20 مارس 2015
التصنيف : مقالات عقائدية، مقالات قرآنية، منبر الجمعة
لا تعليقات
6٬081 مشاهدة

مَنْ هم (أهل البيت) في آية التطهير؟

2015-03-20-منبر الجمعة-من هم أهل البيت في آية التطهير؟

(الجمعة 20 / 3 / 2015م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

تمهيد: اختلافٌ في مصداق آية التطهير

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً﴾ (الأحزاب: 32 ـ 34).

إذن هي إرادةُ الله جلَّ وعلا، «الإرادة التي يتبعها التطهير، وإذهاب الرِّجْس»([1])؛ إذ لا رادَّ لمشيئته، وإرادتُه متحقِّقةٌ حَتْماً.

قالوا: هذه الآية خاصّة بزوجات النبيّ(ص)، ولا أقلّ من شمولها لهنَّ؛ فإنّ المرأة من أهل الزوج.

إذاً هناك قولٌ متطرِّف يدّعي اختصاصها بنساء النبيّ، ولا تشمل غيرهنّ. ودليلهم: ورودها في سياق الآيات التي تتحدَّث عن نساء النبيّ خاصّةً.

ولكنْ يرِدُ على هذا القول أنّه خلاف الظاهر من الآية، حيث عبَّرت بلفظ المذكَّر: ﴿عَنْكُمْ﴾، ما يعني دخول بعض الرجال فيها قَطْعاً.

وهناك قولٌ معتدل يرضى بشراكتهنّ مع غيرهنّ في هذا العنوان، وبهذا تثبت عدالتهنّ، بل طهارتهنّ من الرجس.

وفي مقابل هاتين الدعويَيْن هناك مَنْ يقول بأن لا علاقة لهذه الآية بنساء النبيّ(ص)، وليست شاملةً لهنّ، وبالتالي منهنّ الصالحات، ومنهنّ غير الصالحات، ولكلٍّ حسابُها عند الله عزَّ وجلَّ.

1ـ فهل يمكن فعلاً أن تكون الآية مختصّةً بنساء النبيّ؟

2ـ وهل يمكن فعلاً أن يكنَّ شريكات لآخرين في هذه الآية؟

3ـ وهل صحيحٌ أنّه لا علاقة لهذه الآية بنساء النبيّ؟

معنى (الأهل) و(الآل)

يُقال عن الرجل إذا تزوَّج: تأهَّل الرجل. وعليه فإنّ الأهل تشمل الزوجة، وما يستتبع ذلك من أولاد وأحفاد. فهؤلاء جميعاً هم أهل الرجل([2]).

والظاهر أنّه لا فرق كبيراً بين (الأهل) و(الآل) في هذا المقام، فأهلُ الرجل هم آلُه([3]).

(الأهل) في القرآن الكريم

وقد استُعملت (الأهل) في القرآن بعدّة معانٍ، وهي: 1ـ السكّان([4])؛ 2ـ العشيرة([5])؛ 3ـ ولاة الأمر([6])؛ 4ـ الأصحاب([7])؛ 5ـ العيال([8]).

معنى (العشيرة) و(القُرْبى)، والفرق بينهما

قال ابن منظور في لسان العرب 1: 665: وأقارب الرجل، وأقربوه: عشيرته الأدنون.

وقال الزبيدي في تاج العروس 2: 307: وفي التهذيب: القرابة والقربى: الدنوّ في النسب، والقربى في الرحم، وهو في الأصل مصدر.

وقال الزبيدي في تاج العروس 7: 226: وعشيرة الرجل: بنو أبيه الأدنون أو قبيلته.

ونقل ابن منظور في لسان العرب 11: 28 عن ابن سِيده قوله: أهل الرجل عشيرته وذوو قرباه.

إذاً فـ (العشيرةُ) هي القبيلة، أو الإخوة، أو الأقارب.

وكلَّما ازداد الدنوّ في النسب كلّما أصبح هذا القريب مصداقاً أبرز لـ (القُرْبى).

(العشيرة) و(القُرْبى) في القرآن الكريم

وقد استُعملت (العشيرة) في القرآن الكريم بمعنى الأقارب الأبعدين([9]). وأمّا في قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ (الشعراء: 214) فإنّ قَيْد (الأقربين) هو الذي تكفَّل بتضييق الدائرة، التي لم تضِقْ فِعْلاً، فالنبيُّ دعا كلَّ بني هاشم، كما في (حديث الدار).

وأمّا (القُرْبى) فقد استُعملت في القرآن الكريم بمعنيَيْن، هما: أـ القرابة النسبيّة([10])؛‌‌ ب ـ فئة خاصّة من قرابة النبيّ(ص)([11]).

خلاصةٌ

وعليه فقُرْبى النبيّ(ص) هم ـ بحسب المعنى اللغويّ ـ عشيرته وإخوته، بل كلُّ أقاربه. ولكنّ رواياتٍ كثيرة دلَّتْ على أنّ المرادَ بـ (القُرْبى)، في قوله تعالى: ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى: 23)، هم عليٌّ وفاطمة، وابناهما([12]).

وبما أنّ القرآن الكريم قد فرَّق في الاستعمال بين (العشيرة) و(القُرْبى) فينبغي أن نتعامل معهما على أنّهما مجموعتان متغايرتان، وإنْ كانت العشيرة أوسع دائرةً، فهي تشمل الأقارب، ولكنّ القُرْبى لا تشمل تمام أفراد العشيرة.

معنى (البيت)

وقد أُضيفت في هذه الآية الكريمة لفظةُ (الأهل) إلى (البيت)، فأيُّ بيتٍ هو المراد والمقصود؟

قد يُقال: هو بيت النبيّ(ص)، وعليه فأهلُ البيت هم سكَّان بيت النبيّ(ص)([13])، وهم أزواجه وأولاده خاصّةً؛ إذ لا يُعدُّ الأصهار والإخوة و… من سكّان بيته(ص)، وإنّما لهم بيوتهم الخاصّة بهم.

إذاً كلُّ مَنْ عُدَّ من سكّان البيت النبويّ فهو مشمولٌ لهذه الآية. وعلى هذا المعنى تتفرَّع الأقوال الثلاثة المتقدِّمة، وما بين العلماء حولها من اختلافٍ.

ولكنْ سيأتي في المبحث الروائي أنّه قد يُقال: إنّ لموضع نزول هذه الآية خصوصيّةً، وشأناً في تحديد المقصود من (البيت) في هذه الآية. وعليه لا بُدَّ من عرض الروايات المبيِّنة لأسباب وموضع النزول لتتَّضح الصورة أكثر، وهو ما سيأتي إنْ شاء الله تعالى.

وقد يكون المقصود من (البيت) ما جهد رسول الله(ص) في تحديده وبيانه في فترةٍ زمنيّة طويلة، حيث ورد أنّه كان يمرّ على بيت عليٍّ وفاطمة، ويقرأ آية التطهير.

معنى (أهل البيت)

تقدَّم قول الطريحي في مجمع البحرين 1: 128: إنّه قد كثر استعمال (الأهل) و(الآل) حتّى سُمِّي بهما أهل بيت الرجل؛ لأنهم أكثر مَنْ يتبعه.

وعليه فقد يكون المراد من (أهل البيت) في الآية أهلَ النبيّ وآلَه، وقد أصبح معناهما واضحاً.

ولكنّ الصحيح أنّ لمصطلح (أهل البيت) في هذه الآية خصوصيّةً، وليس بمعنى (الأهل) و(الآل)، بل المقصود منه سكّان ذلك البيت الذي نزلت هذه الآية فيه، وهو بيتُ زوجة النبيّ(ص) أمّ سَلَمة؛ أو سكّان ذلك البيت الذي طالما وقف النبيّ(ص) على بابه، وهو يتلو هذه الآية الكريمة.

خلاصةٌ واستنتاج

وخلاصة ما تقدَّم أنّه يمكننا؛ بلحاظ الدقّة القرآنيّة في التعبير بـ (أهل البيت)، ولم يقُلْ: (أهل النبيّ)، أن نعرف أنّ المقصود في آية التطهير فئةٌ خاصّةٌ من الناس، وهم سكّان بيتٍ مخصوص، فهل هم سكّان بيت النبيّ، أو هم سكّان البيت الذي نزلت فيه هذه الآية، أو هم سكّان ذلك البيت الذي كان النبيّ(ص) يقف على بابه، ويتلو هذه الآية المباركة؟

1ـ هل هم سكّان بيت النبيّ(ص)؟

بناءً على هذا التفسير ستكون (أهل البيت) مساوقةً لـ (أهل النبيّ)، وهم عيالُه من الزوجات والبنات، وحينها ينبغي أن يكون هؤلاء جميعاً طاهرون من كلِّ رجسٍ، بإرادةٍ قاطعة من الله عزَّ وجلَّ، فلا ينبغي أن نجِدْ فيهم مَنْ قد قارف إثماً، أو ارتكب ذنباً، وإلاّ كان ذلك تخلُّفاً لإرادة الله، وهو محالٌ.

وقد يُقال: إنّه يؤيِّد شمول هذا التعبير لزوجات النبيّ(ص) أنّ القرآن الكريم استعمل هذا المصطلح للتعبير عن زوجات الأنبياء السابقين، وغيرهنَّ.

أـ النبيّ إبراهيم(ع) وزوجته: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ * فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ (هود: 69 ـ 76).

ولكنْ قد يُقال: إنّ الوارد هنا (أهل البيت)، فيشمل المرأة لأنّها من سكّانه، ولم يقُلْ: (أهل إبراهيم)، وبالتالي لا يمكن عدُّ الزوجة من أهل الزوج. نعم، هي من أهل بيت الزوج، لأنّها من سكّان بيته.

وقد يشهد لذلك قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ (الذاريات: 24 ـ 30)، حيث عبَّرت عمَّنْ ذهب إليهم إبراهيم لإحضار العجل السمين بـ (أهله)، وهم عشيرتُه وأقاربه، وأمّا التي حضرَتْ في مجلسه فقد سمّاها بـ (امرأته)، ولم يطلق عليها اسم (أهله). والله العالم.

غير أنّ آيات أخرى تبيِّن بوضوحٍ أنّ القرآن الكريم يطلق لفظ (الأهل) على الزوجة وغيرها من أقارب الرجل.

فها هو قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَاْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ (طه: 131 ـ 132). وهو يدعوه ليأمر كافّة أقاربه بهذه الفريضة العظيمة، سواء كانوا زوجاتٍ أو أولاداً، ولا يُحتَمَل خروج الزوجات من هذه الوصيّة.

وفي آيةٍ أخرى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم: 6). وهي كذلك تشمل الزوجات والأولاد، بل لعلَّها تشمل كلّ الأقارب والأرحام.

وفي آيةٍ ثالثة: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً﴾ (مريم: 54 ـ 55). وهي أيضاً شاملةٌ لجميع الأقارب، بما فيهم الزوجة والأولاد وغيرهم.

ب ـ النبيّ لوط(ع) وزوجته: ﴿وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ (الأعراف: 80 ـ 84)([14]).

ج ـ النبيّ موسى(ع) وزوجته: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ (طه: 9 ـ 10)([15]).

د ـ عزيز مصر وزوجته: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ﴾ (يوسف: 25 ـ 27).

ويرِدُ على هذا التفسير ما يلي:

أـ لو سلَّمنا أنّ المقصود بـ (أهل البيت) في هذه الآية (أهلُ النبيّ(ص))، وهم ـ لغةً ـ عيالُه، فإنّ للشارع المقدَّس مصطلحه الخاصّ في (أهل الرجل)، بحيث زاد معياراً جديداً إلى معايير هذه الإضافة، وهو أن يكون المضاف من أهل الإيمان والعمل الصالح.

ففي قصّة نبيّ الله نوح(ع) وعده الله بأن ينجي له (أهله)، ولمّا انتهى الطُّوفان، دعا ربَّه، طالباً نجاة ولده الذي أوى إلى جبلٍ فلم يعصِمْه، وكان من المُغْرَقين، فجاءه النداء الإلهيّ: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾([16]).

ب ـ لو أثبتنا أنْ ليس جميع زوجات النبيّ(ص) صالحات ومطيعات فسيكون الإطلاق في آية التطهير مخدوشاً، وهذا ما يعني الخطأ والغَلَط في الآية، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً. ولأجل كون الآية صحيحةً بإطلاقها الظاهر لا بُدَّ أن تكون كلُّ نسائه(ص) صالحاتٍ مطيعاتٍ، طاهراتٍ من كلِّ رجسٍ.

فهل يمكن إثبات أنّ بعض نساء النبيّ(ص)، ولو زوجةً واحدة، قد ارتكبَتْ المعصية، واقترفَتْ الإثْم؟

لقد دلَّت الآيات الأولى من سورة التحريم صراحةً، وبالنصّ، على أنّ اثنتين من نسائه قد انحرفتا عن الخطِّ المستقيم، وارتكبتا ما يستوجب التوبة، فإنْ لم تفعلا، وأصرّتا على فعلتهما، فإنّها الحرب بينهما وبين النبيّ(ص)، الذي يسانده فيها كلٌّ من جبرئيل، وصالح المؤمنين، بل الملائكةِ أجمعين، بل إنّ الله هو مولاه وناصرُه ومؤيِّدُه في تلك المواجهة المحتومة.

يقول عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً﴾ (التحريم: 1 ـ 5).

ليختم السورة بمَثَلٍ عن امرأتين (زوجتين) مشهورتين بالعداوة لزوجَيْهما، وهما نبيّا زمانهما، وهما: امرأة نوح؛ وامرأة لوط، وقد نصر الله نبيَّيْه عليهما، وكان مصيرهما النار، ولم تشفع لهما قرابتهما من النبيَّيْن الكريمَيْن(عما). قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ﴾ (التحريم: 10 ـ 12).

إذاً فإنّ اثنتين على الأقلّ من زوجاته(ص) قد ارتكبتا المعصية، واقترفتا الذَّنْب، فهما خارجتان حَتْماً عن مفاد آية التطهير، ما يستدعي أن تكون الآية ـ بإطلاقها الظاهر ـ غيرَ شاملةٍ لهذه الفئة من الأهل، وهم الزَّوْجات.

وهكذا لن نجد فئةً كاملة من أقاربه(ص) [زوجات، بنات] تخلو من عاصٍ ومذنب، فإذا أخرجنا كلَّ هذه الفئات فلن يبقى لهذه الآية مصداقٌ.

ج ـ بناءً على هذا التفسير لن يكون أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) مصداقاً لهذه الآية؛ إذ ليس هو من أهل النبيّ(ص)، فإنّه صهرٌ، وليس من سكّان البيت. وإذا أصررنا على دخوله فيها فإنّه لا بُدَّ من دخول غيره من الأصهار، علماً أنّ تاريخهم حافلٌ بالفواحش والرذائل، فأين هو التطهير وإذهاب الرجس؟!

هذه الإشكالات كلُّها واردةٌ على القول بأنّ المقصود بـ (أهل البيت) (أهل النبيّ)(ص). ومن هنا نرجِّح أن لا يكون المقصود بـ (أهل البيت) (أهل النبيّ(ص))، بل هم طائفةٌ أخرى من الناس، وليست هي سُكّان بيت النبيّ(ص)؛ إذ تخرج زوجاتُه؛ لما تقدَّم.

2ـ هل هم سكّان البيت الذي نزلت فيه الآية؟

وهو وجهٌ محتَمَل صحيح، بعد الذي تقدَّم من الأدلّة والشواهد على أنْ ليس المراد بـ (أهل البيت) أهل النبيّ(ص)، أو سكّان بيته.

ويمكن أن يستدلَّ لهذا القول بما جاء في الحديث المعروف بـ (حديث الكِساء).

وقفةٌ مع (حديث الكساء)، سنداً ومتناً

ولا أعني به ما أُدرج في كتب الأدعية من حديث ضعيف السند، ومُنْكَر المضمون، حيث يتَّسع هذا الكساء لخمسة أشخاص ينامون تحته!

وليس لهذا الحديث سندٌ متَّصل بالمعصوم(ع). فهم يروُونه عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن مولاتنا فاطمة الزهراء(عا)، ولكنْ ماذا عن الواسطة بينهم وبين جابر الأنصاري، والمفروض أنّه عددٌ كبير من الرواة يملأ المسافة الزمانيّة الفاصلة، والتي قد تتجاوز الألف عام؟!

نعم، نقله مؤلِّف كتاب عوالم العلوم ـ وهو الشيخ عبد الله بن نور الله (أو نور الدين، كما ذكر السيد محسن الأمين) البحراني الأصفهاني ـ بسندٍ يوهِم أنّه متَّصلٌ بالمعصوم(ع).

ولكن مَنْ هو الشيخ عبد الله البحراني، على مستوى تحمُّل الحديث ونقله؟ هو من العلماء المتأخِّرين الذين لم يسلَّط الضوء عليهم، ولم تُستعرَض سيرتهم ومنهجهم العلميّ، فليس يُعرَف عنه سوى أنّه من تلامذة العلاّمة المجلسي، وأنّه مؤلِّف كتاب عوالم العلوم. وهذا أوّل ما يُسقط ذاك السند لو تمّ عن الحجِّية، لأنّ في سلسلته مَنْ لا نعرف عنه شيئاً. ولا أعني ـ والعياذ بالله ـ بهذا الكلام القَدْح في هذا الرجل، غير أنّه لا يمكننا الاعتماد على نقله للرواية ما لم يكن منهجُه في الأخذ بالروايات واضحاً، مع ظهور حاله في الوثاقة والضبط وغيرها من الأمور المعتَبَرة في رواة الحديث الشريف.

ثم إنّ هذا الرجل قد وجد هذا الحديث في كتابٍ للسيد هاشم البحراني، فهل كان يعرف فعلاً خطَّ السيد البحراني؟ وهل صحَّتْ نسبة ذلك المخطوط إلى السيد البحراني؟ وفي السند مَنْ هو مجهول الحال على أشهر المباني المعروفة اليوم، وهو القاسم بن يحيى، وكذلك جابر بن يزيد الجعفي. هذا فضلاً عن توقُّفنا في قبول روايات إبراهيم بن هاشم، إلاّ مؤيَّدة بقرينة وشاهد؛ وذلك اعتماداً على جملة أمورٍ لا يسعنا ذكرها في هذه العجالة.

وعليه فحديثُ الكساء بالصيغة التي تذكرها كتب الأدعية ضعيفٌ سنداً. كما أن في مضمونه نقاشاتٍ عديدةً. إذاً هو حديث ضعيفٌ، ولا يمكن الركون إليه.

(حديث الكساء) المعتَبَر

وإنّما العُمْدة في الاستدلال هو الحديث المعتَبَر ـ إلاّ مع احتمال الانقطاع بين محمد بن عيسى ويونس، إذا كان محمد بن عيسى هو اليقطيني، كما هو الظاهر ـ الذي يبيِّن سبب ومكان نزول آية التطهير. فقد روى الكليني في الكافي 1: 286 ـ 287، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس؛ وعليّ بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، [جميعاً]، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع): …فلو سكت رسول الله(ص) فلم يبيِّن مَنْ أهل بيته لادّعاها آلُ فلان وآلُ فلان، لكنّ الله عزَّ وجلَّ أنزله في كتابه تصديقاً لنبيِّه(ص): ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، فكان علي والحسن والحسين وفاطمة(عم)، فأدخلهم رسول الله(ص) تحت الكساء في بيت أمّ سلمة، ثم قال: اللهُمَّ، إن لكلّ نبيٍّ أهلاً وثقلاً، وهؤلاء أهل بيتي وثقلي، فقالت أمُّ سلمة: ألسْتُ من أهلك؟ فقال: إنّك إلى خيرٍ، ولكنّ هؤلاء أهلي وثقلي.

وجاء في مسند أحمد بن حنبل 6: 323، عن عفّان، عن حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيد، عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة، أن رسول الله(ص) قال لفاطمة: ائتيني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم، فألقى عليهم كساءً فَدَكياً، قال: ثمّ وضع يده عليهم، ثم قال: اللهُمَّ، إن هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد، إنّك حميدٌ مجيد، قالت أمُّ سلمة: فرفعت الكساء؛ لأدخل معهم، فجذبه من يدي، وقال: إنَّكِ على خيرٍ.

وروى أبو يعلى الموصلي في مسنده 12: 344، عن حوثرة بن أشرس أبي عامر، عن عقبة، عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة زوج النبيّ(ص)، أن رسول الله(ص) قال لفاطمة: ائتني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم، فألقى عليهم رسول الله(ص) كساءً كان تحتي خَيْبَرياً، أصبناه من خيبر، ثم قال: اللهُمَّ هؤلاء آل محمد(ع)، فاجعل صلاتك وبركاتك على آل محمد، كما جعلتها على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، قالت أمُّ سلمة: فرفعت الكساء؛ لأدخل معهم، فجذبه رسول الله(ص) من يدي، وقال: إنَّكِ على خيرٍ.

3ـ هل هم سكّان البيت الذي كان النبيّ(ص) يتلو على بابه الآية المباركة؟

وهذا أيضاً قولٌ محتَمَل صحيح؛ إذ ورد في الحديث المعتَبَر أنّ النبيّ كان يقف، ولمدّة ستّة أشهر ـ وفي بعض الروايات: تسعة أشهر ـ، على باب أمير المؤمنين عليّ(ع) والصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عا)، وهو يقرأ قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾.

روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين 3: 158، عن أبي بكر محمد بن عبد الله الحفيد، عن الحسين بن الفضل البجلي، عن عفّان بن مسلم، عن حمّاد بن سلمة، عن حميد وعليّ بن زيد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله(ص) كان يمرّ بباب فاطمة رضي الله عنها ستّة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر، يقول: الصلاة يا أهل البيت، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾. ثمّ قال الحاكم: هذا الحديث صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرِّجاه.

الخلاصة والنتائج

ليست آية التطهير خاصّةً بنساء النبيّ(ص)، بل لا تشملهنَّ أساساً.

الآية خاصّةٌ بأهل ذلك البيت الذي نزلت فيه الآية، ولم يكن فيه سوى النبيّ(ص) وعليّ وفاطمة والحسنين(عم)، مضافاً إلى أمِّ سلمة. غير أنّها خرجَتْ عن عنوان (أهل البيت) بمنع النبيّ(ص) لها من الدخول تحت الكِساء، وقوله: إنّك على خير.

وعليه فآية التطهير شاملةٌ لخمسة أشخاصٍ فقط لا غير، وهم: محمدٌ رسول الله(ص)؛ عليٌّ أمير المؤمنين(ع)؛ فاطمةُ الزهراء سيِّدة نساء العالمين(عا)؛ الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنّة(عما). وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) الفضل بن الحسن الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن 8: 157.

([2]) قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب العين 4: 89: «أهلُ الرجل: زوجُه، وأخصُّ الناس به. والتأهُّل: التزوُّج».

ونقل ابن منظور في لسان العرب 11: 28 عن ابن سِيده قوله: «أهل الرجل عشيرته وذوو قرباه».

وقال الفيروزآبادي في القاموس المحيط 3: 331: «وللرجل: زوجته، كأهلته، وللنبيّ(ص): أزواجه وبناته وصهره عليّ رضي الله تعالى عنه، أو نساؤه، والرجال الذين هم آله، ولكلّ نبي: أمّته».

وقال الطريحي في مجمع البحرين 1: 128: «أهل الرجل: آله. وهم أشياعه وأتباعه وأهل ملّته. ثم كثر استعمال الأهل والآل حتّى سُمِّي بهما أهل بيت الرجل؛ لأنهم أكثر مَنْ يتبعه. وأهل كلّ نبي: أمّته. قيل ومنه قوله تعالى: ﴿وَاْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ﴾ (طه: 132). وقد مرَّ في (أمر): أنهم أهل بيته خاصّة».

وقال الزبيدي في تاج العروس 14: 33: «والآل: أهل الرجل وعياله، وأيضاً: أتباعه وأولياؤه، ومنه الحديث: «سلمان منا آل البيت». قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾. وقال ابن عرفة: يعني مَنْ آل إليه بدينٍ أو مذهب أو نسب».

ويتَّضح من قول الزبيدي والطريحي أنّهما لا يرَيان فرقاً بين (الأهل) و(الآل)، غير أنّ الفيروزآبادي يرى أنّ (الأهل) أوسع دائرةً من (الآل)، فـ (الأهل) بالنسبة إلى النبيّ(ص) يشمل الزوجات والبنات والأصهار وآلَه (الرجال الأقرباء).

أمّا لماذا لم يذكر الأبناء؟ فهذا ليس واضحاً.

ولماذا خصَّص عليّاً(ع) بالذِّكْر من بين الأصهار؟ فهذا أيضاً غيرُ واضح.

وعلى أيّ حالٍ فالقَدَر المتيقَّن من لفظ (الأهل)، وهو موضوع بحثنا، هو الزوجة والأولاد ـ ذكوراً وإناثاً ـ، وهؤلاء هم عيالُه وأتباعُه الأقربون.

([3]) قال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية: 84 ـ 85: «الفرق بين الأهل والآل: إن الأهل يكون من جهة النسب والاختصاص؛ فمن جهة النسب قولك: أهل الرجل، لقرابته الأدنين؛ ومن جهة الاختصاص قولك: أهل البصرة، وأهل العلم. والآل خاصّة الرجل من جهة القرابة أو الصحبة، تقول: آل الرجل لأهله وأصحابه، ولا تقول آل البصرة، وآل العلم. وقالوا: آل فرعون أتباعه وكذلك آل لوط. وقال المبرّد: إذا صغّرت العرب الآل قالت أهل، فيدلّ على أن أصل الآل الأهل، وقال بعضهم: الآل عيدان الخيمة وأعمدتها، وآل الرجل مشبهون بذلك؛ لأنهم معتمده، والذي يرفع في الصحارى آل؛ لأنه يرتفع كما ترفع عيدان الخيمة، والشخص آل؛ لأنه كذلك».

([4]) ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ (هود: 117). وهناك آياتٌ أخرى غيرها كثيرة، لم نذكرها للاختصار.

([5]) ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً﴾ (مريم: 16). وهناك آياتٌ أخرى غيرها كثيرة، لم نذكرها للاختصار.

([6]) ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾ (النساء: 92). وهناك آياتٌ أخرى غيرها كثيرة، لم نذكرها للاختصار.

([7]) ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ (النساء: 58).

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 43). وهناك آياتٌ أخرى غيرها كثيرة، لم نذكرها للاختصار.

([8]) ﴿لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (المائدة: 89). وهناك آياتٌ أخرى غيرها كثيرة، لم نذكرها للاختصار.

([9]) ﴿لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ…﴾ (المجادلة: 22). وهناك آياتٌ أخرى غيرها كثيرة، لم نذكرها للاختصار.

([10]) ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ (الأنعام: 152). وهناك آياتٌ أخرى غيرها كثيرة، لم نذكرها للاختصار.

([11]) ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ…﴾ (الأنفال: 41). وهناك آياتٌ أخرى غيرها كثيرة، لم نذكرها للاختصار.

([12]) روى جماعةٌ من محدِّثي أهل السنّة، ومنهم أحمد بن حنبل، بسندٍ صحيح عن ابن عبّاس، أنّه قال: لما نزلت ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قالوا: يا رسول الله، مَنْ قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودَّتُهم؟ قال: «عليٌّ وفاطمة، وابناهما». (راجِعْ: الهيثمي، مجمع الزوائد 7: 103). والروايات في كتب الحديث الشيعية مستفيضةٌ في هذا المعنى، ولا داعي لاستحضارها.

([13]) قال الخليل بن احمد الفراهيدي في كتاب العين 4: 89: وأهل البيت: سكّانه؛ وقال الطريحي في مجمع البحرين 1: 128: وأهل البيت: سكانه.

([14]) وكذا آياتٌ أخرى كثيرة، لم نذكرها للاختصار.

([15]) وكذا آياتٌ أخرى كثيرة، لم نذكرها للاختصار.

([16]) ﴿…حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ * وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ…﴾ (هود: 36 ـ 49).



أكتب تعليقك