14 أبريل 2017
التصنيف : منبر الجمعة
لا تعليقات
4٬007 مشاهدة

سلسلة الاجتهاد الحديث الواعي (4): الغُلُوّ الديني والمذهبي، النبيُّ(ص) والأئمّةُ(عم) لا ظلَّ لهم / القسم الأوّل

 (الجمعة 14 / 4 / 2017م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين.

ولا يزال المؤمنون يُعانون من انتشار عقائد فاسدة، ما دلَّ عليها دليلٌ، بل خالفَتْ خيرَ دليلٍ، وهو القرآنُ الكريم. إنّها مظاهرُ الغُلُوّ الدينيّ والمذهبيّ، وهي تدبّ في حياة المؤمنين كدبيب النمل، وسرعان ما تنتشر وتعمّ، حتّى يخالها البعض من ضروريّات الدين أو المذهب، في حين أنّها دخيلةٌ عليهما، وهما منها بَراءٌ، حيث لم يقُلْ بها، ولم يمارسها، أيٌّ من أئمّة الدين والمذهب.

تعريف الغلوّ

ونعني بالغُلُوّ الاعتقاد بثبوت صفات وقدرات للأنبياء والأولياء(عم)، رغم أنّه لم يقُمْ دليلٌ شرعيٌّ على ثبوتها لهم(عم)، ولو لم يصِلْ ذلك إلى حدِّ التأليه والعبادة. وكذلك يشمل الغُلُوّ ممارسةَ بعض الأعمال طَلَباً لرضاهم وشفاعتهم(عم)، باعتقاد أنّه ما دامت تلك الأعمال لأجلهم(عم) فإنّ تأثيرها حتميٌّ، وهو كذا وكذا، في حين لم يرِدْ دليلٌ قطعيٌّ على وجود أيّ أثرٍ لتلك الأعمال، بل ربما كان المستفاد من الروايات كراهتها أو حرمتها. وهذا هو معنى الارتفاع المرادف للغُلُوّ، كما في بعض الروايات، وهو مراتبُ عديدةٌ، أقصاها القول بألوهيّتهم. إذن الغُلُوّ هو الارتفاع بالأنبياء والأولياء(عم) عن طبيعتهم البشريّة، وتركيبتهم المادّيّة، التي شاء الله أن تكون لهم؛ ليكونوا الحجّة التامّة له على الخلق، ولو شاء الله لبعث مَلَكاً رسولاً، ولكنّه أراده بشراً مثل الناس ليكون كمالُه حجّةً لله على خلقه، أنْ لو تحلَّيتُم بالإرادة القويّة والعزم الراسخ ـ وهو مقدورٌ لكم ـ لوصلتم إلى كمالكم، ولكنّكم لم تفعلوا، وإنّما فعل ذلك الأنبياء والأولياء(عم).

ولو تأمَّلْنا في ما جاء في القرآن الكريم من أمر الله لنبيِّه أن يخبر الناس: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ (الكهف: 110) لوجدنا أنّه لم يكتفِ بالتصريح بالبشريّة، التي قد يحملها البعض على مرتبةٍ أعلى وأجلّ ممّا للآخرين، وإنَّما قيَّدها بـ (المثليّة)، التي تنفي ـ على الأقلّ ـ أيَّ تغايُرٍ في صفات الجَسَد بين النبيّ وغيره من بني آدم. فـ (مِثْلُكُمْ) يعني خُلقْتُ من طينٍ، ولي نفسُ حاجاتكم وشهواتكم وغرائزكم.

الخلط بين الإمكان والوقوع

ولعلَّ أبرز المغالطات التي يقع فيها المُغالون هو الخلط بين الواقع والممكن، فيَرَوْن أنّ الله قادرٌ على أن يفعل بأنبيائه وأوليائه(عم) كلَّ شيء، وأن يمنحهم أيَّ مقامٍ يريد، وهم أهلٌ لمثل هذه النِّعَم الإلهيّة، إذن هذا ممكنٌ، ولكنَّهم يُغفلون إثبات وقوع هذا الأمر بالفعل، فليس كلُّ ممكنٍ واقعاً، ولا بُدَّ لإثبات الوقوع من الدليل الخاصّ.

النبيُّ(ص) والأئمّة(عم) لا ظلَّ لهم

ومن مظاهر الغلوّ: ما ذكره بعض السنّة والشيعة من أنّ النبيّ(ص) لم يكن له ظلٌّ([1]).

كما نُسبت هذه الصفة والمنقبة أيضاً إلى الأئمّة من أهل البيت(عم)([2]).

نقدٌ تاريخيّ

وليت شعري أيُّ دليلٍ سيكون أقوى من هذا الدليل لإثبات نبوّته(ص)، أو إثبات إمامتهم، لو كان هذا الأمر صحيحاً واضحاً؟! ولما حصل هذا الاختلاف الحادّ بين المسلمين، بل بين الشيعة أنفسهم؛ حين قال بعضهم بإمامة إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق(ع)؛ وقال آخرون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد(ع)؛ ووقف بعضُهم على موسى بن جعفر الكاظم(ع)؛ وأنكر إخوة موسى بن جعفر الكاظم(ع) بنوّة مولانا محمد بن عليّ الجواد(ع) لمولانا عليّ بن موسى الرضا(ع)، حتّى جاءوا بالقافة؛ ليحكموا في النَّسَب([3])، أفلم يكن من الأجدر والأجدى أن يعرفوه بانعدام ظلِّه؟!

إنّها أباطيل وُضعَتْ بعد انتهاء عصر الحضور للنبيّ والأئمّة(عم)؛ حيث لا يمكن لأحدٍ أن يختبر ذلك حِسّاً، فيمكن أن يُكذَب عليهم بمثل هذه الإشاعات، وليس من دليلٍ حسِّيّ على النَّفْي.

القرائن المتعدِّدة دليلٌ كافٍ للنَّفْي

إلاّ أن لنا في منهج تجميع القرائن على العَدَم كفايةٌ، وهو منهجٌ علميّ متَّبَع. فبتجميع القرائن المبعِّدة لوقوع مثل هذا الأمر يمكننا أن نصل إلى الاطمئنان ـ بل إلى القطع واليقين أحياناً ـ بكذبه وعدم وجوده.

ومن القرائن على تضعيف القول بعدم وجود ظلٍّ للنبيّ الأكرم محمد(ص):

القرائن التاريخيّة

إنّ عدم وجود الظلّ لجسده هو خير دليلٍ حسِّيّ على إثبات نبوَّته، وتمايزه عن سائر الخَلْق، وهو ما يجعله قادراً على إثبات النبوّة والرسالة لكلِّ الناس، وفي أيّ مكانٍ، وفي أيّ زمانٍ.

ولم تحدِّثنا كتب التاريخ بأنّه(ص) قد استدلّ بهذا الأمر لإثبات النبوّة والرسالة، وصحَّتها وأحقِّيّتها.

لو لم يكن لجسده(ص) ظلٌّ لكان أعرف الناس بذلك أقرباؤه وأرحامه وأزواجه.

ولم تحدِّث نساؤه أو أصحابه أو بناته أو أحفاده بما يدلّ على ذلك ويؤكِّده. ولو كان لبان واشتهر، فهو ممّا لا يخفى.

لقد ذكروا علّةً لانعدام ظلِّه، وهي أنّه لو كان له ظلٌّ لكان في وصول المشركين والكفّار إليه، والوطء عليه، إذلالٌ للنبيّ(ص). وبما أنّ العزّة كلَّها لله ورسوله لم يكن له ظلٌّ لئلاّ يكون سبباً في إذلاله.

وهذا التعليل واهنٌ وضعيف، ولا وجه له من الناحية العلميّة.

مضافاً إلى أنّ في سيرته(ص) ما هو أشدّ من أن يدوس مشركٌ أو كافرٌ ظلَّه(ص)؛ فوطءُ ظلّه لا شيء بجانب الأذى الذي لقيه في شعب أبي طالب، أو الرَّوْث الذي أُلقي عليه وهو يصلّي، وإخراجه من مكّة، وقتل عمِّه حمزة، وشجّ رأسه وكسر رباعيته في معركة أُحُد.

ولقد أُوذي(ص) حتّى قال: «ما أوذي نبيٌّ مثل ما أوذيت»([4]).

وليس في ذلك إذلالٌ أو عارٌ، وإنَّما هو امتحانٌ واختبار، وقد نجح في الصبر والتحمُّل، فجزاه الله خير جزاء الصابرين.

الدليل الروائيّ

قد يُقال: إنّ هناك دليلٌ على نفي الظلّ، وهو عدّةُ روايات، أهمُّها:

أـ ما أخرجه الحكيم الترمذي، عن ذكوان، أنّ رسول الله(ص) لم يكن له ظلٌّ في شمسٍ، ولا قمر. قال ابن سبع: من خصائصه أنّ ظلَّه كان لا يقع على الأرض، وأنّه كان نوراً، إذا مشى في الشمس أو القمر لا يُنظَر له ظلٌّ. قال بعضهم: ويشهد له حديث قوله(ص) في دعائه: «واجعلني نوراً»([5]).

وهذا الحديث معضَلٌ مرسَلٌ، أي سقط من سنده راويان متتاليان، وكذا سقطت الواسطة بين آخر راوٍ ورسول الله(ص).

غير أنّ بعض العلماء يذكر لهذا الحديث سنداً على الشكل التالي: الحكيم الترمذي، عن عبد الرحمن بن قيس الزعفراني، عن عبد الملك بن عبد الله بن الوليد، عن ذكوان.

وهذا السند ضعيفٌ، بل تالفٌ؛ فإنّ فيه كذّاباً وضّاعاً متروك الحديث، وهو عبد الرحمن بن قيس الزعفراني([6]).

وعبد الملك بن عبد الله بن الوليد لم نجِدْ ترجمته في كتب الرجال، فلا تثبت وثاقته.

ولئن خرجنا بهذا السند من مشكلة الإعضال، فإنّ مشكلة الإرسال تبقى على حالها؛ حيث إنّ ذكوان ـ سواءٌ كان أبا صالح السمّان الزيّات المدني أو أبا عمرو مولى عائشة أمّ المؤمنين ـ تابعيٌّ، وليس من الصحابة، فكيف يروي عن رسول الله(ص) مباشرةً؟!

ب ـ ما أخرجه المقريزي في إمتاع الأسماع، معلَّقاً عن أحمد بن عبد الله الغدافي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس(رض): لم يكن لرسول الله ظلٌّ، ولم يقُمْ مع شمسٍ قطّ إلاّ غلب ضوء الشمس، ولم يقُمْ مع سراجٍ قطّ إلاّ غلب ضوءُه على ضوء السراج([7]).

وهذا السند ضعيفٌ؛ للتعليق.

ومحمد بن السائب هو الكلبي، وهو ضعيفٌ كذّاب([8]).

وأبو صالح هو باذام، مولى أمّ هانئ بنت أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم، لم تثبت وثاقته.

ج ـ ما أخرجه الصدوق في الخصال، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني(رض)، عن أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا(عما) قال: للإمام علاماتٌ…: ولا يكون له ظلٌّ…، الحديث([9]).

وهذا السند ضعيفٌ؛ لعدم ثبوت وثاقة محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني.

د ـ ما أخرجه الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني(رض)، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن عليّ بن موسى الرضا(عما)…، فقيل له: يا بن رسول الله، ومَنْ القائم منكم أهل البيت؟ قال: الرابع من ولدي، ابن سيِّدة الإماء، يطهِّر الله به الأرض من كلّ جَوْرٍ، ويقدِّسها من كلّ ظلمٍ، [وهو] الذي يشكّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغَيْبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحدٌ أحداً، وهو الذي تطوي له الأرض، ولا يكون له ظلٌّ…، الحديث([10]).

وهذا الإسناد ضعيفٌ؛ للتوقُّف في روايات إبراهيم بن هاشم؛ ولعدم ثبوت وثاقة كلٍّ من: عليّ بن معبد، والحسين بن خالد وهو الحسين بن أبي العلاء الخفّاف.

هـ ـ ما أخرجه محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة، قال: قال أبو جعفر [ويعني نفسه]: رأيتُ الحسن بن عليّ السرّاج(ع) يمشي في أسواق سُرَّ مَنْ رأى ولا ظلَّ له([11]).

وأعتقد أنّ في هذا السند مقطوع، أي سقط منه راوٍ واحد، فإنّ الطبري ـ وهو من اعلام القرن الخامس الهجري ـ لا يروي عن مولانا الحسن بن عليّ العسكريّ(ع) مباشرةً، ولم يَرَه، فلا بُدَّ من واسطةٍ بينهما، وهي غير موجودة. فهذا الإسناد ضعيفٌ؛ للانقطاع.

ويمكن أن يُناقش في دلالة هذه الأحاديث، حيث قال هراس في تعليقه على الخصائص الكبرى (للسيوطي): لم ترِدْ هذه الخصوصية في شيءٍ من الصحيح، ولا نظنّها صحيحةً؛ فإن النبي(ص) كان جسداً، يأكل ويشرب، وله صفات الأجساد، وإذا فرض أنّه لم يكن لجسده ظلٌّ فما بالُ ثيابه؟! أم إنّه كان يمشي عارياً حتّى لا يُرى له ظلٌّ؟!([12]).

وللحديث تتمّةٌ إنْ شاء الله تعالى

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) قال ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 1: 107 ـ 108: وكان يشهد كلّ عضو منه على معجزةٍ…: ظلّه: لم يقع ظلُّه على الأرض؛ لأن الظلّ من الظلمة، وكان إذا وقف في الشمس والقمر والمصباح نوره يغلب أنوارها.

وقال قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح 2: 507؛ وفي قصص الأنبياء: 313: ومعجزة بدنه هي أنّه لم يقع ظلُّه على الأرض؛ لأنه كان نوراً، ولا يكون من النور الظلّ، كالسراج.

وقال محمد بن يوسف الصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد 2: 90: وقال ذكوان رحمه الله تعالى: لم يُرَ لرسول الله(ص) ظلٌّ في شمسٍ، ولا قمر. رواه الحكيم الترمذي، وقال: معناه لئلاّ يطأ عليه كافرٌ؛ فيكون مذلّةً له. وقال ابن سبع رحمه الله تعالى، في خصائصه: إنّ ظله(ص) كان لا يقع على الأرض، وإنه كان نوراً، وكان إذا مشى في الشمس أو القمر لا يظهر له ظلٌّ. قال بعض العلماء: ويشهد له قوله(ص) في دعائه: «واجعلني نوراً».

وقال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع 5: 32: ولم يكن له(ص) فَيْء، أي ظلّ، في الشمس والقمر؛ لأنه نورانيّ، والظلّ نوع ظلمة. ذكره ابن عقيل وغيره. ويشهد له أنه سأل الله أن يجعل في جميع أعضائه وجهاته نوراً، وختم بقوله واجعلني نوراً.

وقال السيوطي في الخصائص الكبرى 1: 169: أخرج الحكيم الترمذي، عن ذكوان، أنّ رسول الله(ص) لم يكن له ظلٌّ في شمسٍ، ولا قمر. قال ابن سبع: من خصائصه أنّ ظلَّه كان لا يقع على الأرض، وأنّه كان نوراً، إذا مشى في الشمس أو القمر لا يُنظَر له ظلٌّ. قال بعضهم: ويشهد له حديث قوله(ص) في دعائه: «واجعلني نوراً».

الريشهري، ميزان الحكمة 4: 3388، معلَّقاً مرفوعاً عنه(ص) ـ في الدعاء ـ: اللهمّ اجعل لي في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، واجعل لي في نفسي نوراً، وأعظم لي نوراً.

صحيح مسلم النيسابوري 2: 182: عن أبي الطاهر، عن ابن وهب، عن عبد الرحمن بن سلمان الحجري، عن عقيل بن خالد، عن سلمة بن كهيل، عن كريب، عن ابن عبّاس، مرفوعاً عنه(ص): اللهمّ اجعل لي في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن بين يديَّ نوراً، ومن خلفي نوراً، واجعل في نفسي نوراً، وأعظم لي نوراً.

مسند أحمد ابن حنبل 1: 343، عن عبد الرحمن، عن سفيان، عن سلمة، عن كريب، عن ابن عبّاس، مرفوعاً عنه(ص): اللهمّ اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، وأعظم لي نوراً.

وقال المقريزي في إمتاع الأسماع 2: 170: وقال أحمد بن عبد الله الغدافي: أخبرنا عمرو بن أبي عمرو، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس(رض): لم يكن لرسول الله ظلٌّ، ولم يقُمْ مع شمسٍ قطّ إلاّ غلب ضوء الشمس، ولم يقُمْ مع سراجٍ قطّ إلاّ غلب ضوءُه على ضوء السراج.

وفي السيرة الحلبيّة 2: 624 ـ 625: ودخل عليه(ص) عثمان(رض)، فاستشاره، فقال له عثمان: يا رسول الله، أخذتُ براءة عائشة(رضا) من ظلِّك؛ إنّي رأيتُ الله تعالى صان ظلَّك أن يقع على الأرض، أي لأن شخصه الشريف كان لا يظهر في شمسٍ ولا قمر؛ لئلاّ يوطأ بالأقدام، فإذا صان الله ظلَّك فكيف بأهلك. وقد أشار إلى ذلك الإمام السبكي(ر) في تائيه بقوله:

لقد نزَّه الرحمن ظلَّك أن يُرى على الأرض ملقىً فانطوى لمزيّةٍ

وهنا لطيفةٌ لا بأس بها، وهي أن عبد الله بن عمر(رضما) كان مسافراً، وكان يسايره يهوديٌّ، فلما أراد المفارقة قال عبد الله(رض) لليهودي: بلغني أنكم تدينون بإيذاء المسلمين، فهلاّ قدرت على شيءٍ من ذلك معي، وأقسم عليه، فقال: إنْ أمَّنتني أخبرتُك، فأمَّنه، فقال: لم أقدر عليك في شيءٍ أكثر من أنّي كنتُ إذا رأيتُ ظلّك وطئته بقدمي؛ وفاءً بأمر ديننا.

وروى الصدوق في الخصال: 527 ـ 528، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني(رض)، عن أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا(عما) قال: للإمام علاماتٌ…: ولا يكون له ظلٌّ…، الحديث.

ورواه الصدوق أيضاً في عيون أخبار الرضا(ع) 2: 192 ـ 193، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني(رض)، عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي، عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا(عما)…، الحديث.

ورواه الصدوق أيضاً في معاني الأخبار: 102 ـ 103، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني(رض)، عن أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي، عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا(عما)…، الحديث.

ورواه الصدوق أيضاً في مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 418 ـ 419، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، عن أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي [الهمداني، مولي بني هاشم ]، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا(عما)…، الحديث.

([2]) روى الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة: 371 ـ 372، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني(رض)، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن عليّ بن موسى الرضا(عما)…، فقيل له: يا بن رسول الله، ومَنْ القائم منكم أهل البيت؟ قال: الرابع من ولدي، ابن سيِّدة الإماء، يطهِّر الله به الأرض من كلّ جَوْرٍ، ويقدِّسها من كلّ ظلمٍ، [وهو] الذي يشكّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغَيْبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحدٌ أحداً، وهو الذي تطوي له الأرض، ولا يكون له ظلٌّ…، الحديث.

وقال محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة: 426: رأيتُ الحسن بن عليّ السرّاج(ع) يمشى في أسواق سُرَّ مَنْ رأى ولا ظلَّ له.

([3]) روى الكليني في الكافي 1: 322 ـ 323، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمد القاسانيّ جميعاً، عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفيّ قال: سمعتُ عليّ بن جعفر يحدِّث الحسن بن الحسين بن عليّ بن الحسين فقال: والله، لقد نصر الله أبا الحسن الرضا(ع)، فقال له الحسن: إي والله، جعلتُ فداك، لقد بغى عليه إخوته، فقال عليّ بن جعفر: إي والله، ونحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جُعلت فداك، كيف صنعتم، فإنّي لم أحضركم؟ قال: قال له إخوته، ونحن أيضاً: ما كان فينا إمامٌ قطّ حائل اللون، فقال لهم الرضا(ع): هو ابني، قالوا: mفإنّ رسول الله(ص) قد قضى بالقافة»، فبيننا وبينك القافة، قال: ابعثوا أنتم إليهم، فأمّا أنا فلا، ولا تُعلموهم لما دعوتُموهم، ولتكونوا في بيوتكم، فلمّا جاؤوا أقعدونا في البستان، واصطفّ عمومته وإخوته وأخواته، وأخذوا الرضا(ع)، وألبسوه جبّةَ صوفٍ وقلنسوةً منها، ووضعوا على عنقه مسحاةً، وقالوا له: ادخل البستان كأنّك تعمل فيه، ثمّ جاؤوا بأبي جعفر(ع)، فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له ها هنا أب، ولكنّ هذا عمّ أبيه، وهذا عمّ أبيه، وهذا عمُّه، وهذه عمَّته، وإن يكن له ها هنا أبٌ فهو صاحب البستان، فإنّ قدميه وقدميه واحدةٌ، فلما رجع أبو الحسن(ع) قالوا: هذا أبوه. قال عليّ بن جعفر: فقُمْتُ فمَصَصْتُ ريق أبي جعفر(ع)، ثم قلتُ له: أشهد أنّك إمامي عند الله، فبكى الرضا(ع)، ثم قال: يا عمّ، ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله(ص): mبأبي ابن خيرة الإماء، ابن النوبيّة، الطيّبة الفم، المنتجبة الرحم، وَيْلهم، لعن الله الأعيبس وذرِّيته، صاحب الفتنة، ويقتلهم سنين وشهوراً وأياماً، يسومهم خسفاً، ويسقيهم كأساً مصبرة، وهو الطريد الشريد، الموتور بأبيه وجدّه، صاحب الغيبة، يقال: مات أو هلك، أي وادٍ سلك؟!»، أفيكون هذا يا عمُّ إلاّ منّي، فقلت: صدقْتَ، جُعلتُ فداك.

([4]) رواه ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 3: 42، معلَّقاً مرفوعاً.

([5]) السيوطي، الخصائص الكبرى 1: 169.

([6]) انظر ترجمته في: المزّي، تهذيب الكمال 17: 366 ـ 367.

([7]) المقريزي، إمتاع الأسماع 2: 170.

([8]) انظر ترجمته في: المزّي، تهذيب الكمال (25: 248 ـ 250.

([9]) راجع: الصدوق، الخصال: 527 ـ 528.

([10]) راجع: الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: 371 ـ 372.

([11]) راجع: محمد بن جرير الطبري، دلائل الإمامة: 426.

([12]) السيوطي، الخصائص الكبرى 1: 169 (الهامش).



أكتب تعليقك