1 فبراير 2014
التصنيف : حوارات
لا تعليقات
2٬828 مشاهدة

المرأة والأسرة في الإسلام، نظراتٌ عادلة

32

حوارٌ مع سماحة الشيخ محمد دهيني

أجرته الأخت الفاضلة رقيّة يونس، بتاريخ: الأربعاء 16 – 10 – 2013م

السلام عليكم سماحة الشيخ، هي اسئلةٌ حول أهمّ الإشكاليّات في فقه المرأة والأسرة، نرجو أن يتّسع وقتكم للإجابة عنها، ولكم الأجر والثواب.

هل القوامة مشروطةٌ بالأهليّة والإنفاق أم أنها حقٌّ ثابت بصرف النظر عنهما؟

ظاهر القرآن الكريم ـ في قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء: 34 ـ 35) ـ أنّ قوامة الرجل على المرأة إنّما هي وليدة ما فضَّله الله به من قدرات ومؤهِّلات عقليّة وبدنيّة تجعله قادراً على تحمُّل المسؤوليّة وإدارة شؤون الحياة؛ مضافاً إلى أنّه هو المسؤول عن الإنفاق، وكما يقولون: من عليه الغُرْم فله الغُنْم.

ولا أستبعد أن تكون هذه الآية؛ بلحاظ سياقها، والسياق عندنا حجّةٌ كاملة، وهو يفتح الأفق الرحب أمام فهومٍ جديدة وكثيرة، تتحدَّث عن قيمومة الرجل بشأن المعاشرة الجنسيّة، وأنّه متى أرادها فلا بدّ للزوجة من تلبية طلبه. فلو التفتنا إلى قوله: (فالصالحات)، الذي هو تفريعٌ على ما سبق، والتفتنا إلى أنّ المراد بالنشوز هنا هو الامتناع عن المعاشرة، لعلمنا أنّها تريد إثبات حقٍّ خاصّ للرجل في تلك المعاشرة، بسبب ما أوتيه من رغبة قويّة في ذلك، وبما أنفق من ماله للحصول على هذا الأمر، عبر تأسيس بيت الزوجية.

٢ـ هل يجوز للزوج عدم مجامعة زوجته إلاّ كلّ ٤ أشهر، مع علمه بحاجتها إلى ذلك؟

إثبات شيء لشيء لا يقتضي نفيه عمّا عداه، وإذا أثبتنا الحقّ للزوج في أن تلبّيه زوجته كلّما رغب في مقاربتها؛ للسببين المذكورين، فهذا لا يعني أبداً أنّه لا حقّ لها في أن يلبّيها زوجها كلّما رغبت في المعاشرة. نعم، قد تختلف العِلَل والمِلاكات والحِكَم في كلا الحُكمَيْن، ولكنّ مقتضى المعاشرة بالمعروف، المأمور به في قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19)، هو أن لا يمتنع عن مجامعتها إذا طلبت ذلك؛ فإنّ امتناعه ذاك ليس عشرةً بالمعروف، مضافاً إلى أنّ امتناعه ذاك يجعلهنّ في معرض الانحراف، وهو ما لا يرضاه الشارع حتماً، وإنّما شُرِّع الزواج ورُغِّب فيه دفعاً للانحراف والفساد.

وفي بعض الروايات أنّه (مَنْ اتخذ جارية فلم يأتِها في كلّ أربعين يوماً، ثم أتت محرماً كان وزر ذلك عليه) (الصدوق، الخصال: 539)، فإذا كان وضع الجارية بهذا الشكل فكيف بالحُرّة؟! ولو قُلْنا بتساويهما في المقام يثبت عدم جواز الامتناع لأزيد من أربعين يوماً.

وأمّا ما جاء من الروايات التي فُهم منها أنّ للزوج حقّ الامتناع عن المجامعة لمدّة 4 أشهر؛ بحجّة أنّ غاية صبر المرأة أربعة أشهر في ترك الجماع، فلا تعدو كونها في مقام بيان حكم ما لو حلف بالله أن لا يقربها، فهنا ينعقد يمينُه من حيث المبدأ؛ إذ لا إشارة فيها إلى حاجة زوجته للمجامعة أم لا. وعليه فمن حيث المبدأ ينعقد اليمين، ولكنْ لا مجال لاستمراره مؤبَّداً؛ لقوله تعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 226 ـ 227)، وإنمّا يجب عليه بعد مرور أربعة أشهر مقاربتها مقاربةً كاملة، ويكفِّر عن يمينه، إلاّ أن تمتنع منه فلا يجبرها على ذلك. إذاً هذه الروايات في مقام بيان الحدّ الزمني النهائي ليمينٍ من هذا القبيل.

ويصرِّح بعض الفقهاء أنّ الزوجة إذا صبرت فهو خيارها، وأمّا إذا رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي قبل مرور الأربعة أشهر، ولم يكن للزوج عذرٌ يعتذر به، أمره الحاكم بمقاربتها، فإنْ لم يفعل أنظره أربعة أشهر، فإنْ قاربها وإلاّ ألزمه بالطلاق (أبو الصلاح الحلبي، الكافي: 302).

وخلاصة القول: إنّ لكلٍّ من الرجل والمرأة الحقّ في مطالبة الشريك الآخر بالمقاربة، وليس للشريك أن يمتنع. نعم، لو لم يكن لأحدهما رغبةٌ، ولم يطالبه شريكه، فبإمكانه أن لا يقاربه ولو لفترةٍ طويلة من الزمن.

٣ـ هل يجوز للزوج إجبار زوجته على المجامعة بالرغم من معرفته بعدم رغبتها في ذلك؟

عرفنا في ما تقدَّم أنّ للرجل الحقّ في قضاء حاجته الجنسيّة متى شاء، وليس للمرأة أن تمنعه من ذلك. ومجرَّد عدم رغبتها في ذلك ليس عذراً واقعيّاً. نعم، إذا كان الجماع مضرّاً بها أو مؤذياً لها أو لحملها أو لولدها الرضيع، فلها أن تمتنع بمقدار ما يندفع الضرر، ويرتفع الأذى. والضرورات تقدَّر بقدرها. والإنسان على نفسه بصيرةٌ، ولو ألقى معاذيره.

وقد أشارت الآية الكريمة إلى هذا الحكم، حيث فُسِّر النشوز فيها بالامتناع عن المعاشرة الزوجيّة، فجاءت الآية لتؤكِّد كونه حقّاً للزوج، بل له أن يمارس ضغوطاً نفسيّة ومعنويّة وجسديّة ـ بمقدارٍ معيَّن ـ لدفع الزوجة إلى تمكينه من نفسها.

٤ـ هل يجوز للرجل التضييق المادّي على زوجته بالرغم من توفُّر المال لديه؟

إنّ نفقة الزوجة واجبةٌ على الزوج. والنفقة هي كلّ ما تحتاجه ممّا هو متعارفٌ لأمثالها. وبالتالي فأيُّ تقصير في ذلك سيكون دَيْناً في ذمّة الزوج، ولها أن تطالبه به ولو بعد مدّة. وعليه فلا يجوز التضييق المادّي على الزوجة بما يتنافى مع بذل نفقتها المتعارفة، سواء توفَّر المال لديه أو اضطرّ لاستدانته للإنفاق عليها. وأمّا ما زاد عن حاجتها فليس الزوج ملزماً بتوفيره لها، ولو كان المال وفيراً عنده.

٥ـ هل يجوز للزوج التقليل من المستحقّات الماليّة المتناسبة مع شأنيّة الزوجة من أجل الزواج بأخرى؟

إنّ (الشأنيّة) موضوعٌ متحرِّك، وليس ثابتاً. ومن هنا لا بدّ من تحرّي الدقّة الشديدة في تحديد دائرة الشأنيّة. ولكنْ لو ثبت أنّ من شأن المرأة ـ الزوجة نفقةً معيَّنة فلا يجوز للزوج أن يقلِّل منها أو يضيِّق عليها في تلك النفقة، بل يجب عليه إذا كان فقيراً أن يستدين لتأمين نفقة زوجته المتعارفة.

وأمّا تقليل النفقة بحجّة أنّه يريد الزواج بأخرى فهذا ظلمٌ للزوجة الأولى، وهو معصيةٌ، ولا يُطاع الله من حيث يُعصى، حيث يرتكز في ذهن بعض الناس أنّ الزواج الثاني مستحبٌّ، ويتسارعون إليه. والحقيقة أنّه ليس سوى مباحٍ من المباحات، وقد أمر الله به بعد أن توهَّم المسلمون حظرَه؛ إذ حرَّم الإسلام جملةً من العلاقات بين الرجل والمرأة، التي كانت سائدةً في الجاهليّة، وحدَّد العدد الأقصى للزوجات، فكان الأمرُ في الآية: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا) (النساء: 3) بياناً لإباحة علاقة الزواج بأربعةٍ من النساء لا غير. وعلى أيِّ حال لو سلَّمنا بما يُقال من استحباب الزواج الثاني فإنّه لن يبقى محبوباً ومرضيّاً لله سبحانه وتعالى إذا ما استلزم ظلماً للزوجة الأولى.

٦ـ هل يجوز للزوج طلاق زوجته لمجرَّد إحساسه بالنفور منها، من دون الاحتكام لمرجعيّة متخصِّصة؟

مجرَّد الإحساس بالنفور من الزوجة ليس مسوِّغاً لطلاقها، وإلاّ لتحوَّلت تلك العلاقة المقدَّسة إلى أُلعوبةٍ بيد الزوج وأحاسيسه ومشاعره المتقلِّبة والمتغيِّرة.

يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء: 19).

إذاً فمجرَّد النفور لا يعني أنّ المرأة لم تعُدْ صالحة لتكون شريكة حياة.

ولربما لهذا النفور أسبابه الجسديّة أو النفسيّة، وهي تزول بالعلاج ومراجعة الأخصّائيّين في هذا المجال.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الطلاق أمرٌ عظيم وخطير، حتّى قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الحديث الصحيح: (أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتّى ظننتُ أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشةٍ مبيِّنة) (الكافي 5: 512). فالمسارعة إلى الطلاق لمجرَّد شعور بالنفور، أو إحساس بالضيق أو الملل، أو رغبة في التغيير، إنّما هو من تلبيسات إبليس ونفثه ونفخه، أعاذنا الله منها جميعاً.

7ـ هل يجوز نزع الأولاد من الأمّ ذات الأهليّة، وإيكال ولايتهم إلى الأب حتّى ولو كان فاقداً للأهليّة؟

الكلام كلّ الكلام في تحديد الأهليّة وعدمها. والأمر موكولٌ إلى دراسةٍ دقيقة وتامّة من قبل الحاكم الشرعي. فإذا ثبت أنّ الأب قاصرٌ عن تحمُّل المسؤوليّة، وليس مؤهَّلاً لرعاية أولاده وتربيتهم وحضانتهم بالشكل اللائق والسليم، والذي يحفظ لهم حياتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، فلن تكون له الولاية عليهم.

ولكنْ الولاية هنا تنتقل إلى الجدّ للأب إنْ وُجد، وإلاّ فللحاكم الشرعي، الذي يعيِّن بدوره من يرعاهم ويتكفَّل شؤونهم، وقد تكون الأمّ هي وكيلة الحاكم الشرعي في هذا المقام.

8ـ هل يجوز إظهار العَوَز أمام الزوجة لحملها على الدفع من أموالها على المنزل؟

سواءٌ أظهر الزوج العَوَز أم لا فالنفقة على المنزل هي من مسؤوليّات الزوج وحده. نعم، قد تُبْدي الزوجة رغبتَها في المساعدة بشرط أن يكون هناك نقصٌ وحاجة، وفي هذا المقام لا يجوز للزوج أن يوهمها بأنّه محتاجٌ إلى مساعدتها الماليّة إذا لم يكن محتاجاً بالفعل. وكلُّ ما تصرفه الزوجة بإيهام الزوج لها أنّه محتاجٌ وهو ليس كذلك يُعتَبَر مالاً مغصوباً ـ أي أُخذ بغير رضا صاحبة وبغير طيب نفسه؛ إذ لو علمت الحقيقة لما بذلت ذلك المال، ولما رضيت وطابت نفسها بالمساعدة ـ، وتشتغل به ذمّته، وعليه أن يوفِّيها ذلك المال في أقرب فرصة.

وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول: بارك الله بكم، ووفقّكم لرضاه، إنّه سميعٌ مجيب.

سماحة الشيخ، لقد استوفى رأيكم العلمي الأهداف التي كنّا نرجوها. أشكركم جزيل الشكر على إجابتكم الموثَّقة، والتي تنمّ عن فكر محيط بكلّ الجوانب. أثابكم الله، وجعل هذا العمل في ميزان أعمالكم، وأطال الله في عمركم؛ لمرضاته.



أكتب تعليقك