23 سبتمبر 2023
التصنيف : تعليقات لتصحيح الاعتقادات
لا تعليقات
1٬108 مشاهدة

بنتان وحيدتان للحسين(ع)

أخي المؤمن، أختي المؤمنة

هل تعلمان

أن الأوائل من العلماء المحدِّثين والمؤرِّخين (منذ عصر الحسين(ع)، مروراً بعصر الغَيْبة [260هـ إلى 330هـ]، وصولاً إلى عصر الشيخ الطوسيّ وما تبعه [إلى 550هـ]) قد ذكروا أن للإمام الحسين بن عليّ(ع) بنتَيْن فقط، وهما: فاطمة؛ وسَكِينة [آمنة أو أمينة أو أميمة]؟

وقد قال الشيخ المفيد(413هـ)، في كتابه (الإرشاد 2: 135)، بضرسٍ قاطعٍ: كان للحسين(ع) ستّة أولاد: عليّ الأكبر [زين العابدين، وأمُّه: شاه زنان بنت كسرى يزدجرد؛ وعليّ الأصغر [المعروف بالأكبر، وأمُّه: ليلى بنت أبي مرّة الثقفية، وقتل مع أبيه بالطفّ]؛ وجعفر [أمُّه قضاعيّة، وتوفّي في حياة أبيه]؛ وعبد الله [أمُّه: الرباب بنت امرئ القيس الكلبيّة، ذُبح بسهمٍ وهو صغيرٌ في حِجْر أبيه]؛ وسَكِينة [أمُّها: الرباب أيضاً، فهي شقيقة عبد الله]؛ وفاطمة [أمُّها: أمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيميّة].

ولم يذكروا له(ع) بنتاً ثالثةً، ولا رابعةً، ولا…

ثمّ بعد ذلك بقرونٍ أُضيفَتْ إليهما بنتان،

وأوّل مَنْ قال بوجود أربع بنات هو: ابن فندق (عليّ بن أبي القاسم بن زيد البيهقيّ)(565هـ)، في كتابه (لباب الأنساب والألقاب والأعقاب)، وذكر أسماءَهُنّ، كما يلي: فاطمة، سَكِينة، زينب، أمّ كلثوم [ولعلّها هي نفسها (رقيّة)، كما سمّاها حين ذكر الباقين من أولاد الحسين(ع): زين العابدين(ع)، وفاطمة، وسَكِينة، ورقيّة]. وادّعى أن أمَّ زينب وأمِّ كلثوم هي شهربانو بنت يزدجر، وأنهما ماتتا صغيرتين.

فتصوَّرْ أن يكون وجود ابنتَيْن لا غير هو المعروف عند علمائنا طيلة 5 قرونٍ، حتّى يأتي عالِمٌ من بلاد فارس ويدَّعي وجود ابنتَيْن أُخريَيْن!

لكنّ مَنْ جاؤوا بعده بقرنٍ من الزمن لم يجرؤوا على التسمية:

أما كمال الدين محمد بن طلحة الشافعيّ(652هـ)، في كتابه (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول)، فقد ذكر أن للحسين(ع) أربع بنات، وسمّى ثلاثةً منهنّ فقط: فاطمة، سَكِينة، زينب.

وأما عماد الدين الحسن بن عليّ الطبريّ(675هـ)، في كتابه (كامل بهائي)، فقد ذكر أنه كان للحسين(ع) بنتٌ عمرها أربع سنوات، وقد وصلَتْ مع ركب السبايا إلى الشام، وطلبَتْ رؤية أبيها، فجاؤوا لها برأسه الشريف، فبكَتْ وناحَتْ وجزعَتْ، وماتَتْ كَمَداً فوقه. ولكنّه لم يسمِّ هذه البنت [التي تُدْعَى اليوم رقيّة].

وأما بهاء الدين عليّ بن عيسى الإربليّ(692هـ)، في كتابه (كشف الغمّة بمعرفة الأئمّة)، فقد التزم بنفس ما ذكره ابن طلحة الشافعيّ تماماً [أربع بنات، وسمّى ثلاثةً منهنّ فقط: فاطمة، سَكِينة، زينب].

وهكذا توسَّع الاختلاف في اسمَيْ البنتَيْن الجديدتَيْن بين العلماء المتأخِّرين:

فجعلوا اسمَ البنت الثالثة مردَّداً بين: زينب؛ وعاتكة؛ ورقيّة [وأمُّها مردَّدةٌ عندهم بين: أمّ إسحاق بنت طلحة؛ فتكون الأخت الشقيقة لفاطمة؛ وبين شهربانو بنت يزدجر؛ فتكون الأخت الشقيقة للإمام السجّاد(ع)]؛ وأمّ كلثوم؛ وصفيّة؛

وأما البنت الرابعة فبقيَتْ مجهولة الاسم، عند أغلبهم.

ولعلّ في هذا الاختلاف والمجهوليّة ما يشي بأن البنتَيْن الثالثة والرابعة من المُخْتَرَعات والمنسوبات كَذِباً وزُوراً إلى المولى سيّد الشهداء(ع).

وأيُّ خَيْبةٍ في أن نتركَ كلام القريب من عصر الحسين(ع) وما تلاه، ونأخذَ بكلام البعيد عنه بأزيد من 5 قرون (500 سنة)؟!

إذن، هما ابنتان وحيدتان، لا غير:

1ـ فاطمة بنت الحسين(40هـ ـ 110 أو 117هـ)، وهي أكبر البنتين. وكان عمرُها في عاشوراء 20 سنة. وذكروا أن أمَّها هي أمّ إسحاق بنت الصحابيّ طلحة بن عُبَيْد الله التَّيْميّ [أحد أعضاء الشورى لاختيار خليفةٍ بعد عمر بن الخطّاب]، ويُقال: إنها كانت زوجةً للحسن بن عليّ(ع)، وقد أوصى أخاه الحسين(ع) بأن يتزوَّجها من بعده، ففعل، وولدَتْ له فاطمة. ولكنّ فاطمة وُلدَتْ في عام 40هـ، وقد استشهد الحسن(ع) عام 51هـ، فكيف يكون الحسين قد تزوَّجها بعد شهادة أخيه، وقد وَلَدَتْ له فاطمة قبل ذلك؟! وعليه: إمّا أن تكون فاطمة قد وُلدَتْ بعد عام 52هـ، وبذلك تكون دون التاسعة في كربلاء [وهذا يتنافى مع كونها أكبر من أختها سَكِينة، كما أجمع المؤرِّخون، ومع زواجها من ابن عمِّها في حياة أبيها ـ كما سيأتي ـ، ومع كون أبيها الحسين(ع) قد خصَّها بالوصيّة؛ لأن الإمام السجّاد(ع) كان مريضاً]؛ وإمّا أن تكون أمُّها امرأةً أخرى، وقد ذكروا أنها شهربانو بنت يزدجر؛ فتكون الأخت الشقيقة للإمام السجّاد(ع). إذن، هناك شكٌّ كبيرٌ في زواج الحسين(ع) من هذه المرأة.

2ـ سَكِينة بنت الحسين(42هـ ـ 117هـ)، وهي أصغر البنتين، وأمُّها: الرباب بنت امرئ القَيْس بن عَدِيّ الكلبيّ. وكانت سَكِينةُ سيّدةَ نساء عصرها. وكان عمرُها في عاشوراء 18 سنة؛ ويشهد لذلك أنها كانت قد بلغَتْ مبلغ النساء (القدرة على النكاح)، وكان أبوها الحسين(ع) قد زوَّجها من عبد الله الأكبر بن الإمام الحسن(قبل 46هـ ـ 61هـ) [وأمُّه رَمْلة]، لكنّه قُتل في كربلاء ـ مع عمِّه ـ قبل أن يبني [يدخل] بها. ويؤيِّد هذا المعنى أن الحسن المُثَنَّى(37هـ ـ 97هـ) ـ وهو ابن الحسن المجتبى بن أمير المؤمنين(ع) ـ أتى عمَّه الحسين يخطب إحدى ابنتَيْه: فاطمة؛ وسَكِينة، فقال له أبو عبد الله(ع): أختار لك فاطمة؛ فهي أكثر شَبَهاً بأمّي فاطمة بنت رسول الله(ص)، أما في الدِّين فتقوم الليل كلَّه وتصوم النهار، وفي الجمال تشبه الحُورَ العين.
وأما سَكِينة فغالبٌ عليها الاستغراق مع الله، فلا تصلح لرجلٍ. ويؤكِّد هذا الأمر خطابُ الحسين(ع) لها بـ (خِيرة النِّسْوان) ـ وهو لا يُطْلَق على الأطفال أو الصغار ـ، حيث قال لها عندما ودَّع عياله ـ وكانت شابّةً، لا صغيرةً ـ:

  سيَطولُ بَعْدي يا سَكِـينَةُ فاعْلَمِـي          منكِ البُكاءُ إذا الحِمـامُ دهــاني

  لا تُحْرِقي  قلبي  بدمعِـكِ  حَسْـرةً           ما دامَ منِّي الرُّوحُ في جُثْمَانـي

  فَإِذا قُــتِـلْـتُ فَـأَنْـتِ أَوْلَـى بِـالَّــذِي           تَأْتِينَـــهُ يَـا خِــيــرَةَ النِّــسْــــوَانِ

وأما ما يُذكَر من أن الحسين(ع) نادى على بعض أخواته ونسائه وبناته [ومنهنّ: رقيّة، وأمّ كلثوم، وزينب] في موضعين:

عندما أراد الوداع الأخير، فنادى: يا أمَّ كلثوم، يا زينب، يا رقيّة، يا فاطمة، يا رباب [ولعلّ سَكِينة لم تكُنْ حاضرةً؛ إذ لم تُطِقْ حضور هذا الوداع، ولهذا لم يذكُرْها الحسين(ع)]، انظُرْنَ إذا أنا قُتِلْتُ ، فلا تَشْقُقْنَ عَلَيَّ جَيْباً، ولا تَخْمِشْنَ عَلَيَّ وَجْهاً، ولا تَقُلْنَ عَلَيَّ هَجْراً…، إلخ؛

عندما سقط من على ظهر جواده، مضرَّجاً بدمائه، فنادى: يا سَكِينة، يا فاطمة، يا زينب، يا أمَّ كلثوم، عليكُنَّ منّي السلام…، إلخ،

فالظاهر أنّه(ع) نادى على أخواته، وهُنَّ: أمّ كلثوم؛ وزينب؛ ورقيّة [زوجة مسلم بن عقيل، وأمّ حَمِيدة بنت مسلم]، وهُنَّ بنات أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) ـ من فاطمة الزهراء(عا) وغيرها ـ، وهُنَّ أخوات الحسين(ع). كما نادى على زوجته الوحيدة الحاضرة ـ والمحبوبة لديه ـ، وهي الرَّباب [وأما زوجته الثانية أمّ إسحاق بنت طلحة ـ إذا تجاوَزْنا الشكَّ في أنها كانت زوجةً للحسين(ع)، كما تقدَّم ـ فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني، في الأغاني، أنها كانت من أجمل نساء قريش، وأسوأهنّ خُلُقاً؛ ولعلّه لذلك لم يصطحبها معه]. كما نادى على ابنتَيْه الوحيدتين: فاطمة؛ وسَكِينة.

وعليه:

لا وجود لفاطمتَيْن (صغرى؛ وكبرى)،

ولا وجود لزينب، أو عاتكة، أو رقيّة، أو أمّ كلثوم،

فضلاً عن خَوْلة وصفيّة، اللتين هما من المختَرَعات الحديثة جدّاً…

وقد يطول حَبْلُ الكَذِب؛ ليشمل العَشَرات من المقامات هنا وهناك.

ويجدر التنبيه إلى أن نسبةَ أيِّ بنتٍ (غير سَكِينة وفاطمة) إلى سيّد الشهداء(ع) هو من الكَذِب على الله وأهل البيت(عم)،

وهو حرامٌ تكليفاً (يأثم صاحبُه)،

ومن المفطِّرات في نهار شهر رمضان ـ في رأيٍ فقهيّ ـ؛

لأن الكذب على الله ورسوله وأهل البيت(عم) يكون عبر طريقين:

١ـ نسبة قولٍ إليهم، ولم يقولوه؛

٢ـ نسبة فعلٍ إليهم، ولم يفعلوه.

ونسبةُ بنتٍ (غير سَكِينة وفاطمة) إلى الحسين(ع):

هي كَذِبٌ على الله جلَّ جلاله؛ لأنها نسبةُ فعلٍ إليه، وهو خلقُ هذا الكائن البشريّ من صُلْب الحسين(ع)، وهو لم يفعل ذلك، وعلى الأقلّ ليس هناك قَطْعٌ ويقينٌ بأن الله فعل ذلك.

وهي كَذِبٌ على الحسين(ع)؛ لأنها نسبةُ فعلٍ إليه أيضاً، وهو أنه وَلَد كائناً بشريّاً من صُلْبه، بينما هو لم يفعل ذلك، أو إننا نشكّ في ذلك، ولا نجزم به.

عبادَ الله، الحَذَر الحَذَر؛

فالكَذِبُ حرامٌ تكليفاً، وآثِمٌ صاحبُه،

وأخطرُه وأفحشُه الكَذِب على الله أو الرسول(ص) أو الإمام(ع)،

ومنه: نسبةُ ولدٍ أو بنتٍ إليهم، مع عدم الدليل التامّ والقَطْعيّ على ذلك.

ومع عدم وجود بناتٍ للحسين(ع) غير (فاطمة؛ وسَكِينة) فإن ما يتعلَّق بهؤلاء البنات المختَرَعات (رقيّة، وخولة، وصفيّة) يكون باطلاً في باطلٍ:

فالمقامات المنسوبة إليهنَّ مَحْضُ كَذِبٍ وافتراء،

والزيارات الخاصّة بهنَّ (المعلَّقة في المقامات) موضوعةٌ منحولةٌ، وعُصارةُ مَكْرٍ ودَهَاء،

والمشي إلى هذه المقامات خلاصةُ سَخَافةٍ وهُرَاء.

ثبَّتَنا اللهُ بالقول الثابت، والعمل الصالح، في هذه الحياة الدنيا؛

لنكون من الفائزين في الآخرة،

وحَشَرَنا مع النبيّ الأكرم محمدٍ(ص) وعترته الطاهرة(عم).



أكتب تعليقك