22 نوفمبر 2013
التصنيف : مجالس عزاء
لا تعليقات
2٬505 مشاهدة

مجلس عزاء حسيني: [وجوب مودّة قربى رسول الله(ص)]

(بتاريخ: الجمعة 22 ـ 11 ـ 2013م، في مسجد الإمام الحسن(ع)، في تعمير حارة صيدا)

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه وبليغ خطابه: ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى: 23).

في قصص عددٍ من أنبياء الله(عم)، كنوح وهود وصالح ولوط وشعيب، يذكر لنا القرآن الكريم أنّهم وقفوا أمام أقوامهم ليقولوا: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الشعراء: 109، 127، 145، 164، 180).

بينما نجد في الآية التي تلوناها أنّ أمراً إلهيّاً قد صدر لرسول الله الأكرم محمد(ص) بأن يسأل قومَه أجراً على مهمّته، أجراً على أداء الرسالة إليهم من ربّه، ألا وهو (المودّة في القربى).

ما هي المودّة؟ ومَنْ هم القُرْبى؟

1ـ ما هي المودّة؟

هناك فرقٌ بين المحبّة والمودّة؛ فالمحبّة عبارة عن مشاعر داخليّة تجاه شخصٍ أو شيء؛ وأمّا المودّة فهي عبارة عن المحبّة مصحوبةً بسلوكٍ وعملٍ يعكس هذه المشاعر ويبرزها.

فالحبّ حبّان: كاذبٌ، وهو ما لم تتجاوز المشاعرُ حدودَ القلب؛ وصادق، وهو ما ترجمه السلوك في الخارج.

تعصي الإلهَ وأنتَ تُظهر حبَّه

هذا لعَمْري في الفِعال بَديعُ

لو كان حبُّك صادقاً لأَطَعْتَه

إنّ المُحِبَّ لمَنْ يحبُّ مطيعُ

إذاً فالمودّة هي الحبّ الصادق الذي تصدِّقه الأفعال وتشهد عليه المواقف.

وعليه فالآية كانت دقيقة في التعبير بـ (المودّة). فالمطلوب والواجب هو المودّة، لا المحبّة فحَسْب.

تماماً كما في الآية التي ترسم لنا معالم الحياة الزوجية، وكيف ينبغي أن تكون؟: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21). فالمطلوب هو المودّة، لا مجرّد الحبّ، المودّة التي تنعكس رحمةً، وتُترجَم صبراً على الأذى، وتتمظهر تضحيةً ووفاءً.

وهذه المودّة هي أجرُ الرسالة، وكلُّنا يعلم أنّ من لم يعطِ الأجير أجرَه كان خائناً، وأيُّ خيانةٍ هنا؟ إنّها خيانة الله عزَّ وجلَّ، وخيانة رسول الله(ص).

وخلاصة الكلام أنّ المودّة لقربى رسول الله(ص) واجبةٌ بنصّ القرآن الكريم، وأنّ عدم مودّتهم خيانةٌ لله ولرسوله.

وبما أنّ المودّة هي المشاعر التي تصدِّقها الأفعال فنحن مأمورون بالالتزام بما جاء به النبيُّ(ص) وأهلُ بيته(عم)؛ لكي تتحقَّق منّا المودّة والمحبّة الصادقة لهم(عم).

وهذا ما أكّدته رواياتٌ صحيحة عن أئمّة أهل البيت(عم): «حَسْبُ [يعني أيكفي] الرجل أن يقول: أحبّ علياً وأتولاّه ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال: إنّي أحبُّ رسول الله، فرسول الله(ص) خيرٌ من عليّ(ع)، ثم لا يتَّبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبُّه إيّاه شيئاً».

2ـ مَنْ هم القُربى؟

روى جماعةٌ من محدِّثي أهل السنّة، ومنهم أحمد بن حنبل، بسندٍ صحيح عن ابن عبّاس أنّه قال: لما نزلت ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قالوا: يا رسول الله، مَنْ قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودَّتُهم؟ قال: «عليٌّ وفاطمة، وابناهما».

والروايات في كتب الحديث الشيعية مستفيضةٌ في هذا المعنى، ولا داعي لاستحضارها.

وتكفينا هذه الروايات لتحديد هويّة (القربى) الذين أُمرنا بمودّتهم.

وإنْ شئتَ مزيداً من بيان فنقول: قد روى البخاري ومسلم في صحيحَيْهما أنّ النبيّ(ص) قال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده». وزاد مسلم: «والناس أجمعين».

وفي (مسند أحمد بن حنبل 4: 172)، وغيره، وصحَّحه الحاكم في (المستدرك 3: 177)، أنّ النبيّ(ص) قال: «حسين منّي، وأنا من حسين، أحبَّ الله مَنْ أحبَّ حسيناً، حسينٌ سبطٌ من الأسباط».

وبعمليّة بسيطة جدّاً:

لا يؤمن أحدُنا حتّى يكون رسولُ الله أحبَّ الناس إليه،

والحسين من رسول الله(ص)،

إذاً لا يؤمن أحدُنا حتّى يكون الحسينُ أحبَّ الناس إليه.

وهكذا بالنسبة إلى الحسن، فهو صنوُ الحسين(ع)، لا يختلف عنه.

وهكذا بالنسبة إلى الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عا)، فعن النبيّ(ص): فاطمة بضعةٌ منّي، وروحي التي بين جنبيّ.

وهكذا بالنسبة إلى عليّ(ع)، فهو نفسُ رسول الله(ص)؛ بنصّ آية المباهلة: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ (آل عمران: 61).

وعليه لا يؤمن أحدُنا، أي لا يستوفي الإيمان، وهو قِوام الرسالة، إلاّ بأداء الأجر المقرَّر، وهو أن يكون عليٌّ وفاطمة وابناهما أحبَّ الناس إليه.

فما بالُ المعروف ينقلب منكراً، والمنكر ينقلب معروفاً، في هذا الزمان، فيُعاب علينا بحبِّنا للحسين(ع).

لماذا تقيمون المآتم على الحسين(ع)؟! لماذا تحيون ذكرى عاشوراء في كلّ سنة؟!

أيّها الأحبّة، أيّها الإخوة، مودَّة الحسين(ع) واجبةٌ بنصّ القرآن الكريم؛ لأنّه من القربى. فكيف نودُّه؟

نودّه بالتزام تعاليمه، نودّه بالاقتداء بنهجه، نودّه بإحياء أمره، نودّه بإظهار الحزن والأسى لشهادته، نودّه بإقامة المآتم لمصيبته.

أخي المسلم، أنتَ مكلَّفٌ بمودّة الحسين وأخيه، وأمّه وأبيه. أنتَ مكلَّفٌ بإظهار حبِّك لهم في سلوكك وأفعالك. فكيف تظهره؟

بالله عليك، لو فقدتَ عزيزاً ـ لا فجعكم الله بعزيزٍ ـ فكيف تعبِّر عن حبّك له، واحترامك إيّاه، وحزنك على فراقه؟

تبكي، تلطم، تتَّشح بالسواد، تقيم المآتم.

وهذا ما نفعله نحن؛ تأسِّياً بأئمّتنا(عم)، الذين لم يتركوا فرصةً إلاّ ودعَوْا لإقامة المآتم على سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين(ع)، وأقاموها بأنفسهم.



أكتب تعليقك