11 ديسمبر 2015
التصنيف : منبر الجمعة
لا تعليقات
6٬803 مشاهدة

مع النبيّ الأكرم محمد(ص) نحو مجتمعٍ واعٍ وصالح

2015-12-11-%d9%85%d9%86%d8%a8%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%85%d8%b9%d8%a9-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%83%d8%b1%d9%85-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af%d8%b5-%d9%86%d8%ad

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

عظَّم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بسيِّد البشريّة، وخاتم الأنبياء النبيّ الأكرم محمد بن عبد الله(ص)، الذي تمرّ بنا ذكرى وفاته في الثامن والعشرين من شهر صَفَر الخَيْر.

تمهيد

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ (الزمر: 30).

عندما تمرّ بنا مثل هذه الذكريات لحوادث تتعلَّق بهؤلاء العظماء عند الله جلَّ وعلا في الدنيا والآخرة فإنّنا نحاول ـ وكما ينبغي ويجب ـ أن نتوقَّف لنتأمَّل ونتفكَّر في مثل هذه الأحداث ودلالاتها بعقليّةٍ هادئة، بعيدة عن كلِّ تعصُّبٍ وتحيُّز، ولو لم يكن التعصُّب لهؤلاء الأبرار الأطهار عَيْباً أو نقصاً، ولكنَّنا نريد أن نتعلَّم منهم، ونهتدي بهَدْيهم؛ لنكون على بيِّنةٍ من أمرنا، وحجّةٍ في تأييدنا ورفضنا، فلا يضلُّنا أحدٌ، ولا يغلبنا بالباطل أحدٌ، مستغلاًّ جهلنا للحقّ والصواب.

في الجاهليّة الأولى، اعتزالٌ وبراءة

لقد عاش رسولُ الله(ص) في بداية حياته في عصر الجاهليّة، ذلك العصر المُظْلِم في عقائد أهله ومبادئهم، وأغلب تصرُّفاتهم، حيث كثُرَتْ الظواهر الاجتماعيّة التي لا تتناسب وروحيّة الإسلام ـ وهو الدين الذي ارتضاه الله لعباده، منذ أبي البشر آدم(ع) وإلى يوم القيامة: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ﴾ (آل عمران: 19) ـ وغاياته السامية، بل لا تتوافق مع القِيَم الإنسانيّة، كالتبنّي([1])، ووأد البنات([2])، وقتل الأولاد([3])، والظِّهار([4])، ومِلْك اليمين (العبوديّة)([5])، وشرب الخُمور ولعب القِمار([6])، وتعدُّد الزَّوْجات بلا حدٍّ([7])، والزِّنا([8])، ونكاح المحارم([9])، والبَخْس في المكيال والميزان([10])، وأكل مال اليتيم([11])، وقتل النفس المحترمة([12])، وخلف العهد([13])، وسائر الفواحش والمُنْكَرات والآثام([14]).

وقد ذمَّ الله سبحانه وتعالى تلك القوانين السائدة آنذاك بقوله، مستنكِراً: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة: 50).

وعندما كان يريد ذمَّ فعلٍ أو خُلُق أو صفة كان يضيفها إلى تلك الحقبة السوداء في تاريخ البشريّة، وكفى بذلك ذمّاً:

1ـ ﴿وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ (الأحزاب: 33): وهذا نهيٌ عن الظهور أمام الملأ في كامل الزينة والإثارة، على ما اعتادَتْه النساء العربيّات في الجاهليّة من إظهارٍ للزينة والمحاسن بشكلٍ تامّ وفاضح، حتّى يصِرْن كالبُرْج الظاهر للعيان، الذي لا يخفى على أحدٍ؛ فإنّ ذلك من مسبِّبات الفساد والانحراف، الشخصيّ والاجتماعيّ العامّ.

2ـ ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ (الفتح: 26): فتلك عصبيّةٌ مقيتة، قائمة على التعصُّب الأعمى للقبيلة والعشيرة والقرابة، ولو كانوا من الظَّلَمة والمعتدين.

3ـ ﴿يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ (آل عمران: 154): وهو الظنّ الناشئ من اتّباع مسالك غير صحيحة، فقادَتْهم إلى الوَهْم والاشتباه، والتبَسَتْ عليهم الأمور، فنسبوا إلى الله ما هو براءٌ منه، من الصفات والأفعال والأقوال.

ولكنّ رسول الله(ص)، وقبل أن يبعثه الله تعالى نبيّاً وهادياً ومرشداً للعالَمين، كان يعيش الانفتاح على الله سبحانه وتعالى، من خلال الفطرة التي أودعها الله في كلِّ إنسانٍ؛ ليهتدي بها إلى طريق الخير والعَدْل والإحسان، وغير ذلك ممّا يُقِرّ العقل البشريّ بحُسْنه، ويعترف بحاجة المجتمعات الإنسانيّة ـ على اختلافها وتنوُّعها ـ إليه. فكان(ص) يتعبَّد لله عزَّ وجلَّ، متأمِّلاً ومتفكِّراً، في غار حِراء، بعيداً عن الناس؛ ليصفو فكرُه وعقله وقلبه من كلِّ الشوائب التي يمكن أن تُلحقها بها أفكار وعقائد ومبادئ ذلك المجتمع الوثنيّ، الذي يعبد الحجارة والأخشاب من دون الله تبارك وتعالى، في إشارةٍ منه(ص) إلى إمكانيّة تأثُّر الإنسان بالبيئة التي يحيا فيها، وبالناس الذين يختلط بهم.

هذا بالإضافة إلى التسديد الإلهيّ له في الابتعاد عن خطوط الانحراف؛ فإنّه المعصوم عن الخطأ والشُّبْهة، بعد البعثة كما قبلها.

نزول الوحي وحركة الوعي والإصلاح

وينزل عليه الوحي بالرسالة الإسلاميّة، فتكون تلك العمليّة بداية التحوُّل في ذلك المجتمع المنحرف. ويعيش(ص) في ذلك المجتمع طيلة 23 سنة، قضى منها 13 عاماً في مكّة، يعاني الظُّلْم والاضطهاد، وكلُّ ذلك في سبيل الله، فيصبر على الأذى في جَنْب الله، محتسِباً أجْرَه لديه، وهو يقول: «ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت»([15]).

ويؤمَر بالهجرة إلى (يثرب)، فيهاجر إليها متخفِّياً في الأوّل من ربيع الأوّل ـ أي في مثل هذه الأيّام ـ، خلافاً لما شاع بين المسلمين من أنّ هجرته كانت في الأوّل من محرَّم الحرام.

ويصل إلى المدينة المنوَّرة (طيبة)، فيُرسي فيها دعائم الدولة الإسلاميّة، ويبدأ تكوين مجتمعٍ إسلاميّ خالص، له عاداته وتقاليده وقوانينه وكلّ ما يحتاج إليه، على نحو من الاستقلاليّة والاكتفاء الذاتي. ولكنَّه يُشْغَل بالحروب يخوضها هنا وهناك؛ مع المشركين تارةً؛ ومع اليهود أخرى، ومع المنافقين ثالثةً؛ ومع الروم أخيراً.

وكان الرحيل…

وهكذا تمضي عشر سنوات، ويأتي النداء من السماء: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ (الأنبياء: 34 ـ 35)، و﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ (الزمر: 30). وينعى رسولُ الله(ص) للناس نفسه، ويوصيهم بوصاياه الأخيرة، وأوّلُها الوصيّةُ بأهل بيته(عم). ثمّ يحلّ به المَرَض، ولا يلبث أن يفارق هذه الدنيا الفانية ـ التي «لا تساوي عند الله جناح بعوضة»([16]) ـ، ويلتحق بالرفيق الأعلى.

الموتُ لا والدٌ يُبْقي ولا وَلَداً

هذا السبيلُ إلى أن لا ترى أَحَداً

هذا النبيُّ ولم يخلُدْ لأمَّتِهِ

لو خلَّد اللهُ بَشَراً قبلَه خَلُدا

مع الرسالة أو الداعية؟

وما سنبحثه في هذا المجال هو كيف تكون الرسالة الإسلاميّة خالدةً إلى يوم القيامة: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9)، ولا يخلد معها صاحبُها الداعيةُ إليها؟! فهل هناك فرقٌ بين الرسالة وشخص الداعية إليها؟ وكيف أرادنا الله عزَّ وجلَّ أن نتعامل معهما؟

لقد ثبت بالنصّ القرآنيّ وأحاديث النبيّ(ص) والأئمّة من أهل البيت(عم) أنّ الرسالة الإسلاميّة باقيةٌ إلى أن تقوم الساعة؛ فقد رُوي أنّ «حلال محمد حلالٌ أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرامٌ أبداً إلى يوم القيامة»([17])، وقد مات رسولُ الله(ص)، وهو صاحب هذه الدعوة وهذه الرسالة، ما يعني بما لا يقبل الشكَّ أنّ الله سبحانه وتعالى لم يجعل ملازمةً بين حياة الرسالة وحياة صاحبها، بل جعل لكلٍّ منهما حياته الخاصّة به.

فالرسول بشرٌ يخضع لما يخضع له البشر من سُننٍ إلهيّة في الخَلْق والتكوين، قد وضعها اللهُ سبحانه وتعالى لتنظيم حياة الناس وتسهيلها.

وأمّا الرسالة الإلهيّة فإنّها تستمدّ حياتها من تلك الحياة الأزليّة الأبديّة؛ حيث إنّها قد جُعِلَتْ لكلِّ البَشَر، من الأوَّلين والآخرين، فكيف تموت بموت جيلٍ أو قوم منهم، وهي رسالةٌ للعالَم كلِّه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107)؟! فهي ستبقى حاضرةً في الأجيال على مدى الزَّمَن، تهديهم إلى الحقّ، وليشهدوا منافع لهم، فكان لزاماً عليهم أن يستضيئوا بنورها، سواءٌ في حياة صاحبها أم بعد مماته؛ فتكليفهم متعلِّق بالرسالة لذاتها، لا بشخص الداعية إليها، وهذا ما نصَّت عليه الآية الكريمة صراحةً، حيث تقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران: 144).

إنّها الدعوة الصريحة إلى التزام الخطّ والنهج، لا اتّباع الشخص؛ فإنّ الخطّ والنهج يمثِّلان الحقّ كلَّه، وفي امتداد الزَّمن، وقد أراد الله سبحانه وتعالى لنا أن نتَّبع الحقّ حيث وجدناه.

ومن هنا كان أمر النبيّ(ص) باتّباع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)؛ لأنّه يمثِّل الحقّ المطلَق، فهو مع الحقّ دائماً، والحقّ معه، يدور معه حيث دار([18]).

وأمّا الشخص فإنّه، في ما عدا المعصومين(عم)، لا يمثِّل إلاّ نفسه، وإنْ مثَّل الحقَّ في بعض مواقعه؛ فإنّ الأشخاص معرَّضون للخطأ والزَّلَل والاشتباه، فإنْ أصابوا مرّةً فقد يخطئون مرّاتٍ مرّات، فهل نتَّبعهم في خطئهم؟!

قيادة النبيّ أو الإمام المعصوم(ع)

نعم، لا بُدَّ للناس من قيادةٍ تدير شؤونهم، وترعى مصالحهم، وتسهر على راحتهم. وهذه القيادة تتمثَّل بالمعصومين(عم) في حال حضورهم. وهؤلاء لا نقاش في صوابيّة ما يذهبون إليه، فتُسلَّم إليهم الأمور دون نقاشٍ أو جدال، بل دون امتعاضٍ أو ضيق أو حَرَج. وهذا التسليم على نحو الوجوب؛ لقوله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِي مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (النساء: 65)، وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً﴾ (الأحزاب: 36).

وأمّا في حال الغَيْبة، كما هو يومنا هذا، حيث نعيش الغَيبة الكبرى لصاحب العصر والزمان(عج)، الإمام المولود والموعود محمد بن الحسن المهديّ المنتظَر(ع)، والذي ننتفع به في غيبته كانتفاعنا بالشمس وهي خلف السحاب([19])؛ فهو حجّة الله في أرضه، ولو خَلَتْ الأرض من حجّةٍ (حافظٍ لشريعة الله تبارك وتعالى، وداعيةٍ إليها، ومبلِّغٍ لها، ومُقْنِعٍ بها) لساخت بأهلها([20]).

كما أنّ الإمام المهديّ(عج) أمانٌ لأهل الأرض؛ فهو امتدادٌ للنبوّة الخاتِمة، التي خوطِب صاحبُها بقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (الأنفال: 33).

مع القائد غير المعصوم

في عصر الغَيْبة تتمثَّل القيادة بالعلماء الفقهاء العدول، الذين يخافون الله سبحانه وتعالى ويتَّقونه في بلاده وعباده. ولكنْ هنا لا مكان للتسليم والانقياد الأعمى؛ لأنّ إمكانيّة الانحراف بعد الاستقامة أمرٌ محتَمَل، وبنسبةٍ لا بأس بها، ولا سيَّما مع عدم تصدّي الفقيه لكافّة الشؤون بنفسه، وإيكاله كثيراً من الأمور إلى الحاشية المحيطة به، وليسوا مثله في العلم والحكمة، والتَّقوى والوَرَع، والزُّهد والتواضع، وهذا ما لا يخفى على ذي نَظَرٍ.

في عصر غَيْبة الإمام المعصوم(ع) لا يجوز للناس أن يعطِّلوا عقولهم، بل ينبغي لهم متابعة القائد في كلِّ تصرُّفاته ومواقفه؛ لينصروه ويؤيِّدوه إنْ أصاب وأحسن، وليقوِّموه إنْ انحرف عن الخطّ المستقيم الذي رسمه الله سبحانه وتعالى له، وأمره بالسَّيْر عليه.

وهذا ما أراده أميرُ المؤمنين عليٌّ(ع)، حين كان يحثّ أصحابه على أن يسألوه ويعترضوا عليه، ويشيروا عليه بما يرَوْنه حقّاً وعَدْلاً، إذا صدر منه ما لم يعرفوا تأويله، وعليٌّ(ع) هو المعصوم الذي لا يجوز لهم أن يعترضوا عليه، وإنَّما كان يأمرهم بذلك ليدرِّبهم، وليعتادوا عليه فيفعلوه مع غيره من بعده، فكان يقول: «لا تكلِّموني بما تُكلَّم به الجبابرة، ولا تتحفَّظوا منّي بما يُتحفَّظ به عند أهل البادرة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍّ قيل لي، فإنّه مَنْ استثقل الحقّ أن يُقال له، أو العدل أن يُعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفّوا عنّي مقالةً بحقٍّ، أو مشورةً بعدلٍ؛ فإنّي لستُ في نفسي بفوق ما أن أخطئ»([21]). والإمام عليٌّ(ع) حقٌّ كلّه، وعَدْلٌ كلّه، وهو في عقيدتنا فوق أن يُخطئ؛ لأنّه الإمام المعصوم، ولكنّه يعطينا القاعدة والمبدأ في كيفيّة التعامل مع القيادة، مهما بلغت درجتها العلميّة والإيمانيّة.

وهذا هو مولانا الحسن بن عليٍّ المجتبى(ع) يقول في هذا الشأن: «…وأن تخلص لوليّ الأمر ما أخلص لأمّته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا ما حاد عن الطريق السويّ…، الحديث»([22]).

إنّها مبادئ الإسلام وحقائقه، تظهر على ألسنة أهل البيت(عم). وكيف لا، وهم تلامذة رسول الله(ص)، وأحقّ الناس بخلافته؛ فإنّهم خَزَنة علمه، ومستودع سرِّه، ورسول الله الأكرم(ص) يقف قبيل وفاته ليقدِّم حسابَه للناس، علماً أنّه ليس لهم أن يحاسبوه؛ لأنّه لم يكن نبيّّاً ورسولاً وإماماً باختيارهم، وإنّما هو كذلك بأمرٍ ومشيئة من الله، وحسابه مع الله، لا مع الناس، ومع ذلك وقف ليقول: «إنّي والله لا يمسك الناس عليَّ شيئاً. ألا إنّي لا أحلّ إلاّ ما أحلّ الله في كتابه، ولا أحرم إلاّ ما حرم الله في كتابه»([23]).

اللهُمَّ إنّا نشكو إليك فَقْدَ نبيِّنا، وغَيْبة وليِّنا

أيُّها الأحبَّة، هذا ما جعل الناس تفتقد هذا النبيّ العظيم بعد مماته، حيث غابت هذه المبادئ والقِيَم. ولذا ضجَّتْ المدينة ـ كما يقول الرواة في سيرته ـ في يوم وفاته ضجّةً واحدة، وخرج الناس من منازلهم، وما رؤي يومٌ أكثر حزناً وبكاءً من ذلك اليوم.

ولقد بَكَتْه ـ في مَنْ بكاه ـ الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عا)، ووقفت على قبره، وهي تقول:

ماذا على مَنْ شمَّ تُرْبَةَ أحمدٍ

أنْ لا يشمَّ مَدى الزَّمان غَواليا

صُبَّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنَّها

صُبَّتْ على الأيَّام صِرْنَ لياليا

فالسلامُ على نبيِّ الله الأكرم، ووليِّه الأعظم، الرحمة المهداة، يوم وُلد، ويوم مات، ويوم يُبعَث حيّاً. وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالَمين.

**********

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) حيث يقول جلَّ وعلا: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ (الأحزاب: 4)، ويقول أيضاً: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ﴾ (الأحزاب: 5). وفي ذلك إشارةٌ إلى مخالفة هذا الفعل لمفهوم العَدْل، وهو قيمةٌ إنسانيّة ودينيّة.

([2]) حيث يقول عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ (التكوير: 8 ـ 9)، وفي آيةٍ أخرى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ (النحل: 58 ـ 59). وفي ذلك دلالةٌ واضحة على المعاملة السيِّئة التي كانت تلقاها البنات (الإناث) في ذلك المجتمع.

([3]) حيث يقول تبارك وتعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ (الأنعام: 151)، ويقول أيضاً: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً﴾ (الإسراء: 31). وهذا ما يؤكِّد أنّهم كانوا لا يتورَّعون عن هذا الفعل القبيح، بدمٍ بارد، وبسبب الخوف من الفقر قبل أن يصيبهم، وبعده أيضاً.

([4]) وهو أن يقول الرجل لزوجته: أنتِ عليَّ كظهر أمّي، فلا يقاربها بعد ذلك، ويذرها معلَّقةً؛ فلا هي مزوَّجة تستمتع بزوجها؛ ولا هي مطلَّقة فتطلب الزَّواج. وقد قال تقدَّسَتْ أسماؤه: ﴿وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ (الأحزاب: 4)، وقال أيضاً: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ (المجادلة: 2). وفي هذا تصريحٌ ببطلان هذا العمل، وإشارةٌ واضحةٌ إلى حرمته.

([5]) حيث كان نظام الرقّ قائماً، ومنتشراً. وقد عمل الإسلام بكلّ حكمةٍ ورويّة للقضاء على هذا النظام المتجذِّر في البنية المجتمعيّة، وإنّما بأقلّ مقدار من الخسائر. وهكذا استطاع الإسلام بعد أكثر من 1000 سنة من تخليص البشريّة من هذا النظام الجائر، حتّى أنّنا لا نجد اليوم مصداقاً واحداً للعبد أو الجارية، بالمعنى القديم والمعروف لذلك. ومن هنا فإنّ الخصلة الأولى ـ أو خصلةً ـ من خصال بعض الكفّارات ـ وهي عتق رقبةٍ ـ قد أصبحت من التكاليف غير المقدورة؛ لزوال موضوعها.

([6]) حيث قال جلَّ ثناؤه: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ (البقرة: 219)، وقال أيضاً ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنْ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ﴾ (المائدة: 90 ـ 91). وفي هذا إشارةٌ واضحة إلى ما كانوا عليه من معاقرة الخمر ولعب القمار، والوقوع في المفاسد الناتجة عنهما.

([7]) حيث كان الرجل يتزوِّج ما شاء ورغب من النساء، دون أيّ مراعاةٍ للعدالة بينهنَّ، فجاء قوله تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا﴾ (النساء: 3)، ليضع حدّاً أعلى للزواج، وهو أربعٌ من النساء، لا يجوز أن يزيد عليهنَّ أبداً.

([8]) حيث قال عزَّ من قائلٍ: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ (الإسراء: 32). وهو نهيٌ يشير إلى ما كانوا قد اعتادوه من قبيح الأفعال. وكانوا يمارسونه جميعاً، نساءً ورجالاً، حتّى عُرفت بعض النساء بأنّهنَّ من ذوات الرايات، أي اللواتي ينصبن رايةً فوق سطوح منازلهنَّ ليعلم الداخل إلى المدينة أنّ صاحبته بغيٌّ تبذل نفسها لمَنْ يريدها. كما عُرف بعض الرجال بأنّهنَّ قد زنَيْنَ ببعض النساء المتزوِّجات فولدْنَ أولاداً، أُلْحِقوا بأزواجهنَّ؛ لقول النبيّ(ص): «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» (رواه الكليني في الكافي 5: 491 ـ 492، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار؛ وحُمَيْد بن زياد، عن ابن سماعة، جميعاً، عن صفوان، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله(ع) ـ في حديثٍ ـ، مرفوعاً؛ ورواه أيضاً في الكافي 7: 163، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله(ع) ـ في حديثٍ ـ، مرفوعاً؛ ورواه أيضاً عن عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عليّ بن سالم، عن يحيى، عن أبي عبد الله(ع) ـ في حديثٍ ـ، مرفوعاً؛ ورواه البخاري في الصحيح 3: 4 ـ 5، عن يحيى بن قزعة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة ـ في حديثٍ ـ، مرفوعاً)، ولكنَّ الزناة ادَّعُوهُم لأنفسهم، ومن هؤلاء: زياد بن أبيه والد عبيد الله بن زياد قاتل أبي عبد الله الحسين(ع)، الذي كان ثمرة الزِّنا بين أبي سفيان وسميّة جارية الحارث بن كلدة، وزوجة عُبَيْد الثقفي (راجِعْ: ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 19: 173؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ 3: 443).

([9]) حيث قال تبارك وتعالى: ﴿وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ (النساء: 22). وفيه إشارةٌ إلى أنّ ذلك كان أمراً معروفاً وشائعاً.

([10]) حيث قال جلَّ وعلا: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ (الإسراء: 35). وهو وصيَّةٌ بالإقلاع عن تلك العادة السيِّئة التي كانت منتشرةً بينهم.

([11]) حيث يقول عزَّ وجلَّ: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ (الإسراء: 34). وفي هذا نهيٌ صريح عن مقاربة هذه الآفة الاجتماعيّة الخطيرة.

([12]) حيث يقول تقدَّسَت أسماؤه: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً﴾ (الإسراء: 33)، وذلك للحؤول دون استمرارهم في هذا الفعل القبيح، الذي يفتك بأمن المجتمع وسلامته.

([13]) حيث قال جلَّ ثناؤه: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤولاً﴾ (الإسراء: 34). وهو أمرٌ تنظيميّ لشؤونهم، التي اعتراها الفساد والفوضى والخراب؛ بسبب نقضهم للعهود والمواثيق، واعتمادهم الغَدْر والخيانة والكذب في المعاملات.

([14]) حيث قال عظمت آلاؤه: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ (الأعراف: 33)، ليصرفهم عن كلّ ما عرفوه من عادات وتقاليد لا تمتّ إلى الدين بصلةٍ، وليس بينها وبين الإنسانيّة من علاقةٍ.

([15]) رواه كلٌّ من: ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 3: 42، معلَّقاً مرفوعاً؛ الفخر الرازي في تفسير مفاتيح الغيب 4: 175، معلَّقاً مرفوعاً؛ وابن عربي في التفسير 1: 151، 239؛ 2: 82، وابن أبي الفتح الإربلي في كشف الغمّة 3: 346، معلَّقاً مرفوعاً.

([16]) رواه قطب الدين الراوندي في الدعوات: 225، معلَّقاً عن الصادق(ع)، مرفوعاً ـ في حديث ـ: «فوالذي نفسي بيده، لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضةٍ ما أعطى الكافر منها شيئاً».

ورواه الكليني في الكافي 2: 246، عن عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان وسيف بن عميرة، عن فضيل بن يسار، عن أبي عبد الله(ع) ـ في حديثٍ ـ: «يا فضيل بن يسار، لو عدلت الدنيا عند الله عزَّ وجلَّ جناح بعوضةٍ ما سقى عدوَّه منها شربة ماءٍ…، الحديث».

ورواه ابن ماجة في السنن 2: 1376 ـ 1377، عن هشام بن عمّار، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، ومحمد الصباح، عن أبي يحيى زكريا بن منظور ن عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، مرفوعاً ـ في حديثٍ ـ: «ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضةٍ ما سقى كافراً منها قطرةً أبداً». ثمّ قال: في الزوائد: في إسناده زكريّا بن منظور، وهو ضعيف. وفيه: إن أصل المتن صحيح.

ورواه الترمذي في السنن 3: 383، عن قتيبة، عن عبد الحميد بن سليمان، عن حازم، عن مسهر بن سعد، مرفوعاً: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماءٍ». ثمّ قال: وفي الباب عن أبي هريرة. هذا حديثٌ صحيح، غريبٌ من هذا الوجه.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10: 288: «وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله(ص) «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضةٍ ما أعطى كافراً منها شيئاً». رواه البزّاز، وفيه صالح مولى التوأمة، وهو ثقةً ولكنه اختلط. وبقيّة رجاله ثقاتٌ».

([17]) رواه محمد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات: 168، عن إبراهيم بن هاشم، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن حمّاد، قال: سمعتُ أبا عبد الله(ع) يقول: «ما خلق الله حلالاً ولا حراماً إلاّ وله حدٌّ كحدّ الدور. وإنّ حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرامٌ إلى يوم القيامة. ولأن عندنا صحيفة طولها سبعون ذراعاً، وما خلق الله حلالاً ولا حراماً إلاّ فيها، فما كان من الطريق فهو من الطريق، وما كان من الدور فهو من الدور، حتّى أرش الخدش وما سواها، والجلدة ونصف الجلدة».

وروى الكليني في الكافي 1: 58، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن حريز، عن زرارة قال: سألتُ أبا عبد الله(ع) عن الحلال والحرام؟ فقال: «حلال محمد حلالٌ أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرامٌ أبداً إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجيء غيره»، وقال: قال عليٌّ(ع): «ما أحدٌ ابتدع بدعةً إلاّ ترك بها سنّة».

([18]) نستفيده ممّا رواه الصدوق في الأمالي: 149 ـ 150؛ والخصال: 496، عن أبيه(ر)، عن عبد الله بن الحسن المؤدّب، عن أحمد بن عليّ الأصبهاني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن جعفر بن الحسن، عن عبيد الله بن موسى العبسي، عن محمد بن عليّ السلمي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، مرفوعاً: «عليٌّ مع الحقّ، والحقّ معه، لا يفترقان حتّى يَرِدا عليَّ الحوض».

وما رواه الطوسي في الأمالي: 479، عن جماعةٍ، عن أبي المفضَّل، عن عليّ بن موسى بن سعدان المعدّل، عن أحمد بن ميثم بن أبي نعيم الطلحي، عن جدّه أبي نعيم الفضل بن دكين، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، عن عياض بن عياض، عن مالك بن جعونة، عن أمّ سلمة، مرفوعاً: «الحقّ بعدي مع عليّ، يدور معه حيث دار».

([19]) حيث روى الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة: 483 ـ 485، عن محمد بن محمد بن عصام الكليني(رض)، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، أنّه ورد في جواب الإمام المهديّ(عج) على كتابٍ له إليه: «أمّا علّة ما وقع من الغَيْبة فإنّ الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ (المائدة: 101). إنّه لم يكن أحدٌ من آبائي إلاَّ وقد وقعَتْ في عنقه بيعةٌ لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحدٍ من الطواغيت في عنقي. وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبها عن الأبصار السحاب. وإني لأمانٌ لأهل الأرض، كما أن النجوم أمانٌ لأهل السماء، فأغلقوا أبواب السؤال عمَّا لا يعنيكم، ولا تتكلَّفوا علم ما قد كُفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج؛ فإن ذلك فرجكم. والسلام عليكم يا إسحاق بن يعقوب وَعلى مَنْ اتَّبع الهدى».

([20]) رواه محمد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات: 508، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي قال: قلتُ لأبي عبد الله(ع): تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: «لو بقيت الأرض بغير إمامٍ لساخت».

ورواه الكليني في الكافي 1: 179، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا(ع) قال: قلتُ له: أتبقى الأرض بغير إمامٍ؟ قال: «لا»، قلتُ: فإنا نروي عن أبي عبد الله(ع) أنها لا تبقى بغير إمامٍ إلاّ أن يسخط الله تعالى على أهل الأرض أو على العباد، فقال: «لا، لا تبقى، إذن لساخت».

([21]) رواه الكليني في الكافي 8: 352، عن عليّ بن الحسن المؤدّب، عن أحمد بن محمد بن خالد؛ و[عدّة من أصحابنا، عن] أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحسن التيمي، جميعاً، عن إسماعيل بن مهران، عن عبد الله بن الحارث، عن جابر، عن أبي جعفر(ع)، عن أمير المؤمنين(ع) ـ في خطبةٍ له بصِفِّين ـ: «فلا تكلِّموني بما تُكلَّم به الجبابرة، ولا تتحفَّظوا منّي بما يُتحفَّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍّ قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي، فإنّه مَنْ استثقل الحقّ أن يُقال له، أو العدل أن يُعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفّوا عنّي مقالةً بحقٍّ، أو مشورةً بعدلٍ؛ فإنّي لستُ في نفسي بفوق ما أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلاّ أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به منّي، فإنّما أنا وأنتم عبيدٌ مملوكون لربٍّ لا ربَّ غيره، يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا ممّا كنّا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى». وراجِعْ: نهج البلاغة 2: 201.

([22]) لم نعثر على مصدرٍ لهذا الحديث، سوى ما ذكره السيد مصطفى الموسوي في كتاب الروائع المختارة من خطب الإمام الحسن(ع): 118: سأله رجلٌ عن رأيه في السياسة فقال(ع): «هي أن ترعى حقوق الله، وحقوق الأحياء، وحقوق الأموات. فأما حقوق الله فأداء ما طلب والاجتناب عمّا نهى. وأما حقوق الأحياء فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخَّر عن خدمة أمّتك، وأن تخلص لوليّ الأمر ما أخلص لأمّته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا ما حاد عن الطريق السويّ. وأما حقوق الأموات فهي أن تذكر خيراتهم، وتتغاضى عن مساوئهم؛ فإنّ لهم ربّاً يحاسبهم».

([23]) رواه الشافعي في المسند: 29 ـ 30، عن عبد الوهّاب الثقفي، عن يحيى بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير الليثي، مرفوعاً ـ في حديثٍ ـ.

ورواه عبد الرزّاق الصنعاني في المصنَّف 4: 534، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، مرفوعاً عن النبيّ(ص) ـ في حديثٍ ـ أنّه قال في مرضه الذي مات فيه: «لا يمسكنَّ الناس عليَّ بشيء، فإنّي لا أحلّ إلاّ ما أحلّ الله في كتابه، ولا أحرِّم إلاّ ما حرَّم الله في كتابه».

ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 2: 215 ـ 216، عن يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير الليثي، مرفوعاً ـ في حديثٍ ـ: «واللهِ، لا يمسك الناس عليَّ بشيءٍ، لا أحلّ إلاّ ما أحلّ الله في كتابه، ولا أحرِّم إلاّ ما حرَّم الله في كتابه».

ورواه ابن سعد أيضاً في الطبقات الكبرى 2: 256، عن محمد بن عمر، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، مرفوعاً ـ في حديثٍ ـ: «أيُّها الناس، لا تعلِّقوا عليَّ بواحدةٍ، ما أحللت إلاّ ما أحلّ الله، وما حرَّمت إلاّ ما حرَّم الله».

وعن محمد بن عمر، عن سليمان بن بلال وعاصم بن عمر، عن يحيى بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير، مرفوعاً ـ في حديثٍ ـ: «أيُّها الناس، واللهِ، لا تمسكون عليَّ بشيءٍ، إني لا أحلّ إلاّ ما أحلّ الله، ولا أحرِّم إلاّ ما حرَّم الله».

ورواه الطبراني في المعجم الأوسط 6: 42 ـ 43، عن محمد بن عبد الله الحضرمي، عن صالح بن الحسن بن محمد الزعفراني، عن عليّ بن عاصم، عن يحيى بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، مرفوعاً: «لا تمسكوا عليَّ شيئاً، فإنّي لا أحلّ إلاّ ما أحلّ الله في كتابه، ولا أحرِّم إلاّ ما حرَّم الله في كتابه». ثمّ قال: لم يرْوِ هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إلاّ عليّ بن عاصم، تفرَّد به.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 171 ـ 172: «وعن عائشة قالت: قال رسول الله(ص): «لا تمسكوا عنّي شيئاً، فإنّي لا أحلّ إلاّ ما أحلّ الله في كتابه، ولا أحرِّم إلاّ ما حرَّم الله في كتابه». رواه الطبراني في الأوسط، وقال: لم يرْوِه عن يحيى بن سعيد إلاّ عليّ بن عاصم، تفرَّد به صالح بن الحسن بن محمد الزعفراني. قلتُ: ولم أَرَ مَنْ ترجمهما».



أكتب تعليقك