23 أكتوبر 2013
التصنيف : تعليقات لتصحيح الاعتقادات
التعليقات : 2
4٬967 مشاهدة

قوام الولاية العبوديّة لله، فلا للغلوّ في عليٍّ عليه السلام

2oXbi-2OM3_775325217

ghadir_01

(بتاريخ: الأربعاء 23 ـ 10 ـ 2013م)

في عيد الغدير الأغرّ، عيد الولاية والإمامة والعصمة، لا يسعني سوى أن أتقدَّم من المسلمين جميعاً، بل ومن البشريَّة أجمع، بأسمى آيات التهنئة والتبريك، سائلاً الله العليَّ القدير أن يعيده علينا جميعاً بالخير واليُمْن والبركات. وكلّ عامٍ وأنتم بخير، وأسعد الله أيّامكم، وتقبَّل أعمالكم.

«الحمد لله الذي جعلنا وإيّاكم من المتمسِّكين بولاية أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب عليه السلام»

وللولاية في الإسلام معنىً عظيمٌ، نستفيده من قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ (المائدة: 3)، وهي الآية التي نزلت بعد حادثة الغدير الشهيرة، التي نادى بها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم بعليّ بن أبي طالب عليه السلام إماماً ووليّاً وخليفةً من بعده.

فالولاية، حسب الآية هي النعمة التامّة. ومن الطبيعي أن تستوجب مثلُ هذه النعمة الشكرَ الخالص، المتمثِّل بالقول والعمل: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ﴾ (سبأ: 13). فالعمل الصالح هو الشكر الحقيقيّ الخالص للنعمة التامّة والعظمى، وهي نعمة الولاية.

ومن جهة أخرى نقرأ في تحديد صفات الوليّ قولَه تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (المائدة: 55).

و(إنّما) تفيد الحصر، فلا ولاية إلاّ لمَنْ كان بهذه الصفات، وهي:

 1ـ أن يقيم الصلاة، بما تمثِّله من بُعدٍ عن المنكر، كلِّ منكَرٍ، فقد جاء في آيةٍ: ﴿وَأَقِمْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت: 45)، وجاء في الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ لم تَنْهَه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلاّ بُعْداً» (بحار الأنوار 79: 198).

2ـ أن يؤتي الزكاة، بما تمثِّله من تكافلٍ اجتماعيّ، ورعايةٍ للضعيف والمحتاج، وأداء لحقٍّ معلوم في المال، لا يجوز أن يُمنَع صاحبه منه: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (المعارج: 24 ـ 25).

3ـ أن يكون راكعاً، بما يمثِّله الركوع في العُرْف العامّ من الخضوع والاستسلام والانقياد، فلا أمر ولا نهي له مع مَنْ يركع له، بل هو التسليم المطلق لله سبحانه وتعالى. وهذا هو المعنى العميق للإسلام.

ولم تتعرَّض الآية لصفاتٍ أخرى، كالشجاعة، والجمال، والمال، والجاه، و…

فإذا كان المطلوب في الوليّ (مَنْ له الولاية) أن يكون طائعاً عابداً خاضعاً فكيف بالمَوالي (مَنْ هو وليٌّ عليهم) والتابعين؟! وهل يُعقَل أن يطالَب الوليُّ بالطاعة ويُعفى من ذلك مريدُه ووليُّه؟!

ومن هذا المنطلق، وفي عيد الغدير الأغرّ، لا بدّ من كلمةٍ لشيعة عليٍّ عليه السلام:

أيّها الأحبّة، حين نوالي عليّاً، وهو الإمام والوليّ المعصوم، فلا بدّ أن نستحضر أنَّنا قد اخترنا طريقاً شاقّاً وصعباً، طريقَ ذات الشوكة، طريقَ الجهاد والتصدّي، لا للعدوّ فحسب، بل للنفس الأمّارة بالسوء أيضاً، التي تلحُّ علينا في كلِّ حينٍ بالمعصية، وترغِّبها إلينا.

أَفيكفي أن نحبّ عليّاً ونتولاّه ثمّ لا نكون كما كان، مطيعين لله، منيبين إليه، متَّقين وَرِعين، نرقب الله عند كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، فلا نقدِّم رجلاً ولا نؤخِّر أخرى حتَّى نعلم أنّ ذلك لله رضا؟!

لا، واللهِ، لقد قالها عليٌّ عليه السلام قبل مئات السنين كلماتٍ خالدةً مدى العصور: «أفبهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قُدْسه، وتكونوا أعزَّ أوليائه عنده؟! هيهات، لا يُخدَع الله عن جنَّته».

فالخوفَ الخوفَ من الله سبحانه وتعالى، ربِّ عليٍّ، وسيِّد عليٍّ، وخالق عليٍّ، ورازق عليٍّ، والمثيب على حبِّ عليٍّ عليه السلام.

وأمّا ما يصدر من بعض الشيعة الأعزّاء ـ هداهم الله ـ من اندفاعٍ في الغلوّ، حتّى إنَّهم ليسيئون إلى الله سبحانه وتعالى، باسم الحُبِّ والعشق لعليٍّ عليه السلام، فيردِّدون:

أبا حسنٍ واليتُك اليومَ راضياً                                                 بما أنتَ فيه ليس لي عنك معزلُ

فلو أنَّ ربِّي في القيامة قال لي                                             دَعِ المرتضى أو تدخل النارَ أدخلُ

فهل يعي هؤلاء ما يقولون؟!

أَوَليس سببُ حبِّنا لعليٍّ أنّ الله قد أمر به، ولم يرضَ بغيره؟!

أَوَليست قيمةُ عليٍّ أنّه وليُّ الله، وحبيبُ الله، وأنَّ الله قد أمَّره على الناس كافّةً، وأمر بحبِّه وولايته؟!

فلو ـ والكلام هنا افتراضٌ ـ أنّ الله أمرنا بترك المرتضى عليٍّ عليه السلام، فهل نطيع اللهَ في أمره، أو نعصي اللهَ؛ حبّاً بعليٍّ؟! وأيُّ قيمة لذاك الحبّ حينئذٍ؟!

وكذلك هو حال ما يردِّده بعض الشيعة، بعشقٍ وحبٍّ لأمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، ولكنَّه في واقع الحال يُسيء إليه، ويتضمَّن منكَراتٍ عقائديّةً وشرعيّة، من قبيل:

«كيف لا أعبُد ربّاً كان ربَّك يا عليّ؛ كيف لا أَتْبَعُ رجلاً كان ابن عمِّك يا عليّ؛ كيف لا أحجّ بيتاً فيه وُلدتَ يا عليّ؛ كيف لا أقرأ وَحْياً نزل بإذنك يا عليّ؛ كيف لا أصلّي خمساً كما صلَّيْتَ يا عليّ؛ كيف لا أصوم شهراً به قُتلتَ يا عليّ؛ كيف لا ألعنُ جَهْراً مَنْ آذاكَ يا عليّ؛ كيف أخشى من نكيرٍ وهو يدري مَنْ عليّ؛ كيف أخشى من صراطٍ وأنت صراطي يا عليّ؛ سجِّروا النار لغيري أنا من حزب عليّ».

فنحنُ نعبد الله لأنّه خلقنا وهدانا، لا لأنّه ربُّ عليٍّ فحسب.

ونحن نتْبَعُ رسول الله؛ لأنّه الصادق المصدَّق بما جاء به من عند الله، وقد أوجب الله طاعته، ولا علاقة لذلك بقرابته من عليٍّ عليه السلام.

ونحن نحجّ بيت الله الحرام؛ ونتَّجه إليه في صلواتنا أيضاً؛ لأنّ الله أمر بذلك، لا لأنّ عليّاً قد وُلد فيه. وقد استقبل النبيُّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلَّم، والمسلمون معه، بيتَ المقدس في صلواتهم لأكثر من 13 سنة، مع أنّ عليّاً عليه السلام لم يرَه، ولم يمرَّ به.

ونحن نقرأ كتاب الله، الذي نزل بإذن الله على قلب ولسان رسوله وحبيبه محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم. ولا نؤمن قطُّ أنّه نزل بإذن عليٍّ عليه السلام. وفي الاعتقاد بذلك مشكلةٌ عقائديّة كبيرة، فلنلتفِتْ.

ونحن نصلّي ونصوم؛ لأنّ الله أمرنا بهذه العبادات بكيفيَّةٍ خاصّة، ولا علاقة لذلك كلِّه بما حصل مع عليٍّ عليه السلام، من صلاةٍ، أو صيام، أو قتل، أو…

ونحن نسأل الله أن يجنِّبنا أهوالَ القبر، ومنها: سؤال منكرٍ ونكير، وهما مَلَكان مأموران، كبقيَّة الملائكة، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. فأيُّ جرأةٍ منكَرةٍ في هذا التحدّي للمَلَك (نكير) بأنّه لا يُخْشى منه فهو يعرف مَنْ عليّ؟! فكأنَّه تهديدٌ ووعيد لهذا المَلَك الكريم. وعندما يأمره الله بأمرٍ فسيقوم به، ولن يخافَ من أحدٍ، ولن يتجرّأَ أحدٌ في الوجود أن يمنعَه من عمله.

نسأل الله العليَّ القدير أن يثبِّتنا على دينه، ولا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، إنَّه نِعْمَ المولى، ونِعْمَ النصير.


عدد التعليقات : 2 | أكتب تعليقك

  • عمران
    الأربعاء 23 أكتوبر 2013 | الساعة 09:04
    1

    السلام عليكم شيخنا الفاضل وفقت لهذا البحث واسال الله العلي القدير ان يزيدك توفيقا لطاعته وبعدا عن معصيته انه سميع مجيب

  • Ammar Alaskari
    الخميس 24 أكتوبر 2013 | الساعة 15:02
    2

    احسنم كثيرا ، ولكن قبل ذلك لابد ان نحدد مفهوم الغلو ، ونبين دائرته ونطاق حدوده،
    ثم بعد هذا ، ستواجهنا مشكلة اخرى ، وهي هل ان المصداق الكذائي ينطبق عليه
    حد الغلو او لا ؟
    جزاكم الله الف خير وكل عام وانتم بخير .


أكتب تعليقك