7 فبراير 2015
التصنيف : سلسلة (سؤال وجواب)
التعليقات : 1
6٬186 مشاهدة

«سيِّدةُ نساء العالمين»، بين مريم البتول وفاطمة الزهراء(عليهما السلام)

2015-02-07-سيِّدةُ نساء العالمين، بين مريم البتول وفاطمة الزهراء(عليهما السلام)ـ - Copy

(بتاريخ: السبت 7 / 2 / 2015م)

السلام عليكم شيخنا الجليل. ورد أن السيدة مريم سيِّدة نساء عالمها، بينما السيِّدة الزهراء(عا) سيِّدة نساء العالمين من الأوَّلين والآخرين. أليس هذا يعارض قوله تعالى في حقِّ مريم: ﴿وَإِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾؟

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله الأكرم(ص) وآله الأطهار(عم)، وجميع الأنبياء والأولياء والصالحين.

ظاهرُ الآية القرآنيّة الكريمة: ﴿وَإِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ هو العموم، وأنّ السيِّدة الجليلة مريم ابنة عمران هي سيِّدةُ نساء أهل الأرض أجمعين. وهذا العموم مستفادٌ من الجمع المحلَّى بالألف واللام ﴿الْعَالَمِينَ﴾؛ حيث إنَّه مفيدٌ للعموم لغةً وعُرْفاً.

ولكنَّ هذا العموم الظاهر يمكن رفع اليد عنه بأسبابٍ عديدة؛ كما لو جاء المخصِّص له في آيةٍ قرآنيّة كريمة؛ أو في روايةٍ شريفة، صحيحة ومعتَبَرة، تكون حجّةً في التفسير وبيان المعنى الحقّ. فهل لمثل هذه الروايات وجودٌ في تراثنا الحديثي؟

نتعرَّض في ما يلي لأهمّ وأبرز ما رُوي في هذا المجال، من حيث السند والدلالة:

روى الشيخ الصدوق في (الأمالي: 574 ـ 575)، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني(ر)، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن جعفر بن سلمة الأهوازي، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن إبراهيم بن موسى ابن أخت الواقدي، عن أبي قتادة الحراني، عن عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي، عن سعيد بن المسيَّب، عن ابن عبّاس، قال: إنّ رسول الله(ص)…، «وإنَّها [أي الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عا)] لسيِّدة نساء العالَمين»، فقيل له: يا رسول الله، أهي سيِّدة نساء عالمها؟ فقال النبيُّ(ص): «ذاك لمريم بنت عمران؛ فأمّا ابنتي فاطمة فهي سيِّدة نساء العالمين، من الأوَّلين والآخرين».

وهذا الحديث ضعيفٌ سنداً؛ لعدم ثبوت وثاقة كلٍّ من: جعفر بن سلمة الأهوازي، وإبراهيم بن موسى ابن أخت الواقدي.

وأمّا إبراهيم بن محمد الثقفي فهو مهمَلٌ عند أئمّة الجرح والتعديل من الشيعة الإماميّة. فأدنى ما يُقال فيه: لم تثبت وثاقته. وأمّا السنّة فقد طعنوا فيه لأنّه كان غالياً في الرَّفْض، وهذا تقييمٌ مذهبيّ، لا علاقة له بالصِّدْق أو الكذب في الرواية.

وأمّا أبو قتادة الحراني فقد «وثَّقه أحمد، وقال: كان يتحرَّى الصدق، وأنكر على مَنْ نسبه إلى الكذب، وضعَّفه البخاري وغيره، وقال بعضهم: متروك»([1])؛ وهو مهمَلٌ عند أئمّة الجرح والتعديل من الشيعة الإماميّة، فأدنى ما يُقال فيه: لم تثبت وثاقته.

وأمّا عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي فقد حسَّنه أئمّة الجرح والتعديل من أهل السنّة([2])، ولكنَّه مهمَلٌ عند الشيعة الإماميّة.

ودلالة هذه الرواية أنّ الزهراء(عا) هي سيِّدة نساء أهل الأرض أجمعين، في حين أنّ مريم بنت عمران هي سيِّدة نساء عالمها، لا غَيْر.

وروى الشيخ الصدوق أيضاً في (علل الشرائع 1: 182)، عن أحمد بن الحسن القطّان، عن الحسن بن عليّ السكّري، عن محمد بن زكريّا الجوهري، عن شعيب بن واقد، عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن عليّ قال: سمعتُ أبا عبد الله(ع) يقول: «إنما سميت فاطمة(عا) محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة، اللهُ اصطفاكِ وطهَّركِ واصطفاكِ على نساء العالمين. يا فاطمة، اقنُتي لربِّكِ واسجُدي وارْكَعي مع الراكعين. فتحدِّثهم ويحدِّثونها، فقالت لهم ذات ليلةٍ: أليسَتْ المفضَّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيِّدة نساء عالمها، وإنّ الله عزَّ وجلَّ جعلك سيِّدة نساء عالمكِ وعالمها، وسيِّدة نساء الأوَّلين والآخرين».

وروى هذه الرواية بعينها محمد بن جرير الطبري مكرَّراً في (دلائل الإمامة: 80 ـ 81، 152)، عن أبي الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن موسى [وهو الشيخ الصدوق]، عن أحمد بن الحسن القطّان، عن الحسن بن علي السكّري، عن محمد بن زكريّا الجوهري، عن شعيب بن واقد، عن إسحاق بن جعفر بن محمد، عن عيسى بن زيد بن عليّ(ع)…، إلاّ أنّ في المورد الأوّل ـ وهو (دلائل الإمامة: 80 ـ 81) ـ: وإنّ اللهَ جعلك سيِّدة عالمك، وسيِّدة نساء الأوَّلين والآخرين.

وعليه فالظاهر أنّ إسحاق بن جعفر بن محمد هو ابن الإمام الصادق(ع)، «وكان إسحاق بن جعفر من أهل الفضل والصلاح والورع والاجتهاد، وروى عنه الناس الحديث والآثار، وكان ابن كاسب إذا حدَّث عنه يقول: حدَّثني الثقة الرضيّ إسحاق بن جعفر. وكان إسحاق يقول بإمامة أخيه موسى بن جعفر(ع)، وروى عن أبيه النصّ بالإمامة على أخيه موسى(ع)»([3]).

وهذا الحديث ضعيفٌ سنداً؛ لعدم ثبوت وثاقة كلٍّ من: أحمد بن الحسن القطّان، والحسن بن عليّ السكري، ومحمد بن زكريّا الجوهري، وشعيب بن واقد،

وأمّا عيسى بن زيد بن عليّ فهو ابن الحسين(ع)، وقد كان «من ثقات محمد بن عبد الله بن الحسن، وكان على شرطته»([4])، و«له كلامٌ خَشِن مع أبي عبد الله(ع)، لو صحَّ فإنّه يظهر منه خبثه وجرأته على الله، وعلى رسوله. لكنَّ الرواية ضعيفة السند»([5]).

ودلالة هذه الرواية أنّ الزهراء(عا) سيِّدة نساء أهل الأرض جميعاً، بخلاف مريم ابنة عمران التي هي سيِّدة نساء عالمها فقط.

وروى الشيخ الصدوق أيضاً في (معاني الأخبار: 107)، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني(ر)، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضَّل بن عمر قال: قلتُ لأبي عبد الله(ع): أخبرني عن قول رسول الله(ص) في فاطمة: «إنّها سيِّدة نساء العالمين»، أهي سيِّدة نساء عالمها؟ فقال: «ذاك لمريم، كانت سيِّدة نساء عالمها، وفاطمة سيِّدة نساء العالمين من الأوَّلين والآخرين».

وروى هذه الرواية بعينها محمد بن جرير الطبري في (دلائل الإمامة: 149)، عن الشريف أبي محمد الحسن بن أحمد المحمدي النقيب، عن أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن موسى [وهو الشيخ الصدوق]، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني….

وهذا الحديث ضعيفٌ سنداً؛ لا أقلّ لعدم ثبوت وثاقة محمد بن سنان.

ونحن نتوقَّف في روايات إبراهيم بن هاشم، خلافاً لكثيرٍ من العلماء؛ لعدم النصّ على توثيقه. وما ذُكِر من أدلّةٍ للاعتماد على رواياته مخدوشٌ كلُّه.

كما أنّ روايات المفضَّل بن عمر عن الصادق(ع) تحتاج إلى تمحيصٍ؛ إذ الرواياتُ الذامّة له كلُّها صدرَتْ عن الإمام الصادق(ع)، أمّا الروايات المادحة فقد صدرَتْ عنه وعن الإمامين الكاظم والرضا(عم). وخيرُ تفسيرٍ لهذا أنّه كانت للرجل فترةُ تحوُّلٍ عقائديّ، ولكنَّها فترةٌ محدودة، ولهذا اضطربت رواياته ـ كما يصفها النجاشي ـ. ومن هنا نحن نأخذ برواياته عن الإمامين الكاظم والرضا(عما)، وأمّا رواياته عن الإمام الصادق(ع)، ولا سيَّما المعلوم كونُها في فترةٍ متقدِّمة أو تلك التي تتضمَّن قضايا تتناسب مع ثقافة الغلوّ والباطنية، فتحتاج إلى التثبُّت والتريُّث.

ودلالة هذه الرواية كدلالة الروايتين السابقتَيْن، فلا نعيد.

وروى محمد بن سليمان الكوفي في (مناقب الإمام أمير المؤمنين(ع) 2: 197)، عن أحمد بن السري المصري، عن أحمد بن حمّاد، عن عنبسة بن بجاد، عن الحسين بن عليّ بن الحسين، [عن أبيه، عن جدّه]، قال: قال رسول الله(ص): «فاطمة سيِّدة نساء العالَمين». [قال:] فما ترك أنْ قيل له: فمريم؟ قال: «تلك سيِّدة نساء عالمها، وهذه سيِّدة نساء عالمها».

وروى محمد بن سليمان الكوفي في (مناقب الإمام أمير المؤمنين(ع) 2: 513)، عن [أحمد بن] السري المصري، عن أحمد بن عيسى بن عبد الله بن العمري، عن أحمد بن حمّاد، عن عنبسة بن بجاد، عن حسين بن عليّ بن الحسين، [عن أبيه، عن جدّه]، قال: قال رسول الله(ص): «عليٌّ سيِّد العَرَب»، فما ترك أن قيل له: فأنت؟ قال: «أنا سيِّد وُلْد آدم». قال: وقال [رسول الله]: «فاطمة سيِّدة نساء العالمين»، فما ترك أن قيل له: فمريم وآسية؟ فقال: «تلك سيِّدة نساء عالمها، وهذه سيِّدة نساء عالمها». وقال: «الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنّة»، فما ترك أن قيل: فابنا هارون؟ فقال: «ذانك سيِّدا شباب عالمهما، وهذان سيِّدا شباب عالمهما».

وهذا الحديث ضعيفٌ سنداً؛ لعدم ثبوت وثاقة كلٍّ من: محمد بن سليمان الكوفي، وأحمد بن السري المصري، وأحمد بن عيسى بن عبد الله بن العمري، وأحمد بن حمّاد.

ودلالة هذه الرواية تختلف عن دلالة ما سبقها، فإنَّها تشير إلى أنّ السيِّدة فاطمة الزهراء(عا) هي سيِّدة نساء عالمها فحَسْب، كما كانت كلٌّ من: مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم ـ زوجة فرعون ـ سيِّدةَ نساء عالمها.

وروى الطوسي في (الأمالي: 554 ـ 555)، عن جماعةٍ، عن أبي المفضَّل، عن حسن بن محمد بن شعبة الأنصاري ومحمد بن جعفر بن رميس الهبيري بالقَصْر وعليّ بن الحسين بن كأس النخعي بالرَّمْلة وأحمد بن محمد بن سعيد الهمداني [كلِّهم]، عن أحمد بن يحيى بن زكريا الأزدي الصوفي، عن عمرو بن حمّاد بن طلحة القناد، عن إسحاق بن إبراهيم الأزدي، عن معروف بن خربوذ وزياد بن المنذر وسعيد بن محمد الأسلمي [جميعاً]، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني، قال: لمّا احتضر عمر بن الخطاب جعلها شورى بين ستّة؛ بين عليّ بن أبي طالب(ع) وعثمان بن عفان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقّاص وعبد الرحمن بن عَوْف. وعبد الله بن عمر في مَنْ يشاوَر ولا يولَّى. قال أبو الطفيل: فلمّا اجتمعوا أجلسوني على الباب، أردّ عنهم الناس، فقال عليّ(ع): «إنَّكم قد اجتمعتُمْ لِما اجتمعتم له، فأنصِتوا فأتكلَّم، فإنْ قلتُ حقّاً صدَّقتموني، وإنْ قلتُ باطلاً رُدّوا عليَّ ولا تهابوني، إنَّما أنا رجلٌ كأحدكم. أُنشدكم بالله، هل فيكم أحدٌ له مثل ابن عمّي(ص)، وأقرب إليه رحماً منّي؟»، قالوا: اللهمّ لا. قال: «فأنشدكم بالله، هل فيكم أحدٌ له مثل عمّي…». قال: «فأُنشدكم بالله، هل فيكم أحدٌ له زوجةٌ مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله(ص)، سيِّدة نساء عالمها في الجنّة؟»، قالوا: اللهمّ لا….

والظاهر أنّ زياد بن المنذر هو أبو الجارود الثقفي، هو ثقةٌ.

وهذا الحديث ضعيفٌ سنداً؛ فإنّ فيه أبا المفضَّل الشيباني، وهو كذّابٌ وضّاع؛ ولعدم ثبوت وثاقة كلٍّ من: أحمد بن يحيى بن زكريا الأزدي الصوفي، وإسحاق بن إبراهيم الأزدي.

ورغم عدم ثبوت وثاقة كلٍّ من: محمد بن جعفر بن رميس الهبيري، وعليّ بن الحسين بن كأس النخعي، فإنَّهما لا يضرّان بهذا السند؛ لأنّه يشاركهما في نقله الحسنُ بن محمد بن شعبة الأنصاري، وقد وثَّقه أئمّة الجرح والتعديل عند أهل السنّة([6])، ولكنَّه مهمَلٌ عند الشيعة الإماميّة؛ كما يشاركهم في نقله أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، المعروف بـ (ابن عقدة)، وهو ثقةٌ.

ولا يضرُّه أيضاً عدم ثبوت وثاقة سعيد بن محمد الأسلمي؛ لأنّه يشاركه في نقل هذا الحديث كلٌّ من: معروف بن خربوذ القرشي، وزياد بن المنذر الثقفي، وهما ثقتان.

وأمّا عمرو بن حمّاد بن طلحة القناد [أو القتاد] فقد وثَّقه أئمّة الجرح والتعديل عند أهل السنّة([7])، لكنَّه مهمَلٌ عند الشيعة الإماميّة.

ودلالة هذه الرواية أنّ فاطمة الزهراء(عا) سيِّدة نساء عالمها، ولا يتعارض ذلك مع كون مريم ابنة عمران(عا) سيِّدة نساء عالمها أيضاً، بل سيِّدة نساء العالمين جميعاً.

وإلى هُنا لم يثبت صدورُ حديثٍ عن أحد المعصومين(عم) يخصِّص عموم الآية المباركة: ﴿وَإِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾، في دلالةٍ واضحة على أنّ السيِّدة الزهراء(عا) هي سيِّدة نساء العالمين جميعاً.

نعم، روى الحاكم النيسابوري في (المستدرك على الصحيحين 3: 156)، عن زكريّا بن أبي زائد، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة(رضا)، أنّ النبيّ(ص) قال، وهو في مرضه الذي تُوفِّي فيه: «يا فاطمة، ألا ترضَيْن أن تكوني سيِّدة نساء العالمين، وسيِّدة نساء هذه الأمّة، وسيِّدة نساء المؤمنين». ثمّ قال الحاكم: «هذا إسنادٌ صحيح، ولم يخرِّجاه هكذا».

وإذا سلَّمنا بصحّة هذا الحديث وصدوره سيكون هو الدليلَ الوحيد على أنّ فاطمة الزهراء(عا) هي سيِّدةُ نساء أهل الأرض أجمعين، وبالتالي سيكون هذا الحديث مخصِّصاً للعموم المستفاد من الآية الكريمة المتقدِّمة.

ولكنَّ هذا الحديث ضعيف السند؛ للأسباب التالية:

أـ عدم ثبوت وثاقة زكريّا بن أبي زائد، الذي هو مهمَلٌ عند أئمّة الجرح والتعديل السنَّة والشيعة على السواء، فلا أقلّ من أنَّه لم تثبت وثاقته.

ب ـ عدم ثبوت وثاقة فراس، وهو ابن يحيى الهمداني؛ حيث وثَّقه أهل السنة([8])، ولكنْ أهمله الشيعة، فلم يذكروا سوى أنَّه روى عن الشعبي([9]).

ج ـ عدم ثبوت وثاقة الشعبي، وهو عامر بن شراحيل؛ حيث مدحه وبجَّله ووثَّقه أئمّة الجرح والتعديل عند أهل السنّة([10])، وأمّا الشيعة فقد اتَّهموه بجعل الحديث، ومعاونة الظالمين ـ كالحجّاج ـ([11]).

د ـ عدم ثبوت وثاقة مسروق، وهو ابن الأجدع؛ فقد وثَّقه أهل السنّة([12])، وأمّا الشيعة فقد عرَّفوه بأنَّه أحد الزهّاد الثمانية، ولكنّه كان عشّاراً لمعاوية، ومات في عمله ذلك، وهو معروفٌ بالعداء لأمير المؤمنين عليّ(ع)، ويُروى أنَّه رجع عن ذلك([13]).

وأمّا في الدلالة فيُمكِن أن يُقال: إنّ المراد بـ «سيِّدة نساء العالمين» في هذه الرواية سيِّدة نساء عالمها؛ بقرينة قوله بعد ذلك: (وسيِّدة نساء هذه الأمّة)، ولو كان المراد بـ «سيِّدة نساء العالمين» نساء العالمين جميعاً لكانت العبارة الثانية تكراراً، بل تحصيلاً للحاصل، وكذلك العبارة الثالثة: «وسيِّدة نساء المؤمنين»، فكان لا بُدَّ من أن تكون كلّ عبارةٍ تفسيراً للتي سبقتها، وتكون النتيجة أنّ الزهراء(عا) هي سيِّدة النساء المؤمنات في هذه الأمّة.

ويؤيِّد ذلك أنّ هذا الحديث بعينه جاء في (مسانيد أبي يحيى ـ فراس بن يحيى ـ الكوفي: 78 ـ 79)، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت:…، ثم قال [(ص)]: «ألا ترضين أن تكوني سيِّدة نساء المسلمين…».

هذه هي أهمُّ الروايات التي يمكن أن تشير إلى أنّ الزهراء(عا) هي سيِّدة نساء العالمين من الأوَّلين والآخرين. والتي عليها المعوَّل في تخصيص العموم في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾. وقد تبيَّن أنّها جميعاً ضعيفةٌ سنداً، كما أنّ بعضها قاصِرٌ دلالةً.

السلام على بضعة النبيّ المصطفى، وزوجة الوليّ المرتضى، الصدِّيقة الطاهرة الكُبْرى، فاطمة الزهراء(ع)، سيِّدة النساء. والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

**********

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) الهيثمي، مجمع الزوائد 9: 202.

([2]) قال ابن حِبّان في (مشاهير علماء الأمصار: 199): «من خيار التابعين».

([3]) المفيد، الإرشاد 2: 211.

([4]) النمازي، مستدركات علم رجال الحديث 6: 159.

([5]) الخوئي، معجم رجال الحديث 14: 204.

([6]) المزي، تهذيب الكمال 6: 309.

([7]) محمد بن سعد، الطبقات الكبرى 6: 409، الرازي، الجرح والتعديل 6: 228؛ ابن حِبّان، الثقات 8: 483.

([8]) الذهبي، ميزان الاعتدال 3: 343.

([9]) الخوئي، معجم رجال الحديث 14: 273.

([10]) المزي، تهذيب الكمال 14: 35.

([11]) النمازي، مستدركات علم رجال الحديث 8: 518.

([12]) المزّي، تهذيب الكمال 27: 455 ـ 456.

([13]) النمازي، مستدركات علم رجال الحديث 7: 403.


عدد التعليقات : 1 | أكتب تعليقك

  • أبوحسين
    الخميس 6 فبراير 2020 | الساعة 22:25
    1

    شيخنا العزيز، ورد في البخاري وغيره من الصحاح فاطمة سيدة نساء الجنة، ضعف سند بعض الروايات لا يضر ما يكاد يتفق عليه ويرويه كافة المسلمين.


أكتب تعليقك