22 مارس 2014
التصنيف : برامج تلفزيونية (إعداد وتقديم)
لا تعليقات
2٬911 مشاهدة

الحلقة 14 من برنامج (آيات)، على قناة الإيمان الفضائية: (السلام)

016-دعاية برنامج آيات5

(بتاريخ: 15 ـ 2 ـ 2014م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الأنعام: 54) (صدق الله العليّ العظيم).

هو الإسلام، دين الله الأوحد، فـ ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ﴾. وما أجمله من اسمٍ يحمل من الدلالات الكثير!

فهو دين تسليم العباد مصيرَهم وكافّةَ شؤون حياتهم إلى الله ورسوله: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ (آل عمران: 83) ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِي مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (النساء: 65).

وهو دين السلام والأمن والاستقرار، دين نبيِّ الله وخليله إبراهيم(ع): ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ﴾ (الحجّ: 78)، ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ (إبراهيم: 35).

وللإسلام آدابه وخصائصه التي يتميَّز بها عن سائر الأنظمة والتشريعات البشريّة، ومن تلك الآداب أنّه جعل لأتباعه تحيّةً خاصّة يتبادلونها في ما بينهم.

وقد جاء في بعض مصادر الحديث عن الصحابيّ الجليل جُندب بن جنادة الغفاري، المكنّى بـ أبي ذرّ، أنّه قال: «كُنتُ أوّل مَنْ حيّا [رسولَ الله(ص)] بتحيَّة الإسلام»([1]).

فما هي تحيّة الإسلام، التي من الأجدر بالمسلمين أن يحيُّوا بعضَهم بها؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال نستمع وإيّاكم ـ مشاهدينا الكرام ـ إلى ما جاء في هذا التقرير، فلنتابِعْه.

1ـ ما هي تحيّة الإسلام؟ (0:38)

مشاهدينا الكرام، توزَّعت الإجابات ـ وكلُّها صحيحةٌ ـ بين أمرَيْن:

1ـ إنّ تحيّة الإسلام هي «السلام عليكم».

2ـ إنّ تحيّة الإسلام هي «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وقد كانت هذه التحيّة «السلام عليكم» معروفةً في الجاهليّة ـ ومن هنا عَلِمَها أبو ذرّ الغفاري، وحيّا بها رسولَ الإسلام محمد(ص) ـ، ولعلّها ممَّا بقي من عهد نبيِّ الله وخليله إبراهيم(ع)، فقد كانت هي تحيَّتُه المعتمدة، حتّى أنّه لمّا جاءه رسلُ الله من الملائكة؛ لإهلاك قوم لوط(ع)، دخلوا على إبراهيم(ع)؛ لكونه نبيّاً من أولي العزم الخمسة(عم)، ولوطٌ من شيعته وأتباعه: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ (العنكبوت: 26)، فدخلوا يريدون أن يخبروا إبراهيم بما كُلِّفوا به من قبل الله سبحانه وتعالى، ﴿فَقَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ﴾ (الذاريات: 25).

إذاً «السلام عليكم» هي تحيّة الإسلام، وهي تحيّة أهل الجنّة في ما أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (يونس: 9 ـ 10).

وهي تحيّة الملائكة لأهل الجنّة يوم القيامة: ﴿وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ (الرعد: 23 ـ 24)؛ ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (النحل: 32).

وهي تحيّة الله سبحانه وتعالى لأنبيائه الكرام:

1ـ يحيى: ﴿وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾ (مريم: 15).

2ـ نوح: ﴿سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ (الصافّات: 79).

3ـ إبراهيم: ﴿سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ (الصافّات: 109).

4ـ موسى وهارون: ﴿سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ (الصافّات: 120).

5ـ إلياس: ﴿سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ (الصافّات: 130).

6ـ الرُّسُل جميعاً: ﴿وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ (الصافّات: 181).

هذا وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالسلام على رسول الله محمد(ص) بعد الصلاة عليه، في ما يظهر من قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (الأحزاب: 56).

ولكنّ هذا لا يعني أنّ الإسلام يرفض كلّ تحيّة أخرى، ومن هنا كان الأمر الإلهيّ الواضح والصريح في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (النساء: 86) بأنْ يتمّ الردّ على كلّ تحيّةٍ، فلم يقتصر على قوله: ﴿حُيِّيتُمْ﴾، ليُقال: إنّ المراد به التحيّة المتعارفة بين المسلمين أو الخاصّة بهم والمفضَّلة عندهم، وإنّما أتبعها بقوله: ﴿بِتَحِيَّةٍ﴾ بصيغة النكرة، ما يفيد العموم، ويصير المعنى: إذا حُيِّيتم بأيِّ تحية فيجب عليكم ردُّها بما هو أحسن وأفضل منها، وفي الحدّ الأدنى ـ الذي لا محيص عنه، ولا مهرب منه ـ يمكنكم ردّها بمثلها.

بل إنّ في بعض الروايات ما يشير إلى أنّ هذه الآية شاملةٌ لما يتلقّاه الإنسان من تحيّةٍ عمليّةٍ، ووجوه البِرِّ كافّةً، فيجب عليه حينئذٍ أن يرّدها بأحسن منها أو بمثلها، سلوكاً وعملاً، فقد جاء عن مولانا الحسن بن عليّ المجتبى(ع)، وفي روايةٍ أخرى أنّه سيّد الشهداء الحسين بن عليّ(ع)، «أنّ جاريةً له حيَّتْه بطاقة رَيْحان، فقال لها: أنتِ حرّةٌ لوجه الله، فقيل له في ذلك فقال: كذا أدَّبنا الله تعالى، فقال: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا…الآية﴾، وكان أحسن منها إعتاقها»([2]).

ويشهد له ما عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره معلَّقاً عن الصادقِين(عم) من أنّ المراد بالتحيّة في الآية: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ السلام وغيره من البِرِّ([3]).

أمّا لماذا اختار الإسلام هذه التحيّة «السلام عليكم»؟ وما هي الفائدة التي تتحقَّق من خلالها، وقد لا تتحقَّق بغيرها؟ فسنتعرَّف إلى ذلك كلِّه، ولكنْ بعد الاستماع إلى هذا التقرير، فلنتابِعْه.

2ـ ما الفائدة من التحيّة؟ (1:27)

مشاهدينا الكرام، ذُكرت في هذا التقرير جملةٌ من الفوائد لتحيّة الإسلام «السلام عليكم»، ويمكن اختصارها بأنّها ترمز إلى المحبّة والإلفة والتقارب والسلام والأمان بين الناس في المجتمع الإسلامي.

وقد تقدَّم منّا أنّ الإسلام لا يرفض كلّ تحيّة أخرى، وإنّما هو يفضِّل هذه التحيّة لما تتضمَّنه من معاني الأمن والسلام، وهما من أهمّ النعم الإلهيّة على البشر، وقد سأل نبيُّ الله إبراهيم اللهَ سبحانه وتعالى أن يمنّ بهاتين النعمتين على أهل مكّة، وقد أودع فيها زوجته وولده، ثمّ سأله بعد ذلك أن يجنِّبه وبنيه عبادة الأصنام، وهو الشرك بالله، وهو أعظم المعاصي: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾. وكأنّه يريد أن يشير إلى ما لهذه النعمة وهي الأمن والسلام من تأثير على روح الإنسان وعقله وقلبه، فلن يستطيع أن يوحِّد الله في العبادة والطاعة والمحبّة ما دام يعيش القلق والخوف والاضطراب، وتشغله الهموم والفتن.

و«السلام»، أيُّها الأحبّة، اسمٌ من أسماء الله الحسنى: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (الحشر: 23).

وقد أراد الله للمجتمع الإسلامي بكلّ مَنْ يعيش فيه، ولو لم يكن مسلماً، ولكنّه تربطه علاقاتٌ بالمسلمين، أن يكون مجتمع السلام، فلا يؤذي بعضه بعضاً، ولا يعتدي بعضه على بعض، ولا يكيد بعضه لبعض، ولا يفضح بعضه بعضاً، فقد رُوي عن مولانا الباقر أنّه قال في تعريف المسلم: «المسلم مَنْ سلم المسلمون من لسانه ويده»([4]).

وفي روايةٍ أخرى عن رسول الله(ص) أنّه قال: «المسلم مَنْ سلم الناس من يده ولسانه»([5]).

ومن هنا كان تحريم الغيبة والنميمة والتجسُّس؛ فإنّه في مجتمع تنتشر فيه هذه الخصال القبيحة لا يأمن إنسانٌ على نفسه من خبرٍ أو عملٍ يُسيء إلى سمعته، فيدمِّر حياته، ويؤثِّر على علاقاته، ويقضي على حاضره ومستقبله.

ولله درّ الشاعر يقول:

جراحاتُ السِّنان لها التئامٌ

ولا يُلتامُ ما جرحَ اللسانُ

فكم من حياةٍ دُمِّرت بسبب كلمةٍ جارحة أو تهمة باطلة أو شائعة كاذبة، فمَنْ يتحمَّل مسؤوليّة ذلك كلّه.

لا شكّ ولا ريب في أنّ مَنْ يتحمَّل ذلك هو مَنْ أطلق تلك الكلمات اللامسؤولة، فتسبَّب بفسادٍ أيِّ فساد. فقد رُوي عن مولانا الباقر(ع) أنّه قال: «يُحشر العبد يوم القيامة وما ندى دماً، فيُدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك، فيُقال له: هذا سهمُك من دم فلان، فيقول: يا ربِّ، إنّك لتعلم أنك قبضتني وما سفكتُ دماً، فيقول: بلى، سمعتَ من فلانٍ روايةَ كذا وكذا، فرويتَها عليه، فنُقلَتْ، حتّى صارت إلى فلانٍ الجبّار، فقتله عليها، وهذا سهمُك من دمه»([6]).

أيّها الأحبّة، عندما تلتقي بأخيك المسلم أو نظيرك في الخلق وشريكك في الحياة، فتقول له: «السلام عليكم»، فهذا يعني أنّك تمنحه السلام، وتطمئنه بأنّك لن ترى منّي إلاّ خيراً، ولن يلحقك منّي أذىً، ولن يكون بيني وبينك إلاّ علاقة السلام والمودّة والرحمة والمحبّة. وعليه فأيُّ موقفٍ أو سلوك أو قول يصدر منك على خلاف المعنى السامي لهذه الكلمة هو خُلْفٌ في الوعد، ونقضٌ للعهد، وكلّه مكروهٌ مبغوض لله سبحانه وتعالى، وهو حرامٌ.

أيُّها الأحبّة، إنّ أمنَ المجتمع وسلامة أمور المسلمين من الأهمّيّة والقدسيّة بحيث إنّ أمير المؤمنين عليّاً(ع) قد سكت عمّا آلت إليه الأمور بعد رسول الله الأكرم محمد(ص)، من غصبٍ لحقّه في الإمامة والرئاسة والزعامة، وما لحقه من آذىً وظلمٍ وجَوْر، وآثر الجلوس في بيته، والنصيحة لمَنْ سلبوه حقَّه، وعزاؤه في ذلك كلِّه ما عبَّر عنه بقوله: «لقد علمتُم أنّي أحقُّ الناس بها من غيري. وواللهِ لأُسْلِمَنَّ ما سلمَتْ أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ إلاّ عليَّ خاصّة؛ التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً في ما تنافستموه من زخرفه وزبرجه»([7]).

أيُّها الأحبّة، ذاك السلام مع الناس، وأمّا السلام مع النفس، حيث يقول تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (النور: 6)، فكيف يكون؟

حتماً ليس المطلوب أن يقول الشخص لنفسه، إذا ما دخل إلى بيتٍ وحده، ولم يجِدْ فيه غيره: «السلام عليكم»، وإنّما أن تلتزم بما يجعلك في سلامٍ وأمن من المُساءلة والتهمة والشبهة، فلا تمدَّنَّ عينيك إلى ما لا يحلّ لك النظر إليه، ولا تمّدَنّ يديك إلى ما لا يحلّ لك أخذه أو استعماله، ولا تصغِ بأذنيك إلى ما لا يحلّ لك سماعه، ولا تتحدَّث بما لا يجوز لك إعلانُه، بهذا السلوك الإيمانيّ القويم تحقِّق لنفسك ولغيرك الأمنَ والسلام والطمأنينة.

وبعد أن اتَّضحت لنا أهمّية وقيمة تحيّة الإسلام، فكيف يمكن لنا نشر هذه التحيّة بين الناس وفي كافّة المجتمعات؟ قبل الإجابة نستمع وإيّاكم ـ مشاهدينا الكرام ـ إلى هذا التقرير، فلنتابِعْه.

3ـ كيف يمكن نشر تحيّة «السلام عليكم»؟ (0:53)

في المجتمعات الإسلاميّة الصِّرْفة اعتاد الناس على تحيّة بعضهم بعضاً بتحيّة الإسلام «السلام عليكم»، ويُردُّ عليهم السلام بالمثل وأحسن، فيُقال: «وعليكم السلام»، أو «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته».

وقد أوجب الإسلام ردَّ التحيّة، ولا سيّما تحيّة الإسلام، حتّى بلغ الأمر أن أوجب الردّ بالمثل، وبنفس الصيغة تماماً، إذا كان الإنسان في الصلاة، فإنّه لو كان المسلمُ يصلّي ودخل أحدٌ إلى المكان فقال: «السلام عليكم»، وجب على المصلّي إذا لم يكن هناك غيرُه في المكان، أو لم يردّ أحدٌ من الموجودين السلام، أن يقول ردّاً للتحيّة: «السلام عليكم»، ولا يقول: «وعليكم السلام».

وما ذلك كلِّه إلاّ للحفاظ على هذه التحيّة منتشرةً بين الناس، فلا يُعرَض عنها بحجّة أنّ الطرف الآخر قد لا يردّ، أو لا يلتفت، أو ما شابه ذلك.

وفي بعض المجتمعات المختلطة نلاحظ تحيّاتٍ متعدِّدة ومتنوِّعة: «مرحباً»، «صباح الخير»، «صباح النور»، «مساء الخير»، ويُضفى عليها أحياناً نكهةً دينيّة: «صبَّحكم الله بالخير»، و«مسّاكم الله بالخير»، ونحو ذلك من التحيّات المعروفة والمستخدمة بين الناس.

هذه التحيّات أيضاً تشملها الآية الكريمة: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾. وبالتالي حريٌّ بالمؤمن الملتزِم أن يردّ هذه التحيّات لأصحابها، قولاً وعملاً.

وإنْ كنّا نشجِّع ونفضِّل للمؤمنين أن يحيُّوا بعضَهم بتحيّة الإسلام، التي استعملها الله عزَّ وجلَّ لتحيّة أنبيائه، واستعملها الأنبياءُ وأوصياؤهم(عم) لتحيّة الناس من حولهم، وهي تحيّة أهل الجنّة.

ويمكن توسيع دائرة استعمال هذه التحيّة من خلال:

1ـ ترديدها كثيراً، بحيث يعتادها مَنْ لم يتعوَّد عليها بعدُ، ويأنس بها، ولربما عمد إلى استخدامها، وهكذا تنتشر في المجتمع.

2ـ تعليمها لأبنائنا وإخوتنا وأقربائنا الصغار منذ نعومة أظافرهم، فيشبُّون على استخدامها، وكما يقول المَثَل: «مَنْ شبَّ على شيءٍ شاب عليه»، أو «العلم في الصغر كالنَّقْش في الحجر»، لا يزول من النفوس، ولا يُمحى من القلوب.

3ـ شرح معانيها لمَنْ لا يستعملها، دون أن نؤذيه بنَهْرِه أو زَجْره أو التبرُّم منه؛ إذ لم يستخدمها، وإنّما نرُدُّ تحيَّتَه بأحسنَ منها، كما علَّمنا الله سبحانه وتعالى، ثمّ نحيِّيه بتحيَّة الإسلام، شارحين له المعاني السامية التي تتضمَّنها، والتي تقدَّم منّا بيانُها، ما يجعله يعزم مخلِصاً مقتنِعاً باعتمادها في تحيّاته المقبلة.

أيُّها الأحبّة، هي تحيّة الإسلام، تحيّة السلام والمحبّة والرحمة، تحيّةً طيِّبةً مباركة من الله الرحمن الرحيم على عباده وسائر خلقه. فالسلام عليكم، مشاهدينا الكرام، ورحمة الله وبركاته.

الهوامش


([1]) صحيح مسلم 7: 152 ـ 154: «حدَّثنا هداب بن خالد الأزدي: حدَّثنا سليمان بن المغيرة: أخبرنا حميد بن هلال، عن عبد الله ابن الصامت، قال: قال أبو ذرّ: …فجاء النبيّ(ص) فطاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف المقام، قال: فأتيتُه فإنّي لأوّل الناس حيّاه بتحيّة الإسلام، قال: قلتُ: السلام عليك يا رسول الله، قال: وعليك السلام، مَنْ أنت…».

سنن الدارمي 2: 277، باب في ردّ السلام: «حدَّثنا عبد الله بن مسلمة: حدَّثنا سليمان ـ هو ابن المغيرة ـ، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذرّ، شبهه».

([2]) ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 3: 183، باب إمامة أبي محمد الحسن بن عليّ(عما): وقال أنس: «حيَّتْ جاريةٌ للحسن بن عليّ بطاقة رَيْحان فقال لها: أنتِ حرّةٌ لوجه الله، فقلتُ له في ذلك، فقال: أدَّبنا الله تعالى فقال: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا…الآية﴾، وكان أحسن منها اعتاقها».

ابن أبي الفتح الإربلي، كشف الغمّة 2: 240 ـ 241، في ذكر شيء من كلامه(ع): قال أنس: «كنت عند الحسين(ع) فدخلت عليه جاريةٌ، فحيَّته بطاقة رَيْحان، فقال لها: أنتِ حرّةٌ لوجه الله، فقلتُ: تحيِّيك بطاقة رَيْحان لا خطر لها فتُعتقَها؟! قال: كذا أدَّبنا الله، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾، وكان أحسن منها عتقها».

([3]) تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 1: 145: وقوله: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً﴾: ﴿أَوْ رُدُّوهَا﴾، قال: السلام وغيره من البرّ .

([4]) الكليني، الكافي 2: 233 ـ 234، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ح12: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد [النخعي، ثقة]، عن أبي جعفر(ع) قال: قال أبو جعفر(ع): يا سليمان أتدري من المسلم؟ قلت: جعلتُ فداك أنتَ أعلم، قال: المسلم مَنْ سلم المسلمون من لسانه ويده، ثم قال: وتدري من المؤمن؟ قال: قلت: أنتَ أعلم، قال: [إنّ] المؤمن مَنْ ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم، والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله أو يدفعه دفعة تعنته.

([5]) الصدوق، صفات الشيعة: 30 ـ 31: أبي(ر)، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق(ع)، قال: قال رسول الله(ص): ألا أنبئكم لِمَ سُمِّي المؤمن مؤمناً؟ لائتمان الناس إيّاه على أنفسهم وأموالهم. ألا أنبئكم مَنْ المسلم؟ المسلم مَنْ سلم الناس من يده ولسانه. ألا أنبئكم بالمهاجر؟ مَنْ هجر السيئات وما حرَّم عزَّ وجلَّ.

الصدوق، علل الشرائع 2: 523، باب العلة التي من أجلها سمي المؤمن مؤمناً، ح2: أبي(ر) قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر قال: حدَّثنا هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه(عما) قال: قال رسول الله(ص): مَنْ أكرم أخاه المؤمن بكلمة يلطفه بها أو قضى له حاجة أو فرَّج عنه كربة لم تزل الرحمة ظلاًّ عليه ممدوداً ما كان في ذلك من النظر في حاجته، ثم قال: ألا أنبئكم لِمَ سُمِّي المؤمن مؤمناً؟ لإيمانه الناس على أنفسهم وأموالهم. ألا أنبئكم مَنْ المسلم؟ مَنْ سلم الناس من يده ولسانه. ألا أنبئكم بالمهاجر؟ مَنْ هجر السيئات وما حرَّم الله عليه. ومَنْ دفع مؤمناً دفعة ليذله بها، أو لطمه لطمة، أو أتى إليه أمراً يكرهه، لعنته الملائكة حتّى يُرضيه من حقّه، ويتوب ويستغفر، فإيّاكم والعجلة إلى أحدٍ، فلعلّه مؤمنٌ وأنتم لا تعلمون، وعليكم بالأناة واللين، والتسرُّع من سلاح الشياطين. وما من شيء أحبّ إلى الله من الأناة واللين.

الصدوق، معاني الأخبار: 239، باب معنى المسلم والمؤمن والمهاجر والعربيّ والمولى، ح1: أبي(ر) قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله(ع) أنّه قال: المسلم مَنْ سلم الناس من يده ولسانه، والمؤمن مَنْ ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم.

([6]) البرقي، المحاسن 1: 104 ـ 105، باب عقاب الإذاعة، ح84: أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن حسّان، عن محمد بن عليّ وعليّ بن عبد الله جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن العلا ومحمد بن سنان معاً، عن محمد بن مسلم، قال: سمعتُ أبا جعفر(ع) يقول: إنّ العبد يحشر يوم القيامة وما يدمى دماً، فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك، فيُقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا ربّ، إنّك لتعلم أنّك قبضتني وما سفكتُ دماً، قال: بلى، سمعتَ من فلانٍ بن فلان كذا وكذا، فرويتَها عنه، فنُقلَتْ عنه، حتّى صار إلى فلان الجبّار، فقتله عليها، فهذا سهمُك من دمه.

الكليني، الكافي 2: 370 ـ 371، باب الإذاعة، ح5: عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: سمعتُ أبا جعفر(ع) يقول: يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دماً فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك فيقال له: هذا سهمُك من دم فلان، فيقول: يا ربّ، إنك لتعلم أنّك قبضتني وما سفكت دماً، فيقول: بلى، سمعتَ من فلانٍ رواية كذا وكذا، فرويتَها عليه، فنُقلَتْ، حتّى صارت إلى فلانٍ الجبّار، فقتله عليها، وهذا سهمُك من دمه.

([7]) نهج البلاغة 1: 124، من كلام له(ع) لمّا عزموا على بيعة عثمان.



أكتب تعليقك