3 يوليو 2013
التصنيف : حوارات، مقالات سياسية
لا تعليقات
2٬684 مشاهدة

الصحوة الإسلامية ونبذ التطرُّف

مطالب الشعب البحريني2  000-الدعاية لنشر نص حلقة الصحوة الإسلامية ونبذ التطرف  مطالب الشعب البحريني1

حوارٌ مع سماحة الشيخ محمد دهيني

ضمن برنامج (آراء وأحداث)، على قناة الثقلين العالميّة، مع الإعلاميّة نسرين نجيم

 بتاريخ: الأحد 19 ـ 5 ـ 2013م، الساعة 5.00 عصراً

 

1ـ هل في الأديان ما يعزِّز التطرُّف؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

ليس في الأديان ما يدعو إلى التطرُّف، فضلاً عن أن يعزِّزه. وفي دراسة تاريخيّة لحياة الأنبياء والرسل مع أقوامهم ـ ولا سيّما نبيّ الإسلام، النبيّ الخاتم، ووارث الأنبياء، والإسلام هو الدين المهيمن على الدين كلِّه ـ تتأكَّد هذه الفكرة.

فما من نبيٍّ مارس العنف والقمع والإرهاب مع قومه أو غيرهم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾، وإنّما كان لسان دعوتهم: ﴿وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾، و﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾.

وإنما كانت الدعوة إلى الهدى والحقّ بالكلمة الطيّبة والأسلوب الأحسن: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.

وهكذا كان من صفات أتباع الأنبياء أنّهم رحماء بينهم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾.

نعم، حين يعتدي الآخرون على المتديِّنين، ويضطهدونهم، ويقمعونهم، فلا بدّ من الدفاع عن النفس والعقيدة والشريعة، ومن باب المعاملة بالمثل: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾.

إذاً التطرُّف، بما يرافقه في الغالب من نزعةٍ نحو القمع الفكري والميداني، والإرهاب، والعنف في التعامل مع الآخر، أمرٌ مرفوضٌ في الشرائع السماوية كافّةً، وهو أمرٌ مرفوضٌ عند العقلاء أيضاً. إذاً هو مرفوضٌ عقلاً وشرعاً.

ولكنّنا نشهد بعض الحركات التي تنتسب إلى الدين تنزع نحو التطرُّف في الفكر، والسلوك. ولتبرير ما يقومون به يعتمدون على بعض الروايات والأحاديث الموضوعة، والتي لا تمتّ إلى الدين وأصحابه بصلةٍ، وإنّما هي صنيعة أمثال هذه الحركات التي لم يخلُ منها زمانٌ قطّ.

2ـ ما أهمّية الصحوة الإسلاميّة؟ وما المقصود بها في أيّامنا هذه بشكل عامّ؟

لم يخلُ زمانٌ من صحوةٍ إسلاميّة. ولكنّ هذه الصحوة والنهضة الإسلاميّة الحديثة، التي تشكَّلت في إطار رسميٍّ وواضح منذ أكثر من ثلاثين سنة، أي في الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة بقيادة الإمام روح الله الخميني رحمه الله، هذه الصحوة أرادت أن تثبت للجميع أنّ الإسلام هو الحلّ الناجع. فبعد تجارب مريرة مع أنظمة اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة كثيرة أَتَتْ هذه التجربة الإسلاميّة لتضع الناس أمام هذه الحقيقة، وهي أنّ كلَّ تشريعٍ بشريّ قاصرٌ عن تلبية حاجات الناس الأساسيّة؛ لأنّه لا يدركها، فضلاً عن أنّ أطماع المشرِّع ستظهر في تشريعاته. وأمّا التشريع الإلهي فهو بعيدٌ عن كلّ قصورٍ واتِّهام، فالمشرِّع هنا غيرُ قاصرٍ في معرفة احتياجات الناس ومصالحهم، ولا هو طامعٌ في تشريعات تنفعه على كافّة المستويات. إذاً الحلُّ الأمثل من خلال نظام إسلاميّ يعتمد التشريع الإلهي دستوراً وقانوناً عامّاً. نعم، قد تحدث أخطاء في التطبيق هنا وهناك، لأنّ المطبِّقين لهذه الشريعة بَشَرٌ، يصيبون ويخطئون، ولهم أطماعهم ونزعاتهم، وهذا من آثار غيبة وليِّنا الإمام المهديّ(عج)، فنحن محرومون من حضوره وإشرافه على التطبيق الصحيح للشريعة، ومع ذلك يبقى التشريع الإسلامي هو الأفضل والأكمل والأمثل. وخير دليل على ما نقول: إيران اليوم، أين كانت إيران في عهد الشاه؟ وأين أصبحت اليوم في ظلّ النظام الإسلامي؟ ولو أنّ هناك بعض الثغرات هنا وهناك، والمسؤولون يعملون بكلّ جهدهم على سدِّها.

إذاً الصحوة الإسلامية هي لاستنقاذ الناس ومصالحهم من قصور وأطماع سلاطين الجور. وللأسف بعض التيّارات الإسلاميّة يعتقد خطأً أنّ الربيع العربي أو الصحوة الإسلاميّة يعني إقامة نظام خلافة وإمارات هنا وهناك، وليس هذا سوى شرذمةٍ لما تبقّى من كيانات عربيّة وإسلاميّة متهالكة.

3ـ كيف يمكن للصحوة الإسلاميّة أن تواجه التمذهب والتشنُّج الطائفي؟

لا يكون ذلك إلاّ من خلال دعوةٍ صادقة وجدّية للوحدة الإسلاميّة، قولاً وعملاً، وسلوكاً حاضراً في كلِّ موقف وخطوة. وهذا يعني في ما يعنيه الابتعاد عن كلّ خطابٍ طائفي أو مذهبي بهدف التحريض وتشويه صورة الآخر. فالحسن حسنٌ من كلّ أحد، والقبيح قبيحٌ من كلّ أحد، سواء كان سنّياً أو شيعيّاً، مسلماً أو مسيحيّاً أو يهوديّاً. وما يُقال خلاف ذلك ليس التزاماً دينيّاً أو مذهبيّاً، وإنّما هو عصبيّةٌ مقيتة، حذَّرنا منها ونهانا عنها الإمام زين العابدين(ع) حيث يقول: «إنّ العصبيّة التي يأثَم عليها صاحبها أن يرى الرجلُ شرارَ قومه خيراً من خيار قومٍ آخرين، وليس من العصبيّة أن يحبَّ الرجل قومَه، ولكنْ من العصبيّة أن يعين قومه على الظلم».

4ـ ما هي الأسباب وراء انتشار الحركات المذهبيّة المتطرِّفة في مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة؟

بكلّ بساطة وموضوعيّة، هي العصبيّة والجهل الذي يفرز هكذا عصبيّة.

فالجدب الثقافي والعلمي يجعل الغوغائيّين يتموضعون في الصفّ الأوّل، وبالتالي يملكون زمام المبادرة، ويحتلّون المنابر والشاشات.

ما نسمعه من تجييش وتهييج طائفي على الشاشات الدينيّة خصوصاً مردُّه إلى الجهل المستحكِم في نفوس الناس، بحيث يسمعون لهؤلاء، مع ما في كلامهم من مغالطات وخرافات وابتذال علمي وأخلاقي أحياناً، ويتعلَّقون بهم، ويمجِّدونهم ويصفِّقون لهم. ويحلو لأولئك ذاك المقام، ويتبارَوْن في مَنْ يمتلك العدد الأكبر من الجماهير، ومَنْ الأقدر على إلهاب مشاعر المؤمنين والموالين. فبدلاً من أن يعتني بموضوع خطابه، من حيث التحقيق والتدقيق التاريخي والعقلي والنقلي، يجهد لتضمين خطابه أكبر قدر ممكن من المنامات والقصص، التي ترفع من شأن رموز خطّه ونهجه، وتحطّ من رموز الآخرين، وهكذا يجتمع الناس حوله بالمئات، بل بالآلاف.

إذاً هو الجهل المطبِق، الذي لا يميِّز بين الخطأ والصحيح، بين الخرافة والحقيقة، يقود إلى العصبيّة العمياء الآثِمة. وهكذا لا نرى لغيرنا فضلاً، ولا نرى لأنفسنا عيباً، ونعلنها حرباً على الضلال والانحراف والفساد، المتمثِّل طبعاً في الطرف الآخر وحدَه.

ومن هنا أدعو كافّة الإخوة المؤمنين إلى التعقُّل في ما يُلقى إليهم من على هذه المنابر والشاشات. فإلى مزيدٍ من العلم والوعي والبصيرة. ولا حجّة تُعفيك من التعلُّم والتعقُّل: «يُؤتى بالمرء يوم القيامة، فيُقال له: لِمَ لَمْ تعمل؟ فيقول: لم أعلم، فيُقال: هلاّ تعلَّمتَ». ولنكُنْ جميعاً مصداقاً لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾.

5ـ أَلا تعتبرون أنّ اللوم يقع أيضاً على بعض علماء الدين الذين يؤجِّجون الخطاب المذهبي والطائفي؟

حتماً لبعض رجال الدين نصيبٌ كبيرٌ في الخطاب الطائفي والمذهبي البغيض والآثِم. فبدلاً من الدعوة إلى المحبّة والوحدة، والعمل بما نتَّفق عليه، والحوار حول ما نختلف فيه، للوصول ـ ولو بعد مدّة ـ إلى رأي واحد، أو البقاء على رأيين أو ثلاثة، ولكن دون أن يلعن بعضنا بعضاً، أو يكفِّر بعضنا بعضاً، بدلاً من ذلك كلّه نرى أنّ بعض رجال الدين لا همَّ ولا شغل له سوى تسليط الضوء على مواضع النزاع والخلاف، وهو يريد بأيِّ ثمن إثبات أنّ الطرف الآخر على ضلال وانحراف وفساد رأي ووعي.

وليت المسألة تقتصر على نقل الحقائق التاريخيّة، لقلنا حينئذٍ: هذا مولَعٌ بالحقيقة يريد أن يظهرها، ولا يطيق صبراً على خفائها، لكنّ بعض رجال الدين يكذبون، ويخترعون قصصاً وروايات ما أنزل الله بها من سلطان، ويكيلون التُّهَم جزافاً لكلّ مَنْ يخالفهم الرأي، كلُّ ذلك توهيناً للآخر، أمّا مصلحة الإسلام العليا، ومصلحة المسلمين، ومصلحة المجتمع الإنساني، فغائبةٌ كلّياً في خطاب هؤلاء. نسأل الله لنا ولهم الهداية، إنّه سميعٌ مجيب.



أكتب تعليقك