27 ديسمبر 2013
التصنيف : مجالس عزاء
لا تعليقات
2٬604 مشاهدة

مجلس عزاء حسيني: [ضوابط الجهاد في الإسلام]

(بتاريخ: الجمعة 27 ـ 12 ـ 2013م، في مسجد الإمام الحسن(ع)، في تعمير حارة صيدا)

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (النساء: 94).

ورد في سبب نزول هذه الآية أنّه لما رجع رسولُ الله(ص) من غزوة خيبر، وبعث أسامة بن زيد في خيلٍ إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك؛ ليدعوهم إلى الإسلام ، كان هناك رجلٌ من اليهود في بعض القرى، فلما أحسّ بخيل رسول الله(ص) جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل، فأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، فمرّ بأسامة بن زيد، فطعنه أسامةُ فقتله ، فلمّا رجع إلى رسول الله(ص) أخبر بذلك، فقال له رسول الله(ص): قتلتَ رجلاً شهد أنْ لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله؟! فقال: يا رسول الله، إنّما قالها تعوُّذاً من القتل، فقال رسول الله(ص): فلا شققتَ الغطاء عن قلبه، ولا ما قال بلسانه قبلتَ، ولا ما كان في نفسه علمتَ! فحلف أسامةُ بعد ذلك أنّه لا يقتل أحداً شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، فتخلَّف عن أمير المؤمنين(ع) في حروبه. (تفسير عليّ بن إبراهيم 1: 149).

إذاً الإسلام حين يأمر بالجهاد قد وضع ضوابط وقواعد ومبادئ، ولم يسمح بالخروج عنها.

أوّلاً: ليس كلّ كافرٍ أو مشرك يجب أو يجوز قتاله، فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿لاَ يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة: 8 ـ 9). وعليه فما لم يقاتِلْك الكافرُ أو المشرك، ويعتدي عليك أو على مالك أو على عرضك، فلا يجوز لك أن تقاتله. وإنّما هو البِرُّ والعدلُ معه، تعطيه حقَّه كاملاً غير منقوص، حقَّه في الحياة والعيش الكريم، ما لم يتعرَّض لدينك بأذىً، وهو حرٌّ في شأن دينه ومعتقده: ﴿وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكهف: 29).

ثانياً: عندما تقاتل كافراً أو مشركاً أو مسلماً باغياً مفسداً في الأرض؛ لأنّه قاتلكَ أو نهب مالكَ، فهناك ضوابط وحدودٌ رسمتها الشريعةُ الغرّاء السمحاء، شريعة السماء، لا يجوز لك أن تتعدّاها، فها هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) ينادي في أصحابه يوم الجمل: «لا تجهزوا على جريح، ولا تتبَعوا مدبراً، ومَنْ ألقى سلاحَه فهو آمنٌ». (دعائم الإسلام 1: 394).

أيُّها الاحبّة، لقد علَّمنا أهل البيت(عم) أنّ الهدف الأساس من الحرب والقتال هو قطع دابر الفساد، فلا يجتمع ذلك مع فسادٍ أكبر، بمُثلةٍ هنا أو سلبٍ أو نهبٍ هناك، وما إلى ذلك.

عندما تنشب الحرب ويصطفّ العسكر فلا ينبغي أن يكون هدفُك قتلَ مَنْ هم في الصفّ الآخر، بل عليك أن تعمل جاهداً لاستمالتهم، وهدايتهم، فلعلّ وعسى الله يفتح لهم بابَ هدايةٍ ورشاد.

وهذا ما مارسه أهل البيت(عم) في حروبهم، فأمير المؤمنين(ع) يتباطأ عن بدء القتال في صفّين، حتّى أخذ بعض مَنْ في جيشه يتّهمه بأنّه قد كره الموت، أو أنّه قد شكّ في شرعيّة القتال مع هؤلاء القوم، فوقف فيهم خطيباً، وقال: «أمّا قولُكم: أكلّ ذلك كراهيةً الموت فوالله ما أبالي أدخلتُ إلى الموت أو خرج الموت إليّ. وأمّا قولُكم: شكّاً في أهل الشام فوالله ما دفعتُ الحرب يوماً إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بي طائفةٌ، فتهتدي بي، وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبُّ إليَّ من أن أقتلها على ضلالها، وإنْ كانت تبوء بآثامها». (نهج البلاغة: 104).

وهذا ما فعله سيّد الشهداء أبو عبد الله الحسين(ع) في كربلاء، حين كان ينهى بعض أصحابه عن أن يبادر لرمي سهمٍ أو رمحٍ قائلاً: «إنّي أكره أن أبدأهم بقتالٍ».

هذا هو الجانب المشرق من حياة المسلمين الحقيقيّين، أتباعِ النبيّ(ص) وأهل بيته(عم) حقّاً.

وأمّا في المقلب الآخر فإنّنا شهدنا إجراماً لا نظير له، وإيغالاً في القتل والإرهاب دون حدود.

هند، زوجة أبي سفيان، وأمُّ معاوية، تأمر بقتل عمّ النبيّ(ص)، حمزة بن عبد المطّلب، ثمّ تشقّ بطنه، وتستخرج كبده، وتلوكها.

بعد رحيل النبيّ(ص)، الذي نستقبل ذكراه في الأيام القريبة القادمة، وما حصل من إبعاد أهل البيت(عم) عن موقعهم الطبيعي الذي جعله الله لهم، امتنع بعضُ المسلمين عن دفع الزكاة للسلطة الغاصبة، ولم يمتنعوا عن دفع الزكاة من أصلها، فاتُّهموا ـ كذباً وزوراً ـ بإنكار ضرورة من ضروريّات الدين، وهي الزكاة، واتُّهموا بالرِّدَّة، وهُوجموا، وقُتل رجالُهم، ومُثِّل بجثثهم، حتّى لقد جُعل رأس زعيمهم مالك بن نُوَيْرة كحجر موقدٍ لطهي الطعام، وسُبيَتْ نساؤهم.

معاوية بعد أن صالحه إمامُنا الحسن(ع)، وسلَّمه السلطة إلى حين وفاته، لا ينازعه فيها أحدٌ، وفي ذلك خطّةٌ محكمةٌ من الإمام الحسن(ع) لفضح معاوية، وكشف مشروعه الفاسد على حقيقته، ونسأل الله أن يوفِّقنا للحديث المفصَّل عن هذا الموضوع في فرصةٍ أخرى، عمد إلى نقض الصلح، وخطَّط لقتل الحسن(ع)، فاخترق حرمةَ بيته، وتآمر مع زوجته، حتَّى قتله مسموماً.

وأمّا يزيد فحدِّث عن موبقاته كما تشاء، فهي أعظم ممّا ستذكره حتماً. ويكفينا أن نعرف أنّه حكم ثلاث سنوات لا غير، فقتل في الأولى الحسين بن عليّ، وفي الثانية هدم الكعبة، وفي الثالثة أباح الحرمَ الآمِن مدينةَ رسول الله(ص) لجنده، فعاثوا فيها فساداً، بشكلٍ غير مسبوق في تاريخ المسلمين.

هذا غيضٌ من فيض، وهي سلسلةٌ طويلة من الإجرام والإرهاب، والمقام لا يسَعُ لبيان المزيد من هذه الأحداث.

هذه هي أفعال الشجرة الملعونة في القرآن الكريم: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾ (الإسراء: 60). هذه أفعال بني أميّة الملعونون، أي المطرودون من رحمة الله، قاطبةً.

وهنا قد يسأل أحد المؤمنين: أليس في تعميم اللعن لهذه الذرّيّة ظلمٌ لبعضهم؟ فنحن نسمع أنّ بعض بني أميّة كان صالحاً، كمعاوية بن يزيد، الذي خلف أباه، وبويع بالخلافة يومَ موت أبيه ، فأقام فيها أيّاماً أو أشهراً، ثمّ خلع نفسه، قائلاً: أيُّها الناس، ألا إنّ جدّي معاوية نازع هذا الأمر مَنْ كان بهذا أَوْلى منه ومن غيره؛ لقرابته من رسول الله(ص)، وعظيم فضله وسابقته ، أعظم المهاجرين قَدْراً، وأشجعهم قَلْباً، وأكثرهم عِلْماً، وأوّلهم إيماناً،…إلى آخر كلامه يمدح أمير المؤمنين(ع)، فأخذه بنو أميّة، ودفنوه حيّاً، حتّى مات.

والجواب: عندما نقول بنو أميّة فالمراد كلُّ مَنْ كان راضياً بفعلهم السوء، والمؤيِّد لهم في مواقفهم: «الراضي بفعلِ قومٍ كالداخل فيه معهم».

ويخرج من ذلك الفرد الصالح، تماماً كما أنّ الولد الفاسد لا يعتبر من أهل الرجل، وهذا ما ذكره القرآن الكريم في قصّة نوح(ع)، حيث وعده الله بنجاة أهله، حيث يقول: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ (هود: 40)، ولمّا رأى ولده قد غرق، وحال بينهما الموج، ﴿َنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ (هود: 45 ـ 46).

إذاً بنو أميّة هم كلُّ مَنْ سار على ذلك الصراط المنحرف، صراط القتل والسلب والنهب والإرهاب والذبح وقطع الرؤوس والأعضاء، وسبي النساء المسلمات.

وهذا ما فعله يزيد وأعوان يزيد فلم يراعُوا في مؤمنٍ أو مؤمنةٍ حُرْمةً أو كرامةً، فقتلوا الحسين(ع) وأصحابَه وأهلَ بيته، وسبَوْا نساءَه وبناتَه، في سابقةٍ لا نظير لها في التاريخ الإسلامي.

تصوَّر أيُّها المؤمن أنَّهم كانوا يوهِمون الناسَ أنّ الحسين(ع) خارجيٌّ لا يصلّي، حتّى اضطرّ صلوات الله عليه أن يستعرض بصلاته يوم عاشوراء، في رسالةٍ إلى كلِّ ذلك الهمج الرعاع أنّني ابنُ رسول الله وريحانتُه، وملتزِمٌ بشريعته.

كان(ع) يقف بين الفترة والأخرى بين الصفَّيْن ليناجي ربَّه بصوتٍ عالٍ يسمعه مَنْ في المعسكر؛ ليعرف الناس أنّهم يقاتلون رجلاً عابداً تقيّاً وَرِعاً يخاف الله، ويدعوه ويلجأ إليه في الشدائد.



أكتب تعليقك