25 نوفمبر 2019
التصنيف : مقالات عقائدية، مقالات فكرية
لا تعليقات
2٬771 مشاهدة

فضل زوّار الحسين(ع) على الناس، تحقيقٌ في حديثٍ

يتناقل كثيرون حديثاً عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) يقول: «إن لزوّار الحسين بن عليّ(عما) يوم القيامة فضلاً على الناس، قلتُ: وما فضلهم؟ قال: يدخلون الجنّة قبل الناس بأربعين عاماً، وسائر الناس في الحساب والموقف».

المصدر الأصلي للحديث

روى الثقة الجليل جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارات، عن أبيه وأخيه وعليّ بن الحسين ومحمد بن الحسن رحمهم الله جميعاً [وفيهم الثقة، ويكفينا وثاقة أحدهم]، عن محمد بن يحيى العطّار [وهو ثقةٌ جليل]، عن العمركي بن عليّ البوفكي [وهو ثقةٌ]، عن صندل [مجهول الحال، لم يوثَّق، ولم يُذَمّ، وعليه لا يمكن الاعتماد على روايته]، عن عبد الله بن بكير [وهو ثقةٌ جليل]، عن عبد الله بن زرارة [وفي بحار الأنوار ذكره بعنوان: عبيد بن زرارة، والذي يهوِّن الخطب أنهما ثقتان]، قال: سمعتُ أبا عبد الله(ع) يقول: «إن لزوار الحسين بن عليّ(عما) يوم القيامة فضلاً على الناس، قلت: وما فضلهم؟ قال: يدخلون الجنة قبل الناس بأربعين عاماً وسائر الناس في الحساب والموقف»([1]).

وهكذا يتَّضح أن سند هذا الحديث ضعيفٌ؛ لوجود راوٍ مجهول الحال فيه، وهو صندل بن محمد بن الحسن الأنباري، الخيّاط.

إشكالٌ وجواب

ورُبَما يُقال: ليس كلّ حديث ضعيف السند موضوعاً مكذوباً على أهل البيت(عم)، فقد يكون هذا الحديث صحيحاً وصادراً عنهم(عم)، ولكنْ وقع في إسناده راوٍ مجهول، وليس كلُّ مجهولٍ كذّابٌ وضّاع، بل ليس كلُّ وضّاعٍ كاذباً على الدوام.

والجواب: إن ضعف سند الحديث يفقدنا الوثوق بصدوره، وما لم يحصل هذا الوثوق أو الظنّ الكبير المعتَبَر عقلائياً بصدور الحديث عن أهل البيت المعصومين(عم) لا نستطيع الاعتماد عليه، والاعتقاد أو العمل بمضمونه.

هذا إذا لم تكن هناك طرقٌ أخرى يحصل لنا الوثوق من خلالها بصحة مضمون الخبر، وصدوره عنهم(عم).

تمحيصٌ في مضمون الحديث

إذن لا بُدَّ من التأمُّل والتدقيق في مضمون هذا الخبر، فنقول:

1ـ إن مضمون هذا الحديث غريبٌ؛ إذ ما معنى الدخول إلى الجنّة قبل الناس بأربعين سنةً؟! فأيّ السنوات يقصد؟! هل هي سنوات الدنيا أو سنوات الآخرة؟! ﴿وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ (الحجّ: 47).

2ـ كما أن من الغريب حقّاً أن يربط الإمام(ع) هذا الجزاء الموفور (وهو دخول الجنّة قبل الناس بأربعين سنة) بمجرّد زيارة الحسين(ع)، بغضّ النظر عن تاريخ الإنسان، قبل وبعد الزيارة، وبغضّ النظر عن ما هو موجودٌ في صحيفة أعماله من الذنوب والخطايا، و«كلُّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوّابون»([2])، فما لم يتُبْ الإنسان من ذنوبه وخطاياه لا بُدَّ أن يحاسَب عليها يوم القيامة، فكيف يدخل الجنّة قبل الناس (ويكون الناس في الحساب)، أي يدخل الجنّة بلا حساب؟!

استطرادٌ: نكتةٌ قرآنية لطيفة

بل تحضرني هنا نكتةٌ قرآنية لطيفة، وهي الفرق بين الغفران والعفو، حيث قيل: «إن الغفران يقتضي إسقاط العقاب؛ والعفو يقتضي إسقاط اللَّوْم والذمّ»([3]).

فحتّى مع التوبة، المتبوعة بالغفران: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾ (طه: 82) قد تبقى الأعمال السيئة مدوَّنةً في صحيفة الأعمال، ويُلام عليها صاحبها ويُذَمّ يوم القيامة، يعني قد يكون هناك عتابٌ إلهيّ للعاصين، مع أنّه لن يعاقبهم على ما قاموا به، لأنّه غفره لهم بسبب التوبة. وأما في حالات العفو الإلهي عن الذنب فإن الذنب يُمحى من كتاب الأعمال، ولا يُعاقب عليه صاحبه، بل لا يُفتضح أمره بتاتاً.

إذن مضمون الحديث غريبٌ نوعاً ما.

أحاديث مماثلةٌ

ثمّ إن هناك أحاديث بلحن هذا الحديث، ومنها:

1ـ ما رواه الكليني في الكافي، بإسناده عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: «إنَّ فقراء المؤمنين يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً، ثمَّ قال: سأضرب لك مثل ذلك، إنّما مثل ذلك مثل سفينتين مرَّ بهما على عاشرٍ [جابي الضريبة]، فنظر في إحداهما فلم يَرَ فيها شيئاً، فقال: أسربوها، ونظر في الأخرى فإذا هي موقورة، فقال: احبسوها»([4]).

وبغضّ النظر عن ضعف سند هذا الحديث؛ لعدم ثبوت وثاقة محمد بن سنان؛ وللانقطاع الخفيّ بين محمد بن عيسى اليقطيني ويونس بن عبد الرحمن، نلاحظ أن الإمام(ع) قرَّب الفكرة بأنّ الفقراء لا يملكون من متاع الدنيا شيئاً، ولذلك لا يتعرّضون للسؤال: كيف حصّلوه؟ وكيف أنفقوه؟ فيجوزون الصراط خفافاً، لا يملكون ما يُسألون عنه؛ بينما الأغنياء يملكون من حطام الدنيا الكثير، وهم مسؤولون عنه، فهم مثقلون، لا يجوزون الصراط بسهولة، ويتأخرّون في اللحاق بالفقراء.

طبعاً ما ذكرناه كإشكالٍ أول، وهو ما معنى أربعين سنة؟ وهل في الآخرة زمنٌ محسوب؟، يبقى قائماً على حاله.

وأخشى ما نخشاه أن تكون هذه الرواية (رواية الكافي) موضوعةً مكذوبةً؛ مجاراةً لعامّة المسلمين، حيث ورد عندهم شيءٌ بهذا المضمون، وهو:

2ـ ما رواه مسلم في صحيحه، بإسناده إلى أبي عبد الرحمن الحبلي، قال: سمعتُ عبد الله بن عمرو بن العاص ـ وما أدراك مَنْ هو هذا الرجل؟! ـ، وسأله رجلٌ، فقال: ألَسْنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأةٌ تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكنٌ تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإن لي خادماً، قال: فأنت من الملوك. قال أبو عبد الرحمن: وجاء ثلاثة نفرٍ إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، وأنا عنده، فقالوا: يا أبا محمد، إنا والله ما نقدر على شيءٍ، لا نفقة ولا دابة ولا متاع، فقال لهم: ما شئتم؛ إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسَّر الله لكم؛ وإنْ شئتم ذكرنا أمركم للسلطان؛ وإنْ شئتم صبرتم، فإني سمعتُ رسول الله(ص) يقول: «إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنّة بأربعين خريفاً»، قالوا: فإنا نصبر، لا نسأل شيئاً([5]).

وهذه الرواية ظاهرةٌ في كونها محاولة تخديرٍ للفقراء، كي لا يثوروا ضدّ السلطان، سلطان ذاك الزمان، الذي كان عبد الله بن عمرو بن العاص من المقرَّبين إليه، حيث يقول: «وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان»، يعني لنا دخول إليه، وحظوة عنده، ونستطيع أن نخدمكم، ولكنْ أن تصبروا خيرٌ لكم، ولا تفسدوا على صاحبنا حكمه، فاصبروا ولكم السبق يوم القيامة. وهكذا كان هذا الحديث بمثابة المخدِّر لهذه الشريحة الاجتماعية الكبيرة.

النتيجة

لستُ قاطعاً بكون (رواية الكافي) موضوعةً، بل نحتمل ذلك، ومع الاحتمال المعتدّ به بعدم صدور الرواية عن المعصوم(ع) لا يصحّ الاستدلال.

ولو سلَّمنا بصحّة (رواية الكافي)؛ اعتماداً على تعليل الإمام(ع)، الذي يشير إلى معنىً تربويّ عظيم، وهو ما قد يشكِّل قرينةً تفيد الوثوق بصدور هذه الرواية عن المعصوم(ع)، فإنّ رواية دخول زوّار الحسين(ع) إلى الجنّة قبل الناس بأربعين سنة ليس لها من القرائن والطرق ما يجعلنا نَثِقُ بصدور مضمونها من المعصوم(ع)، وعليه لا نستطيع الاعتماد عليها، لا في العقيدة، ولا في الشريعة.

نسأل الله أن يجعلنا ممَّنْ يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، والحمد لله ربّ العالمين.

**********

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) ابن قولويه، كامل الزيارات: 261 ـ 262.

([2]) رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، عن الحسن بن يعقوب العدل، عن يحيى بن أبي طالب، عن زياد بن الحباب، عن عليّ بن مسعدة الباهلي، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، مرفوعاً عن رسول الله(ص)… ثمّ قال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه».

([3]) أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية: 387 ـ 388.

([4]) رواه الكليني في الكافي 2: 260، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن محمد بن سنان، عن العلاء، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله(ع)…، الحديث.

([5]) رواه مسلم النيسابوري في الصحيح 8: 220، عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح، عن ابن وهب، عن أبي هانئ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي…، الحديث.



أكتب تعليقك