أمثال/ح8: أعمالُ الكفَّار… ﴿كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، والسلام عليكم ـ أيُّها الأحبَّة ـ ورحمة الله وبركاته.
﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ﴾(إبراهيم: 18).
يتساءل البعضُ في طيّات الحديث عن قبول الأعمال وردِّها عن مصير أعمال الكفّار، الذين لا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، وإنَّما يجحدونه، وينكرون وجوده، أو ربوبيَّته، أو ألوهيَّته.
فقد نجد كثيراً من هؤلاء يقومون بأعمال البرّ والخير، يساعدون الناس، ويعلِّمون الناس، ويبنُون المدارس والجامعات والمستشفيات، ويشقُّون الطرقات، ويخترعون ما يؤدّي إلى تطوُّر البشريّة تطوُّراً نوعيّاً. فهل يكون مصير هؤلاء النار؟ وهل أنَّه ليس لأعمالهم هذه ثوابٌ عند الله جلَّ وعلا؟
وهنا لا بُدَّ من التفريق بين صنفين: جاحدٍ كافر؛ ومؤمنٍ فاسق. والمؤمنُ الفاسق ليس هو مورد حديثنا، وهذا يحاسَب على جميع أعماله، فيُثاب على ما أحسن، ويعاقَب على ما أساء.
وأمّا الكافرُ الجاحد والمكذِّب فإنّ هذه الآية الكريمة تخبرنا بحال أعماله، وأنّه لا يُقبَل منه عَمَلٌ. وأنّه لن يستطيع يوم القيامة الاستفادة من أعماله، وإنَّما مَثَل تلك الأعمال كرَمَادٍ عصفَتْ به الرِّيح، فتناثر هنا وهناك، هل يقدر على جمعه؟ لا. هل يقدر على الاستفادة منه وهو متناثرٌ؟ أيضاً لا.
إذن هذه الأعمال كالرماد في يومٍ عاصف، لا قيمةَ لها، ولا يمكن الانتفاعُ بها. وهذه الآية مشابِهةٌ لقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ (الفرقان: 23).
أمّا لماذا شُبِّهت أعمالُهم بالرَّماد، دون التُّراب أو الغُبار مثلاً؟ تلك هي الدِّقَّة في التعبير عن حقيقة أعمالهم.
1ـ فالتشبيه بالرَّماد (مع إمكان الاستفادة من التراب والغبار في ذلك)؛ لأن الرَّماد عبارةٌ عن بقايا الاحتراق، والآية توضِّح أنّ أعمالهم ظاهريّةٌ فقط، وليس لها أيُّ محتوى، فيمكن أن تنمو وردةٌ جميلة في حفنةٍ من التراب، ويمكن أن نستفيد من الغبار أو التراب المتناثر، بنحوٍ من الأنحاء، ولكنْ لا يمكن أن نستفيد شيئاً من الرَّماد المتناثر.
2ـ كما أنّ ذرات الرَّماد غير متلاصقة، وحتَّى بمساعدة الماء لا يمكن ترابطُها، فالذرّاتُ تنفصل عن بعضها البعض بسرعةٍ، وكأنَّ ذلك يشير إلى أن أعمال الكفّار غير منسجمة ولا موحَّدة. فحتَّى لو كانت أعمالَ برٍّ وخير لكنْ بما أنّها لا جامع يجمعها، من عقيدةٍ صحيحة والتزامٍ دينيّ قويم، فإنّها تكون فاقدةً للأثر والفائدة، ويتخلَّلها الفساد والانحراف.
وذلك على العكس من أعمال المؤمنين، حيث نراها منسجمةً وموحَّدة ومترابطة، وكلُّ عملٍ يكمِّل العمل الآخر، في منظومةٍ واحدة، ونيّةٍ خالصة لله سبحانه وتعالى.
اللهُمَّ، طهِّر قلوبَنا من النِّفاق، وأعمالَنا من الرِّياء، وألسنتَنا من الكَذِب، وأعينَنا من الخيانة. والحمد لله ربِّ العالمين.