1 ديسمبر 2018
التصنيف : تعليقات لتصحيح الاعتقادات
لا تعليقات
2٬142 مشاهدة

الإمام المهدي المنتظر(عج) فوق الشبهات

(السبت 1 / 12 / 2018)

يشنِّع بعض المغرضين على إمامنا المهديّ(عج) بأنّه لا يُحسن الإجابة عن بعض الأسئلة الفقهية التي وُجِّهت إليه، وبالتالي هو شخصٌ لا علم له بالشريعة. (راجِعْ: علي الكاش، اغتيال العقل الشيعي، دراساتٌ في الفكر الشعوبي: 672 ـ 673).

ويذكرون من مصاديق ذلك ما ذكره المجلسي في بحار الأنوار 53: 169، من أنّه(عج) سُئل: قد اختلف أصحابنا في مهر المرأة؛ فقال بعضهم: إذا دخل بها سقط المهر، ولا شيء لها؛ وقال بعضهم: هو لازمٌ في الدنيا والآخرة، فكيف ذلك؟ وما الذي يجب فيه؟ فأجاب(ع): «إنْ كان عليه بالمهر كتاب فيه دينٌ فهو لازمٌ له في الدنيا والآخرة، وإنْ كان عليه كتابٌ فيه ذكر الصدقات سقط إذا دخل بها، وإنْ لم يكن عليه كتابٌ فإذا دخل بها سقط باقي الصداق».

ووجهُ الاستغراب أن المعروف والمشهور والمحقَّق الذي لا نزاع فيه بين الفقهاء أنّ المهر لا يسقط منه شيءٌ بعد الدخول، بل يجب بتمامه بعد الدخول، سواءٌ كان الفراق بين الزوجين بطلاقٍ أو موتٍ؛ لقوله تعالى: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً﴾، وقوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً * وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾، ويسقط نصفه إذا حصل الطلاق قبل الدخول؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾؛ واما إذا حصل الفراق قبل الدخول بسبب الوفاة فقد اختُلف في استحقاق الزوجة نصف المهر أو جميعه، ولكنّها على أيّ حالٍ تستحقّه، ولا يسقط. وعليه كيف يصحّ هذا الجواب من ذلك الإمام المنتظر؟! وما علاقة (كتاب فيه دَيْن) و(كتاب فيه ذكر الصدقات) بمسألة المهر؟!

والجواب:

إن هذه الرواية ذكرها الطبرسي في الاحتجاج 2: 314 ـ 315، معلَّقةً، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، أنه كتب إلى صاحب الزمان(ع) يسأله، فقال: اختلفت أصحابنا في مهر المرأة؛ فقال بعضهم: إذا دخل بها سقط المهر ولا شيء لها؛ وقال بعضهم: هو لازمٌ في الدنيا والآخرة، فكيف ذلك؟ وما الذي يجب فيه؟ فأجاب: «إنْ كان عليه بالمهر كتابٌ فيه ذكر دينٍ فهو لازمٌ له في الدنيا والآخرة، وإنْ كان عليه كتابٌ فيه ذكر الصداق سقط إذا دخل بها؛ وإنْ لم يكن عليه كتابٌ فإذا دخل بها سقط باقي الصداق».

وبالاعتماد على متن هذه الرواية يتَّضح أن المراد بـ (كتاب فيه ذكر الصدقات)، كما ذُكر في البحار، هو (كتاب فيه ذكر الصداق)، وهو المهر، وجمعه: صَدُقات، أي المهور. ولعلّ المجلسي استحضر قوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾، فأثبت كلمة (الصَّدُّقات) بدل (الصِّداق).

ومن هنا نقول: ليس الحديث في مقام بيان الاختلاف في مقدار المهر المستَحَقّ للزوجة قبل الدخول أو بعده، وإنما الحديث في مقام بيان آليّة حلّ النزاع بين الزوج والزوجة فيما لو مات الزوج، وطالبت الزوجة بشيءٍ من المهر المسمّى، مدَّعيةً أنها لم تستلمه. فالحكمُ الشرعيّ ـ الذي بيَّنه الإمام المنتظر(عج) ـ أن على الزوجة إثبات بقاء شيءٍ من المهر في ذمّة الزوج؛ إذ الدخول بها قرينةٌ لصالح الزوج بأنه لا شيء لها عنده؛ لأنه لا يجب عليها تمكينه من نفسها قبل استلام تمام المهر. وعليه فإن تمكينها له قرينةٌ على أنها استلمت المهر كاملاً غير منقوص. وحينئذٍ تحتاج دعواها (عدم استلام كامل المهر، وأنه لا يزال لها في ذمّته شيء) إلى إثبات، ولا يكون ذلك إلاّ من خلال وصيةٍ أو (كتابٍ) يذكر فيه الزوج أن لها عليه ديناً، كما قد يكون لغيرها من الناس أيضاً ديونٌ في ذمته، وقد ذكرها جميعاً في ذلك الكتاب. فإذا لم تستطِع الزوجة إثبات ذلك بهذه الطريقة، وإنّما أبرزت كتاباً يذكر فيه مقدار الصداق (المهر) فقط، أو لم تبرز كتاباً أصلاً، فحينها تكون دعواها بلا إثباتٍ وبلا شاهدٍ، فلا يؤخَذ بها، ولا تستحقّ شيئاً مما تدَّعيه.

وهذا ما يمكن أن نستوحيه من جملةٍ من الروايات الصحيحة، وهي:

1ـ ما رواه الكليني في الكافي 5: 383، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضّال، عن ابن بُكَيْر، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله(ع)، في الرجل يدخل بالمرأة ثم تدّعي عليه مهرها، فقال: «إذا دخل بها فقد هدم العاجل».

ورواه الطوسي في تهذيب الأحكام 7: 359 ـ 360، بإسناده عن محمد بن يعقوب الكليني…، الحديث.

2ـ ما رواه الكليني في الكافي 5: 385، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد؛ وعن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبيدة وجميل بن صالح، عن الفضيل، عن أبي جعفر(ع)، في رجلٍ تزوج امرأةً، فدخل بها، فأولدها، ثم مات عنها، فادَّعت شيئاً من صداقها على ورثة زوجها، فجاءت تطلبه منهم، وتطلب الميراث، قال: فقال: «أما الميراث فلها أن تطلبه؛ وأما الصداق فإنّ الذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل عليها فهو الذي حَلَّ للزوج به فرجها، قليلاً كان أو كثيراً، إذا هي قبضته منه وقبلته ودخلت عليه، ولا شيء لها بعد ذلك».

ورواه الطوسي في تهذيب الأحكام 7: 359، بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن الفضيل، عن أبي جعفر(ع)…، الحديث.

3ـ ما رواه الكليني في الكافي 5: 385 ـ 386، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألتُ أبا عبد الله(ع) عن الرجل والمرأة يهلكان جميعاً، فيأتي ورثة المرأة، فيدَّعون على ورثة الرجل الصداق؟ فقال: وقد هلكا وقُسِّم الميراث؟ فقلتُ: نعم، فقال: «ليس لهم شيءٌ»، قلتُ: وكانت المرأة حيةً، فجاءت بعد موت زوجها تدّعي صداقها؟ فقال: «لا شيء لها وقد أقامت معه مقرّةً حتّى هلك زوجها»، فقلتُ: فإنْ ماتت وهو حيٌّ، فجاء ورثتها يطالبونه بصداقها؟ قال: وقد أقامت معه حتّى ماتت لا تطلبه؟ فقلت: نعم، قال: «لا شيء لهم»، قلتُ: فإنْ طلقها فجاءت تطلب صداقها؟ قال: «وقد أقامت لا تطلبه حتّى طلقها، لا شيء لها»، قلتُ: فمتى حدّ ذلك الذي إذا طلبته لم يكن لها؟ قال: «إذا هُديت إليه ودخلت بيته ثمّ طلبت بعد ذلك فلا شيء لها، إنه كثيرٌ لها أن تستحلف بالله ما لها قبله من صداقها، قليل ولا كثير».

ورواه الطوسي في تهذيب الأحكام 7: 359، بإسناده عن محمد بن يعقوب الكليني…، الحديث.



أكتب تعليقك