20 ديسمبر 2018
التصنيف : مقالات عقائدية، منبر الجمعة
لا تعليقات
2٬948 مشاهدة

القبر، مراحله ومشاهده وعذاباته

(الجمعة 21 / 12 / 2018م)

إذن ينزل الجسد الميت، بعد أن فارقته الروح، إلى تلك الحفرة الضيقة المظلمة الموحشة، وهي (القبر)، فلا تلبث الروح أن تنضمّ إليه، بأمرٍ من الله تبارك وتعالى، في عمليّة إعادةٍ خاصّة للروح، وليس من قبيل: تكرُّر حياة البدن قبل البعث.

1ـ وليس ذلك بمستحيلٍ، ولا سيَّما قبل تحلُّل البدن، أي في الساعات الأولى للدفن. وهذا ما قد تشير إليه روايات عدّة، ومنها:

2ـ ما رُوي عن أبي جعفر الباقر(ع)، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله(ص): «فإذا دخل حفرته رُدَّت الروح في جسده، وجاءه ملكا القبر فامتحناه»([1]).

وما رُوي عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: «ويدخل عليه في قبره ملكا القبر، وهما قعيدا القبر، منكر ونكير، فيلقيان فيه الروح إلى حقوَيْه [أي خصرَيْه]…، الحديث»([2]).

وكما نلاحِظ فإنّ عودة الروح هي عودةٌ جزئية، وليست كلّية، وهذه العودة لغايةٍ وحكمة، ألا وهي السؤال والامتحان، فإذا جرى الامتحان وظهرت نتيجته، فقد تفارق الروحُ الجسد مجدَّداً، لكنْ لا مفارقةً تامّة، وإنما هو شبيهُ النوم، وسيأتي ما يشير لذلك من الروايات: «نَمْ نومة العروس، نومةً لا حلم فيها».

وبعودة الروح إلى الجسد يمكن للميت أن يعاين أعمالَه المجسَّمة، والمَلَكين السائلين، ولا سيَّما أن بصره ـ وكذا سائر حواسه ـ في هذه المرحلة أحدّ وأقوى ممّا كانت عليه في الحياة الدنيا، فيرى ما لا يراه غيره، ويسمع ما لا يسمعه غيره، و… ومن هنا يُعرف الجواب عن الإشكال الأوّل المتقدِّم. ولهذا نظائر في الحياة الدنيا، حيث تُنقل أخبار بعض الناس المتميِّزين بحدّة البصر أو السمع أو الشمّ، ومن هؤلاء: زرقاء اليمامة، التي كانت تشاهد جيش العدوّ من مسير ثلاثة أيّام، وقبل أن يبصر قومها شيئاً؛ وسليمان(ع) الذي سمع صوت النملة وهي تحذِّر قومها من جيشه؛ ويعقوب(ع) الذي شمّ رائحة قميص ولده يوسف(ع) من مسيرة أيّام.

وفي القبر مراحل ومشاهد، وعذابات، لا مجال لإنكار أصلها بعد ورود الروايات الصحيحة الذاكرة لذلك العذاب.

فقد رُوي عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: «كان أبي(ع) يقول إذا أصبح: …اللهمّ إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن ضغطة القبر، ومن ضيق القبر…، الحديث»([3]).

ورُوي عن أبي جعفر الباقر(ع) أنه قال: «سورة الملك هي المانعة، تمنع من عذاب القبر…، ومَنْ قرأها إذا دخل عليه في قبره ناكر ونكير من قِبَل رجليه قالت رجلاه: لهما ليس لكما إلى ما قبلي سبيل، قد كان هذا العبد يقوم عليّ فيقرأ سورة الملك في كل يوم وليلة، وإذا أتياه من قِبَل جوفه قال لهما: ليس لكما إلى ما قبلي سبيل، قد كان هذا العبد أوعاني سورة الملك، وإذا أتياه من قِبَل لسانه قال لهما: ليس لكما إلى ما قبلي سبيل، قد كان هذا العبد يقرأ بي في كلّ يوم وليلة سورة الملك»([4]).

ورُوي عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: إذا وضعت الميت في القبر قلت:…اللهم افسح له في قبره، ولقِّنه حجته، وثبِّته بالقول الثابت، وقِنا وإيّاه عذاب القبر، وإذا سوَّيتَ عليه التراب قل: اللهمّ جافِ الأرض عن جنبَيْه، وأصعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليّين، وألحقه بالصالحين»([5]).

ومن مراحل ومشاهد وعذابات القبر:

1ـ حضور الأعمال الصالحة تشهد لصاحبها بالإيمان والعمل الصالح، فينجح في امتحان السؤال. وكذا تحضر الأعمال السيئة تشهد لصاحبها بالكفر والفسوق والعصيان، فيرسب في الامتحان، ويُترَك لمصيره الأسود.

فقد رُوي عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: «إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبرّ يطلّ عليه، ويتنحّى الصبر ناحيةً، وإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة: دونكما صاحبكم، فإن عجزتم عنه فأنا دونه»([6]).

ورُوي عن الباقر أو الصادق(عما) أنه قال: «إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستّ صور، فيهن صورة هي أحسنهنّ وجهاً، وأبهاهنّ هيئة، وأطيبهنّ ريحاً، وأنظفهنّ صورة، قال: فيقف صورة عن يمينه، وأخرى عن يساره، وأخرى بين يديه، وأخرى خلفه، وأخرى عند رجليه، ويقف التي هي أحسنهنّ فوق رأسه، فإنْ أُتي عن يمينه منعته التي عن يمينه، ثم كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الستّ، قال: فتقول أحسنهنّ صورة: مَنْ أنتم جزاكم الله عنّي خيراً؟ فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة، وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة، وتقول التي بين يديه: أنا الصيام، وتقول التي خلفه: أنا الحجّ والعمرة، وتقول التي عند رجلَيْه: أنا برّ مَنْ وصلت من إخوانك، ثم يقلْنَ: مَنْ أنت؟ فأنت أحسننا وجهاً، وأطيبنا ريحاً، وأبهانا هيئةً، فتقول: أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليه وعليهم»([7]).

2ـ ضغطة القبر. ولا يفلت منها أحدٌ، إلاّ قليلٌ من عباد الله الصالحين. فقد رُوي عن أبي بصير قال: قلتُ لأبي عبد الله(ع) [أي الصادق]: أيفلت من ضغطة القبر أحدٌ؟ قال: فقال: «نعوذ بالله منها، ما أقلّ مَنْ يفلت من ضغطة القبر!». إن رقية لما قتلها عثمان وقف رسول الله(ص) على قبرها، فرفع رأسه إلى السماء، فدمعت عيناه، وقال للناس: إني ذكرت هذه وما لقيت فرقَقْتُ لها واستوهبتها من ضمّة القبر، قال: فقال: اللهمّ هَبْ لي رقية من ضمّة القبر، فوهبها الله له. قال: وإن رسول الله(ص) خرج في جنازة سعد، وقد شيَّعه سبعون ألف ملك، فرفع رسول الله(ص) رأسه إلى السماء، ثم قال: مثل سعد يُضَمّ، قال: قلت: جعلت فداك، إنا نحدّث أنه كان يستخفّ بالبول، فقال: معاذ الله، إنما كان من زعارةٍ في خلقه على أهله، قال: فقالت أمّ سعد: هنيئاً لك يا سعد، قال: فقال لها رسول الله(ص): يا أمّ سعد، لا تحتمي على الله([8]).

ورُوي عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: «يُسأل وهو مضغوط»([9]).

وقد يقول قائلٌ: فماذا عن الذين ليس لهم قبور، وإنمّا بقي مصلوباً، أو غرق في البحر، أو تشظّى جسده في حادثٍ؟

والجواب: إنّ لكلّ ميتٍ ضغطة، فما لم تضغطه الأرض يضغطه الهواء أو الماء أو…

فقد سُئل أبو عبد الله الصادق(ع) عن المصلوب يصيبه عذاب القبر؟ فقال: «إن ربّ الأرض هو ربّ الهواء، فيوحي الله عزَّ وجلَّ إلى الهواء فيضغطه ضغطةً أشدّ من ضغطة القبر»([10]).

وبهذا يتَّضح الجواب عن الإشكال الثاني المتقدِّم.

سؤال المَلَكين (مبشِّر وبشير، أو منكَرٌ ونكير، أو ناكرٌ ونكير). وهما يسألانه عن أركان إيمانه وأصول معتقده، عن الله، والنبيّ، والوليّ، و… وهذه المساءلة شديدة، وصعبة، ومعقَّدة، ولذلك يبكي لها الإمام المعصوم(ع)، فقد روى أبو حمزة الثمالي، عن الإمام زين العابدين(ع)، أنه كان يدعو فيقول: «أبكي لسؤال منكرٍ ونكير إيّاي»([11]).

وقد رُوي، في وصف المَلَكين وما يواجهان به المؤمن والكافر، عن النبيّ(ص) أنه قال: «إن ملكين لله تعالى، يقال لهما: ناكر ونكير، ينزلان على الميت، فيسألانه عن ربِّه ونبيِّه ودينه وإمامه، فإنْ أجاب بالحق سلَّموه إلى ملائكة النعيم، وإنْ ارتجّ عليه سلَّموه إلى ملائكة العذاب»([12]).

ورُوي عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: «يجيء الملكان منكر ونكير إلى الميت حين يدفن، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، يخطان الأرض بأنيابهما، ويطآن في شعورهما، فيسألان الميت: مَنْ ربك؟ وما دينك؟ قال: فإذا كان مؤمناً قال: الله ربي، وديني الإسلام، فيقولان له: ما تقول في هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟ فيقول: أعن محمد رسول الله(ص) تسألاني؟ فيقولان له: تشهد أنه رسول الله، فيقول: أشهد أنه رسول الله، فيقولان له: نَمْ نومةً لا حلم فيها، ويفسح له في قبره تسعة أذرع، ويفتح له باب إلى الجنة، ويرى مقعده فيها. وإذا كان الرجل كافراً دخلا عليه، وأقيم الشيطان بين يديه، عيناه من نحاس، فيقولان له: مَنْ ربك؟ وما دينك؟ وما تقول في هذا الرجل الذي قد خرج من بين ظهرانيكم؟ فيقول: لا أدري، فيخلِّيان بينه وبين الشيطان، فيسلط عليه في قبره تسعة وتسعين تنّيناً لو أن تنّيناً واحداً منها نفخ في الأرض ما أنبتت شجراً أبداً، ويفتح له باب إلى النار، ويرى مقعده فيها»([13]).

ورُوي عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: «إن المؤمن إذا أُخرج من بيته شيَّعته الملائكة إلى قبره، يزدحمون عليه، حتى إذا انتهي به إلى قبره قالت له الأرض: مرحباً بك وأهلاً، أما والله لقد كنت أحبّ أن يمشي عليّ مثلك، لترينّ ما أصنع بك، فتوسِّع له مدّ بصره، ويدخل عليه في قبره ملكا القبر، وهما قعيدا القبر، منكر ونكير، فيلقيان فيه الروح إلى حقوَيْه، فيقعدانه ويسألانه، فيقولان له: مَنْ ربّك؟ فيقول: الله، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: الإسلام، فيقولان: ومَنْ نبيك؟ فيقول: محمد(ص)، فيقولان: ومَنْ إمامك؟ فيقول: فلان، قال: فينادي منادٍ من السماء: صدق عبدي، افرشوا له في قبره من الجنة، وافتحوا له في قبره باباً إلى الجنة، وألبسوه من ثياب الجنة حتّى يأتينا، وما عندنا خيرٌ له، ثمّ يُقال له: نَمْ نومة عروس، نَمْ نومةً لا حلم فيها. قال: وإنْ كان كافراً خرجت الملائكة تشيِّعه إلى قبره، يلعنونه، حتّى إذا انتهي به إلى قبره قالت له الأرض: لا مرحباً بك ولا أهلاً، أما والله لقد كنت أبغض أن يمشي عليّ مثلك، لا جرم لترينّ ما أصنع بك اليوم، فتضيق عليه حتى تلتقي جوانحه، قال: ثم يدخل عليه ملكا القبر، وهما قعيدا القبر، منكر ونكير. قال أبو بصير: جُعلت فداك، يدخلان على المؤمن والكافر في صورةٍ واحدة؟ فقال: لا، قال: فيقعدانه، ويلقيان فيه الروح إلى حقوَيْه، فيقولان له: مَنْ ربّك؟ فيتلجلج ويقول: قد سمعتُ الناس يقولون، فيقولان له: لا دريت، ويقولان له: ما دينك؟ فيتلجلج، فيقولان له: لا دريت، ويقولان له: مَنْ نبيك؟ فيقول: قد سمعتُ الناس يقولون، فيقولان له: لا دريت، ويسأل عن إمام زمانه، قال: فينادي منادٍ من السماء: كذب عبدي، افرشوا له في قبره من النار، وألبسوه من ثياب النار، وافتحوا له باباً إلى النار حتّى يأتينا، وما عندنا شرٌّ له، فيضربانه بمرزبةٍ ثلاث ضربات ليس منها ضربة إلاّ يتطاير قبره ناراً، لو ضرب بتلك المرزبة جبال تهامة لكانت رميماً. وقال أبو عبد الله الصادق(ع): ويسلِّط الله عليه في قبره الحيّات تنهشه نهشاً، والشيطان يغمّه غمّاً، قال: ويسمع عذابه مَنْ خلق الله إلاّ الجنّ والإنس، قال: وإنه ليسمع خفق نعالهم ونقض أيديهم، وهو قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ﴾»([14]).

نعم، ورد في بعض الأحاديث الصحيحة أنّه «لا يسأل في القبر إلاّ مَنْ محض الإيمان محضاً، أو محض الكفر محضاً»([15]).

ولعلّها ـ والآيتين اللتين تتحدثان عن جزاء آل فرعون وجزاء الشهداء ـ توحي بعلة وسبب وجود عالم البَرْزَخ، حيث العذاب الابتدائيّ أو الثواب الابتدائيّ لمَنْ استحقّهما، لينال العذاب الأشدّ أو النعيم الأوفى يوم القيامة، فعالم البَرْزَخ زيادةٌ في العذاب والثواب لمنْ يستحقّهما، من المؤمنين الخُلَّص أو الكفاّر الخُلَّص. وهذا هو جواب الإشكال الرابع المتقدِّم.

4ـ القبر حفرةٌ من حفر النار أو روضة من رياض الجنّة.

وقد تقدَّم ما يشير إلى ذلك، ويدلّ عليه.

5ـ تفاعل الميت مع زائريه، فيعلم بهم، ويأنس بزيارتهم ودعائهم، ويستوحش لفراقهم.

فقد رُوي عن أبي عبد الله الصادق(ع)، في زيارة القبور، أنه قال: «إنهم يأنسون بكم، فإذا غبتم عنهم استوحشوا»([16]).

وروى إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن الكاظم(ع)، قال: قلتُ له: المؤمن يعلم بمَنْ يزور قبره؟ قال: «نعم، ولا يزال مستأنساً به ما دام عند قبره، فإذا قام وانصرف من قبره دخله من انصرافه عن قبره وحشةٌ»([17]).

كما أن الميت يسمع خطاب زائريه وكلامهم، ولكنْ لا يُؤذَن له بالجواب.

فقد رُوي أنّ أمير المؤمنين عليّاً(ع) عندما رجع من صفّين أشرف على القبور بظاهر الكوفة، فقال(ع): «يا أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، والقبور المظلمة، يا أهل التربة، يا أهل الغربة، يا أهل الوحدة، يا أهل الوحشة، أنتم لنا فرط سابق، ونحن لكم تبع لاحق. أما الدُّور فقد سُكنت، وأما الأزواج فقد نُكحت، وأما الأموال فقد قُسمت. هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى»([18]).

ولا يُقال: ألا تتعارض هذه الروايات مع القرآن الكريم، حيث يقول: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ (فاطر: 22)، وعليه تُقدَّم الدلالة القرآنية، وتسقط دلالة مثل هذه الروايات؛ بسبب معارضتها للكتاب؟!

إذ نقول: ليس المُراد من قوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ التأكيد على أن الأموات وأهل القبور لا يسمعون كلام زائريهم والمسلِّمين عليهم، وإنَّما هو في مقام بيان أنهم لا يسمعون سماعاً يستفيدون منه؛ إذ قد خرجوا من دار العمل، وصاروا في دار الحساب، فلا ينفعهم سمعُهم القويّ وبصرُهم الحادّ حينذاك. وهذا ما يكشفه لنا قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلاَلَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (النمل: 80 ـ 81)، حيث الحديث عن أصمّ الإدراك فلا يتفاعل مع الحقّ، وأعمى البصيرة فلا يهتدي إلى الصواب، وقد شبَّه هؤلاء بـ (الموتى)، فهم يسمعون بآذانهم، ويبصرون بأعينهم، ولكنّهم لا يترجمون ذلك في عملهم وسلوكهم، فكأنّهم لا يسمعون ولا يبصرون.

وهذا على حدِّ قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ (هود: 19 ـ 20)، وعلى حدّ قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ (الملك: 10).

6ـ وأما روح الميت، فإنّه بعد أن يُقال للمؤمن: نَمْ نومة العروس، أو بعد أن يُفتَح للكافر بابٌ إلى النار، تعود الروح إلى اله تبارك وتعالى، فيجعلها في بدنٍ كالبدن الذي كانت فيه في الدنيا، ويتنعَّم في الجنّة أو يُعذَّب في النار.

فقد قيل لأبي عبد الله الصادق(ع): إنا نتحدّث عن أرواح المؤمنين أنها في حواصل طيور خضر ترعى في الجنة، وتأوي إلى قناديل تحت العرش؟ فقال: لا، إذا [إذ] ما هي في حواصل طير، قلتُ: فأين هي؟ قال: «في روضةٍ كهيئة الأجساد في الجنّة»([19]).

ولعلّ هذا الأمر يتأكَّد من خلال ما يُروى في حديث المعراج من رؤية النبيّ(ص) لأناسٍ يتعذَّبون في النار([20]).

**********

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) رواه الكليني في الكافي 3: 234، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر(ع)…، الحديث.

([2]) رواه الكليني في الكافي 3: 239 ـ 240، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع)…، الحديث.

([3]) رواه الكليني في الكافي 2: 525 ـ 526، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع)…، الحديث.

([4]) رواه الكليني في الكافي 2: 633، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد؛ ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، جميعاً، عن ابن محبوب، عن جميل، عن سدير، عن أبي جعفر(ع)…، الحديث.

([5]) رواه الكليني في الكافي 3: 197، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله(ع)…، الحديث.

([6]) رواه الكليني في الكافي 3: 240، عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن كولوم، عن أبي سعيد، عن أبي عبد الله(ع)…، الحديث.

([7]) وروى أحمد بن محمد البرقي في المحاسن 1: 288، عن عبد الرحمن بن نجران وأحمد بن أبي نصر، عن عاصم بن حُمَيْد، عن أبي بصير، عن أحدهما(عما)…، الحديث.

([8]) رواه الكليني في الكافي 3: 236، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير…، الحديث.

([9]) رواه الكليني في الكافي 3: 236، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع)…، الحديث.

([10]) رواه الكليني في الكافي 3: 241، معلَّقاً عن أبي عبد الله(ع)…، الحديث.

وروى الكليني أيضاً في الكافي 3: 241، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس قال: سألتُه عن المصلوب يعذَّب عذاب القبر؟ قال: فقال: (نعم، إن الله عزَّ وجلَّ يأمر الهواء أن يضغطه».

([11]) رواه الطوسي في مصباح المتهجِّد: 582، 591، معلَّقاً عن أبي حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين زين العابدين(ع)…، الحديث ـ الدعاء.

([12]) رواه قطب الدين الراوندي في الدعوات: 280، معلَّقاً مرفوعاً.

([13]) رواه الكليني في الكافي 3: 236 ـ 237، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ، عن غالب بن عثمان، عن بشير الدهّان، عن أبي عبد الله(ع)…، الحديث.

([14]) رواه الكليني في الكافي 3: 239 ـ 240، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع)…، الحديث.

([15]) رواه الكليني في الكافي 3: 236، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن بريد بن معاوية، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله(ع)…، الحديث.

([16]) رواه الكليني في الكافي 3: 228، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري وجميل بن درّاج، عن أبي عبد الله(ع)…، الحديث.

([17]) رواه الكليني في الكافي 3: 228، عن عدّة من أصحابنا، عن إسحاق بن عمّار…، الحديث.

([18]) نهج البلاغة 4: 30 ـ 31. ورواه الصدوق في الأمالي: 169، عن محمد بن موسى بن المتوكِّل(ر)، عن عليّ بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن، عن المغيرة بن توبة، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه(عم)، قال: «لمّا أشرف أمير المؤمنين(ع) على المقابر، قال: يا أهل التربة، ويا أهل القربة، أما الدور فقد سُكنت، وأما الأزواج فقد نُكحت، وأما الأموال فقد قُسمت، فهذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى».

([19]) رواه الكليني في الكافي 3: 245، عن محمد [بن يحيى]، عن أحمد [بن محمد بن عيسى]، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن أبي بصير قال: قلتُ لأبي عبد الله(ع):…، الحديث.

وهناك روايات أخرى تدلّ على ذلك يمكن مراجعتها في الكافي 3: 244 ـ 245، وأهمّها:

1ـ عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاّد الحنّاط، عن أبي عبد الله(ع) قال: قلتُ له: جعلت فداك، يروون أن أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش؟ فقال: لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، ولكن في أبدان كأبدانهم.

2ـ عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن مثنّى الحنّاط، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله(ع): إن أرواح المؤمنين لفي شجرة من الجنة، يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها، ويقولون: ربنا، أقم الساعة لنا، وأنجز لنا ما وعدتنا، وألحق آخرنا بأولنا.

3ـ عدّة من أصحابنا، سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن درست بن أبي منصور، عن ابن مُسْكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع) قال: إن الأرواح في صفة الأجساد في شجرة في الجنّة، تعارف وتسائل، فإذا قدمت الروح على الأرواح يقول: دعوها، فإنها قد أفلتت من هولٍ عظيم، ثم يسألونها: ما فعل فلان؟ وما فعل فلان؟ فإنْ قالت لهم: تركته حيّاً ارتجوه، وإنْ قالت لهم: قد هلك قالوا: قد هوى هوى.

4ـ عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن عثمان، عن أبي بصير قال: سألتُ أبا عبد الله(ع) عن أرواح المؤمنين؟ فقال: في حجرات في الجنة، يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها، ويقولون: ربنا، أقم الساعة لنا، وأنجز لنا ما وعدتنا، وألحق آخرنا بأولنا.

5ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن محمد، عن الحسين بن أحمد، عن يونس بن ظبيان قال: كنتُ عند أبي عبد الله(ع) فقال: ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟ فقلت: يقولون: تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش، فقال أبو عبد الله(ع): سبحان الله، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير. يا يونس إذا كان ذلك أتاه محمد(ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عم) والملائكة المقربون(عم)، فإذا قبضه الله عزَّ وجلَّ صيَّر تلك الروح في قالبٍ كقالبه في الدنيا، فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا.

6ـ عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع)، قال: سألتُه عن أرواح المشركين؟ فقال: في النار يعذَّبون، يقولون: ربنا لا تقم لنا الساعة، ولا تنجز لنا ما وعدتنا، ولا تلحق آخرنا بأولنا.

7ـ عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن مثنّى، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع) قال: إن أرواح الكفّار في نار جهنم يعرضون، يقولون: ربنا لا تقم لنا الساعة، ولا تنجز لنا ما وعدتنا، ولا تلحق آخرنا بأولنا.

([20]) 1ـ في حديث المعراج قال(ص): رأيتُ امرأةً يُحرَق وجهُها ويداها، وهي تأكل أمعاءها، وأنها كانت قوّادةً.

2ـ في حديث المعراج قال(ص): أما المعلَّقة بلسانها فإنها كانت تؤذي زوجها.

3ـ في حديث المعراج قال النبيّ(ص): ثمّ مضيتُ، فإذا أنا بأقوامٍ لهم مشافر كمشافر الإبل، تقرض اللحم من جنوبهم، وتلقى في أفواههم، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء الهمّازون اللمّازون…الخبر.

4ـ في حديث المعراج قال رسول الله(ص): ثمّ مضيتُ، فإذا أنا بنسوانٍ معلَّقات بثديهنَّ، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء اللواتي يُورِثْنَ أموال أزواجهنَّ أولاد غيرهم.

5ـ في حديث المعراج قال(ص): فإذا أنا بأقوامٍ تُقذَف النار في أفواههم، وتخرج من أدبارهم، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً…إلخ.

6ـ في حديث المعراج قال(ص): ثمّ مضيتُ، فإذا أنا بأقوامٍ تُرضَخ رؤوسُهم بالصخر، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء.

7ـ في حديث المعراج قال(ص): ثمّ مضيتُ، فإذا أنا بأقوامٍ يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هؤلاء ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ (البقرة: 275).

والمقاطع الخمسة الأخيرة رواها عليّ بن إبراهيم في التفسير 2: 3 ـ 7، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(ع)، مرفوعاً ـ في حديثٍ طويل ـ.



أكتب تعليقك