نحن، قلتُ: فأنتم المسؤولون؟ قال: نعم، قلتُ: ونحن السائلون؟ قال: نعم، قلتُ: فعلينا أن نسألكم؟ قال نعم، قلتُ: فعليكم أن تجيبونا؟ قال: لا، ذاك إلينا؛ إنْ شئنا فعلنا؛ وإنْ شئنا تركنا، ثمّ قال: هذا عطاؤنا فامنُن أو أمسك بغير حساب».

أقول: وهو من الجري ضرورة أنّ الآية ليست بخاصّة، والذِّكْر إمّا القرآن؛ أو مطلق الكتب السماويّة، أو المعارف الإلهيّة، وهم على أيّ حال أهله، وليس بتفسيرٍ للآية بحسب مورد النزول؛ إذ لا معنى لإرجاع المشركين إلى أهل الرسول، أو أهل القرآن، وهم خصماؤهم، ولو قبلوا منهم لقبلوا من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسه»[13].

أقول: الآيةُ تُرجِع الجاهِل إلى العالِم، ومن الواضح البيِّن الذي لا ريب فيه أنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم ورثةُ علم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الذي هو معلِّمُ الكتاب والحكمة، بنصّ القرآن، وعليه فأهل البيت (عليهم السلام) أفضل مسؤولٍ وخيرُ مَنْ يُرجَع إليه.

9ـ قوله تعالى: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ﴾ (الحجّ: 19).

قال العلاّمة: «في الخصال عن النضر بن مالك قال: «قلتُ للحسين بن عليّ (عليهما السلام): يا أبا عبد الله حدِّثني عن قوله تعالى: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾، فقال: نحن وبنو أميّة، اختصمنا في الله تعالى؛ قلنا: صدق الله؛ وقالوا: كذب، فنحنُ الخصمان يوم القيامة».

أقول: وهو من الجري، ونظيره ما في الكافي بإسناده عن ابن أبي حمزة، عن الباقر (عليه السلام): فالذين كفروا بولاية عليٍّ (عليه السلام) قُطِّعَتْ لهم ثيابٌ من نارٍ»[14].

أقول: الرواية في مقام بيان مصداق المطلَق، فالآية تتحدَّث عن مطلق شخصَيْن أو فريقَيْن اختلفوا في ربِّهم وطاعته والتقرُّب إليه، ولكنّ المثال الجَلِيّ لهذا الاختلاف ما كان من الاختلاف بين آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبني أميّة، حيث كفر بنو أميّة بما جاء من عند الله (عزّ وجلّ) في ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمّة من بعده، وكذّبوه، وآمن به أهل البيت (عليهم السلام)، وصدّقوه.

10ـ قوله تعالى: ﴿قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (النمل: 59).

قال العلاّمة: «في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى: ﴿وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾، قال: «هم آل محمّد (عليهم السلام)».

أقول: إنّ الذي يعطيه السياق أنّ المراد بهم ـ بحسب مورِد الآية ـ الأنبياء المنعَّمون بنعمة الاصطفاء، وقد قصّ الله قصص جمعٍ منهم، فقولُه (عليه السلام) ـ لو صحّت الرواية ـ: «هم آل محمّد (عليهم السلام) «من قبيل الجري والانطباق»[15].

أقول: اللهُ اصطفى الأنبياء جميعاً: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 33)، وكذلك الأوصياء والأئمّة (عليهم السلام)، ولكنّ رسالة الإسلام الخالِدة، وما سيتحقَّق على يد خاتَم أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، جعلت منهم (عليهم السلام) مصداقاً أتمّ للعباد المصطفَيْن الذين يستحقّون سلام الله تبارك وتعالى.

11ـ قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾ (النمل: 62).

قال العلاّمة: «في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ…الآية﴾، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «نزلت في القائم من آل محمّد (عليهم السلام)، هو والله المضطرّ، إذا صلّى في المقام ركعتين، ودعا إلى الله (عزّ وجلّ) فأجابه، ويكشف السوء ويجعله خليفةً في الأرض».

أقول: والروايةُ أيضاً من الجري، والآية عامّةٌ»[16].

أقول: كثيرٌ من الناس مَنْ يكون في مورد الاضطرار، فيلجأ إلى الله لكشف ما به من الضرّ، وقد يستجيب الله دعاءه، ويكشف عنه السوء، ولكنْ ليس كُلُّ أَحَدٍ يجعلُه الله خليفةً في الأرض، ومن هُنا انحصرت مصاديق الآية في أشخاص معيَّنين، ومن أبرزهم ـ لأهمّيّة خلافته، وشدّة ضُرِّه ـ القائم من آل محمّد (عليه السلام).

12ـ قوله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ (النمل: 89).

قال العلاّمة: «في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾، قال: «الحسنةُ والله ولايةُ أمير المؤمنين (عليه السلام)، والسيّئة والله عداوته».

أقول: وهو من الجري، وليس بتفسير، وهناك روايات كثيرةٌ في هذا المضمون»[17].

أقول: ولايةُ علِيٍّ (عليه السلام) ومحبَّتُه أفضلُ الحسنات، بل لا تُقبَل الحسناتُ إلاّ بها، وهي وسيلةٌ عظمى من وسائل محو السيّئات: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ (هود: 114)، وعداوتُه أكبرُ السيّئات، بل لا تُقبَل معها الحسنات، وهذا هو معنى ما جاء عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «حبُّ عليٍّ حسنة لا تضرُّ معها سيّئة، وبغض عليٍّ سيّئة لا تنفع معها حسنةٌ».

13ـ قوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ (الصافّات: 22).

قال العلاّمة: «في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾، قال: «الذين ظلموا آل محمّد (عليهم السلام) حقّهم».

أقول: الرواية من الجري»[18].

أقول: وأفحشُ الظلم ظلمُ ذوي الإحسان والفضل، وأسوأ الظلم ما كان مؤدِّياً إلى سلب حقوقٍ أكثر، وأهلُ البيت (عليهم السلام) هم أصحابُ فضلٍ على هذه الأمّة؛ إذ بهم أخرجها الله من الضلالة، وهداها إلى نور الحقّ والإيمان، وبظلمهم حقَّهم في الإمامة حُرِمَ الكثيرُ الكثيرُ من الناس من حقِّهم في الوصول إلى الهداية، فظُلمُ أهل البيت (عليهم السلام) أفحش وأبشع وأسوأ أنواع الظلم على الإطلاق.

14ـ قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر: 29).

قال العلاّمة: «في المجمع، في قوله تعالى: ﴿وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ﴾، روى الحاكم أبو القاسم الحسكانيّ بالإسناد عن عليٍّ أنّه قال: «أنا ذلك الرجل السَّلَم لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».

أقول: وهو من الجري، والمَثَل عامٌّ»[19].

أقول: من أبرز مصاديق الرجُل السَّلَم، الذي يُحِبُّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه، بل يفديه بنفسه وأهله وما مَلَكا، هو علِيٌّ (عليه السلام) في علاقته مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

15ـ قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ﴾ (الزمر: 33).

قال العلاّمة: «في المجمع، في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾، قيل: «الذي جاء بالصدق محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصدَّق به عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو المرويّ عن أئمّة الهدى من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

أقول: والظاهر أنّه من الجري؛ نظراً إلى قوله في ذيل الآية: ﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ﴾»[20].

أقول: وأصدقُ الصدق كلام الله تعالى، وهو ما جاء به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولم يُصدِّقْهُ قلباً وقولاً وعَمَلاً إلاّ علِيٌّ (عليه السلام)، حتّى كان مثالاً حيّاً للإيمان، وكان صنواً للقرآن، فهو الكتاب الصامت، وعلِيٌّ (عليه السلام) الكتاب الناطق.

16ـ قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الملك: 22).

قال العلاّمة: «واعلم أنّ هناك روايات تطبِّق قوله: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ…الآية﴾ على مَنْ حاد عن ولاية عليٍّ (عليه السلام)، ومن يتّبعه ويواليه، وهي من الجري»[21].

أقول: المُتَّبِعُ لعلِيٍّ (عليه السلام) هو المؤمن حقّاً، وهو المَهدِيُّ حقّاً، فهو على صراطٍ مستقيمٍ، وأمّا مَنْ خالَفَه فهو يتخبَّط يميناً وشمالاً يبحث عن الهادي إلى الصواب، ولن يجده.

17ـ قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ (الملك: 30).

قال العلاّمة: «وهناك روايات تطبِّق الآيات على ولاية عليٍّ (عليه السلام) ومحادّته، وهي من الجري، وليست بمفسِّرةٍ»[22].

أقول: الله (عزّ وجلّ) جعل من الماء كُلَّ شيءٍ حيٍّ، فالماء عُنصُرٌ أساسِيٌّ للحياة، والحياة الحقيقيّة هي حياة الروح، لا حياة البَدَن، وبدون ولاية علِيٍّ (عليه السلام) لا حياة للروح والفكر والقلب، فالمُخالِف لعلِيٍّ (عليه السلام) ميْتٌ وإنْ خفق قلبُه وتحرَّكَت أعضاؤه، فولايةُ علِيٍّ (عليه السلام) لحياة الروح كالماء لحياة الجَسَد، فإنْ فقَدَها الإنسان مات.

18ـ قوله تعالى: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾ (الليل: 17).

قال العلاّمة: «ورد في روايةٍ ضعيفةٍ عن أبي عبد الله (عليه السلام): «وأمّا قوله: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾، قال: رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن تبعه، و﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾، قال: ذاك أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو قوله: ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾، وقوله: ﴿وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى﴾، فهو رسول الله، الذي ليس لأحد عنده من نعمةٍ تجزى، ونعمته جاريةٌ على جميع الخلق (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

والروايةُ على ضعف سندها [لجهالة أيمن بن محرز] من قبيل الجري والتطبيق، دون التفسير، ومن واضح الدليل عليه تطبيقُه الموصوف على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والوصف على عليٍّ (عليه السلام)، ثمّ الآية التالية على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولو كانت من التفسير لفسد بذاك النظم قطعاً»[23].

أقول: أتقى الأتقياء رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يليه علِيٌ (عليه السلام) والأئمّةُ من ولده (عليهم السلام)، وأفضل مَنْ آتى الزكاة على أحسن وجوهها، فكان جديراً بالإمامة بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علِيٌّ (عليه السلام)، وأبرز مَنْ أعطى أثمن شيءٍ في الحياة، ولم يُطالِب بالأجر عليه، هو رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حيث بلَّغ الناس رسالة ربِّهم، وأرشدهم إلى ما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم، ومع ذلك كلِّه لم يسألهم أجراً، وإنّما جعل ذلك كلَّه لوجه الله تبارك وتعالى.

إذاً فالرواية في صدد بيان الفرد الأكمل من هذه المفاهيم الثلاثة.

3ـ روايات البطن

وهي التي تبيِّن المعنى أو المصداق الذي لا يشمله مفهوم اللفظ ظاهِراً وعُرْفاً[24].

وذهب العلاّمةُ إلى أنّ البطن هو المرتبة العالية من المعاني والمصاديق التي لا يفهمها، ولا يدركها، كلُّ أحدٍ، بل تختصّ بالذين وصلوا إلى المقامات السامية والمراتب العالية، هذا مع الإشارة إلى أنّ البطن والظهر القرآنِيَّيْن نسبيّان، فللظهر ظهرٌ، وللبطن بطنٌ، وهكذا، فكُلُّ ظهرٍ بطنٌ بالنسبة إلى ظهره، وكُلُّ بطنٍ ظهرٌ بالنسبة إلى بطنه، وعليه فالظهرُ ـ عند العلاّمة ـ هو المعنى الظاهر البادئ من الآية، والباطن هو الذي تحت الظاهر، سواءً كان واحداً أو كثيراً، قريباً منه أو بعيداً بينهما واسطةٌ[25].

أمثلة روايات البطن عند العلاّمة الطباطبائيّ

1ـ قوله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: 257).

قال العلاّمة: «في الكافي عن الصادق (عليه السلام): قال: «النورُ آلُ محمّد، والظلماتُ أعداؤهم».

أقول: وهو من قبيل الجري، أو من باب الباطن أو التأويل»[26].

أقول: النورُ في كُلِّ شيءٍ بحَسَبه، والظلمة كذلك، فللعلم نورٌ يُقابله ظلمة الجهل، وللحقّ نورٌ يقابله ظلمة الضلالة، وهكذا، أمّا أهل البيت (عليهم السلام) فقد اجتَمَعت فيهم الأنوار كلُّها فكانوا نوراً على نورٍ، وأمّا أعداؤهم فقد اجتَمَعت فيهم الظلُمات كلُّها فكانوا ظلُماتٍ بعضُها فوق بعضٍ.

2ـ قوله تعالى: ﴿وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ (النحل: 16).

قال العلاّمة: «في الكافي بإسناده عن داوود الجصّاص قال: «سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ﴿وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾، قال: النجمُ رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والعلاماتُ الائمّةُ (عليهم السلام)».

أقول: وليس بتفسيرٍ، وإنّما هو من البطن، ومن الدليل عليه ما رواه الطبرسيّ في المجمع، قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): «نحن العلامات، والنجمُ رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولقد قال: إنّ الله جعل النجوم أماناً لأهل السماء، وجعل أهل بيتي أماناً لأهل الأرض»»[27].

أقول: إنّ سياق الآيات يمنع من إرادة هذا المعنى المشار إليه في الرواية، فالمُراد ـ بحَسَب ما يُفهَم بقرينة السياق ـ هو ما جعله الله في الأرض من الجبال والتلال التي يهتدي بها السائر إلى الطريق الصحيح الذي يريدُه، وهذا ميسورٌ لكلِّ الناس، وأمّا مَنْ له خبرةٌ في علم الفَلَك فإنّ له طريقاً آخر للاهتداء إلى المسالِك في الليالي الحالكة، وهو هذه النجوم التي جعلها الله في السماء، وبها يعرفُ مَنْ لهم اطّلاعٌ على علمِ الفَلَك الجهاتِ.

اللهمّ إلاّ أن يُقال بأنّ ما ذكرناه هو المتوافِق مع السياق حقيقةً، وغايتُه الاهتداء إلى الطرق والمسالِك المادّيّة، فأمّا إذا أردنا الاهتداء إلى المسالك والطرق المعنويّة، التي تقودنا إلى الله (عزّ وجلّ)، فلا بُدَّ من الاهتداء بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة (عليهم السلام).

3ـ قوله تعالى: ﴿وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ (المؤمنون: 71).

قال العلاّمة: «في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ﴾، قال: «الحقّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأمير المؤمنين (عليه السلام)».

أقول: هو من البطن، ونظيره ما أورده في قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، قال: «إلى ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)»، وكذا ما أورده في قوله: ﴿عَنْ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾، قال: «عن الإمام لحادون [أي لحائدون]»»[28].

أقول: المنسجِمُ مع السياق هو أن يكون الحقُّ في هذه الآية اللهَ (عزّ وجلّ)، ولكنْ بما أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلاّ وحيٌ يوحى، وأميرُ المؤمنين (عليه السلام) أخو النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصنوُه، أمكن تفسير الحقّ برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام).

4ـ قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾ (الفرقان: 27).

قال العلاّمة: «وقد ورد في غير واحدٍ من الروايات، في قوله تعالى: ﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾، أنّ السبيل هو عليّ (عليه السلام)، وهو من بطن القرآن، أو من قبيل الجري، وليس من التفسير في شيءٍ»[29].

أقول: ما ورد في الرواية خلافُ المفهوم من الآية؛ فإنّ المفهوم أنّ هذا الظالِم يتحسَّر على أنّه لم يسلك السبيل الذي سلكه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسنَّه، فقد تبيَّن له أنّه سبيلُ هدىً.

وصحيحٌ أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو المعيار والمقياس والميزان في معرفة الطريق النبَوِيّ من غيره، إلاّ أنّه ليس هو نفس السبيل، بل هو الهادي إليه، والمعرِّف له.

5ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ (القصص: 85).

قال العلاّمة: «روى القمّيّ في تفسيره، عن حريز، عن أبي جعفر (عليه السلام)، وعن أبي خالد الكابُلي عن عليّ بن الحسين (عليه السلام) أنّ المراد به [والمقصود قوله: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾] الرجعةُ، ولعلّه من البطن دون التفسير»[30].

أقول: والرجعة من محتَمَلات الآية؛ فإنّ اللفظ لا يأبى انطباقه عليها.

6ـ قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾ (النجم: 1).

قال العلاّمة: «في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾، قال: «النجم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إذا هوى لمّا أُسرِيَ به إلى السماء، وهو في الهَوِيّ».

أقول: وهو من البطن»[31].

أقول: ولعلّ الذي يجعل من هذا التفسير مقبولاً أنّ الآيات بعد هذه الآية ابتدأت الحديث عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكأنّه قد عُرِّف للناس، ويمكن أن يُقال بأنّ هذا قَسَمٌ منه تعالى بظاهِرةٍ كونِيّةٍ عظيمةٍ، وهي ظاهرةُ سقوط النيازِك وأجزاء النجوم المتناثرة بعد انفجارها في الجوّ بإرادة الله، وهي ظاهِرةٌ مخيفةٌ للناس، فكأنّه تعالى يذكِّرُهُم بقدرتِه على إهلاكهم إنْ استمرّوا في غَيِّهم، وانحرافهم، وتكذيبهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الذي ليس بضالٍّ ولا غاوٍ.

7ـ قوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ﴾ (الرحمن: 19 ـ 20).

قال العلاّمة: «في الدرّ المنثور أخرج ابن مردويه عن ابن عباس، في قوله: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾، قال: «عليّ وفاطمة»، ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ﴾، قال: «النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»، ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾، قال: «الحسن والحسين».

أقول: وهو من البطن»[32].

أقول: ما ورد في الرواية بعيدٌ عن ما يُستفاد من السياق، فالله يتحدَّث عن الموجودات والظواهِر الكونِيّة، من المشرق والمغرب، والبحر، وما يجري فيه من السفن الثقيلة، المحمولة على الماء بقدرة الله الذي أودع فيه قانون الطَّفْو، فالمناسبُ أن يكون المراد بالبحرَيْن البحرُ والنهرُ، حيث يلتقيان في بعض الأماكن، دون أن يصير العَذْبُ مالِحاً والمالِحُ عَذْباً.

8ـ قوله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنْ النَّبَأِ الْعَظِيمِ﴾ (النبأ: 1 ـ 2).

قال العلاّمة: «في بعض الأخبار أنّ النبأ العظيم عليٌّ (عليه السلام)، وهو من البطن»[33].

أقول: والمتناسب مع سياق الآيات أن يكون المراد به يوم القيامة، فقد أخذ الله يُذكِّر بقدرته وعظمتها، ليختم بقوله: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً﴾، فكأنّ ما استعرضه من مظاهِر قدرة الله خيرُ دليلٍ على قدرته على بعث الناس والفصل بينهم، وفي هذا الدليل الدامِغ ما يُنهي اختلاف أولئك في إمكان القيامة وعَدَمه.

هذه مجموعةٌ من الروايات المفسِّرة لبعضِ آيِ القرآن الكريم، والتي تبيَّن لنا ـ من خلال ما تقدَّم ـ أنّها من قبيل الجري والتطبيق، أو البطن، وليست بمفسِّرةٍ.

معايير قبول التطبيق ورفضه

تجدرُ الإشارةُ[34] في ختام هذا البحث إلى معايير قبول التطبيق ورفضه، فإنّه ليس كلُّ تطبيقٍ صحيحٌ ومقبولٌ، كما أنّه ليس كلُّ تطبيقٍ خطاٌ ومرفوضٌ، وعليه نقول:

أمّا التطبيق الصحيح والمقبول فهو ما كان من قبيل:

1ـ بيان مصداق اللفظ العامّ، كما في قوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ (الصافّات: 22)، وقد تقدَّم الكلام فيه.

2ـ بيان مصداق اللفظ المطلَق، كما في قوله تعالى: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ﴾ (الحجّ: 19)، وقد تقدَّم الكلام فيه أيضاً.

3ـ إلغاء الخصوصيّة، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ (الملك: 30)، وقد تقدَّم الكلام فيه، فراجِعْ.

وأمّا التطبيق المرفوض فهو ما كان:

1ـ مخالِفاً لظاهِر القرآن ونصّه، كما في قوله تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَنِ﴾ (الرحمن: 31)، فقد جاء في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَنِ﴾، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: قال: «نحنُ وكتاب الله، والدليل على ذلك قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنّي تاركٌ فيكم الثَّقَلَيْن؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي»[35].

وهو واضح البطلان؛ لقوله تعالى فيما بعدُ مباشرةً: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ…﴾، وعليه فالمراد بالثَّقَلان في الآية الجِنُّ والإنسُ.

2ـ مخالِفاً للقواعد اللغويّة العَرَبِيّة، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ (العاديات: 6 ـ 8)، فقد روى البحرانِيّ عن محمّد بن العبّاس عن أبي جعفر (عليه السلام): «﴿إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ قال: إنّ فلاناً لربّه لكنود [ويقصد أبا بكر]…، ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ قال: ذاك أمير المؤمنين»[36].

وهو تطبيقٌ باطِلٌ؛ لأنّه وبحَسَب قواعد اللغة العربيّة لا بُدَّ من إرجاع الضمائر الثلاثة في «ربّه» و«إنّه» و«إنّه» إلى الإنسان؛ إذ لا مرجع لها سواه، ولا يصحّ استعمالُ لفظٍ واحِدٍ في معنَيَيْن مختَلِفَيْن، وهو ما يُعبَّر عنه بعد جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

3ـ مستلزِماً للتوهين والإهانة، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ (البقرة: 26)، فقد جاء في تفسير القمّيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنّ هذا المَثَل ضربه الله لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فالبعوضة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وما فوقها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والدليلُ على ذلك قوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾، يعني أمير المؤمنين»[37].

وهو تطبيقٌ مرفوضٌ؛ لأنّ فيه إهانةً للنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولأميرِ المؤمنين (عليه السلام)، ومقامِهما الرفيع عند الله تعالى.

4ـ مستلزِماً القول بتحريف القرآن، كما في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ (إبراهيم: 41)، فقد جاء في تفسير العيّاشِيّ عن جابر، قال: «سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾، قال: هذه كلمةٌ صحَّفها الكُتّاب، إنّما كان استغفاره لأبيه عن موعدةٍ وعدها إيّاه، وإنّما قال: ربَّنا اغفر لي ولوَلَدَيَّ، يعني إسماعيل وإسحاق، والحسن والحسين والله ابنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»[38].

وكما في قوله: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾ (الليل: 17)، وقد مرَّ الكلام حوله في ما تقدَّم، ومقتضى قبول التطبيق الوارد في الروايات في تفسيرها سقوطُ «واو» (حرف عطف) في أوّل قوله: ﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ (الليل: 18).

وهما من التطبيق المرفوض؛ لاستلزامهما أن يكون في القرآن تصحيفاً، وهو من ضروب التحريف، وهو باطِلٌ عند المسلمين.

الهوامش


[1] محمّد حسين الطباطبائي(1402هـ): الميزان في تفسير القرآن 19: 257، مؤسَّسة النشر الإسلاميّ.

[2] محمّد كاظم شاكر، مباني وروشهاي تفسيري: 308، مركز جهاني علوم إسلامي، چاپ نخست، 1382هـ.ش.

[3] محمّد بن مسعود بن عيّاش السَّلَميّ(320هـ)، تفسير العيّاشِيّ 1: 106، المكتبة العلميّة الإسلاميّة، تهران (مجلَّدان).

[4] مباني وروشهاي تفسيري: 309.

[5] الميزان في تفسير القرآن 1: 41 ـ 42.

[6] الميزان في تفسير القرآن 1: 41.

[7] الميزان في تفسير القرآن 1: 391 ـ 392.

[8] الميزان في تفسير القرآن 2: 341.

[9] الميزان في تفسير القرآن 3: 126.

[10] الميزان في تفسير القرآن 13: 306.

[11] الميزان في تفسير القرآن 13: 319.

[12] الميزان في تفسير القرآن 13: 402.

[13] الميزان في تفسير القرآن 14: 256.

[14] الميزان في تفسير القرآن 14: 364.

[15] الميزان في تفسير القرآن 15: 391.

[16] الميزان في تفسير القرآن 15: 391.

[17] الميزان في تفسير القرآن 15: 406.

[18] الميزان في تفسير القرآن 17: 141.

[19] الميزان في تفسير القرآن 17: 263.

[20] الميزان في تفسير القرآن 17: 264.

[21] الميزان في تفسير القرآن 19: 361.

[22] الميزان في تفسير القرآن 19: 365.

[23] الميزان في تفسير القرآن 20: 308 ـ 309.

[24] مباني وروشهاي تفسيري: 312.

[25] الميزان في تفسير القرآن 3: 73 ـ 74.

[26] الميزان في تفسير القرآن 2: 347.

[27] الميزان في تفسير القرآن 12: 225.

[28] الميزان في تفسير القرآن 15: 51.

[29] الميزان في تفسير القرآن 15: 207.

[30] الميزان في تفسير القرآن 16: 95.

[31] الميزان في تفسير القرآن 19: 32.

[32] الميزان في تفسير القرآن 19: 103.

[33] الميزان في تفسير القرآن 20: 163.

[34] ـ نشير إلى هذه المعايير مستفيدين من كتاب«مبانى وروشهاى تفسيرى» للدكتور محمّد كاظم شاكر، ص 315… 326.

[35] القُمّيّ، عليّ بن إبراهيم(329هـ): تفسير القُمّيّ 2: 345، مؤسّسة دار الكتاب ـ قم، الطبعة الثالثة 1404 هـ، مجلَّدان.

[36] راجع: البحرانِيّ، هاشم ( ت 1107هـ): البرهان في تفسير القرآن 8: 367، مؤسّسة الأعلمِيّ للمطبوعات ـ بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ ـ 1999 م، 9 مجلَّدات.

[37] القُمّيّ، عليّ بن إبراهيم(329هـ): تفسير القُمّيّ 1: 35.

[38] ابن عيّاش السَّلَمِيّ، محمّد بن مسعود(320هـ): تفسير العيّاشِيّ 2: 235.



أكتب تعليقك