1 سبتمبر 2015
التصنيف : سلسلة (سؤال وجواب)
لا تعليقات
3٬049 مشاهدة

سؤال وجواب (14): هل للإمام المهديّ(عج) أولادٌ وذرّيّة؟

(الثلاثاء 1 ـ 9 ـ 2015م)

السلام عليكم هل صحيحٌ أنّ للإمام الحجّة(ع) أولاد وذراري أو أنّ هذا غير صحيح؟ نرجو التوضيح ولكم الأجر.

أخي العزيز، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أوّلاً لا بُدَّ من التنبيه إلى أنّ هذا الموضوع وأمثاله هو من العلم الذي لا ينفع مَنْ علمه، ولا يضرّ مَنْ جهله، فلا ينبغي التركيز عليه كثيراً، فإنّ ارتباطنا العقائدي، وعلاقتنا الشرعيّة، بصاحب العصر والزمان محمد بن الحسن المهديّ المنتظر(عج) لا يتأثّران بنتائج هذا البحث والتحقيق.

وبالعودة إلى الجواب عن هذا التساؤل نقول: صحيحٌ أنّ الإسلام قد حثَّ على الزواج ورغَّب فيه، وأجزل الثواب عليه، حتّى عدَّه النبيُّ الأكرم محمدٌ(ص) سنَّته، التي لا ينبغي لمسلمٍ أن يرغب عنها، فقد رُوي عنه(ص) أنّه قال: «من سنّتي التزويج، فمَنْ رغب عن سُنَّتي فليس منّي»([1]).

كما اعتبر الإسلام أنّ «مَنْ تزوَّج فقد أحرز نِصْف دينه، فليتَّقِ الله في النصف الباقي»([2]).

ورُوي عن النبيّ(ص) أنّه قال: «تناكَحوا تناسَلوا؛ فإنّي أباهي بكم الأُمَم يوم القيامة»([3]).

ولعلّ هذا الحثّ المركَّز على الزواج بسبب أنّ الزواج يجعل الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، في حصنٍ منيع، بعيداً عن الانحراف والفساد الناتجَيْن عن العلاقة غير المشروعة بين الجنسَيْن.

فالزواجُ للتناسل، والاستقرار النفسي والعاطفي، والاستعفاف عمّا حرَّمه اللهُ من نظرةٍ أو لمسة أو جِلْسة أو حديث. كما أنّه يهدف إلى تأسيس أسرةٍ وعائلة صغيرة في مجتمعٍ كبير، فهي مجتمعٌ في مجتمع، مجتمعٌ يتدرَّب فيه الإنسان على التضامن والتكافل والمودّة والرحمة وتحمُّل المسؤوليّة، حتّى إذا ما خرج إلى المجتمع الكبير كان مؤهَّلاً لممارسة الدَّوْر الذي أعدَّه اللهُ له. وبعيداً عن تلك الدائرة الصغيرة ـ الأسرة قد لا يستطيع الإنسان أن يمتلك بسهولةٍ تلك المؤهِّلات والقُدُرات. (ولمزيد بيانٍ في هذا الشأن راجع مقالتنا: الزواج: حاجةٌ ولذّة، مودّةٌ ورحمة، على الرابط التالي: http://dohaini.com/?p=1406).

وبما أنّ مولانا الإمام المنتظَر(ع) قد أُعِدَّ لمهمّةٍ كبرى، وهو يعيش حالةً استثنائيّة لم يعِشْها غيرُه من الأنبياء والأوصياء(عم)، وبما أنّه المعصوم الذي لا تميل نفسه إلى المعصية؛ لما يعرفه، ويستحضره على الدوام، من قبحها، وسوء أثرها، فإنّه ليس بحاجةٍ إلى الزواج؛ لتحصين نفسه من الوقوع في المعصية.

كما أنّه ليس بحاجةٍ إلى أن يحافظ على حضوره بسلسلةٍ من الأبناء والأحفاد، فهو الحاضر دَوْماً بإرادة الله، والحيّ إلى حين يأذن الله له بالظهور وإقامة دولة العَدْل والإيمان والسلام.

وهو المؤهَّل ـ بالتسديد والتأييد الإلهي ـ لتحمُّل مسؤوليّة الدعوة إلى الله، وبناء مجتمعٍ إيمانيّ صالح ومتضامن.

بما أنّ لهذا الإمام المنتظر(عج) كلّ هذه المزايا والخصائص فإنّه لا حاجة به إلى الزواج.

وليس هذا بِدْعاً من الحَدَث والسِّيرة، فها هو نبيّ الله عيسى(ع) لم يتزوَّج ولم يُعقِّب([4])، وإنّما كان جُلُّ همِّه الدعوة إلى الله، والاعتبار بما خلق الله وأبدع في السماء والأرض، يسيح في الأرض أيّام حياته كلِّها([5])، حتّى لُقِّب بالمسيح([6]).

وخلاصة القول: ليس الإمام الحجّة(عج) بحاجةٍ إلى الزواج والتناسل، وعليه فإنّ القول بعدم زواجه وتناسله ليس متنافياً مع حثّ الإسلام على الزواج والترغيب فيه؛ لانتفاء أهداف الزواج بالنسبة إليه، صلواتُ ربّي وسلامُه عليه. مع التأكيد على أنّ تفاصيل حياة الإمام المهديّ(عج) هي من الأسرار التي استأثر الله بعلمها، ولم يُطلِعْ الناس على أكثرها؛ حفظاً لحياة الإمام(ع)، وحرصاً على مهمّته الإلهيّة العظيمة، ومن تلك التفاصيل: هل له زوجةٌ؟ هل له أولادٌ وذُرِّيّة؟ فحريٌّ بالمؤمن أن لا يستقصي سرَّ الله. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمَين.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) رواه الصدوق في الهداية: 257، معلَّقاً مرفوعاً.

([2]) رواه الكليني في الكافي 5: 328 ـ 329، عن عليّ بن محمد بن بندار، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الجاموراني، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن كليب بن معاوية الأسدي، عن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله(ص): «مَنْ تزوَّج أحرز نصف دينه. وفي حديثٍ آخر: «فليتَّقِ الله في النصف الآخر أو الباقي».

([3]) رواه ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي 1: 259، معلَّقاً مرفوعاً.

([4]) راجِعْ: الطبرسي، مكارم الأخلاق: 234، حيث روى معلَّقاً عن الصادق(ع) قال: قيل لعيسى بن مريم(عما): ما لك لا تتزوَّج؟ قال: وما أصنع بالتزوُّج؟ قالوا: يولد لك، قال: وما أصنع بالأولاد؟! إنْ عاشوا فتنوا، وإنْ ماتوا أحزنوا.

([5]) نهج البلاغة 2: 58، حيث قال أمير المؤمنين(ع): وإنْ شئتُ قلتُ في عيسى بن مريم(ع)، فلقد كان يتوسَّد الحَجَر، ويلبس الخَشِن، ويأكل الجَشِب. وكان إدامه الجوع، وسراجه باللَّيْل القمر، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم. ولم تكن له زوجةٌ تفتنه، ولا ولدٌ يحزنه…

الجزائري، النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين: 460، نقلاً عن (إرشاد القلوب)، للدَّيْلَمي، قال عيسى: خادمي يداي، ودابّتي رجلاي، وفراشي الأرض، ووسادي الحجر، ودفئي في الشتاء مشارق الأرض، وسراجي بالليل القمر، وأدامي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، وفاكهتي وريحانتي ما أنبتت الأرض للوحوش والأنعام، أبيت وليس لي شيءٌ وأصبح وليس لي شيءٌ، وليس على وجه الأرض أحدٌ أغنى مني.

([6]) قال فخر الدين الطريحي في تفسير غريب القرآن الكريم: 175: قيل: سُمِّي عيسى(ع) مسيحاً؛ لسياحته في الأرض، وقيل: أصل مسيح فعيل، من مسح الأرض؛ لأنه كان يمسحها، أي يقطعها.

وقال النحّاس في معاني القرآن الكريم 2: 342: وقال ثعلب: لأنه كان يمسح الأرض، أي يقطعها. وقيل: لسياحته في الأرض.

وقال ابن عبد البرّ في التمهيد 14: 187 ـ 188: قال أبو عمر: أما المسيح ابن مريم(ع) ففي اشتقاق اسمه في ما ذكر ابن الأنباري لأهل اللغة خمسة أقوال؛ أحدها: إنه قيل له: مسيح؛ لسياحته في الأرض، وهو فعيل من مسح الأرض، أي من قطعها بالسياحة. والأصل فيه مسيح، على وزن مَفْعِل، فأسكنت الياء، ونقلت حركتها إلى السين؛ لاستثقالهم الكسرة على الياء.

وقال الأبي الأزهري (صالح) في الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني: 123: وسُمّي عيسى(ع) مسيحاً؛ لسياحته في الأرض؛ لأجل الاعتبار.



أكتب تعليقك