العلم شرف الدنيا والآخرة
(بتاريخ: الجمعة 17 / 10 / 2014م)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
تمهيد
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الأَلْبَابِ﴾ (الزمر: 9).
إنّه (العِلْم)، تلك الجوهرة التي زيَّن بها الله تبارك وتعالى كافّة أنبيائه وأوليائه وعباده الصالحين، ومَنَّ بها عليهم، سواءٌ منها ما يختصّ بشؤون الدنيا أو الآخرة، وكلُّ ذلك علمٌ نافعٌ ومطلوب، ولكلِّ المتصدِّين له أَجْرُهم والثواب، لا فرق بينهم.
فما أن خلق الله أبا البشر آدم(ع)؛ ليكون خليفته في الأرض، حتّى ابتدأه بالتعليم: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ (البقرة: 31).
وهكذا تتالَتْ الأخبار الإلهيّة بتعليم الأنبياء ما تحتاجه البشريّة للدنيا والآخرة، فقال عزَّ من قائلٍ:
عن يعقوب(ع): ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ﴾ (يوسف: 68).
عن يوسف(ع): ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ﴾ (يوسف: 21).
عن عيسى(ع): ﴿وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾ (المائدة: 110).
عن داوود(ع): ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ﴾ (الأنبياء: 80).
عن محمد(ص): ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ (النساء: 113).
عن الخضر(ع): ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾ (الكهف: 65).
عن طالوت(ع): ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ (البقرة: 247).
ثمّ كانت الوصيّة الإلهيّة لعبد الله وحبيبه النبيّ المصطفى(ص): ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ (طه: 114).
وهكذا كان (العِلْم) و(الكَلِمَة) مفتتح الحياة والرسالات؛ فـ «في البَدْء كان الكلمة»([1])؛ وأوّل خطابٍ وحيانيٍّ للنبيّ الأكرم محمد(ص) كان: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق: 1 ـ 5).
والعِلْم مدعاةٌ للخشية من الله، في ما تمثِّله من شعورٍ بحضوره الدائم، وما يؤدّي إليه من طاعةٍ والتزام: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: 28).
وكان محمدٌ(ص) المعلِّم الأوّل، حيث استجاب اللهُ دعوةَ نبيِّه وخليله إبراهيم(ع)، حيث قال: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (البقرة: 129). فـ ﴿مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ (آل عمران: 164)، و﴿بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ (الجمعة: 2).
وهكذا اقترن مقامُ الرسالة بالعلم والتعليم، حتّى صار الشعراء وأهل الأدب يعتبرون المعلِّم رسولاً للأجيال بعد الرُّسُل الكرام:
قُمْ للمُعلِّمِ وَفِّهِ التَّبْجِيلا |
كَادَ المُعَلِّمُ أَنْ يكونَ رَسُولاً |
العلم حارسٌ أمين
العلم من الصفات الجماليّة الضروريّة التي ترفع قَدْر مَنْ يتحلَّى بها، وتزيِّنه، وتحرسه من الوقوع في المهالك والشبهات والمزالق، التي ينصبها هنا وهناك أعداء الأديان والإنسان، أعداء الفكر والثقافة الحقّ، اللذَيْن أمرنا الله سبحانه وتعالى بحملهما، والسير على هَدْيهما.
وقد رُوي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)، في وصيّته لصاحبه كُمَيْل بن زياد، يحثُّه على طلب العلم، ويرغِّبه فيه: «يا كميل، العلم خيرٌ من المال، والعلم يحرسك وأنت تحرس المال. المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق…، يا كميل هلك خُزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر…»([2]).
إذاً العلم ضرورة من ضروريّات الحياة، لا غنى للإنسان عنها. ومن هنا نستطيع فهم آيات الله عزَّ وجلَّ التي تتحدّث عن طلب العلم ومراتب أهله، فقد قال تعالى: ﴿يَرْفَعْ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (المجادلة: 11). وهكذا نفهم ما رُوي عن رسول الله(ص) أنّه قال: «اطلب العلم من المهد إلى اللحد»؛ و«اطلب العلم ولو في الصين»([3]).
فالعلم سلاحٌ تستطيع من خلاله أن تحفظ نفسك وأمّتك، وتستطيع من خلاله فقط الاطّلاع على تكاليفك الشرعيّة.
والعلم، أيُّها الأحبّة، من المستحبّات المؤكَّدة، ولكنّه قد يصبح واجباً عندما يُفقَد العلماء الذين يرشدون الناس، ويعلِّمونهم، ويبلِّغونهم رسالات ربِّهم، وقد قال تعالى في هذا المجال: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة: 122). فعندما يُفقَد أهل العلم والفكر والثقافة يصبح التعلُّم واجباً كفائيّاً على كلّ المسلمين؛ لأن حياتهم لا تتقوّم إلاّ بالعلم والمعرفة.
أقسام الناس
ومن هنا أمكننا أن نقسِّم الناس إلى ثلاثة أقسام، كما قسَّمهم أمير المؤمنين عليٌّ(ع)، حيث قال، في وصيّته لكميل بن زياد المتقدِّمة: «الناس ثلاثة: فعالمٌ ربّانيّ؛ ومتعلِّمٌ على سبيل نجاة، وهَمَجٌ رَُعاع، أتباع كلّ ناعقٍ، يميلون مع كلّ ريحٍ، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيق»([4]).
أمّا (الهَمَج الرَُّعاع) فواضحٌ ذمُّهم والتشنيع عليهم، فعلينا بالابتعاد عنهم، والسعي إلى هدايتهم.
وأمّا القسمين الباقيين فإنّه ينبغي لنا أن نطمح إلى نيل أعلاهما رتبةً، وأرفعهما منزلةً، وهو (العالم الربّانيّ). وليس المقصود به ـ والله العالم ـ العلم الدينيّ فحَسْب، بل هو كلُّ علمٍ يفيد الإنسان ويساعده ويريحه. فإنْ لم يكن هذا بالمقدور فلنكُنْ على الأقلّ (متعلِّمين على سبيل نجاةٍ). ولا مفرّ لنا من الاختيار؛ إذ إنّ بعض الأحاديث قد تدلّ ـ ولو بطريقة التلميح ـ إلى وجوب التعلُّم والتفقُّه في الدين.
فها هو أمير المؤمنين عليٌّ(ع) يقول: «ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلَّموا حتّى أخذ على أهل العلم أن يعلِّموا»([5]).
وها هو إمامنا الصادق الأمين(ع) يقول: «ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقَّهوا في الحلال والحرام»([6]).
إذاً للتعلُّم والتعليم أهمّيّة قصوى عند الله سبحانه وتعالى، ويثيب عليهما، ويعاقب على تركهما.
السيّدة الزهراء(عا) عالمةٌ معلِّمة
وفي هذا المجال نطلّ على حياة وسيرة سيّدة نساء العالمين(عا)؛ لنرى كيف صوَّرتها لنا أخبارها المعلِّمة الأولى للمسلمات، اللواتي كنَّ يُقْبلنَ على بيتها، مستفهماتٍ متعلِّمات، فتفيض عليهنَّ مولاتُنا فاطمة الزهراء(عا) بما وعَتْه من علمٍ، وتثقِّفهنَّ بثقافة العصر، وتشجِّعهنّ على طلب العلم والمعرفة. وهكذا كان بيتُها المدرسة الأولى في الإسلام للمرأة.
وما أورده المؤرِّخون من أخبارها في رحابة صدرها في تثقيفها للراغبين، وفي إقبال النساء عليها طالباتٍ للعلم، كلُّ هذا يُرينا بعض حقائق «مولاتنا فاطمة(عا)» العالمة المعلِّمة.
ومن ذلك: ما يُروى عن إمامنا العسكريّ(ع) أنّه قال: «وحضرَتْ امرأةٌ عند الصديقة فاطمة الزهراء(عا) فقالت: إنّ لي والدةً ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة(عا) عن ذلك، ثم ثنَّتْ، فأجابت، ثم ثلَّثتْ [فأجابت]، إلى أن عشَّرتْ، فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشقّ عليك يا بنت رسول الله، قالت فاطمة(عا): هاتي وسلي عمّا بدا لكِ، أرأيتِ مَنْ اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحملٍ ثقيل، وكراؤه مائة ألف دينار، أيثقل عليه؟ فقالت: لا. فقالت: اكتريتُ أنا لكلّ مسألة بأكثر من مِلْء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل عليَّ، سمعتُ أبي [رسول الله](ص) يقول: إنّ علماء شيعتنا يُحشَرون، فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم، وجِدِّهم في إرشاد عباد الله، حتّى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور»([7]).
ولا بدّ ونحن نتحدّث عن سيّدتنا فاطمة الزهراء(عا) من الإشارة إلى أنّ تثقيفها لم يقتصر على النساء، بل كان الرجال أيضاً يقصدونها؛ للاستفادة من علمها. فقد روى الصحابيُّ الجليل عبد الله بن مسعود «أنّ رجلاً جاء إلى مولاتنا فاطمة(عا) فقال: يا ابنة رسول الله، هل ترك رسول الله(ص) عندك شيئاً تطرفينيه. فقالت: يا جارية، هاتِ تلك الحريرة. فطلبَتْها فلم تجِدْها، فقالت: ويحك، اطلبيها، فإنها تعدل عندي حسناً وحسيناً، فطلبتها فإذا هي قد قمَّمتها في قمامتها، فإذا فيها: قال محمدٌ النبيّ(ص): ليس من المؤمنين مَنْ لم يأمن جاره بوائقه. ومَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره. ومَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُلْ خيراً أو يسكت. إنّ الله يحبّ الخيِّر الحليم المتعفِّف، ويبغض الفاحش الضنين السئآل الملحف. إنّ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة؛ وإنّ الفحش من البذاء، والبذاء في النار»([8]).
مصحف فاطمة(عا)
إنّه الحِرْص على العلم، ولا سيّما إذا كان عِلْماً من رسول الله(ص)؛ حيث إنّها كانت تجمع في تلك الأوراق أحاديث رسول الله(ص) التي حدَّثها بها، فاجتمع لديها من حديثه كمٌّ هائل، شكَّل مصحفها المعروف باسم «مصحف فاطمة»، يتوارثه الأئمّة(عم) من ذرّيّتها، حتّى وصل في عصرنا هذا إلى إمامنا ومنقذنا الحجّة بن الحسن المهديّ المنتظر(عج). وممّا يؤسَف له أنّ بعض أهل السنّة انطلقوا يتَّهمون الشيعة بأنّ لديهم قرآناً غير هذا القرآن الموجود بين المسلمين؛ حيث خدعَتْهم ـ وللأسف الشديد ـ كلمة «مَُِصحف»، وعَمُوا عن أنّ هذه الكلمة (مَُِصحف) تعني الصحف والأوراق المجتمعة([9])، وكلمةُ «المصحف» أُطلقت على القرآن الكريم من هذا القبيل، فكيف لم يُلتفت إلى هذا؟! إنّه لأمرٌ غريبٌ حقّاً.
قيمةُ العلم بالتَّقْوى والوَرَع
إذن يقول تعالى: ﴿يَرْفَعْ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11).
ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
العِلْمُ يَرْفَعُ بَيْتاً لا عِمَادَ لَهُ |
وَالْجَهْلُ يَهْدِمُ بَيْتَ الْعِزِّ وَالشَّرَفِ |
ولكن هل يكفي العلم منفرداً لنيل تلك المراتب؟ لا، لا بُدّ للعلم من أن يقترن بالتقوى تحصِّنه من الانحراف عن خطِّ الله سبحانه وتعالى، فيصبح أداة تدمير بدل أن يكون آلة تعمير، ويصبح عبئاً على صاحبه وعلى الناس بدل أن يكون سبيلاً لخلاصهم وراحتهم وسعادتهم. ولله دَرُّ الإمام أبي حامد الغزّالي([10]) حيث يقول:
لَوْ كَانَ لِلعِلْمِ دُونَ التُّقَى شَرَفٌ |
لَكَانَ أَشْرَفَ خَلْقِ اللهِ إِبْلِيسُ |
نسأل الله أنْ يرزقنا عِلْماً واسعاً، وعَمَلاً نافعاً، بمحمّدٍ وأهل بيته الطيِّبين الطاهرين، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالَمين.
**********
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([2]) نهج البلاغة 4: 35 ـ 37، من كلامٍ له(ع) لكميل بن زياد النخعي. قال كميل بن زياد: أخذ بيدي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) فأخرجني إلى الجبّان، فلما أصحر تنفَّس الصعداء، ثم قال: «يا كميل، إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، فاحفظ عنّي ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالمٌ ربّانيّ؛ ومتعلِّمٌ على سبيل نجاة، وهَمَجٌ رعاع، أتباع كلّ ناعقٍ، يميلون مع كلّ ريحٍ، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيق. يا كميل، العلم خيرٌ من المال، والعلم يحرسك وأنت تحرس المال. المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق، وصنيع المال يزول بزواله. يا كميل، العلم دينٌ يُدان به، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته. والعلم حاكمٌ والمال محكومٌ عليه. يا كميل، هلك خُزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. إنّ ههنا لعلماً جمّاً ـ وأشار إلى صدره ـ لو أصبْتُ له حَمَلةً! بلى، أصبْتُ لقِناً غير مأمون عليه، مستعملاً آلة الدين للدنيا، ومستظهراً بنعم الله على عباده، وبحججه على أوليائه، أو منقاداً لحملة الحقّ لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشكّ في قلبه لأوّل عارضٍ من شبهة، ألا لا ذا ولا ذاك؛ أو منهوماً باللذّة، سلس القياد للشهوة، أو مغرماً بالجمع والادّخار، ليسا من رعاة الدين في شيء، أقرب شيء شبهاً بهما الأنعام السائمة. كذلك يموت العلم بموت حامليه».
ورواه الصدوق في الخصال: 186، عن أبي الحسن محمد بن عليّ بن الشاه، عن أبي إسحاق الخواص، عن محمد بن يونس الكديمي، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن كميل بن زياد، عن عليّ بن أبي طالب(ع).
ورواه الشريف الرضي في خصائص الأئمّة: 105، عن هارون بن موسى، عن أبي عليّ محمد بن همام الإسكافي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الحسني، عن محمد بن عليّ بن خلف، عن عيسى بن الحسين بن عيسى بن زيد العلوي، عن إسحاق بن إبراهيم الكوفي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن كميل بن زياد النخعي، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع).
قال الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة: 289 ـ 294: ولهذا الحديث طرقٌ كثيرة. وقد أورد بعضها، ومنها:
1ـ عن أبيه ومحمد بن الحسن ومحمد بن علي ماجيلويه، عن محمد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن محمد بن عليّ الكوفي القرشي المقرئ، عن نصر بن مزاحم المنقري، عن عمر بن سعد، عن فضيل بن خديج، عن كميل بن زياد النخعي.
2ـ عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حُمَيْد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب الفزاري، عن كميل بن زياد النخعي.
3ـ عن عبد الله بن محمد بن عبد الوهّاب بن نصر بن عبد الوهّاب القرشي، عن أبي بكر محمد بن داوود بن سليمان النيسابوري، عن موسى بن إسحاق الأنصاري القاضي بالريّ، عن أبي نعيم ضرار بن صرد التيمي، عن عاصم بن حُمَيْد الحناط، عن أبي حمزة، عن عبد الرحمن بن جندب الفزاري، عن كميل بن زياد النخعي.
4ـ عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم،، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حُمَيْد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب الفزاري، عن كميل بن زياد النخعي.
5ـ عن أبي سعيد محمد بن الحسن بن عليّ بن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت القمّي، عن محمد بن العباس الهروي، عن أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن سعيد السعدي، عن أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، عن إسماعيل بن موسى الفزاري، عن عاصم بن حُمَيْد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي.
6ـ عن أبي أحمد القاسم بن محمد بن أحمد السراج الهمداني، عن أبي أحمد القاسم بن (أبي) صالح، عن موسى بن إسحاق القاضي الأنصاري، عن أبي نعيم ضرار بن صرد، عن عاصم بن حُمَيْد الحنّاط، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب الفزاري، عن كميل بن زياد النخعي.
7ـ عن أبي محمد بكر بن عليّ بن محمد بن الفضل الحنفي الشاشي، عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البزّاز الشافعي، عن موسى بن إسحاق القاضي، عن ضرار بن صرد، عن عاصم بن حُمَيْد الحنّاط، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب الفزاري، عن كميل بن زياد النخعي.
8ـ عن أبي الحسن عليّ بن عبد الله بن أحمد الأسواري، عن مكّي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، عن عبد الله بن محمد بن الحسن المشرقي، عن محمد بن إدريس أبي حاتم، عن إسماعيل بن موسى الفزاري، عن عاصم بن حُمَيْد، عن أبي حمزة الثمالي، عن ثابت بن أبي صفية، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد.
9ـ عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ العدل، عن موسى بن إسحاق القاضي، عن ضرار بن صرد، عن عاصم بن حُمَيْد الحنّاط، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب الفزاري، عن كميل بن زياد النخعي.
10ـ عن أبي محمد بكر بن عليّ بن محمد بن الفضل الحنفي الشاشي ، عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البزّاز الشافعي، عن بشر بن موسى أبي عليّ الأسدي، عن عبد الله بن الهيثم، عن أبي يعقوب إسحاق بن محمد بن أحمد النخعي، عن عبد الله بن الفضل بن عبد الله بن أبي الهياج بن محمد بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب، عن هشام بن محمد السائب أبي منذر الكلبي، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن فضيل بن خديج، عن كميل بن زياد النخعي.
11ـ عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن عبد الله بن الفضل بن عيسى، عن عبد الله النوفلي، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن هشام الكلبي، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد.
12ـ عن محمد بن عليّ ماجيلويه، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن عليّ الكوفي، عن نصر بن مزاحم، عن أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي.
13ـ عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمّه عبد الله بن عامر، عن محمد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي.
14ـ عن محمد بن موسى بن المتوكِّل، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن عبد الله بن أحمد، عن أبي زهير عبد الرحمن بن موسى البرقي، عن محمد بن الزيّات، عن أبي صالح، عن كميل بن زياد.
([3]) لم نعثر عليهما في مصادر الحديث عند الفريقَيْن، وإنْ نسبهما إلى النبيّ(ص) جملةٌ من العلماء المتأخِّرين. راجع: ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المُنْزَل 3: 504؛ نجاح الطائي، نظريّات الخليفتين 1: 250؛ وغيرهما كثيرٌ.
([4]) نهج البلاغة 4: 35 ـ 37، من كلامٍ له(ع) لكميل بن زياد النخعي؛ ورواه الصدوق في الخصال: 186؛ ورواه الشريف الرضي في خصائص الأئمّة: 105؛ قال الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة: 289 ـ 294: ولهذا الحديث طرقٌ كثيرة. وقد أورد بعضها.
ورواه الكليني في الكافي 1: 41، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن حازم، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله(ع) قال: «قرأتُ في كتاب عليٍّ(ع): إنّ الله لم يأخذ على الجُهّال عهداً بطلب العلم حتّى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجُهّال؛ لأنّ العلم كان قبل الجهل».
([6]) رواه البرقي في المحاسن 1: 229، عن بعض أصحابه، عن عليّ بن أسباط، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله(ع).
وروى البرقي أيضاً في المحاسن 1: 228، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله وأبو جعفر(عما): «لو أُتيتُ بشابٍّ من شباب الشيعة لا يتفقَّه لأدَّبْتُه».
وروى الكليني في الكافي 1: 31، عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله(ع) قال: «لوددتُ أنّ أصحابي ضُربت رؤوسُهم بالسياط حتّى يتفقَّهوا».
وروى الكليني أيضاً في الكافي 1: 31، عن الحسين بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن القاسم بن الربيع، عن مفضّل بن عمر قال: سمعتُ أبا عبد الله(ع) يقول: «عليكم بالتفقُّه في دين الله، ولا تكونوا أعراباً؛ فإنّه مَنْ لم يتفقَّه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزكِّ له عملاً».
([7]) تفسير الإمام العسكريّ(ع): 340.
([8]) رواه محمد بن جرير الطبري (الشيعي) في دلائل الإمامة: 65 ـ 66، عن القاضي أبي بكر محمد بن عمر الجعابي، عن أبي عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي، عن الخليل بن أسد أبي الأسود النوشجاني، عن رويم بن يزيد المنقري، عن سوار بن مصعب الهمداني، عن عمرو بن قيس، عن سلمة بن كهيل، عن شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود.
([9]) يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾(الأعلى: 18 ـ 19)؛ وقال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية: 447: «الفرق بين الكتاب والمصحف أنّ الكتاب يكون ورقة واحدة ويكون جملة أوراق؛ والمصحف لا يكون إلاّ جماعة أوراق، صحِّفت، أي جُمع بعضها إلى بعض»؛ وقال ابن منظور في لسان العرب 9: 186: «والمِصحف والمَصحف [والمُصحف]: الجامع للصحف المكتوبة بين الدفّتين كأنه أصحف».