4 ديسمبر 2014
التصنيف : حوارات
لا تعليقات
6٬349 مشاهدة

العبوديّة والعنصريّة

222

111

حوارٌ أجرته الأخت الإعلاميّة بتول فحص
مع سماحة الشيخ محمد عباس دهيني
في حلقة من برنامج (لمَنْ يهمّه الأمر) على قناة الإيمان الفضائية

(بتاريخ: الاثنين 17 / 11 / 2014م)

ويمكنكم مشاهدة الحلقة كاملةً على الرابط التالي:

https://www.youtube.com/watch?v=doOQajrDwVU

السلام عليكم فضيلة الشيخ، وأهلاً وسهلاً بكم في قناة الإيمان الفضائية.

1ـ بداية لا شكّ أن الإسلام حارب الرقّ، وطالب بتحرير العبيد، إلاّ أنّ البعض يعتبر أنّ الإسلام قَوْنَنَ هذه الظاهرة، ولم يحرِّمها بشكلٍ قاطع، كما فعل القرآن الكريم حيال تحريم الخمر والمَيْسر والزنا، كيف تعلِّق؟

لقد كان للإسلام أساليب متعدِّدةٌ في التعاطي مع الظواهر الاجتماعيّة التي لا تتناسب وروحيّة الإسلام وغاياته السامية. ففي الجاهليّة شاعت الكثير من الظواهر الاجتماعيّة، كالتبنّي، وأد البنات، الظهار، مِلْك اليمين (العبوديّة)، شرب الخُمور، تعدُّد الزَّوْجات، الزِّنا، لعب القِمار، و….

ولقد كان للإسلام تجاه هذه القضايا مواقف مختلفة؛ ففي بعضها سلك نهج التحريم الفوريّ، كما في موقفه من وأد البنات، ولعب القِمار، و….

وفي بعضها أضاف إلى التحريم الفوريّ تشريع عقوبةٍ لمَنْ يُقدِم على هذا الفعل الشنيع، كما في الظِّهار ـ حيث أوجب الكَفّارة ـ، والزِّنا ـ حيث أوجب الحَدّ.

وفي بعضها استخدم أسلوب صَدْم الواقع القائم، كما في مسألة التبنِّي، حيث حرَّمه نظريّاً، ولم يكْتَفِ بذلك، بل أمر نبيَّه الأكرم محمّداً- بكسر هذه الظاهرة عمليّاً، من خلال زواجه بطليقة زيد بن حارثة ـ الذي كان يُعرَف بـ (ابن محمد) ـ، ونزلت في ذلك آياتٌ قرآنيّة نقرؤها في سورة الأحزاب.

وفي بعضها اعتمد أسلوب التقنين ووضع ضوابط وحدود، كما في مسألة تعدُّد الزوجات، فبعد أن لم يكن هناك حدٌّ معيَّن لعدد الزوجات التي يتَّخذها الرجل الجاهليّ، جاء الإسلام فذكر عدداً خاصّاً للزوجات، ومنع من تجاوزه، فلا يستطيع الرجل المسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نساء. وهذا التحليل يُفيدنا كثيراً في بيان دلالة الآية الكريمة: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾ (النساء: 3) على جواز التعدُّد، دون استحبابه.

وفي موقفه من بعض الظواهر اختار الإسلام التدرُّج في المنع والتحريم، ورُبَما يعود ذلك إلى تجذُّر هذه الظاهرة في وجدان الإنسان والمجتمع العربيّ آنذاك.

كما في مسألة الخَمْر، حيث حرَّمها على مرحلتين؛ الأولى: في خصوص أوقات الصلاة، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ (النساء: 43)؛ والثانية: في جميع الأوقات، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة: 90).

وكما في مسألة مِلْك اليمين، فلو نظرنا إلى شيوع هذه الظاهرة في المجتمع آنذاك، وأنَّه لم يكن بيتٌ من بيوت العرب أو قبائلهم أو حواضرهم ليخلو من هذه الظاهرة، وبشكلٍ كبير جدّاً، حيث تجدُ في البيت أكثر من عبدٍ وجارية، ولكلٍّ مهمَّته، وتشكِّل هذه الفئة مصدر راحةٍ لأفراد الأسرة في حياتهم اليوميّة، وكتلةً بشريّة وازنة في الحروب والغزوات والغارات، وما أكثرها في ذلك اليوم!، نعرف أنَّه لم يكن بمقدور الإسلام إذا أراد أن يستجيب له الناس، ويلتزموا بأحكامه، إلاّ أن يتعاطى مع هذا الملفّ بما يراعي حساسيّة هذا الموضوع، وحضوره الواسع في كافّة نواحي الحياة العربيّة.

ومن هنا انطلق الإسلام بكثيرٍ من الحِكْمة ليُقارِب هذا الموضوع باستراتيجيّةٍ بعيدة المَدى، ولكنْ فعّالة، فأغلق كثيراً من أبواب الاسترقاق، مع إبقائه على بعضها؛ لأسبابٍ عديدة، منها: مبدأ المعاملة بالمثل ـ كما في الحروب ـ.

فأغلق باب الاسترقاق نتيجة الفقر، أو نتيجة غزو بعضهم البعض للنَّهْب والسَّطْو، أو القمار، أو السرقة، كما في شرع بني إسرائيل مثلاً.

كما شجَّع على معاملة الأسرى بطريقةٍ تختلف عمّا كان شائعاً، فالأسير في الجاهليّة مآلُه إلى العبوديّة، بينما نجد النبيّ- قد عامل الأسرى في معركة بَدْر بطريقةٍ مختلفة، مَنْ لم يستطِعْ أن يفدي نفسه بالمال، وعلَّم عشرة من المسلمين الكتابة، نال حرِّيّته([1])، إذاً هو يصيب عصفورين بحَجَرٍ واحد، نهضة ثقافيّة في المجتمع الإسلامي من جهةٍ، وفتح باب جديد في كيفيّة التعامل مع الأسرى من جهةٍ أخرى.

كذلك عندما سبى المسلمون في غزوة بني المُصْطَلَق النساء وقعت جويرية بنت الحارث ـ أحد زعماء القوم ـ في نصيب رجلٍ من المسلمين، فكاتَبَها على فكاك رقبتها، وعجزَتْ عن السَّداد، فجاءت تستنجد بالنبيّ-؛ ليساعدها في فَكَاك نفسها، فما كان منه إلاّ أن سدَّد ما عليها، وتزوَّجها، فأصبح صِهْراً لقومها، فتنادى المسلمون فيما بينهم: أصهارُ رسول الله- يُستَرَقُّون؟! فأعتقوا ما كان في أيديهم من سَبْي بني المُصْطَلَق، وأسلم خلقٌ كثير منهم بعد هذه الحادثة([2]).

وفي نفس الوقت فتح الإسلام الباب واسعاً عريضاً أمام تحرير العبيد([3]):

فكثيرٌ من الكفّارات تتضمَّن خصلة تحرير العبيد، أي (عتق رقبة).

كذلك أمّ الوَلَد، أي الجارية الموطوءة التي تحمل من سيِّدها، ويكون ولدها حُرّاً؛ لأنّ الولد يتبع أشرف العمودين (الأب والأمّ) في الإسلام أو الحرّيّة أو… ـ مع أنّنا نعرف أنّ الولد يتبع أباه عادةً، فما السرُّ في أنَّه يتبع أشرف العمودين أباً أو أمّاً؟!، كلّ ذلك تشجيعٌ وترويج لمبدأ التحرير ـ، عندما تضع ولدها الحُرّ تبقى في دائرة العبوديّة، ولكنْ يُمنع بيعُها إلاّ بشروطٍ خاصّة، تمهيداً لوصولها إلى الحرِّيّة، فإذا مات سيِّدُها، سيرثه أبناؤه، ومنهم وَلَدُها، فتكون في حصّة ابنها الحُرّ، دون غيره من أولاد سيِّدها، وبمجرَّد أنْ يملكها ولدُها تصبح حُرَّةً؛ لأنّ الوَلَد لا يُمكنه شَرْعاً أن يملك أحد أبوَيْه.

مضافاً إلى التشجيع على شراء العبيد وتحريرهم، وهو ما يُعرف بـ (عتق الرقبة أو الرقاب). وقد جُعل من الطاعات العظيمة المُنْجية، فقال تعالى: ﴿فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ (البلد: 11 ـ 13).

وهذا ما كان يفعله أهل البيت(، حيث يعمدون إلى شراء العبيد والجواري بكمّيّات كبيرة، فيعلِّمونهم أحكام الدين، ويؤدِّبونهم ويربُّونهم خيرَ تربيةٍ، ثمّ إذا حلَّتْ بعضُ المناسبات الدينيّة ـ كعيد الفطر أو الأضحى أو… ـ يعتقونهم جميعاً([4]).

وهكذا كان يفعل المُقْتَدِرون من أصحابهم.

وكذلك كان هناك تشجيعٌ على (التدبير)، وهو صيرورة العبد حُرّاً عقب موت سيِّده، أي دُبُر حياته؛ و(المكاتَبَة)، وهي أن يرضى السيِّد بما يعرضه عليه العبد من مالٍ مقابل أن ينال حُرِّيّته، وقد قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (النور: 33).

كما اعتُبر عتق الرقاب أحد المصارف الثمانية للزكاة، حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 60).

ولهذا شهدنا تناقصاً واضحاً في عدد العبيد في المجتمع الإسلاميّ، حتّى وصلنا اليوم إلى أنَّك لا تكاد تجد أحداً يعيش هذا الوضع بالشكل التقليديّ الذي كان معروفاً في الجاهليّة، وهو أن يكون له سيِّدٌ مالِكٌ لطاقته كُلِّها، وحُرٌّ في أن يتصرَّف به كيف يشاء، حتّى لو شاء قتله، دون أن يتعرَّض لأيِّ لومٍ أو عتاب، على أساس أنَّه مِلْكٌ له، كما يملك هذه الأرض أو هذا البيت أو هذا الحيوان، ولو أتلفه فلا يعترض عليه في ذلك أحدٌ.

نعم قد يتمظهر هذا القَهْر والظُّلْم والعدوان بأشكالٍ عديدة، ولكنَّها ليست بذاك النحو الذي كان معروفاً.

وخلاصةُ الكلام: إنّ الإسلام وضع ضوابط وقوانين لهذه الظاهرة التي كانت متجذِّرةً في المجتمع، ولكنْ ضمن خطّةٍ استراتيجيّة بعيدة المَدَى؛ ليصل في نهاية المطاف ـ ولو بعد مئات السنين ـ إلى القضاء على هذه الظاهرة بشكلٍ نهائيّ، وإلى غير رجعة.

ولذلك نحن نستغرب ونُدين ما يذكره بعضُ الفقهاء من إمكانيّة الرجوع إلى ذلك النظام فيما لو عادت الحَرْب بين المسلمين وغيرهم([5])، ونعتبر ذلك من سَقَطات الفقهاء، وما أكثرها في مباحث الفقه الإسلاميّ! إذا قرأنا بنظرةٍ ثاقبة وبصيرةٍ نافذة خُطَّة الإسلام للقضاء على نظام الرِّقّ القَذِر والبغيض نقطع بأنَّه لا يسمح بالعودة إليه بعد أن تجاوزناه، وإنَّما علينا أن نلجأ إلى القانون الجديد، قانون الأسرى، لتتمَّ مبادلتهم أو ما شابه ذلك، بما يحفظ لهم كرامتهم الإنسانيّة.

وهنا ألفت إلى مسألةٍ مهمّة يُشنَّع فيها على أحكام الإسلام، وهو أنّه أباح للسيِّد أنْ يطأ جواريه دون حدٍّ معيَّن، ودون عقد زواج، وقد تولَّد عن مِثْل هذا الوَطْء شخصيّاتٌ إسلاميّة رفيعة الشأن، كما في بعض أئمّة أهل البيت(([6])، فأشكل البعضُ بأنّ الإسلام دينٌ إباحيّ، وأنّ هذا انتقاصٌ من كرامة هذه المرأة الجارية، لحساب الرجل.

والجواب ببساطةٍ: إنّ هذه الجارية امرأةٌ، ولها حاجاتها الجسديّة المشروعة، ولا بُدَّ من إشباعها، فكيف يكون ذلك؟ لا يكون ذلك إلاّ بوَطْء السيِّد وحده([7])، ولا يحقّ لاثنين أنْ يطآها في الوقت الواحد، بل لا بُدَّ من عِدّةٍ بينهما، ولذلك ما تشكو منه بعض السيدات في بعض المجتمعات التي لا زالت تمارس ذلك النظام البغيض إنَّما هو نتيجة سوء تصرُّف الأسياد، وعدم التزامهم بتعاليم الدين، لا نتيجة التشريع الإسلاميّ الصحيح، وإلاّ فإنَّ نفس هذا الحكم إنّما هو لصالح المرأة، تماماً كما هو الزواج الثاني أو الزواج المؤقَّت؛ فإنَّ أحد طرفَيْه هو المرأة، فلا يصحّ أن يُقال: هو ظلمُ الذُّكور للإناث، أو العدوان عليهنَّ، فإنّ هذا قد يصحّ بلحاظ الزوجة الأولى، ولكنْ ماذا عن المرأة التي رضيَتْ بالعلاقة مع هذا الرجل المتزوِّج، أو التي رضيَتْ بعلاقةٍ مؤقَّتة، أو الجارية التي لا يمكنها أن تتزوَّج؛ لتنافي ذلك مع مِلْك السيِّد لها؟!

ورُبَما كان حثُّ الإسلام على وَطْء الإماء هو لتمكينهنَّ من أن يُصبِحْنَ أمَّهات وَلَدٍ، ويتشبَّثْنَ بالحرِّيّة، ولو في مشوارٍ قد يطول لسنواتٍ، ولكنَّه سينتهي إلى نهايةٍ سعيدة في الغالب، وهي تحريرهنّ من نصيب أولادهنَّ الأحرار إذا مات السيِّدُ قبلهنّ، وهو كذلك غالباً؛ لأنّ الجواري صغيرات السنِّ على الأغلب.

إذاً ليس في هذا التشريع انتقاصٌ للمرأة الجارية، بل إنّه يمثِّل خدمةً جليلة لها.

2ـ كما هو معلوم أنّ بلال بن رباح كان عَبْداً قبل أن يشهر إسلامه، ويتمّ عتقه، ليصبح أوّل مؤذِّنٍ في الإسلام، وهذا يدلّ على سماحة ديننا الحنيف، ولكنْ عندما نقرأ الروايات عن الرسول والأئمّة الأطهار نلاحظ أنّه كان لديهم أمات [إماء] وعبيد، فكيف نفسِّر هذا الأمر؟

لقد كان بلال بن رباح عبداً لأُمَيَّة بن خَلَف الجُمَحي بالولادة، فقد كانت أمُّه أيضاً ـ وتُدعى (حمامة) ـ أَمَةً لبني جُمَح، فأولدوها هذا العَبْد، من خلال تزويجها لعبدٍ لهم أيضاً، حيث كانوا يستولدون منهم فئةً جديدة من العبيد والجواري، تماماً كما تُستولد البهائم، واشتراه من أُمَيَّة أبو بكر، حيث استبدله بعبدٍ له روميّ، وأصبح بلالُ عبداً لأبي بكر، فأعتَقَه، وأصبح بذلك مَوْلىً لبني تَيْم (قبيلة أبي بكر)([8]).

هكذا كان تعامل النبيّ- وأصحابه من حوله مع هذه الفئة المستَضْعَفة من الناس في ذلك المجتمع الجاهليّ. ولكنْ كما أسلفنا لا يستطيع الإسلام أن يقضي على هذه الظاهرة الاجتماعيّة المتجذِّرة بين ليلةٍ وضحاها، وإنّما وضع خطّة استراتيجيّة طويلة نوعاً ما؛ للوصول إلى حلٍّ نهائيّ وجَذْرِيّ لهذه الظاهرة، ومن ذلك: التشجيع على عتق العبيد، والأمر به، وجوباً واستحباباً، وهكذا كانوا يشترُون الكثير من العبيد والجواري، ويعلِّمونهم أحكام الدين الحنيف، ثمّ يسارعون إلى إعتاقهم.

ولكنْ لم يتسنَّ لأهل البيت( أن يستلموا سلطةً، أو يمارسوا حُكْماً، وبالتالي لم يقدَّر لهذه الأمّة أن تعيش في كَنَف التطبيق الصحيح للدين الإسلاميّ، فعاث الخلفاءُ من بني أميّة وبني العبّاس ومَنْ تبعهم في دين الله فساداً، واتَّخذوا العبيد والجواري؛ للرفاهية واللَّهْو والمُجُون، حتَّى لقد ارتَكَبوا في هذا المجال ما يندى له جبينُ الإنسانيّة على مرِّ الدهور، ولا يَسَعُنا في هذه العُجالة ذكر شيءٍ من ذلك، وإنَّما لنا في قصة ولادة المأمون العبّاسي خير شاهدٍ على ما نقول([9]).

إذاً تملُّك النبيّ- وأهل بيته( للعبيد والجواري إنّما هو بدافع السعي إلى تخليصهم من نِير العُبوديّة.

وهكذا أعتق النبيُّ- زيد بن حارثة، وأصبح من مواليه-، ولشدّة اهتمامه به أصبحوا يُنادُونه بـ (زيد بن محمد)([10]).

وهكذا تتوالى القصص عمّا كان يفعله أئمّة أهل البيت( مع عبيدهم وجواريهم([11]).

وقيل: إنّ جاريةً لمولانا زين العابدين% كانت تصبّ الماء على يديه، فسقط الإبريق من يدها على رأسه، فشجَّه، فسال الدم، فأدركَتْ عظيمَ جنايتها، فبادرَتْه بقولها: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾، فقال: قد كظَمْتُ غيظي، فقالت: ﴿وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ﴾، قال: قد عفَوْتُ عنكِ، فقالت، وقد طمعَتْ في إحسانه: ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، فقال: اذْهَبي فأنتِ حُرَّةٌ لوجه الله([12]).

3ـ الملفت أنّ مظاهر العبودية بمعناها التقليدي لا زالت موجودة في عدد من الدول الإسلامية (موريتانيا والباكستان)، إضافة إلى دول غير إسلامية، بل إن العبودية متوارثة، يعني الأولاد والأحفاد يتوارثون العبيد. هذا الأمر ألا يُسيء للإسلام اليوم؟ وأين تكمن المشكلة برأيك؟

بحسب ما تذكر التقارير فإنّ نظام الرقّ قد أُلغي وحُظر منذ أكثر من 20 سنة في دولة موريتانيا، وأنّه منذ أكثر من 7 سنوات اعتُبِرَتْ ممارسةُ هذا الأمر، وهو استرقاق الناس، جريمةً يُعاقب عليها القانون، ولكنْ هناك مَنْ استسلم لحاله ووضعه، واعتاد هذه الحياة، ولا يعرف سواها، وهو يرغب في البقاء تحت سلطة أسياده القُدامى، وإلاّ فإنّ مَنْ يشكو أمره إلى السلطات الرسميّة ويلجأ إليها فإنَّها تحميه وتنقذه ممّا هو فيه، وتمنع أيّاً كان عن ممارسة الاستعباد والاسترقاق في حقِّه.

وأمّا مسألة توارث الأولاد والأحفاد للعبيد فقد كان معروفاً، ولا إشكال فيه، ما لم تكن أمَّ وَلَدٍ، كما أسلفنا.

وأمّا أنّ أولاد العبيد يكونون عبيداً فقد بيَّنّا أنّ المتولِّد من أبٍ حُرّ يكون حُرّاً؛ تَبَعاً لأبيه. ولكنَّها الممارسة الخاطئة في وَطْء الجواري، حيث تشكو بعض الجواري من أنّ جميع الرجال في البيت (الأب، والأولاد، والأصهار) يطؤونها، ما يعني أنّهم لا يُعِيرون اهتماماً للولد الناتج، وهذا قد يوحي بأنَّهم يعاملونه معاملة العَبْد التابع لأمِّه في العبوديّة. وهذا خلاف التعاليم الإسلاميّة قَطْعاً، الذي حفظ للإماء كرامتهنَّ الإنسانيّة، ومنع أسيادهم من استعمالهنّ في البِغَاء والمُنْكَر، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النور: 33).

4ـ مَنْ يطَّلع على التاريخ الإسلامي يكتشف أنّه ومنذ الدولة الأموية بدأ الاعتماد على الرقيق في المفاصل الأساسية للدولة، وتحديداً في العسكر وقيادة الجيوش، حتّى أنّ المماليك في مصر استطاعوا أن يقيموا دولةً لهم. ألا يُظهر ذلك مدى الاضطهاد الذي كان يعاني منه العبيد على أيدي بعض المسلمين في تلك الفترة؟

على العكس من ذلك عندما يعتمدون على العبيد في إدارة وتنظيم شؤون الدولة الكبرى فهذا يعني أنَّهم كانوا يشكِّلون كُتَلاً بَشَريّة تساند أسيادها، وأنّ لهم من الحَظْوة والاختلاط بأفراد الأسرة ما يجعلهم يتدرَّجون معهم من تنفيذ مَهَمّة، إلى إبداء مقتَرَحٍ، إلى طلب مَشُورةٍ، إلى تبوُّؤ منصب النيابة والوكالة. وهكذا وضع العبيدُ أقدامهم في السلطة شيئاً فشيئاً. ولم يقتصر الأمرُ على ذلك، وإنَّما تُحدِّثنا كتب التاريخ كيف أنّ بعض الخلفاء هاموا ببعض جواريهم حُبّاً وشَغَفاً، كما حصل مع حبابة جارية الخليفة الأمويّ يزيد بن عبد الملك، وتتلخَّص قصتها في أنّه كان للخليفة قصرٌ في إربد، يستخدمه للَّهْو والسرور والاستراحة في رحلات الصيد التي كان يقوم بها في الصحراء الأردنية، وفي إحدى المرّات قام برحلة تنزُّهٍ إلى بيت رأس، وأخذ يلهو هناك مع جاريته حبابة، ويأكلان الرمّان والعنب، حتّى شَرِقَتْ هذه الجارية بحبّة عنب، فلفظت أنفاسها بين يدَيْه، فجُنَّ جنونه على موتها بهذه الصورة المُفجعة، فأبقاها ثلاث ليال وهو يشمُّها ويقبِّلها، ويذرف الدمع على فراقها، حتّى عاب عليه أقاربه وحاشيته ما يصنع، فأذن لهم بغسلها ودفنها في ثرى بيت رأس، ثمّ رجع إلى قصره في إربد، ومكث بعدها أربعين يوماً، ثم لفظ أنفاسه؛ حُزْناً عليها([13]).

طبعاً هذا لا ينفي أنّ فئةً من هؤلاء العبيد والجواري كانوا يعيشون حياة الذُّلّ والقهر والهوان على أيدي أسيادهم ممَّنْ نزع الله من قلوبهم كلَّ رحمةٍ وشَفَقة وإِحْسان.

هذا مضافاً إلى معاملة هذه الطبقة من الناس (العبيد والجواري) بما يندى له الجبين في مسألة اللباس، فقد كان المنافقون في المدينة يتحرَّشون بالإماء، ويتعرَّضون أحياناً لبعض الحرائر، ويحتجُّون بأنّهم لم يعرفوها، وظنُّوها من الإماء، فنزل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ (الأحزاب: 59)؛ تمهيداً لقطع دابر هذه العادة السيِّئة في المجتمع الإسلاميّ.

وليس في هذه الآية ما يشير إلى أنّ الأَمَة ليس لها أن تلبس الجلباب وتستر نفسها جيِّداً، ولْيَظُنَّها المنافقون من الحرائر، وليمتنعوا عن أذيَّتها([14]). ولو سلَّمنا أنّها منصرِفةٌ عن الإماء فإنَّما يكون ذلك من باب التشريع المتدرِّج؛ إذ إنّ العادات السائدة آنذاك لم تكن تسمح للإماء باللباس المحتشِم، ولكنْ مات النبيُّ-، وكان من المفترض أن يكمل مسيرة التبليغ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب%، ولكنّه أُبعِد عن الخلافة، وتسلَّمها مَنْ لم يكن كُفْؤاً لها، فأثبت العادة الجاهليّة، وأهمل حِكْمَةَ وروحيَّة التشريع، فكان الخليفة عمر بن الخطّاب يجول في طرقات المدينة يضرب الأَمَة التي تلبس الجلباب، وينهاها عن التشبُّه بالحرائر([15])، وتبعه على ذلك خلفاءُ بني أميّة([16]).

5ـ تقول الآية الكريمة: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ـ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ﴾. البعض يفسِّر هذه الآية أنّ الله ميَّز بين المسلم وغير المسلم. كيف تعلِّق؟

أبداً ليس في هذه الآية ما يشير إلى أنّ الله ميَّز المسلم عن غير المسلم في إنسانيَّته، وحقوقه، وواجباته، وإنَّما هو التمييز بالعمل الصالح، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المُنْكر، الذي هو الركن الأساس في صلاح المجتمعات البشريّة.

والتمييز بالصلاح أمرٌ فطريّ عقلائيّ، لا نقاش فيه، أليس هناك اليوم توصيفٌ بـ (المواطن الصالح) في مقابل المواطن غير الصالح)، فهل من ضَيْرٍ في هذا التمييز؟!

أنتم أيُّها المسلمون خيرُ أمّةٍ إذا أمرْتُم بالمعروف ونهيْتُم عن المُنْكر، وأمّا إذا لم تفعلوا فلن تكونوا خيرَ أمّةٍ.

وهكذا إذا التزم بعض المسلمين بهذه الفريضة، وضيَّعها آخرون، كما هو حال غالبيّة المسلمين اليوم، فالتميُّز هو للملتزِم. إذاً هناك تمييز بين المسلمين أنفسهم، وليست تمييزاً بين المسلم وغير المسلم فقط.

وإلى هذا المعنى تشير الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13).

وإليه أيضاً يشير النبيّ- في آخر خطبته في حِجَّة الوداع حيث قال: «أيُّها الناس، إنّ ربَّكم واحدٌ، وإنّ أباكم واحدٌ، كلُّكم لآدم، وآدم من تراب، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾، وليس لعربيٍّ على عجميٍّ فضلٌ إلاّ بالتقوى، ألا هل بلَّغْتُ؟» قالوا: نعم. قال: «فليبلِّغ الشاهد الغائب»([17]).

6ـ لا شكّ مولانا أنّه في مجتمعاتنا لم يعُدْ هناك عبيدٌ مملوكون، ولكنْ هناك مَنْ يقول: إنّ العبودية عادت إلى مجتمعاتنا ولكنْ بشكلٍ مقنَّع، وما يحدث مع خَدَم المنازل خيرُ دليل. هل يحقّ لربّة العمل أن تسجن الخادمة، وأن تمنعها من الاتّصال بأهلها، وأن تجبرها على العمل لساعاتٍ طويلة؟

هناك فرقٌ كبير بين العبيد والخَدَم.

العَبْد أو الجارية كلُّ طاقته مملوكةٌ لسيِّده، وفي أيّ وقتٍ، ولأيّ عملٍ كان، داخل البيت أو خارجه، في هذا البلد أو في غيره. وبالتالي هو لا يستطيع الاعتراض أو الاستنكاف عن القيام بأيِّ عملٍ يُطلَب منه، بل ربما كانوا يعرِّضونه لما فيه هلاكُه، ولا يستطيع الاعتراض بحَسَب نظام ذاك الزمان. طبعاً الإسلام يرفض ويدين ولا يسمح للعَبْد أن يُلقي بنفسه إلى التَّهْلُكة، وتسقط ولاية سيِّده عنه في هذه الحالة، و«لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالِق»([18]).

وأمّا الخادم أو الخادمة فإنّها تضع في تصرُّف المخدوم أو المخدومة بعضاً من طاقتها ووقتها وأعمالها، فهي خادمةٌ منزليّة لا يمكن الاستفادة منها في الزراعة أو الصناعة أو التجارة. وكذلك هي تعمل في النهار دون الليل، أو في هذا البيت دون غيره، ولها مُستَحقَّاتٌ تتقاضاها مقابل عملها ـ في حين أنّه ليس للعبد أو الجارية أيُّ مُستَحَقّات مقابل عملهم؛ فإنّ طاقتهم وجهدهم هو مِلْك لسيِّدهم، وما ينتج عنهما مِلْكٌ للسيِّد أيضاً ـ، وتستطيع الخادمة فسخ عقد الإجارة إذا لم يلتزم المخدوم بالشروط المتَّفَق عليها، كما أنّ عقد العمل ينتهي في أوانٍ محدَّد، ولا يحقّ لمخدومها أن يستفيد منها بعد ذلك.

إذاً هما مختلفان تماماً، ولا مجال للمُقايسة بينهما، إلاّ من ناحية الظُّلْم الذي قد تتعرَّض له هذه الفئات الاجتماعيّة المُستَضْعَفة من قِبَل بعض الذين لا يلتزمون بتشريعٍ أو قانون، فيظلمونهم حقوقهم، ويَقْسُون عليهم، ويمتهنون كرامتهم، وينظرون إليهم نظرةً استعلاءٍ وكِبْر وفَخْر.

7ـ الإسلام حثَّ على عتق رقبة وتحرير العبيد كبديلٍ للكفّارة أو نذر. اليوم لم يعُدْ هناك عبيدٌ بالمعنى التقليدي، هل عتق الرقبة ينطبق على خَدَم المنازل مثلاً؟

لقد أوجب الإسلام في بعض الكفّارات ـ ككفّارة القتل الخطأ ـ أن يعتق الإنسان رقبةً مؤمنة، وفي بعضها ـ ككفّارة الظهار وحَنْث اليمين ـ عتق رقبةٍ. وبعد الذي تقدَّم من التفريق بين نظام مِلْك اليمين ونظام الخِدْمة يتَّضح أنّه لا مجال أبداً للقول بأنّ الخادم أو الخادمة تمثِّل رقبةً مملوكة يمكن عتقها؛ استجابةً للأمر الإلهيّ حيث كان. فالخادم والخادمة أجيران يبذلان طاقتهما بمقابلٍ، وفي عقد الإجارة يتحدَّد مقدار الطاقة (من خلال تحديد طبيعة العمل)، ومقدار الأجرة، وزمان العمل، ومكان العمل، وبالتالي لا يملك منهما المُسْتأجِر إلاّ عملهما وفق المحدَّد في العقد، ولا يملك رقبتهما، وبالتالي لا معنى للحديث عن عِتْق الرقبة، إذ «لا عتق إلاّ بعد مِلْك»([19]).

8ـ الإسلام كان أوّل مَنْ كافح العنصرية، وقولُ رسولنا الأكرم: «لا فرق بين أعرابيّ [عربيّ] وأعجميّ إلاّ بالتقوى» حديثٌ واضح وصريح. ولكنّ البعض يتّهم الإسلام بأنّه لم يساوِ بين المسلمين وغير المسلمين في الحقوق والواجبات. كيف تردّ على هؤلاء؟

هذه تهمةٌ باطلة، فغير المسلمين عاشوا في كَنَفهم لفترةٍ طويلة من الزمن، فاليهود عاشوا في كنف الدولة الإسلاميّة في المدينة المنوَّرة بقيادة رسول الله الأكرم محمد-، وكانوا يتمتَّعون بكافّة الحقوق الاجتماعيّة والإنسانيّة التي يتمتَّع بها المسلمون آنذاك، ولم يتعرَّض لهم أحدٌ بسوءٍ، إلى أن اقترفوا إثماً وخطيئةً كُبرى لا تُغتَفَر، وهي الخيانة الوطنيّة، حيث أغرَوْا مُشْركي مكّة بغزو المدينة، وساعدوهم في معركة الأحزاب، التي انتصر فيها المسلمون بعد شدّةٍ وضيق، فقرَّر النبيّ- حينها أن يطرد اليهود من المدينة وما حولها.

وهكذا كان كثيرٌ من أهل الكتاب يعيشون في أوساط المسلمين في عهد الخلفاء الأوائل، وما كانوا يَجِدون ما يزعجهم، أو يمتهن كرامتهم، أو يُشْعرهم بالظُّلْم والقَهْر.

وهكذا يحدِّثنا التاريخ عن أمير المؤمنين% أنَّه وجد درعاً له عند يهوديٍّ أو نصرانيّ فقاضاه إلى قاضي المسلمين (شُرَيْح)، فحكم بينهما كما يقضي بين مسلمَيْن، ولم يلحَظْ أنّ أحدهما مسلمٌ والآخر غير مسلم، ولا أنّ أحدهما خليفةُ المسلمين والآخر واحدٌ من أهل الكتاب([20]).

وأمّا مسألة الجزية فإنّ لها ظروفها وأسبابها، وهي ضريبةٌ تُدفَع في مقابل أمورٍ يُعْفَى منها غيرُ المسلم، وأهمُّها أنّه لا يخرج للقتال إلى جانب المسلمين في حروبهم مع غير المسلمين؛ وذلك توقِّياً من مَيْله العاطفيّ نحو قومه أو أهل ديانته، فيكون كالشَّوْكة في خاصرة المسلمين، ويصيب منهم مَقْتَلاً. ولهذا أُسقط عنه هذا الفَرْض ـ وهو الجهاد ـ في مقابل أن يساهم في حماية البلد والمجتمع الذي يحيا في كَنَفه بماله، وأمّا المسلمون فإنَّهم يساهمون في ذلك بأنفسهم وأموالهم([21])، فأيُّ تمييزٍ في المقام؟!([22]).

وأمّا ما قد نعثر عليه في فتاوى بعض الفقهاء هنا وهناك، كما أنّه لا يجوز لهم أن يعلُوا ببنيانهم على بناء جارهم المسلم، أو أنّه يجب أن يلبسوا زِيّاً خاصّاً بهم، أو أن يسيروا في طَرَفٍ من الطريق دون الطَّرَف الآخر، أو أن يجلسوا على الدوابّ عَرْضاً، وليس بشكلٍ مستوٍ([23])، فهذه كلُّها سَقَطات وقع فيها الفقهاء، بعيداً عن رُوحِيَّة الإسلام وأخلاقيّاته.

9ـ وأد البنات من العادات السيِّئة في زمن الجاهلية، والتي قضى عليها الإسلام. ولكنَّ التمييز ضدّ المرأة، والنظرة العنصرية تجاهها، لا زالت موجودةً على الرغم من القيمة التي أعطاها الإسلام للمرأة، وهناك أحاديث كثيرة يتداولها الناس عن المرأة: النساء ناقصات عقلٍ ودين، وغيرها من الأحاديث التي لا ندري مدى صحّتها، ما رأيك؟

لا شكّ ولا رَيْب في أنّ الإسلام أعاد للمرأة الكثير من مكانتها الاجتماعيّة التي كانت محرومةً منها في العصور السابقة، بل وفي الديانات السابقة ـ المحرَّفة طبعاً ـ، فالإسلام نظر إليها ككائنٍ اجتماعيّ فاعل ومؤثِّر، ويشكِّل نصف المجتمع، بل ربما يمكن القول: إنّه يشكِّل النصف الأهمّ في المجتمع؛ إذ لولا دور المرأة في تربية الأجيال لما أمكن لنا أن نجد مجتمعاً بشريّاً متماسكاً، وقابلاً للحياة.

لن أخوض في الحديث طويلاً عن نظرة الديانات المحرَّفة، والتي سبَقَتْ الإسلام، إلى المرأة، حيث اعتبروها نجسةً في أيّامٍ خاصّة، وهي أيّام عادتها الشهريّة([24])، وكذلك لا يَرَوْن لها حقّاً في الحديث والسؤال عن أحكام دينها في المحافل الدينيّة العامّة (في الكنائس)([25]).

وإنّما يهمّني أن أقف قليلاً أمام ما يُروى عن النبيّ- أنّه قال: «ما رأيتُ من ناقصات عقلٍ ودين أغلب لذي لُبٍّ منكنَّ»([26])، أو ما يُروى عن أمير المؤمنين% أنّه قال: «إنّ النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول»([27]).

حيث لا نستبعد أن يكون ما رُوي عن النبيّ-، أو عن أمير المؤمنين%، هو من وضع بعض الفاسدين الذين أرادوا الإساءة للإسلام، وإلاّ فما معنى نقصان الدين؟! وهل تترك المرأة الصلاة والصوم في أيّام حيضها أو نفاسها ـ وهما من أسرار الخِلْقة الإلهيّة، ولا تفقدهما إلاّ مريضةٌُ ذاتُ عاهةٍ ـ إلاّ امتثالاً لأمر الله، وتقرُّباً إليه؛ حيث يحرم عليها أن تأتي بالصلاة ولو رغبَتْ فيها، تماماً كما يحرم على الجُنُب وغير المتوضِّئ، سواءٌ كان رجلاً أم امرأةً، أن يدخل في الصلاة قبل تحصيل الطهارة؟! وهل يستطيع الرجل المسافر أن يصوم قربةً إلى الله تعالى؟! إنَّه لا يصحّ منه، بل يحرم عليه، ويأثم لفعله؛ لأنَّه أُمر بالإفطار، وما عليه سوى الامتثال، فكذلك المرأةُ أُمرَتْ بالإفطار؛ تخفيفاً عليها في حالات معيَّنة، فعليها الالتزام، وهذا من تمام التديُّن وكمال الإيمان.

وإذا كان الحيضُ نقصاً في دين المرأة فهل أنّ تأخُّر سنّ اليأس عند العلويّة ـ وهو يتأخَّر إلى 60 سنة، كما يراه بعض الفقهاء ـ يوجب طول فترة نقصان دينها؟! وهل في هذا تكريمٌ ومدحٌ لبنات رسول الله(ص) أو إهانةٌ وذمٌّ لهُنَّ؟! وهل يكون غيرُهُنَّ أفضلَ منهُنَّ في هذا المجال. مع الإشارة إلى أنَّنا نرفض هذا التمايز بين النساء، كما الرجال. ولا فضل إلاّ بالتقوى، كما هو صريح القرآن الكريم: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13).

ولو تأوَّلنا نقصان الدين بأنّ كثيراً من النساء لا يلتفتْنَ إلى ما يجب عليهنَّ من قضاء صلوات قد فاتَتْهُنَّ قبل أن يطرقهنَّ الحيض، كما لو أنّها حاضت بعد مضيّ وقتٍ يتَّسع لصلاة الظهر مثلاً، فإنّه يجب عليها أن تقضي هذه الصلاة (صلاة الظهر) بعد طهرها، فمَنْ تفعل ذلك؟!؛ أو أنّهنَّ لا يستطِعْنَ تحديد نهاية الحيض بدقّة، فتفوتهنَّ بعض الصلوات، ولا يقضينَها؛ ظنّاً أنّهنَّ كنَّ معذورات؛ بسبب الحيض؛ أو ينسَيْنَ عدد أيّام حيضهنَّ فيقضينَ أيّاماً غير مضبوطةٍ، ويفوتهنَّ قضاءُ الأيّام الأُخَر، أو يؤخِّرْنَ القضاء إلى أن يأتي شهر رمضان، وهذا معصيةٌ وذنبٌ، ويترتَّب عليه الإثْم والوِزْر؛ وهكذا…، فما معنى نقصان العقل؟! وهل أنّ الرجل ناقص العقل حيث لم يُقبل منه في الشهادة على الزِّنا إلاّ بأربعةٍ، وليس باثنين؟! وكيف تُقبَل شهادة المرأة ناقصة العقل منفردةً في مواضع، كالعُذْرة، وعيوب النساء، والولادة، والاستهلال (خروج الولد من رحم أمِّه حيّاً صائحاً)، والرِّضاع؟!

وما معنى نقصان الحَظّ؟! وهل يبقى لرجلٍ من المال الذي يصل إليه ـ بعد أنْ كانت نفقة البيت الزوجيّ عليه ـ بمقدار ما يبقى للزوجة التي لم تُكلَّف شيئاً من النَّفقات؟!

للأسف إنّها أحاديث غير صحيحةٍ، بل لا يساورنا الشكُّ في أنَّها موضوعةٌ مكذوبة، ومع ذلك يتمسَّك بها بعض الناس؛ للترويج لبعض الأفكار الخاطئة عن الدِّين، ونظرته إلى المرأة في المجتمع الإسلاميّ، ولكنَّ الدِّين من ذلك كلِّه براءٌ.

10ـ اليوم في مجتمعاتنا هناك البعض مَنْ يتعامل بعنصريّة مع الخَدَم (يمنعونهم من الأكل معهم، يضعون لهم أطباقهم وملابسهم الخاصّة، حتّى أماكن نومهم)، ألا يصنَّف هذا التصرُّف في إطار العنصريّة؟ وهل يجوز شرعاً التعامل معهم بهذه الطريقة؟

إنّها من سنن أهل الجاهليّة، الذين كانوا يتصرَّفون بهذه العنصريّة مع مماليكهم، ومنشأ هذا الأمر هو الكِبْر والاستعلاء والفَخْر، وإلاّ فإنّ المسلم حقّاً، وهو الذي ينظر إلى الناس كما وصفهم أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب% فقال: «الناس صنفان: أخٌ لك في الدين؛ أو نظيرٌ لك بالخلق»([28])، لا تصدر عنه مثل هذه التصرُّفات المُشينة.

وقد كان أئمّة أهل البيت( القدوة للناس في التعامل الطيِّب مع مماليكهم، حتّى عُدَّ ذلك من أوصاف مولانا أبي الحسن الرضا% المشهورة، حيث جاء في ما وصفه به أحد أصحابه: «وإذا خلا ونصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه، حتّى البواب والسائس»([29]).

11ـ يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ـ صدق الله العظيم﴾. ولكنْ في مجتمعاتنا البعض ينادي الأشخاص بلونهم أو جنسيّتهم: (أسود) أو (سوري)، كيف ينظر الإسلام إلى هذا الأمر؟ ومسؤوليّة مَنْ القضاء على هذا التمييز؟

الواضح من الآية الكريمة تحريمُها للسُّخْرية واللَّمْز والتنابز بالألقاب المُسيئة وغير المَرْضِيَّة، واعتبارُها من مُسْقِطات العدالة، وصيرورة مرتكبها فاسقاً. وعليه ينبغي للمؤمن العاقل أن يُقلع عن هذه العادات التي حرَّمها الإسلام؛ حِفْظاً لكرامات الناس واحترامهم، كما أنّ مثل هذه الأمور التي يُعابون بها عادةً ليست من صُنْع أيديهم، وليست تحت إرادتهم، فمَنْ تولَّد أَسْوداً أو أسمراً أو شديد البياض، أو ذا شعرٍ أحمر أو مجعَّد، أو في هذا البلَدَ أو ذاك، ما هو دورُه في هذا الأمر؟! ليس له دورٌ في ذلك على الإطلاق. بل حتَّى ولد الزنا (ابن الحرام) لا علاقة له بما فعله أبواه من الخطيئة، وبالتالي لا يجوز تعييره بهذا الأمر، وهذه قِيَمٌ وتعاليم متَّفقٌ عليها في كافَّة الديانات السماويّة المُحِقّة، حيث يقول عزَّ وجلَّ: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَنْ لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى﴾ (النجم: 36 ـ 41).

كما أنّ على العاقل الفَطِن أن يسأل نفسه: أليس الذي ابتلى هذا الشخصَ بهذا الأمر ـ على فرض كونه عَيْباً أو نَقْصاً ـ قادرٌ على ابتلائه هو نفسه بذلك؟

ماذا لو أصيب بحروقٍ فتغيَّر لونُ بشرته الجميل؟

وماذا لو تبدَّلت ظروف بلاده فأصبح أهلُها فقراء مغلوبين على أمرهم يسألون الناس إلحافاً؟ وماذا؟ وماذا؟…

على الإنسان العاقل أن يتفكَّر في هذه الامور كلِّها، وحينها سيصل إلى نتيجةٍ قطعيّة مفادُها أنّه لا يحقُّ له، وليس من صالحه، أن يسخر من هذا أو ذاك.

وعليه فإنّ الطريق الوحيد للتخلُّص من هذا التمييز هو في تنمية الثقافة الدينيّة الصحيحة في نفوس أفراد المجتمع كافّةً، على اختلاف مشاربهم وطبقاتهم، وهكذا نضع حدّاً نهائياً لمثل هذه الممارسات غير المسؤولة.

وتنمية الثقافة الدينيّة هي من المَهَمّات الأساسيّة لعلماء الدين في حركتهم لتبليغ رسالة السماء لأهل الأرض، وإنْ كان يمكن للناس تحصيلها بجهدهم الشخصيّ، ولكنَّه يتطلَّب وقتاً وجُهْداً كبيرين، ولا يبذلهما الناس في غالب الأحيان.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) محمد بن سعد، الطبقات الكبرى 2: 22.

([2]) محمد بن سعد، الطبقات الكبرى 8: 117.

([3]) يقول الشهيد الثاني في شرح اللمعة الدمشقيّة 6: 229 ـ 230: وإليك الإشارة إلى بعض القوانين التي سنَّها الإسلام في سبيل تحرير العبيد: قانون (عتق الصدقة)، قال الرسول الأعظم-: «مَنْ أعتق رقبةً مؤمنة كانت فداؤه من النار»؛ قانون (عتق الكفارة): كفّارة الظهار، كفّارة الإيلاء، كفّارة الإفطار، كفّارة خُلْف النذر، أو العهد، أو اليمين، كفّارة الجزع المحرَّم في المصاب، كفّارة ضرب العبد، كفّارة القتل؛ قانون (الخدمة): إذا خدم العبد المؤمن مولاه سبع سنين فهو حُرٌّ؛ قانون (الإقعاد والعمى والجذام): إنها أسبابٌ قهريّة لانعتاق الرقيق؛ قانون (الاستيلاد)؛ قانون (التدبير)؛ قانون (الكتابة) المشروطة والمطلقة؛ قانون (السراية)، أي سراية العتق إلى بقيّة أجزاء العبد لو عُتِق منه بعضه؛ قانون (تملُّك الذكر أحد العمودين أو المحارم من النساء)؛ قانون (تملُّك الأنثى أحد العمودين)، قانون (إسلام المملوك قبل إسلام مولاه)؛ قانون (تبعية أشرف الأبوين)؛ قانون (التنكيل).

([4]) راجِعْ: الصحيفة السجادية (أبطحي): 285 ـ 287.

([5]) راجِعْ: صراط النجاة 1: 306:

سؤال 819: نساء الكافر الحربيّ هل يجوز استرقاقهنّ دون إجازة الحاكم الشرعي؟ وهل يجوز وطؤهنّ قبل أن يسلمن؟ ولو اشترى أو امتلك جاريةً غير مسلمة هل يجوز له وطؤها؟

الخوئي: عمل الاسترقاق لا يحصل إلاّ بالاستيلاء والسيطرة الكاملة، ولا يتحقَّق بالقصد المجرد، والله العالم. التبريزي: يضاف إلى جوابه!: وكما لا يحصل الاسترقاق بالقصد كذلك لا يحصل بالتراضي والتوافق.

وراجِعْ أيضاً: صراط النجاة 1: 449 ـ 450:

سؤال 1254: التأشيرة أو (كارت) الزيارة أو الإقامة الدائمة التي تعطيها سفارة الدولة الإسلامية للكافر الذي يأتي إلى بلاد الإسلام هل تعتبر عهداً، بحيث لا يجوز استرقاقه؟

الخوئي: لا تعتبر عهداً.

التبريزي: يعتبر كافراً مستأمِناً، فلا يجوز الاعتداء عليه.

سؤال 1255: ما المقصود بالحربيّ، أهو الذي يقاتل في الميدان أم مطلق الكافر، سواء كان يقاتل أم لا، أم مراده كافر من الدولة الكافرة؟

الخوئي: مطلق الكافر الأصلي الذي لم يتعهَّد بدفع الجزية.

سؤال 1256: هل المقصود بدار الحرب بلاد غير إسلامية، وبدار الإسلام بلاد إسلامية، أم لدار الحرب معنى آخر، فما هو؟

الخوئي: نعم المقصود بدار الحرب بلاد غير إسلامية.

التبريزي: المراد بدار الحرب دار الكفّار الذين لم يلتزموا بشرائط الذمّة.

وراجع أيضاً: صراط النجاة 1: 535:

سؤال 1668: هل يمكن أن نعدّ نساء أهل الكتاب في بلدهم ( بلد الكفر ) من الإماء؟

التبريزي: في مفروض السؤال لا تعدّ من الإماء، والله العالم.

([6]) قال القاضي النعمان في شرح الأخبار: 266 ـ 267، في أحوال الإمام عليّ بن الحسين’: «واختلفوا في أمّه، فقال بعضهم: كانت سنديّة. وقال آخرون: تسمّى جيدة. وقال بعضهم: كانت تسمّى سلامة. وقال ابن الكلبي: ولّى عليّ بن أبي طالب% الحريث بن جابر الحنفيّ جانباً من المشرق، فبعث إليه ببنت يزدجرد شهرياران بن كسرى، فأعطاها عليٌّ% ابنه الحسين%، فولدت منه عليّاً. وقال غيره: إنّ حريث بن جابر بعث إلى أمير المؤمنين ببنتَيْ يزدجرد بن شهرياران بن كسرى، وأعطى واحدة منهما ابنه الحسين%، فأولدها عليّ بن الحسين، وأعطى الأخرى محمد بن أبي بكر، فأولدها قاسم بن محمد بن أبي بكر، فهما ابنا خالة».

وقال الكليني في الكافي 1: 476، باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر’؛ والمفيد في المقنعة: 476، باب نسب أبي الحسن موسى بن جعفر’: «وأمّه أمّ ولد، يقال لها: حميدة البربريّة».

وقال الكليني في الكافي 1: 486، باب مولد أبي الحسن الرضا%؛ والمفيد في المقنعة: 479، باب نسب أبي الحسن عليّ بن موسى’: «وأمّه أمّ ولد، يقال لها: أمّ البنين».

وقال الكليني في الكافي 1: 492، باب مولد أبي جعفر محمد بن عليّ الثاني [الجواد]%: «وأمّه أمّ ولد، يقال لها: سبيكة، نوبيةٌ، وقيل أيضاً: إنّ اسمها كان خيزران، ورُوي أنّها كانت من أهل بيت ماريّة أمّ إبراهيم ابن رسول الله-»؛ وقال المفيد في المقنعة: 482، باب نسب أبي جعفر محمد بن عليّ بن موسى%: «وأمّه أمّ ولد، يقال لها: الخيزران، وكانت من أهل بيت ماريّة القبطيّة رحمة الله عليها».

وقال الكليني في الكافي 1: 498، باب مولد أبي الحسن عليّ بن محمد’؛ والمفيد في المقنعة: 485، باب نسب أبي الحسن عليّ بن محمد’: وأمّه أمّ ولد، يقال لها: سمانة.

وقال الكليني في الكافي 1: 503، باب مولد أبي محمد الحسن بن عليّ’؛ والمفيد في المقنعة: 485، باب نسب أبي محمد الحسن بن عليّ’: «وأمّه أمّ ولد، يقال لها: حديث». وأضاف الكليني: «وقيل: سوسن».

([7]) رواه الصدوق في الخصال: 539، عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن عثمان بن عيسى، عمَّنْ ذكره، عن أبي عبد الله% قال: «مَنْ اتَّخذ جارية فلم يأتِها في كلّ أربعين يوماً كان وِزْرُ ذلك عليه».

وروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه 3: 451، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبي البختري وهب بن وهب القاضي القرشي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه’ قال: قال عليّ بن أبي طالب%: «مَنْ اتَّخذ من الإماء أكثر ممّا يَنْكِح أو يُنْكِح فالإثْمُ عليه إنْ بغَيْنَ».

([8]) قال ابن حجر العسقلاني في الإصابة في تمييز الصحابة 1: 455 ـ 456: «…وهو بلال ابن حمامة، وهي أَمَةٌ، اشتراه أبو بكر الصدِّيق من المشركين؛ لما كانوا يعذِّبونه على التوحيد، فأعتقه…، قال ابن إسحاق: كان لبعض بني جُمَح مولَّد من مولَّديهم، واسم أمه حمامة، وكان أمية بن خلف يُخرجه إذا حَمِيَتْ الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكّة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثم يقول: لا يزال على ذلك حتّى يموت أو يكفر بمحمّد، فيقول، وهو في ذلك: أحدٌ أحدٌ، فمرَّ به أبو بكر، فاشتراه منه بعبدٍ له أسود جَلِد».

وقال ابن الأثير في الكامل في التاريخ 2: 66: «فمنهم: بلال بن رباح الحبشي، مولى أبي بكر، وكان أبوه من سبي الحبشة، وأمّه حمامة سبيّة أيضاً، وهو من مولَّدي السراة، وكنيته أبو عبد الله، فصار بلال لأمية بن خلف الجُمَحيّ».

وقال ابنُ سعد في الطبقات الكبرى 3: 232: «مولى أبي بكر، ويكنى أبا عبد الله، وكان من مولَّدي السراة، واسم أمّه حمامة، وكانت لبعض بني جُمَح».

وقال ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق: 10: 435: «من مولَّدي السراة من أهل مصر [ولعلّها: الشام]، من موالي بني تيم».

([9]) حيث أورد الدِّمْيَري في حياة الحيوان 1: 72 أنّ زبيدة لاعبَتْ الرَّشيد بالشطرنج على الحُكْم والرِّضا، فغلبَتْه، فحكَمَتْ عليه أن يطأ أقبح وأقذر وأشوه جاريةٍ في المطبخ، فبذل لها خراج مصر والعراق لتُعفيه من ذلك، فلم تقبَلْ، ولم تجِدْ جاريةً تجمع الصفات المذكورة غير (مراجل)، فطلبَتْ إليه أن يطأها، فولَدَتْ المأمون العبّاسي، وقد ماتت بعد ولادتها إيّاه، وهي ما تزال نفساء، فنشأ يتيم الأمّ.

([10]) قال الطوسي في التبيان في تفسير القرآن 8: 346، في تفسير قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ (الأحزاب: 40): نزلت في زيد بن حارثة؛ لأنّهم كانوا يسمّونه: زيد بن محمد.

وفي تفسير مقاتل بن سليمان 3: 46 ـ 47: وكان زيدٌ أعرابيّاً في الجاهلية، مولى في الإسلام، وكان أصابه النبيّ- من سبي أهل الجاهليّة، فأعتقه، وتبنّاه.

([11]) ففي الصحيفة السجادية (أبطحي): 285 ـ 287: عن محمد بن عجلان قال: سمعت أبا عبد الله% يقول: كان عليّ بن الحسين’ إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبداً له، ولا أمة، وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده: أذنب فلان، أذنبت فلانة، يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه، فيجتمع عليهم الأدب، حتّى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم، وجمعهم حوله، ثم أظهر الكتاب، ثم قال: يا فلان، فعلت كذا وكذا، ولم أؤدِّبْك، أتذكر ذلك؟ فيقول: بلى، يا ابن رسول الله، حتّى يأتي على آخرهم، ويقرِّرهم جميعاً، [ثمّ يدعو معهم بدعاءٍ خاصّ] ثم يقبل عليهم، ويقول: قد عفوتُ عنكم، فهل عفوتم عنّي وممّا كان منّي إليكم من سوء ملكة؟ فإنّي مليك سوء لئيم ظالم، مملوك لمليكٍ كريم جواد عادل محسن متفضِّل، فيقولون: قد عفَوْنا عنكَ، يا سيدنا، وما أسأْتَ، فيقول% لهم: قولوا: اللهمَّ اعفُ عن عليّ بن الحسين كما عفا عنّا، وأعتِقْه من النار كما أعتق رقابنا من الرِّقّ، فيقولون ذلك، فيقول%: اللهمَّ آمين، يا ربَّ العالمين، اذهبوا فقد عفَوْتُ عنكم، وأعتَقْتُ رقابكم؛ رجاءً للعفو عنّي، وعتق رقبتي، فيعتقهم، فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تصونهم، وتغنيهم عمّا في أيدي الناس…الحديث.

([12]) القاضي النعمان في شرح الأخبار 3: 259 ـ 260.

)[13](http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%A9_%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83 .(بتاريخ: السبت 15 / 11 / 2014م، الساعة: 5.01 مساءً)

([14]) خلافاً لما ذُكر في بعض التفاسير من أنّ لبس الجلباب للأَمَة غير المتزوِّجة مكروهٌ، كما رواه ابن أبي حاتم الرازيّ في تفسيره، عن أبيه، عن أبي صالح، عن الليث، عن يونس بن يزيد، عن الزهري: هل على الوليدة خمارٌ، متزوِّجة أو غير متزوجة؟ قال: عليها الخمار إنْ كانت متزوِّجة، وتُنهى عن الجلباب؛ لأنّه يُكرَه لهنَّ أن يتشبَّهْنَ بالحرائر، إلاّ محصَناتٍ: وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ﴾.

([15]) رواه عبد الرزّاق الصنعاني في المصنَّف 3: 135 ـ 137؛ وابن أبي شيبة الكوفي في المصنَّف 2: 134 ـ 135؛ والمتَّقي الهندي في كنز العمّال 15: 486 ـ 487.

([16]) أورد ابنُ سعد في الطبقات الكبرى 5: 381 أنّ عمر بن عبد العزيز كتب أن لا تلبس أَمَةٌ خماراً، ولا يتشبَّهْنَ بالحرائر.

نعم، روى أحمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن 2: 318، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حمّاد بن عثمان، عن حمّاد اللحّام، قال: سألتُ أبا عبد الله% عن المملوكة تقنِّع رأسها إذا صلَّتْ؟ قال: «لا، قد كان أبي إذا رأى الجارية تصلّي في مقنعةٍ ضربها؛ لتعرف الحرّة من المملوكة».

وروى الصدوق في علل الشرائع 2: 345 ـ 346، عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن حمّاد الخادم، عن أبي عبد الله% قال: سألتُه عن الأمة تقنِّع رأسها في الصلاة قال: «اضربوها؛ حتّى تعرف الحرّة من المملوكة».

وروى أيضاً عن أبيه، عن عليّ بن سليمان الرازي، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن حمّاد بن عثمان، عن حمّاد الخادم قال: سألتُ أبا عبد الله% عن المملوكة تقنِّع رأسها إذا صلَّتْ؟ قال: «لا، قد كان أبي% إذا رأى الخادمة تصلّي مقنَّعةً ضربها؛ لتعرف الحرّة من المملوكة».

ولو سلَّمنا صحّة هذه الروايات، بعد الذي ورد فيها من أنّ الإمام% كان يضربها أو يأمر بضربها لمجرَّد هذه المخالفة، وهو ما لا نتصوَّره من أهل البيت(، فإنّنا نلاحظ اختصاصها بحال الصلاة، ولعلّ بعض الإماء كُنَّ يفعلنَ ذلك ويُطِلْنَ في صلاتهنَّ؛ تهرُّباً من العمل، فنُهينَ عن التشبُّه بالحرائر في الصلاة، وأمّا في غير الصلاة، ولا سيَّما خارج المنزل، فيُترَك لها الخيار، وهو ما نقله الشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 3: 10، عن عليّ بن إسماعيل الميثمي في كتابه، عن أبي خالد القمّاط، قال: سألتُ أبا عبد الله% عن الأَمَة، أتقنِّع رأسها؟ فقال: «إنْ شاءَتْ فعلَتْ، وإنْ شاءَتْ لم تفعَلْ، سمعْتُ أبي يقول: كُنَّ يُضْرَبْنَ، فيُقال لهنَّ: لا تشبَّهْنَ بالحرائر».

فإنْ لم تتقنَّع؛ خَوْفاً من الضرب والقصاص، فلا إثم عليها؛ وإنْ تقنَّعَتْ فذلك أسترُ لها، وأصونُ لعفَّتها، وأوفقُ بالشريعة التي دَعَتْ الرجال إلى غضِّ البصر، فلا بُدَّ من تأمين الأجواء المساعِدة عليه، بإعدام الدواعي إلى الفساد، وأيُّ داعٍ أعظم من أن تبرز الإماء كاشفات الشعور والصدور، فتثير الرجال وتغريهُنَّ بالمُنْكر، وقد روى محمد بن جرير الطبريّ في دلائل الإمامة: 253 ـ 254، عن أبي الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمّي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن إبراهيم بن محمد الأشعري، عن أبي كهمس، قال: «كنتُ بالمدينة، نازلاً في دارٍ، وفيها وصيفةٌ تعجبني، فانصرفتُ ليلةً ممسياً، فاستفتحْتُ الباب، ففتَحَتْ لي الجارية، فمدَدْتُ يدي إلى ثديَيْها، فقبَضْتُ عليهما، فلمّا كان من الغد دخلتُ على أبي عبد الله% فقال: يا أبا كهمس، تُبْ إلى الله عزَّ وجلَّ ممّا صنعْتَ البارحة».

وروى أيضاً عن أبي الحسن عليّ بن هبة الله، عن أبي جعفر [محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمّي]، عن عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ، عن أبيه، عن أحمد بن عبد الله، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن مهزم، قال: «كنّا نزولاً بالمدينة، وكانت جاريةٌ لصاحب الدار تعجبني، وإنّي أتيت الباب فاستفتَحْتُ، ففتَحَتْ الجارية، فغمَزْتُ يديها [ثديها]، فلما كان من الغد دخلتُ على أبي عبد الله% فقال: يا مهزم، أين كان أقصى أثرك اليوم؟ فقلتُ: ما برحْتُ المسجد. فقال: أَوَما تعلم أنّ أمرَنا لا يُنال إلاّ بالورع؟!».

([17]) رواه ابن شعبة الحرّاني في تحف العقول: 34، مرسلاً مرفوعاً.

وقال المفيد في الاختصاص: 341: بلغنا أن سلمان الفارسي, دخل مجلس رسول الله- ذات يومٍ، فعظَّموه وقدَّموه وصدَّروه؛ إجلالاً لحقِّه، وإعظاماً لشيبته واختصاصه بالمصطفى وآله، فدخل عمر، فنظر إليه، فقال: مَنْ هذا العجميّ المتصدِّر فيما بين العرب؟! فصعد رسول الله- المنبر، فخطب، فقال: «إنّ الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المِشْط، لا فضل للعربيّ على العجميّ، ولا للأحمر على الأسود، إلاّ بالتقوى…».

وروى أحمد في المسند 5: 411، عن إسماعيل، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عمَّنْ سمع خطبة رسول الله- في وسط أيام التشريق، فقال: «يا أيُّها الناس، ألا إنّ ربَّكم واحد، وإنّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلاّ بالتقوى». وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 3: 266: «رواه أحمد، ورجالُه رجال الصحيح».

([18]) نهج البلاغة 4: 42؛ ورواه الصدوق في الأمالي: 452 (حديث الحقوق)، عن عليّ بن أحمد بن موسى، عن محمد بن جعفر الكوفي الأسدي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن عبد الله بن أحمد، عن إسماعيل بن الفضل، عن ثابت بن دينار الثمالي، عن سيد العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب(؛ ورواه الصدوق أيضاً في الخصال: 139، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سُلَيْم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين عليّ%؛ ورواه الصدوق أيضاً في الخصال: 567 (حديث الحقوق)، عن عليّ بن أحمد بن موسى، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، عن خيران بن داهر، عن أحمد بن عليّ بن سليمان الجبلي، عن أبيه، عن محمد بن عليّ، عن محمد بن فضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين’؛ ورواه ابن أبي شيبة الكوفي في المصنَّف 7: 737، عن وكيع، عن مبارك، عن الحسن، عن رسول الله-.

([19]) رواه الكليني في الكافي 6: 179، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله% قال: قال رسول الله-: لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك.

ورواه أيضاً عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن مسمع أبي سيار، عن أبي عبد الله% قال: قال رسول الله-: لا عتق إلاّ بعد ملك.

ورواه الصدوق في الأمالي: 461، عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن منصور بن حازم؛ وعليّ بن إسماعيل الميثمي، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله الصادق، عن آبائه(، قال: قال رسول الله-: لا رضاع بعد فطام، ولا وصال في صيام، ولا يتم بعد احتلام، ولا صمت يوم إلى الليل، ولا تعرُّب بعد الهجرة، ولا هجرة بعد الفتح، ولا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك، ولا يمين لولدٍ مع والده، ولا لمملوكٍ مع مولاه، ولا للمرأة مع زوجها، ولا نذر في معصية، ولا يمين في قطيعة.

([20]) رواه البيهقي في السنن الكبرى 10: 136، عن أبي الحسن بن عبدان، عن أحمد بن عبيد، عن أحمد بن عليّ الخزاز، عن أسيد بن زيد الجمّال، عن عمرو بن شمر؛ وعن أبي زكريا بن أبي إسحاق المزكّى، عن أبي محمد ابن الخراساني، عن محمد بن عبيد بن أبي هارون، عن إبراهيم بن حبيب، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبي قال: خرج عليّ بن أبي طالب, إلى السوق، فإذا هو بنصرانيّ يبيع درعاً، قال: فعرف عليٌّ, الدرع، فقال: هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين، قال: وكان قاضي المسلمين شريح، كان عليٌّ, استقضاه، قال: فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس القضاء، وأجلس عليّاً, في مجلسه، وجلس شريح قدّامه إلى جنب النصرانيّ، فقال له عليّ,: أما يا شريح لو كان خصمي مسلماً لقعدْتُ معه مجلس الخصم، ولكنّي سمعْتُ رسول الله- يقول: لا تصافحوهم، ولا تبدؤوهم بالسلام، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تصلّوا عليهم، ولجوهم إلى مضايق الطريق، وصغِّروهم كما صغَّرهم الله، اقْضِ بيني وبينه يا شريح، فقال شريح: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: فقال عليٌّ,: هذه درعي، ذهبَتْ منّي منذ زمان، قال: فقال شريح: ما تقول يا نصرانيّ؟ قال: فقال النصرانيّ: ما أكذِّب أمير المؤمنين، الدرع هي درعي، قال: فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده، فهل من بيِّنةٍ؟ فقال عليٌّ,: صدق شريح، قال: فقال النصرانيّ: أما أنا أشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه، هي والله يا أمير المؤمنين درعك، أتّبعتك من الجيش وقد زالت عن جملك الأورق، فأخذتُها، فإني أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، قال: فقال عليٌّ,: أما إذا أسلمْتَ فهي لك، وحمله على فرسٍ عتيق، قال: فقال الشعبي: لقد رأيتُه يقاتل المشركين، هذا لفظ حديث أبي زكريا، وفي رواية ابن عبدان: قال: يا شريح، لولا أنّ خصمي نصرانيّ لجثَيْتُ بين يدَيْك، وقال في آخره: قال: فوهبها عليٌّ, له، وفرض له ألفين، وأُصيب معه يوم صِفِّين، والباقي بمعناه. ورُوي من وجهٍ آخر أيضاً ضعيف، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي.

ورواه الذهبي في ميزان الاعتدال 1: 585، عن أبي الأشعث العجلي، عن حكيم بن خذام، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي قال: عرف عليٌّ, درعاً له مع يهوديّ، فقال: درعي سقطَتْ منّي يوم كذا، فقال اليهودي: درعي وفي يدي، بيني وبينك قاضي المسلمين، فلمّا رآه شريحٌ قام له عن مجلسه، وجلس عليٌّ، ثم قال: لو كان خصمي مسلماً جلسْتُ معه، ولكنّي سمعتُ رسول الله- يقول: لا تساووهم في المجالس، ولا تعودوا مرضاهم، واضطرّوهم إلى أضيق الطريق، فإنْ سبّوكم فاضربوهم، فإنْ ضربوكم فاقتلوهم، ثم قال: درعي، قال: صدقْتَ يا أمير المؤمنين، ولكنْ بيِّنة، فدعا قنبراً والحسن، فشهدا له، فقال: أمّا مولاك فنَعَم، وأمّا شهادة ابنك فلا، فقال: أنشدك الله، أسمعْتَ عمر يقول: قال رسول الله-: الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة، قال: اللهمَّ نعم، قال: فلا تجيز شهادة الحسن، والله إلى بانقيا، فلتقضينَّ بين أهلها أربعين يوماً، ثمّ سلَّم الدرع إلى اليهوديّ، فقال اليهودي: أمير المؤمنين مشى معي إلى قاضيه، فقضى عليه، فرضي به، صدقْتَ، إنّها لدرعك التقطْتُها، وأسلم، فقال عليٌّ: الدرع لك، وهذا الفرس لك، وفَرَضَ له، وقُتل بصِفِّين.

([21]) ينقل الشيخ حسين منتظري في دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 3: 370، عن الماوردي قوله في (الأحكام السلطانية): فيجب على وليّ الأمر أن يضع الجزية على رقاب مَنْ دخل في الذمّة من أهل الكتاب؛ ليقرّوا بها في دار الإسلام، ويلتزم لهم ببذلها حقّان: أحدهما: الكفّ عنهم؛ الثاني: الحماية لهم؛ ليكونوا بالكفّ آمنين، وبالحماية محروسين.

وينقل في 3: 473، عن صاحب تفسير المنار قوله: إنّ الجزية في الإسلام لم تكن كالضرائب التي يضعها الفاتحون على مَنْ يتغلَّبون عليهم، فضلاً عن المغارم التي يرهقونهم بها، وإنّما هي جزاءٌ قليل على ما تلتزمه الحكومة الإسلامية من الدفاع عن أهل الذمّة، وإعانةٌ للجند الذي يمنعهم، أي يحميهم ممَّنْ يعتدي عليهم، كما يُعلَم من سيرة أصحاب رسول الله-.

([22]) يقول الشيخ حسين منتظري في دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 3: 474 ـ 475: فأهل الذمّة بعد عقدها، والعمل بشرائطها، يعيشون بين المسلمين، في ظلِّ حكومتهم، عيشةً حُرّة، آمنين في الأموال والأعراض والنفوس، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم.

([23]) راجِعْ ما ذكره العلاّمة الحّلّي في تحرير الأحكام 2: 208 ـ 210؛ وفي تذكرة الفقهاء 9: 321 ـ 322. كما ينقل الشيخ حسين منتظري في دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 3: 479 ـ 480، عن الماوردي قوله في (الأحكام السلطانية): ويشترط عليهم في عقد الجزية شرطان: مستحَق ومستحب: أما المستحَق فستّة شروط: أحدها: أن لا يذكروا كتاب الله تعالى بطعنٍ فيه لا تحريف له. والثاني: أن لا يذكروا رسول الله- بتكذيب له ولا ازدراء. الثالث: أن لا يذكروا دين الإسلام بذمٍّ له ولا قدح فيه. والرابع: أن لا يصيبوا مسلمةً بزنا ولا باسم نكاح. والخامس: أن لا يفتنوا مسلماً عن دينه، ولا يتعرَّضوا لماله ولا دينه. والسادس: أن لا يعينوا أهل الحرب، ولا يودوا أغنياءهم. فهذه الستة حقوق ملتزمة، فتلزمهم بغير شرط. وإنما تشترط إشعاراً لهم، وتأكيداً لتغليظ العهد عليهم، ويكون ارتكابها بعد الشرط نقضاً لعهدهم. وأما المستحب فستّة أشياء: أحدها: تغيير هيئاتهم بلبس الغِيار وشدّ الزِّنار. الثاني: أن لا يعلُوا على المسلمين في الأبنية، ويكونوا إنْ لم ينقصوا مساوين لهم. والثالث: أن لا يسمعوهم أصوات نواقيسهم، ولا تلاوة كتبهم، ولا قولهم في عزير والمسيح. والرابع: أن لا يجاهروهم بشرب خمورهم، ولا بإظهار صلبانهم وخنازيرهم. والخامس: أن يخفوا دفن موتاهم، ولا يجاهروا بندبٍ عليهم ولا نياحة. والسادس: أن يمنعوا من ركوب الخيل عتاقاً وهجاناً، ولا يمنعوا من ركوب البغال والحمير. وهذه الستّة المستحبة لا تلزم بعقد الذمّة حتى تشترط فتصير بالشرط ملتزمة. ولا يكون ارتكابها بعد الشرط نقضاً لعهدهم، لكن يؤخذون بها إجباراً، ويؤدبون عليها زجراً، ولا يؤدَّبون إنْ لم يشترط ذلك عليهم.

([24]) حيث يُنقل عن اليهود أنَّهم إذا حاضَتْ المرأة منهم أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوها ـ أي يجتمعوا معها ـ في البيت.

([25]) يقول الكتاب المقدَّس في رسالة كورنثوس الأولى 14: 33 ـ 35: «لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُوناً لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ يَخْضَعْنَ كَمَا يَقُولُ النَّامُوسُ أَيْضاً. وَلَكِنْ إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أَنْ يَتَعَلَّمْنَ شَيْئاً فَلْيَسْأَلْنَ رِجَالَهُنَّ فِي الْبَيْتِ؛ لأَنَّهُ قَبِيحٌ بِالنِّسَاءِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كَنِيسَةٍ».

([26]) رواه أحمد بن حنبل في المسند 2: 66 ـ 67، عن هارون بن معروف، عن ابن وهب وقال مرّة: حياة، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أنّ رسول الله- قال: «يا معشر النساء تصدَّقْنَ وأكثِرْنَ؛ فإنّي رأيتُكُنَّ أكثر أهل النار؛ لكثرة اللعن وكفر العشير، ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أغلب لذي لُبٍّ منكُنَّ»، قالت: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: «أمّا نقصان العقل والدين فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل؛ وتمكث الليالي لا تصلّي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين».

ورواه مسلم في الصحيح 1: 61، عن محمد بن رمح بن المهاجر المصري، عن الليث، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله-…الحديث.

ورواه البخاري في الصحيح 1: 78، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، عن زيد هو ابن أسلم، عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله- في أضحى أو فطرٍ إلى المصلّى، فمرَّ على النساء، فقال: «يا معشر النساء، تصدَّقْنَ فإنّي أريتكن أكثر أهل النار»، فقُلْنَ: وبِمَ يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيتُ من ناقصات عقلٍ ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكُنَّ»، قلنَ: وما نقصان ديننا وعقلنا، يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟» قلنَ: بلى، قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تصُمْ؟» قلنَ: بلى، قال: «فذلك من نقصان دينها».

([27]) جاء في نهج البلاغة 1: 129، بعنوان (خطبة لأمير المؤمنين% بعد حرب الجمل في ذمّ النساء): «معاشر الناس، إنّ النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول. فأما نقصان إيمانهنَّ فقعودهنَّ عن الصلاة والصيام في أيام حيضهنَّ؛ وأما نقصان حظوظهنَّ فمواريثهنَّ على الأنصاف من مواريث الرجال؛ وأما نقصان عقولهنَّ فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد. فاتَّقوا شِرار النساء، وكونوا من خِيارهنَّ على حَذَرٍ، ولا تطيعوهنَّ في المعروف حتّى لا يطمعْنَ في المُنْكر».

([28]) نهج البلاغة 3: 84.

([29]) رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا% 1: 197 ـ 198، عن الحاكم أبي جعفر بن نعيم بن شاذان، عن أحمد بن إدريس، عن إبراهيم بن هاشم، عن إبراهيم بن العبّاس قال: «ما رأيتُ أبا الحسن الرضا% جفا أحداً بكلمةٍ قطّ، ولا رأيته قطع على أحدٍ كلامه حتّى يفرغ منه؛ وما ردَّ أحداً عن حاجةٍ يقدر عليها؛ ولا مدَّ رجله بين يدي جليس له قطّ؛ ولا أتّكأ بين يدي جليسٍ قطّ؛ ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قطّ؛ ولا رأيته تفل؛ ولا رأيتُه يقهقه في ضحكة قطّ، بل كان ضحكه التبسُّم؛ وإذا خلا ونصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه، حتّى البواب والسائس؛ وكان% قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصبح؛ وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول: ذلك صوم الدهر؛ وكان% كثير المعروف والصدقة في السرّ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة. فمَنْ زعم أنّه رأى مثله في فضله فلا تصدِّقه».



أكتب تعليقك