أمثال/ح12: مَنْ اتَّخذ وليّاً غيرَ الله… ﴿كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً﴾
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، والسلام عليكم ـ أيُّها الأحبَّة ـ ورحمة الله وبركاته.
﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ﴾(العنكبوت: 41 ـ 43).
الإنسانُ كائنٌ ضعيف، في وجوده وبقائه. فهو محتاجٌ إلى الخالِق ليخرج من طور العَدَم إلى الوجود. كما أنّه مفتقرٌ إلى الناصر والمعين، والمدبِّر لشؤونه، والراعي لجميع أموره، وذاك هو الوليّ.
والإنسانُ المؤمن لا يرى لغير الله ولايةً عليه، كما أنَّه لا يتولّى غيرَ الله، وذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (المائدة: 55).
غير أنّ مَنْ لم يؤمن بالله خالقاً أو ربّاً أو إلهاً يستحقّ العبادة، وحده لا شريك الله، قد يتَّخذ وليّاً من دون الله، وهو يظنّ أنّ هذا المخلوق قادرٌ على أن يدفع عنه السُّوء، أو ينقذه من هَلَكةٍ، أو يأخذ بيده نحو الخير والكمال المنشود.
وقد ضرب اللهُ للناس مَثَلاً في هذا الشأن، فشبَّه كلَّ أولئك الذين يمكن أن يتَّخذهم بعضُ الناس أولياء من دون الله، يحبُّونهم كحبِّ الله أو أكثر، ويخشونهم كخشية الله أو أشدَّ خشية، ويعتمدون عليهم، ويسألونهم، ويتوسَّلون ويستشفعون ويستغيثون بهم، لقد شبَّههم بالعنكبوت، تلك الحشرة الضعيفة، التي تنسج خيوطها بترتيبٍ رائع، وزمنٍ ليس بالقصير، وهي تظنّ أنّه سيحميها، ويمنعها من أن تطالها يدٌ أو نحوها، فإذا بهذا البيت الهشّ يتمزَّق عند أدنى تماسٍ مع جسمٍ صَلْب، فيزول كأنْ لم يكن أصلاً. ذلك بيت العنكبوت، وهو أَوْهَنُ البيوت، لا يدفع حرّاً ولا برداً، ولا يُكِنُّ شخصاً، ولا يقي من مكروهٍ.
ولكنْ حبَّذا لو كان هؤلاء الذين يتَّخذون من دون الله أولياء وأنصاراً وأتباعاً يعلمون أنّ فعلهم هذا ما هو إلاّ كاتّخاذ العنكبوت بيتاً واهياً، وحينئذٍ لما اتَّخذوهم أولياء؛ إذ ليس لولاية أوليائهم إلاّ الاسم فقط، حيث لا ينفعون ولا يضرّون، ولا يملكون مَوْتاً ولا حياةً ولا نشوراً.
ورُبَما يُقال: إنّ في هذه الآية الكريمة إشارةً إلى الوَهْن المعنويّ الكامن في أسرة العنكبوت؛ حيث إنّ أنثى العنكبوت تطرد الذَّكَر (زوجها) من البيت بعد أن تنجب أولادها. فأيُّ وَهْنٍ أكبر من هذا؟!
ولا يقولَنَّ قائلٌ: وما أدرانا بصِحَّة هذا التمثيل؟ فالجوابُ: إنّ الله عالِمٌ بقدرة وقوّة هؤلاء الذين يتَّخذونهم أولياء من دونه، أليس هو الذي خَلَقهم؟! تبارك وتعالى من عزيزٍ حكيم.
لكنَّ المسألة تحتاج إلى قليلٍ من التدبُّر والتفكُّر. فهذه الأمثال لا يفهمها كما ينبغي إلاّ العالمون؟ فمَنْ هم هؤلاء؟
قالوا: هم آلُ محمد(ص).
وقالوا: هم العلماء، لا الجهلة الذين يهزؤون بما يضربه اللهُ للناس من مَثَلٍ حول العنكبوت والبعوضة والذُّباب.
ولا تعارُضَ بين القولَيْن، فالآيةُ عامّةٌ، تشمل كلَّ العلماء، وفي مقدَّمهم النبيّ(ص) وأهل بيته الطاهرين(عم)، فهم المصداق الأبرز للعلماء المتدبِّرين والمتفكِّرين في آيات الله جلَّ وعلا.
معلوماتٌ مهمّة حول العنكبوت: إنّ بيتَ العنكبوت ونسيج خيوطه المضروب به المَثَل هو نفسه من عجائب الخَلْق. والتدقيق فيه يعرِّف الإنسان على عظمة الخالق أكثر. فخيوط العنكبوت مكوَّنةٌ من مائعٍ لزج، وهذا المائع مستقرّ في حُفَرٍ دقيقة وصغيرة كرأس الإبرة تحت بطن العنكبوت. ولهذا المائع خصوصيّةٌ أنّه متى لامس الهواء جمد وتصلَّب. والعنكبوت تخرج هذا المائع بواسطة آليّاتٍ خاصّة، وتصنع خيوطها منه. ويقال: إنّ كلَّ عنكبوت يمكن لها أن تصنع من هذا المائع القليل جدّاً ما مقداره خمسمائة مترٍ من خيطها المفتول!
وقال بعضُهم: إنّ الوَهْن في هذه الخيوط منشؤه دقّتها القصوى، ولولا هذه الدقّة فإنّها أقوى من الفولاذ لو قدِّر أن تفتل بحجم الخيط الفولاذي. العجيب أنّ هذه الخيط تنسج أحياناً من أربع جدائل، كلُّ جديلة هي أيضاً منسوجةٌ أو مصنوعة من ألف جديلة، وكلُّ جديلة تخرج من ثقب صغير جدّاً في بدن العنكبوت. ففكِّروا الآن في هذه الخيوط التي تتكوَّن منها هذه الجديلة كم هي ناعمةٌ ودقيقة وظريفة؟!
وإضافة إلى العجائب الكامنة في بناء بيت العنكبوت ونسجه فإنّ شكل بنائه وهندسته طريفٌ أيضاً. فلو دقَّقنا النظر في بيوت العنكبوت لرأينا منظراً طريفاً مثل الشمس وأشعتها مستقرّة على قواعد هذا «البناء النسيجي»، وبالطبع فإنّ هذا البيت مناسبٌ للعنكبوت وكافٍ، ولكنَّه في المجموع لا يمكن تصوُّر بيتٍ أوهن منه. وهكذا بالنسبة إلى آلهة الضالّين ومعبوديهم؛ إذ تركوا عبادة الله، والتجأوا إلى الأصنام والأحجار والأوثان!!
اللهُمَّ، أنتَ وليُّنا في الدنيا والآخرة، فوفِّقنا لمت تحبّ وترضى، واختِمْ بالصالحات أعمالنا. والحمد لله ربِّ العالمين.