29 يناير 2014
التصنيف : حوارات
لا تعليقات
10٬690 مشاهدة

عقد الزواج الإسلامي وحقوق المرأة، بين إيران والعالم العربي

3akd-al-zawaj

حوارٌ مع سماحة الشيخ محمد دهيني

أجرته الإعلاميّة سلوى فاضل، بتاريخ: الجمعة 18 – 10 – 2013م

ونُشر مختصراً ـ في جزءين ـ في موقع (جنوبيّة) الإلكتروني

1ـ ما هو مضمون عقد الزواج في إيران؟ بنوده؟ مَنْ وضعه؟ هل كان قبل الثورة؟

الزواج في إيران كما في غيرها من البلدان الإسلاميّة، وعند الشعوب المسلمة كافّة، لا يكون شرعيّاً إلاّ إذا توفَّرت فيه جملةٌ من الشروط، التي قد تكثر أو تقلّ؛ تبعاً لاجتهادات أئمّة المسلمين وفقهائهم.

وفي الوقت الذي كان نظام الشاه ينحو لإزالة ما تبقّى من أحكام دينيّة مرعيّة في الدستور والقانون الإيراني جاءت الثورة الإسلاميّة المباركة، بقيادة السيد روح الله الخميني، لتعيد لهذه الأحكام اعتبارها، وتضمّ إليها ما أزالته يد العدوان الشاهنشاهي.

لا يختلف عقد الزواج في إيران من حيث الشروط العامّة والمضمون عمّا هو عليه عند كافّة المسلمين، فلا بدّ من إيجابٍ وقبول، بالمباشرة أو التوكيل من الزوجَيْن أو من أحدهما، وتحديد مهر (صداق). ولا يُشترط حضور شاهدَيْن عدلَيْن؛ إذ ليس هذا من شروط صحّة الزواج عند الشيعة الإماميّة، خلافاً لبقيّة المذاهب الإسلاميّة الأخرى.

ولكنْ لعقد الزواج في إيران ميزةٌ، ألا وهي أنّه يكون مع عقد الزواج في المحكمة ورقةٌ تتضمَّن ما يقرب من 15 شرطاً، وعندما يتَّفق عليها الزوجان تصبح جزءاً من العَقْد.

إذاً هي ليست شأناً إيرانيّاً خاصّاً، وإنّما هي شروطٌ لصالح المرأة، وتحفظ لها حقوقها، وتمنع اعتداء الرجل عليها، وظلمها. وهي شروطٌ معروفة، ويتحدّث بها الناس كثيراً في سهراتهم وجلساتهم، ولكنَّهم عندما يصلون إلى عقد الزواج يهملونها؛ نسياناً، أو خجلاً واستحياءً، أو خوفاً من رفض الرجل لها.

وعلى أيِّ حال ليست بالشروط الخاصّة بالإيرانيّين، وإنَّما هي شروط عامّة، ولكنَّ المحاكم الشرعيّة في إيران، ومن خلال هذه الورقة المرفَقة بشهادة عقد الزواج تلفت نظر المرأة إلى أنَّه بإمكانها اشتراط هذه الأمور، بما يضمن لها الحماية من أيِّ اعتداء، والتخلُّص من أيِّ ظلم.

ومن تلك الشروط:

1ـ شرط عدم الزواج من امرأة أخرى، إلاّ بعد إذن الزوجة الأولى.

2ـ شرط تقاسم الأموال مناصفةً إذا رغب الزوج في الطلاق.

3ـ شرط أن يكون للمرأة الحقُّ في طلاق نفسها إذا صار الزوج مدمنَ مخدِّرات ونحو ذلك.

وشروطٌ أخرى من هذا القبيل.

والجميل في هذه الخطوة أنّ هذه الورقة تسلَّم للرجل والمرأة على السواء من قبل القاضي، فلا يشعر الرجل أنَّ المرأة هي التي تشترط عليه، وكأنَّها كانت تدبِّر له مكيدةً، وكذلك المرأة، وإنَّما يتلقَّيان الورقة من القاضي، ويقرآنها بتدبُّر، ثمّ يشيران إلى ما يرغبان فيه من تلك الشروط، ويسترجعها القاضي، ليجري العقد على ما تمّ الاتّفاق عليه، فيصبح لزاماً على الزوج والزوجة الالتزام بما وافقا عليه أمام القاضي، ولا يُسمَح لأحدهما بالتخلُّف ونقض الشرط.

نعم، الشروط التي تُطرَح من قبل القاضي هي شروطٌ تأخذ بعين الاعتبار التشريع الإسلامي؛ إذ لا يصحّ الشرط المخالِف للشَّرْع، وهو كلُّ شرطٍ أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً، كما في اشتراط المرأة أن لا يتزوَّج عليها ـ على رأيٍ ـ، أو اشتراط الرجل أن لا تخرج من بيته ولو لزيارة أرحامها، وكذلك لا يصحّ الشرط المخالِف لمقتضى العقد، كأنْ تشترط المرأة أن لا يقربها الرجل جنسيّاً بأيِّ نحوٍ من الأنحاء.

وأمّا ما كان من قبيل: اشتراط المرأة أن تكون وكيلةً عن الرجل في طلاق نفسها، فيصحّ الطلاقُ منها ولو لم يرضَ به الرجل، وليس له عزلُها عن الوكالة؛ ومن قبيل: اشتراط أن لا يُخرجها من بلدها الذي كانت تعيش فيه مع أهلها؛ أو اشتراط أن لا يمنعها من التعلُّم أو العمل، ونحو ذلك من الشروط، فهو من الشروط الصحيحة والملزِمة للرجل، ولا يجوز له أن يخالف هذا الشرط، ويعمل بخلافه، وإلاّ لم يعُدْ مؤمناً صادقاً في إيمانه؛ لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (المؤمنون عند شروطهم). ففي مثل هذه الحالات التي تتعارض فيها المصلحة مع المبدأ والعهد والوعد والشرط اللازم تنكشف حقيقة الإيمان والإسلام والتديُّن.

وخلاصة القول: لقد استطاعت إيران بعد الثورة الإسلاميّة المباركة أن تعيد للأحكام الإسلاميّة اعتبارَها، ومن خلال تلك الأحكام عملت على أن يكون للمرأة حقوقٌ كاملةٌ غير منقوصة، ولا مستباحة، فسنَّتْ من القوانين ما يوفِّر للمرأة الحماية والاستقرار فيما لو أرادت وطلبت ذلك.

ومن الطبيعي أنّه لا يجوز إجبار النساء على المطالبة بمثل هذه الأمور، وإلاّ كان هو عين الظلم والاستبداد، وإنَّما يُترك الأمر لها. وكذلك الرجل، فلربما اشترط على المرأة أن تقوم بأعمال البيت، أو أن ترضع أو تربّي الأولاد، أو أن تساعده في النفقة؛ إذ ليس كلُّ ذلك واجباً عليها شرعاً، وإنّما تقوم به تطوُّعاً وإحساناً. ولو اشترط عليها ذلك، ووافقت على الشرط، لزمها الوفاء به، وأصبحت تلك الأمور واجبةً عليها.

وفي إيران أيضاً هناك بعض القوانين لا زالت قائمة منذ العهد الشاهنشاهي، والتي يقولون أنّها ترعى حقّ المرأة، من قبيل: أنّه لا يحقّ للزوج أن يتزوَّج بامرأةٍ أخرى إلاّ بعد موافقة زوجته الأولى.

وقد قُدِّم في العام 2008م مشروعُ قانون يتضمَّن ثلاثة شروط للسماح بزواج الرجل مجدَّداً، وهي: العدالة؛ والقدرة الماليّة؛ وإذن المحكمة، ويلغي موافقة الزوجة الأولى، كما ينصّ القانون الإيراني [الحالي]، وزعموا أنّ هذه الشروط تهدف لجعل تعدُّد الزوجات محدوداً([1]).

وأنا أرى أنّ اعتماد أسلوب بيان الشروط الكفيلة بحفظ الحقوق، والحماية من العدوان، ثمّ ترك المجال أمام المرأة والرجل معاً ليوافقا على ما يريدان ويرغبان منها، هو السبيل الأفضل لتحقيق العدالة والإبقاء على المودّة والسكينة بين الزوجَيْن، بعيداً عن أيِّ قهرٍ أو تسلُّطٍ أو استبداد.

2ـ ما الذي تغيَّر فيه بعد الثورة في حال لم يبقَ هو نفسه؟

لقد اتَّضح ممّا سبق أنَّ وضع القانون العامّ قبل الثورة لم يكن مُرْضياً للشعب الإيراني المسلم والملتزِم بأحكام الدين الحنيف.

فالشاه أراد أن يبدِّل الدستور والقانون العامّ إلى ما يتوافق مع الأنظمة المرعيّة في الغرب، وبما يتلاءم مع مبادئ ومفاهيم العلمانيّة وغيرها من حركات الانحراف الفكري والثقافي والسلوكي.

ولكنَّ الثورة الإسلاميّة المباركة أسقطت تلك الرهانات الخاطئة والأحلام الفارغة للشاه، لتتبلور بعد ذلك، في مرحلة الجمهوريّة الإسلاميّة، أنظمةٌ وقوانين تراعي الحكم الشرعي إلى أقصى حدٍّ ممكن.

ونحن لا نتحدَّث عن معصومين يطبِّقون شريعة الله، وإنّما هم بشرٌ يخطئون ويصيبون، ولكنَّنا على ثقة تامّة بأنّ القيادة الإيرانيّة وأركان النظام، والمسؤولين عن وضع الدستور والقانون العامّ، يهدفون ويضعون نصب أعينهم في كلِّ حركةٍ تشريعيّة أن تكون متوافقةً ومتلائمة مع الحكم الشرعي الإسلامي، وبالمقدار الممكن، ونسأل الله أن يوفِّقهم في مسيرتهم هذه.

والذي تغيَّر هو مجرَّد لفت نظر الفتاة إلى ما يمكنها أن تفعله لضمان حقوقها، ومنع أيِّ عدوان عليها. وهذا أمرٌ في غاية الرقيّ والحضارة، حيث لم تُجبر الفتاة على شروط معيَّنة قد لا تريد هي نفسُها فرضَها على شريك حياتها، فترك لها الخيار. وكذلك هي حال الرجل أيضاً.

نعم، بقيَتْ بعض القوانين التي لم تتغيَّر حتَّى اليوم؛ إذ مسألة تغيير قانون ليست مسألةً سهلة، ولا يمكن أن تتمّ بين ليلة وضحاها، وإنَّما يسعى المسؤولون لتغييرها بمرور الزمن، وبما يتناسب مع الحكم الشرعي في هذا المقام.

3ـ هل أنّ بنوده لصالح المرأة أم لا؟

نعم، إنَّ أغلب الشروط التي تُقدَّم من قبل القاضي للزوجَيْن في إيران هي لصالح المرأة، ولتتمكَّن من خلالها أن تدفع عن نفسها أيَّ ظلمٍ أو عدوانٍ أو إجحافٍ أو قهرٍ يمكن أن يبادرها به الزوج.

4ـ ولماذا لم يعتمد في المحاكم الجعفريّة في لبنان؟

المحاكم الجعفريّة في لبنان ليست خاضعة للنظام الإيراني، خلافاً لما قد يُشيعه بعض المغرِضين من أنَّ الشيعة تابعون لإيران، أو أنَّهم عملاء لإيران، أو نحو ذلك من مبتذَل الكلام.

الشيعة في لبنان كبقيّة المسلمين يمارسون حياتهم بشكلٍ طبيعيّ، ووِفْق اجتهادات الفقهاء الذين يقلِّدونهم، كما يقلِّد غيرُ الشيعة أئمّةً له؛ فالكثير من أهل السنّة يتْبَعون الأزهر الشريف، فهل هم عملاء لمصر؟! وبعض السنّة يتْبَعون السعوديّة، فهل هم عملاء للسعوديّة؟! وكذلك المسيحيّون لهم مرجعيَّتُهم في الفاتيكان، فهل هم عملاء للفاتيكان؟!

الشيعة يقلِّدون مرجعيّاتٍ دينيّة، تتواجد عادةً في (النجف الأشرف) في العراق، وفي (قم المقدّسة) في إيران، ولكنَّهم ليسوا عملاء لإيران، ولا للعراق.

وأمّا في الفُتْيا فإنّهم يرجعون إلى أولئك العلماء لمعرفة حكم الله في كلِّ واقعةٍ، فينصاعون لحكم الله.

ولو وجدوا أنّ هناك آليّةً معيَّنة لتنظيم بعض العقود، وقد أثبتَتْ نجاحها، فما الضَّيْر في أن يعتمدوها؟!

وأنا هنا أدعو إلى دراسة اعتماد عقد الزواج في إيران في المحاكم الجعفريّة في لبنان.

ولكنَّ المحاكم لم تعتمدْه حتَّى الآن، بل لعلَّها لم تفكِّر في ذلك، ولعلَّ لها عذراً مقبولاً في هذا المجال.

5ـ لقد نقل حزب الله العديد من الأفكار والعادات إلى لبنان، وبالأخصّ إلى الشيعة. لماذا لم يعمل على اعتماد عقد زواج شبيه بعقد الزواج الإيراني؟

أوّلاً: حزب الله وإنْ كان تنظيماً قويّاً، وله امتدادٌ شعبيّ واسع في الوسط الشيعي، إلا أنَّه لا يمثِّل الشيعةَ كلَّهم، ولا يستطيع أن يفرض على جميع الشيعة أمراً ما، بل لا ينبغي له أن يفعل ذلك.

ثانياً: ليس لحزب الله حضورٌ فاعلٌ ومؤثِّرٌ في المحاكم الجعفريّة في لبنان. ومسألة عقود الزواج هي بيد المحاكم الجعفريّة، التي يحتاج تعديل القوانين فيها إلى توافقٍ شيعي، وإلاّ لظهرت الانقسامات والخلافات. وليس هذا في مصلحة الشيعة، بل وليس هذا من مصلحة التنظيمات والقوى السياسيّة أجمع، ولهذا تجري الأمور وِفْق ما يُتَّفق عليه.

ثالثاً: المسألة ليست مسألة اعتماد، فهذا فرضٌ، وقهرٌ، واستبدادٌ. المهمّ أن يقتنع الرجل والمرأة بضرورة هذه الشروط، ليُقبلا عليها بطيب نفسٍ ورضا.

ومسألة إقناع الجمهور المسلم، وليس الشيعي فحسب، بهذه الشروط ليست مهمّة حزب الله وحدَه، وإنّما هي مهمّة عموم المفكِّرين والمثقّفين وعلماء الدين والحقوقيّين والناشطين الاجتماعيّين و… وأتصوَّر أنّه لولا الحملات الظالمة التي تتعرَّض لها الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران باتّهامها بالمجوسيّة والصفويّة و… لآن لكثيرٍ من القوانين والأنظمة الإيرانيّة أن تتَّخذ طريقها إلى المجتمعات العربيّة؛ لكونها تصبّ في صالح المجتمع بكلِّ أفراده.

6ـ مَنْ وقف ضد ذلك؟

لا أتصوَّر أنَّ شخصاً معيَّناً قد وقف ضدّ ذلك، وإنَّما هي ضريبةُ الصراع المفتوح لإيران مع قوى الكفر والاستكبار والاستبداد العالمي. فمثل ذلك الصراع الدامي لا يمكن أن لا تكون له خسائر بهذا الحجم. فقد صوَّروا إيران بصورةٍ مرعبة.

تصوَّري أنَّني وأثناء تصفُّحي لبعض الأخبار في هذا الشأن لاحظتُ كم تسعى مواقع إلكترونيّة كثيرة وكبيرة لتسليط الضوء على مسألة زواج المتعة في إيران، وكأنَّهم في إيران لا يتزوَّجون إلاّ بالمتعة. وأنا عشتُ في إيران لمدّةٍ طويلة، ولم أشاهِدْ كلَّ هذه الافتراءات المذكورة.

إذاً هي الحملات الدعائيّة ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة تجعل من الصعب جدّاً إقناع الناس بالاستفادة من قوانين هناك تصبُّ في مصلحتهم، وترتقي بهم، وتضمن لهم حقوقهم.

7ـ شرعاً هل تملك المرأة المسلمة حقوقاً يغمطها إيّاها المجتمع؛ كونه مجتمعاً عربيّاً متخلِّفاً؟

للمرأة في الإسلام حقوقٌ كثيرة، وقد أكَّد عليها الإسلام في تشريعاته، سواءٌ في القرآن الكريم أو السنّة الشريفة. ولكنّ المجتمع العربي لا يزال يعيش الذكوريّة الطاغية، التي لا تحترم مشاعر المرأة، ولا حقوقها.

مثلاً: للمرأة الحقّ في أن تتعلَّم.

وكثيرٌ من الدول العربيّة والإسلاميّة لا زالت حتَّى اليوم لا تسمح للمرأة بالتعلُّم، أو تقصرها على مستوى معيَّن من العلم.

وهذا ما شاهدتُه شخصيّاً في قرارات بعض (المشايخ (الكبار))، حيث سمعناه يتحدَّث عن أنَّه لن يسمح لابنته بالذهاب إلى المدرسة بعد أن تُنهي الصفّ التاسع، وإنَّما تبقى في البيت، وتنتقل منه إلى بيت زوجها.

بعض (المشايخ) أيضاً لا يرافقون نساءَهم إلى مكانٍ، وإنَّما تخرج المرأة وحدها، والرجل يخرج وحده أيضاً. وبعضهم يخرج برفقة زوجته، ولكنّه لا يمشي إلى جانبها، ولا يُجلسها إلى جانبه في السيّارة، بل يمشي أمامها، أو يُركبها في المقعد الخلفي بينما هو يقود السيّارة. وطبعاً ليس ذلك من باب الاحترام والتقدير.

وبعض الأعراب شاهدناهم يمشون أمام زوجاتهم فارغي الأيدي، أو يطقطقون بـ (المسبحة)، بينما تحمل زوجاتُهم أحمالاً ثِقالاً على رؤوسها عند انتقالهم من مكانٍ إلى آخر في الأسفار.

إنّ مجتمعاتٍ كهذه لا يمكن أن ترعى للمرأة حقّاً.

وأنا أرى أنَّه لا بدّ من إعادة النظر في ما قد يكون هو السبب خلف بروز مثل هذه العقليّات وانتشارها، ألا وهو بعض الأحاديث والروايات التي تقلِّل من شأن المرأة، والتي تصوِّرها كمخلوقٍ ناقص العقل والدين والحظّ؛ وأنَّها تَبَعٌ للرجل؛ وأنَّه لو كان يصحّ السجود لغير الله لأُمِرَتْ المرأةُ بالسجود لزوجها.

في اعتقادي أنَّ هذه الأحاديث مكذوبةٌ ومفتراة، ولم تصدر عن النبيِّ وأهل بيته الأطهار عليهم السلام؛ لأنَّها تتنافى مع روح الشريعة، وقِيَم الإسلام، والمبادئ الإنسانيّة الثابتة، كالعدل والإحسان و…

8ـ وهل أن الفرس اتَّخذوا من الحقوق التي ينادي بها الغرب في قضايا المرأة أساساً؛ باعتبار أنهم ليسوا عرباً، أم أنّ الإسلام بتفسيره الإيراني مختلفٌ عن الإسلام بتفسيره العربي، ولا سيّما أنّ مراجع النجف يختلفون في نظرتهم إلى المرأة، رغم أن الإسلام واحد، وهذا إنْ دلّ فإنّه يدلّ على أنّ المحيط والبيئة الاجتماعيّة هي الخلفيّة الحقيقيّة للاستنباط والتشريع؟

الحضارة الفارسيّة حضارةٌ عريقة، وضاربةٌ في القِدَم، ولا تحتاج إلى أن تستند أو تعتمد على حضاراتٍ أخرى في مسألة الحقوق والواجبات، والأنظمة والقوانين. ومع ذلك فإنَّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة اليوم لا تستند إلى قوانين تلك الحضارة، وإنَّما أبقَتْ على ما ينفع الناس منها ممّا لا يخالف حكماً شرعيّاً، وأضافت إلى تلك الأنظمة ما استمدَّتْه من شريعة الإسلام الخالدة، وِفْق ما جاء به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام. ومن هنا لا نرى أنَّهم اعتمدوا على ما ينادي به الغرب من حقوقٍ للمرأة. كيف وبعضُ ما ينادي به الغربيّون ينافي حقوقَ المرأة ويقهرها! فهل منعُ الحجاب في بعض الدول الغربيّة اليوم تكريمٌ للمرأة التي تريد أن تضع الحجاب دون أن تؤذي أحداً ممَّنْ حولها؟! وهل تحويل المرأة إلى سلعةٍ لاستثارة الشهوات ولفت الأنظار في أغلب لوحات الترويج للبضائع هو احترامٌ للمرأة وحفظٌ لمكانتها؟!

على أيِّ حال الجمهوريّة الإسلاميّة لم تستند إلى ما عند الغرب في قوانينها وأنظمتها، وإنّما زاوجت بين ما عهدَتْه من قوانين وأنظمة وما جاءت به الشريعة الغرّاء من أحكامٍ عادلة ومنصفة، فتوصَّلت إلى دستورٍ وقوانين هي الأصلح والأنسب لضمان حقوق المرأة والرجل على السواء.

وأمَّا أنَّ النجف الأشرف لم تلحق بهذا الركب الحضاري فأعتقد أنَّ لِما عاشته (النجف) من مآسي وحصارٍ وقمعٍ واضطهادٍ الدور الكبير في بقاء المجتمع هناك منغلِقاً على نفسه، يبحث عن الأمن والنجاة أكثر من بحثه عن نظامٍ أو قانونٍ لتحقيق العدالة والمساواة بين أبناء المجتمع وأطيافه.

ولا ننسى هنا أنَّ فقه الدولة يختلف تماماً عن فقه الفرد. فعندما تصبح مسؤولاً عن مجتمعٍ كبير، في دولة ذات سيادةٍ ودستور وقانون، وأنظارُ العالَم كلِّه متوجِّهةٌ إليها، فإنّ هذا يجعل من حركة الفتوى حركةً مقيَّدة أكثر، ويستلزم دراساتٍ اجتماعيّة واقتصاديّة وعسكريّة وعلميّة قبل المبادرة إلى الفُتيا، وهذا ما سينعكس حتماً على النتيجة النهائيّة، التي تبرز بشكل فتوى، أو حكم ولائي، أو قانون، أو مادّة دستوريّة.

لقد عاش الفقهاء في إيران تجربة الدولة والحكم، وهذا ما جعل رؤاهم، وطريقة تفكيرهم، تختلف اختلافاً جوهريّاً عن أمثالهم من الفقهاء النجفيّين، الذين لم يتسنَّ لهم أن يكونوا في مثل هذه الظروف.

لكنَّ هذا لا يعني أبداً أنَّ الفقيه ينطلق من الواقع وحدَه في إصدار الفتوى، وإنَّما هو ينطلق من المصدر الأساس، وهو: القرآن؛ والسنّة؛ والعقل، ولكنْ للواقع والمحيط التأثيرُ الكبير على سير عمليّة الاجتهاد والاستنباط، حيث ستتكشَّف للفقيه المتصدِّي لإدارة الدولة وسياسة أمور الناس أمورٌ لا تتكشَّف لمَنْ ليس في ذلك الموقع، وهذه الأمور ستغيِّر مسار الاجتهاد والاستنباط، وبالتالي ستكون الفتوى متغايرةً بينهما.

وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول: بارك الله بكم، ووفقّكم لرضاه، إنّه سميعٌ مجيب.

الهوامش


( [1]) http://www.il7ad.com/topic/26522-%D9



أكتب تعليقك