20 أكتوبر 2017
التصنيف : منبر الجمعة
لا تعليقات
5٬955 مشاهدة

حرب صِفِّين وفتنة التحكيم، أسبابٌ ومواقف وعِبَر

(الجمعة 20 / 10 / 2017م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

أسباب الحرب الموجِبة

إنّ الأسباب التي أدّت إلى نشوب حرب صِفِّين صنفان: مباشر؛ وغير مباشر.

فالسبب المباشر هو أنّ معاوية بن أبي سفيان، حاكم الشام آنذاك، قرَّر أن يخرج لحرب وقتال أمير المؤمنين وخليفة المسلمين عليّ بن أبي طالب(ع)، متذرِّعاً بأنّه يريد من الإمام(ع) إلقاء القبض على قَتَلة عثمان وقتلهم، وكأنّه يريد أن يقول: إنّ الإمام(ع) يعرف القَتَلة، ويتستَّر عليهم، ويحميهم.

وهكذا يكون معاوية قد تابع ما ابتدأه طلحةُ والزبير من قبلُ في معركة الجَمَل، وقد فشلوا وهُزِموا وقُتِلوا؛ ببغيهم، فطمع ابنُ أبي سفيان أن ينجح حيث فشلوا، فكان الاستعداد والخروج إلى الحرب، التي وقعت في صِفِّين.

وأمّا السبب غير المباشر، والذي يغفل عنه الكثيرون رغم أنّه قد يكون أهمّ من السبب المباشر، فهو أنّ الأمّة الإسلاميّة قد أجمعت، إلا نَزْراً يسيراً لا يتجاوز أصابع اليد، على حرف مسار الخلافة بعد النبيّ(ص) عن المسار الذي أراده لها الله سبحانه وتعالى، فتركوا بيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)، وبايعوا غيره، وممّا فعله أولئك أن عيَّنوا معاوية والياً على الشام وما حولها، وأقرُّوه على ذلك عاماً بعد عام، رغم اطّلاعهم على ما كان يصدر عنه من منكَرات، حتّى ورد عن الخليفة الثاني قوله يصف معاوية: «هذا كِسْرى العرب»([1]).

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ أمير المؤمنين(ع) قد بعث بعد انتهاء معركة الجمل بكتاب عزلٍ إلى معاوية، بواسطة أحد أصحابه، وقد جاء فيه: «ائتِ معاوية بكتابي، فإن دخل في ما دخل فيه المسلمون، وإلاّ فانبذ إليه، وأعلِمْه أنّي لا أرضى به أميراً، وأنّ العامّة لا ترضى به خليفة»([2]).

إذاً بعد انتهاء معركة الجمل عام 36هـ رأى معاوية أنّ الفرصة سانحةٌ للقضاء على جيش أمير المؤمنين عليّ(ع)، فخرج لحربه، وتناهى الخبر إلى أمير المؤمنين(ع)، فلاقاه بجيشٍ جرّار، وكان اللقاء في صِفِّين، حيث قُتل من الطرفين خلقٌ كثير، حتّى قيل بأنّ عدد القتلى في ليلة الهرير وحدها بلغ سبعين ألف قتيل([3])، وكان ممَّنْ قُتِل في تلك الحرب الصحابيّ الجليل عمّار بن ياسر، الذي قال فيه رسول الله(ص): «ويح عمّار، تقتله الفئة الباغية، عمّار يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النار»([4]).

وهكذا طالت الحرب لعدّة أشهر، تخلَّلها شهر محرَّم من عام 37هـ، فتوقَّف القتال، ثمّ تجدَّد بعد المحرَّم.

ولمّا رأى معاوية أنّ مجريات الحرب لن تنتهي لصالحه ـ حتّى أنّ عليّاً(ع) قام خطيباً في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيُّها الناس، قد بلغ بكم الأمر وبعدوِّكم ما قد رأيتم، ولم يبق منهم إلاّ آخر نفس… »([5]) ـ فزع إلى صاحبه ووزيره عمرو بن العاص، فأشار عليه بخدعة رفع المصاحف على أسنّة الرماح، والدعوة إلى تحكيم كتاب الله([6]).

وهكذا فوجئ عسكر أمير المؤمنين(ع) برفع المصاحف([7])، واختلفوا في الرأي، فما بين مخدوعٍ داعٍ إلى وقف القتال استجابةً للدعوة الحقّ، ألا وهي تحكيم كتاب الله، والرجوع إليه؛ وصاحب بصيرةٍ مُصرٍّ على حسم المعركة وتحقيق النصر المؤزَّر الذي لم يكن سوى صبر ساعات، وكان هذا هو موقف أمير المؤمنين عليٍّ(ع) وصاحبه وقائد جيشه العظيم مالك الأشتر(ر)([8]).

الإمام عليّ(ع) والمعارك الداخلية بين المسلمين

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل أنّ عليّاً(ع) هو الذي دخل في هذه المعارك أو أنّ أقواماً خرجوا عليه، فكان لا بُدَّ من قتالهم؟

الوقائع التاريخيّة تثبت أنّه(ع) كان كارهاً للحرب، لم يَخَفْ يوماً منها، ولكنّه لم يكن يرغب في سفك الدماء سريعاً، وإنّما كان يُعطي الفرصة تلو الفرصة، لعلّ الله يهدي تلك الفئات الباغية. لقد كان يكره أن يبدأ أحداً بقتالٍ، وهذا ما نقرأه في كلامٍ له(ع) لأصحابه وقد استبطأوا إِذْنَه لهم في القتال بصفّين: «أمّا قولُكم: أكلّ ذلك كراهيةَ الموت، فواللهِ ما أبالي أدخلتُ إلى الموت أو خرج الموتُ إليَّ. وأما قولكم: شكّاً في أهل الشام، فواللهِ ما دفعتُ الحربَ يوماً إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بي طائفةٌ فتهتدي بي، وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبُّ إليَّ من أن أقتلها على ضلالها، وإنْ كانت تبوء بآثامها»([9]).

إذن هي معارك ثلاث فرضَتْ نفسها عليه: معركة الجمل، ومعركة صِفِّين ومعركة النهروان.

في موضوع هذه الحلقة، وهو معركة صِفِّين، معاوية رفض تسليم ما بيده من البلاد إلى الخليفة والأمير، واختار الحرب، وأعدَّ لها عدَّتَها، وخرج قاصداً الكوفة؛ للقتال، فهل ينتظره عليٌّ على مشارف الكوفة، أو يخرج لملاقاته بعيداً عن مقرِّ الخلافة؟

وهكذا لم يخرج لحرب أصحاب الجمل إلاّ بعد أن احتلُّوا مدينة البصرة، واعتقلوا والي عليٍّ(ع) عليها، ومثَّلوا به حيّاً، فخرج من المدينة لقتالهم.

وهكذا لم يتعرَّض للخوارج ـ وهم الفئة الضالّة التي أفرزَتْها حرب صِفِّين ـ إلاّ بعد أن عاثوا في الأرض فساداً، وقتلوا امرءاً مسلماً، وبقروا بطن زوجته الحامل، دون جرمٍ اقترفوه. فكان لا بُدَّ من محاسبتهم ومعاقبتهم.

رفع المصاحف مكرٌ وخديعة

أمير المؤمنين(ع) لم ينخدع بحيلة عمرو بن العاص، وإنّما رفع صوتَه مفنِّداً دعوتهم، وفاضحاً سريرتهم، فقال بعد أن شاهد المصاحف على رؤوس الرِّماح: «اللهمّ إنّك تعلم أنَّهم ما الكتاب يريدون، فاحكم بيننا وبينهم، إنّك أنت الحَكَم الحقّ المبين»([10]).

لكنْ ماذا يفعل بأصحابٍ عصاة، لا يفقهون من الدين إلاّ اسمَه، ولا يلتزمون ببيعةٍ أو ميثاق، وهم مستعدّون للانقلاب والانقضاض على خليفتهم وأميرهم متى خالف رأيُه أهواءَهم؟!

فها هو الأشعث بن قيس، بعد أن سمع مقالة عليٍّ، وسمع مقالات مالك الأشتر وعمرو بن الحمق وغيرهم، يقف مُغْضَباً ليقول: «يا أمير المؤمنين، إنّا لك اليوم على ما كنّا عليه أمس، وليس آخرُ أمرنا كأوّله، وما من القوم أحدٌ أحنى على أهل العراق ولا أوتر لأهل الشام منّي، فأجِبْ القوم إلى كتاب الله، فإنّك أحقّ به منهم. وقد أحبَّ الناس البقاء، وكرهوا القتال»([11]).

وهو ـ أي الأشعث بن قيس ـ الذي كان قبل ظهور الخديعة قد خطب في أصحابه من كِنْدة بمثل ما انجَلَت عنه الخديعة في اليوم التالي، فقال: «ألا فليبلغ الشاهد الغائب، أنّا إنْ نحن تواقفنا غداً إنّه لفناء العرب وضيعة الحرمات. أما واللهِ ما أقول هذه المقالة جَزَعاً من الحَتْف، ولكنّي رجلٌ مُسِنٌّ أخاف على [النساء و] الذراري غداً إذا فنينا»([12]).

وكانت الخديعة في اليوم التالي، وكان النداء: «يا معشر العرب، الله الله في نسائكم وبناتكم، فمَنْ للروم والأتراك وأهل فارس غداً إذا فنيتم. الله الله في دينكم. هذا كتاب الله بيننا وبينكم»([13]).

فهل من رابطٍ بين النداءَيْن؟!

ويحدِّثنا المؤرِّخون أنّ الناس ماجوا، وقالوا: أكلَتْنا الحرب وقتلَتْ الرجال. وقال قومٌ: نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه أمس. ولم يقُلْ هذا إلاّ قليلٌ من الناس. ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة، وثارت الجماعة بالموادعة. فقام عليّ أمير المؤمنين(ع) فقال: «إنّه لم يزل أمري معكم على ما أحبُّ إلى أن أخذَتْ منكم الحرب، وقد واللهِ أخذَتْ منكم وتركَتْ، وأخذَتْ من عدوِّكم فلم تترك، وإنّها فيهم أنكى وأنهك. ألا إنّي كنتُ أمس أمير المؤمنين فأصبحْتُ اليوم مأموراً، وكنتُ ناهياً فأصبحْتُ منهيّاً. وقد أحبَبْتُم البقاء، وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون»([14]).

إذن هو قبول المضطرّ الذي لم يجِدْ بديلاً، ولم يلقَ ناصراً أو معيناً على أيّ قرارٍ آخر، فاختار أهون الشرَّيْن.

الموقف من حركات التكفير

اليوم يرفع التكفير راياتٍ ممهورةً باسم الله ونبيِّه، ويرفعون الأذان والمصاحف، ويتحصَّنون في المساجد. وما أشبه اليوم بالأمس. ولقد صدق مَنْ قال: الزمن يعيد نفسه. فهنيئاً للمتَّعِظ من أمسه ليومه.

ليس مهمّاً على الإطلاق لون الراية التي تُرفَع أو الشعار المكتوب على الراية، بل ليس مهمّاً أبداً أن تتوسَّل وتتحصَّن بالأذان أو الصلاة أو قراءة القرآن أو مجالس عزاء أهل البيت(عم).

وإنّما المهمّ والنافع في مقام تحديد مستوى الإيمان والولاء، وبالتالي الآليّة المناسبة في التعامل، هو العمل والسلوك الخارجي، الذي يتّسم به أيُّ فريقٍ من الناس عامّةً، أو من المسلمين خاصّةً.

فالشيعي مَنْ كان في سلوكه ومواقفه وكلّ تصرُّفاته ممتثِلاً قولَ رسول الله(ص) وأهل بيته الطاهرين(عم)، والسنّي كذلك هو مَنْ كان في حركته متَّبِعاً سنّة رسول الله(ص)، وأصحابه الأبرار(رضم).

وهذا ينطبق على المسلم عموماً، فـ «المسلم مَنْ سلم الناس من يده ولسانه»([15]).

وعليه فنحن نمتثل أمر الله عزَّ وجلَّ الذي قال: ﴿وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾(النساء: 94)، فمَنْ لم يقاتل المسلمين، ولم يعتدِ عليهم، ولم ينتهك منهم الحُرُمات، فهو محقون الدم، وإنْ اختلفنا معه في الرأي، في عقيدةٍ أو شريعة، فإذا وصل الأمر إلى الإفساد في الأرض فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العظيم، الدفاعُ عن النفس واجبٌ، ورفع الفساد، كما دفعُه، واجبٌ.

مهزلة التحكيم بين الأشعري وابن العاص

عبد الله بن قيس، المعروف بـ (أبي موسى الأشعري) كان قد فارق أمير المؤمنين(ع)، وخذَّل الناس عنه، وهرب إلى الشام([16])، واعتزل هناك في أرضٍ يُقال لها (عُرْض)، فهو الفارّ من الجهاد، جهاد الباغين (الفئة الباغية)، ومع ذلك فرضه بعض أصحاب عليٍّ(ع) حَكَماً صالحاً.

أمّا عمرو بن العاص فهو الداهية الماكر، والمستشار الأعظم لمعاوية.

وهكذا نلحظ انعدام التوازن في اختيار هذين الرجلين كحَكَمَيْن سيصلان إلى حلٍّ لأعقد المشاكل في تاريخ الأمّة الإسلاميّة.

وهكذا سقط أبو موسى الأشعري في فخّ عمرو بن العاص بسرعةٍ؛ إذ بعد أن لم يستطع أحدهما إقناع الآخر بشخصٍ محدَّد، حيث نفض الأشعري يده من خلافة أمير المؤمنين(ع)، ولم يتعرَّض لها أبداً، في حين أصرّ ابنُ العاص على خلافة معاوية، ثمّ طرح الأشعري خلافة عبد الله بن عمر، أمّا ابنُ العاص فقد طرح خلافة ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص، وهكذا طال الكلام بينهما حتّى أوعز معاوية إلى ابن العاص أن يحسم الأمر، ولا سيّما بعد أن بلغه عنه أنّه يطلب الخلافة لنفسه، وهكذا وضع ابن العاص أبا موسى الأشعري أمام الموقف الحاسم، طالباً رأيه، فما كان من هذا الأخير إلاّ أن أشار بخلع عليٍّ ومعاوية معاً عن الخلافة، وإرجاعها شورى في المسلمين، فوافق عمرو بن العاص، وقدَّم أبا موسى للكلام، فنصحه عبد الله بن عبّاس أن يَدَع عمرواً يتحدَّث قبله، فلم يعتنِ بنصيحته، وهكذا وقف خطيباً فقال: وإنّي قد خلعْتُ عليّاً ومعاوية، فاستقبلوا أمركم، وولُّوا مَنْ رأيتم لها أَهْلاً، ثم تنحّى فقعد. وقام عمرو بن العاص مقامه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنّ هذا قال ما قد سمعتُم، وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأُثْبت صاحبي معاوية [في الخلافة]؛ فإنّه وليُّ عثمان، والطالب بدمه، وأحقّ الناس بمقامه. فقال له أبو موسى: ما لك، لا وفَّقَكَ الله، قد غدرْتَ وفجرْتَ. وإنَّما مثلك مثل الكلب ﴿إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الأعراف: 176). قال: فقال له عمرو: إنَّما مثلك مثل ﴿الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾(الجمعة: 5)([17]).

وهكذا انتَهَتْ هذه المهزلة بالتسليم على معاوية بالخلافة، بانتظار جولةٍ أخرى من الحرب، لن تكون قريبةً، ولن يكون بالميسور جمعُ الرجال لها.

اختيارُ الأشعريّ خطيئةُ العاصين

بعد أن استقرّ الرأي على قبول التحاكم إلى القرآن أعلن أهل الشام أنّهم قد رضوا بعمرو بن العاص ممثِّلاً عنهم.

ولا أعتقد أنّه قد جرى استفتاءٌ بينهم ليختاروا، وإنّما هو اختيار معاوية؛ لما يعرفه فيه من مكرٍ ودهاء([18]).

وأمّا في معسكر أمير المؤمنين(ع) فقد عاد أصحابُه إلى عادتهم في التعنُّت والمجادلة وعدم الطاعة للقائد المعصوم، فقال الأشعث بن قيس والقرّاء ـ الذين صاروا خوارج فيما بعد ـ: فإنا قد رضينا واخترنا أبا موسى الأشعري. فقال لهم عليٌّ: إنّي لا أرضى بأبي موسى، ولا أرى أن أُوَلِّيه، فقال الأشعث وزيد بن حصين ومسعر بن فدكي، في عصابةٍ من القراء: إنّا لا نرضى إلاّ به، فإنّه قد حذَّرنا ما وقعنا فيه، قال عليٌّ: فإنّه ليس لي برضا، وقد فارقني وخذَّل الناس عنّي ثم هرب، حتّى أمَّنته بعد أشهر، ولكنْ هذا ابنُ عباس أُوَلِّيه ذلك. قالوا: والله ما نبالي، أكنتَ أنت أو ابن عبّاس، ولا نريد إلاّ رجلاً هو منك ومن معاوية سواءٌ، وليس إلى واحدٍ منكما بأدنى من الآخر، قال عليٌّ: فإنّي أجعل الأشتر، قال نصر: قال عمرو: فحدَّثني أبو جناب قال: قال الأشعث: وهل سعَّر الأرض علينا غير الأشتر، وهل نحن إلاّ في حكم الأشتر، قال له عليٌّ: وما حكمه؟ قال: حكمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيوف، حتّى يكون ما أردتَ وما أراد([19]).

وعليه فإنّ اختيار عليٍّ كان عبدَ الله بن عبّاس أو مالكَ الأشتر، ولكنَّ بعض أصحابه ـ وهم الذين سينقلبون عليه في نهاية الأمر، ويطلقون شعار: «لا حكم إلاّ لله» ـ رفضوا هذَيْن الرجلَيْن وأصرُّوا على أن يكون الحَكَم عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعري. ونعود من جديدٍ إلى مسألة الاضطرار؛ خوفاً من الفتنة والاقتتال الداخلي.

صفات ممثِّلي الأمّة

الكثيرون من الناس قد اتَّعظوا، ووعَوْا ما حصل، وتنبَّهوا لما قد يحصل اليوم أو غداً، فرفضوا كلَّ حاكمٍ ظالم، وثاروا على كلِّ طاغٍ ومعتدٍ؛ ولكنّ فئاتٍ أخرى تقاطعَتْ مصالحُها الدنيويّة والفئويّة مع حُكّام الجَوْر وسلاطين الباطل لم تشأ أن تقطع علاقتها بهؤلاء، وأمَّنَتْ لهم من حيث تريد أو لا تريد شرعيّةً في الحكم والسلطة، عبر انتخابٍ أو استفتاء أو بيعة أو ما إلى ذلك من وسائل.

نعود إلى ما ذُكر في بداية الحوار من السبب غير المباشر لمعركة صِفِّين، فإنّ ممثِّلي الأمّة الشرعيّين معروفون، ولا يصلح للخلافة والإمامة سواهم، وهم الذين هدى الله، وأمرنا بالاقتداء بهُداهم، فأيُّ حديثٍ عن حكمٍ لغيرهم هو حديثٌ في باطلٍ وضلال، و لن يحصد منه المسلمون سوى المزيد من السقوط والخُسْران والفتنة.

أمّا في عصرنا الحاضر، عصر غَيْبة إمام زماننا المهديّ المنتَظَر(عج)، فالأمر إلى العلماء ذوي البصائر، العلماء العُدُول الذين يخافون الله جلَّ وعلا، ولا يخشَوْن سواه، العلماء الذين لا يطالبون بامتيازاتٍ، ولا يرضَوْن بها، العلماء الذين يَقْتَدُون برسول الله الأكرم محمد(ص) وأهل بيته(عم)، قَوْلاً وعَمَلاً، العلماء الذين لا يساومون أحداً مهما علا شأنُه على دين الله. هؤلاء هم مَنْ يصلح اليوم لتمثيل الأمّة، والأمر إليها؛ أن تُوصِل هؤلاء إلى السلطة والحكم فتنجو وتسعد، وأن تبتعد عنهم فتضلَّ وتشقى وتهلك.

المطلوب من ممثِّل الأمّة أن يكون بهذه الصفات، والمطلوب من أفراد الأمّة أن يكونوا المطيعين للحاكم الشرعي والقائد البصير؛ كي تنتظم أمورهم، وتستقيم أحوالهم. المطلوب أن يبقى الإمام إماماً، والقائد قائداً، لا أن يتحوَّل القائد إلى مَقُود، والإمام إلى مأموم، فتلك مصيبةٌ ابتُلي بها عليٌّ(ع) في أصحابه، حتّى تضجَّر منهم في نهاية المطاف، وكان يقول: «ولقد أصبحَتْ الأمم تخاف ظلمَ رُعاتها، وأصبحْتُ أخاف ظلم رَعِيَّتي…. أيُّها الشاهدةُ أبدانهم، الغائبةُ عقولهم، المختلفةُ أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم، صاحبُكم [ويقصد نفسه(ع)] يطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه. لودَدْتُ واللهِ أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ منّي عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم»([20]).

قيادة الأمّة، بين السفهاء والفقهاء

بعد كلِّ الذي حصل منذ وفاة رسول الله(ص) إلى يومنا هذا لا يمكن أن نقول: إنّ أمر الخلافة والإمامة قد استقام لأهله يوماً.

وقد لعب بالحكم والسلطة مَنْ حَرَفَه عن مساره بعيداً جدّاً، وهيهات أن يعود إلى جادَّته بيُسْرٍ وسهولة.

نعم، هي الأهواء والشهوات والآراء تكثر، فتنتشر بين الناس، ويستهويها الكثيرون من أصحاب المصالح والمطامع، ويتمسَّكون بها، ويُلبسونها لباساً دينيّاً ـ في أغلب الأحيان ـ ليُغْروا بها ضعاف النفوس، وذوي الثقافة الدينيّة المحدودة. وهكذا يبدأ السقوط، السقوط في فخّ البِدْعة، تليها الفتنة؛ فإنْ سكت العلماءُ الواعون ـ وهم موجودون في كلّ زمان، وفي كلّ مكان، ولا تخلو الأرض منهم ـ عن البِدْعة كانوا من الملعونين، حيث رُوي عن النبيّ(ص) أنّه قال: «إذا ظهرت البِدَع في أمَّتي فليُظْهر العالِمُ علمَه، فمَنْ لم يفعل فعليه لعنة الله»([21])؛ وإنْ واجهوا ذلك، وحدَّثوا الناس بما يعرفونه، اختلف الناس، وانشقَّت الصفوف، وصولاً إلى الفتنة الكبرى.

الطريق الوحيد للنجاة أن يعود الناس إلى رُشدهم وأحكام دينهم الحنيف، فليس كلّ مَنْ غلب سلطاناً، والإمامةُ لأهلها، و﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾(الأنعام: 124). فلو يعود الناس إلى الالتفاف حول الحاكم الشرعي والقائد البصير، ويُسْلِمون إليه أمورهم، لوفَّروا على أنفسهم كلَّ هذا التَعَب والنَّصَب.

وما أجمل ما عبَّر به أمير المؤمنين(ع) عن كيفية نشوء الفتن، حيث قال: «إنّما بدء وقوع الفتن أهواءٌ تُتَّبَع، وأحكامٌ تُبتَدَع، يُخالف فيها كتاب الله، ويتولّى عليها رجالٌ رجالاً على غير دين الله»([22]).

الحياد في زمن الفِتَن

يقول الإمام(ع): «كُنْ في الفتنة كابن اللَّبون، لا ظهرٌ فيُرْكَب، ولا ضَرْعٌ فيُحْلَب». وابنُ اللَّبون هو وَلَدُ الناقة الذي استكمل السنة الثانية، ودخل في السنة الثالثة. وفي مثل هذا العمر لا يكون قد بلغ من القوّة الجسميّة ما يمكِّن الإنسان من الركوب عليه، وبما أنّه ذَكَرٌ فليس له من الأعضاء (وهو الضَّرْع) ما يمكِّنه من دَرِّ اللبن. وبالتالي فإنّه لا يمكن لأحدٍ أن يستفيد منه. أما الإبل البالغة فإنّ الجميع يستفيد منها، ركوباً أو طعاماً.

وما هدف إليه الإمام(ع) بقوله هذا: «كُنْ في الفتنة كابن اللَّبون، لا ظهرٌ فيُرْكَب، ولا ضَرْعٌ فيُحْلَب»([23]) هو أنّ على المؤمن العاقل من الناس أن لا يكون في الفتنة ـ أي فتنة الباطل، ولا تُسمّى الحربُ فتنةً إلاّ إذا كانت بين باطلَيْن ـ من الضعف والاستكانة بالمحلِّ الذي يجعل كلا الفريقَيْن يستفيدون منه، وليكُنْ كابن اللَّبون، لا يمكن لأحدٍ أن يَفيد منه شيئاً.

وأمّا إذا كانت الحرب بين الحقّ والباطل فلا بُدَّ من تأييد الحقّ ومساندته، ولا يجوز الحيادُ حينئذٍ، فإنَّه خِذلانٌ للحقّ، وإنْ لم يتعنْوَن بعنوان (نصرة الباطل). وقد رُوي عن أمير المؤمنين(ع) أنّه قال في الذين اعتزلوا القتال معه: «خَذَلوا الحقَّ، ولم ينصروا الباطل»([24]).

موقفنا اليوم

الحقُّ بيِّنٌ واضح، والباطل بيِّنٌ واضح، ولا يمتزجان أبداً. والمهمّ أن نحدِّد الآليّة الصحيحة لتمييز الحقّ من الباطل.

الحقّ في القول والفعل والموقف والمبدأ هو ما وافق كتاب الله، وسنّة رسوله، وسنّة الأئمّة الأطهار من بعده. والباطل في ذلك كلّه هو العكس من ذلك، أي ما خالف كتاب الله، وسنّة رسوله، وسنّة الأئمّة الأطهار من بعده.

هل أمكن أو يمكن لمسلمٍ يؤمن بالله وكتابه ورسله واليوم الآخر أن يساوي بين رسول الله وأبي سفيان؟! أو بين عليٍّ ومعاوية؟! أو بين الحسن ومعاوية؟! أو بين الحسين ويزيد؟!

لقد كان الحقُّ واضحاً في ذلك كلِّه، ولا يزال.

الحقُّ واضحٌ في الموقف السلبيّ من الاستكبار والاحتلال والطغاة كائناً مَنْ كانوا، والباطل واضحٌ أيضاً في الوقوف إلى جانب هؤلاء ودعمهم، وشدِّ أزرهم في مواجهة المستضعفين والمحرومين.

إذاً لا يمكن لأحدٍ أن يقول: لقد التبسَتْ عليَّ الأمور، وتشاكَلَتْ عليّ المواقف.

بالتأمُّل والتفكُّر والتدبُّر في كتاب الله، ومواقف النبيّ وأهل بيته(عم)، وسؤال أهل الخِبْرة في هذا المجال، يمكن للمؤمن أن يعرف الحقَّ وأهلَه، كما أنّه يعرف الباطلَ وأهله.

لذلك لا مجال للحياد أبداً، ولا فرصة للمؤمن أن يكون بلا لَوْن، والمهمّ أن يكون بلَوْن الحقّ، لا لَوْن الباطل.

وأمّا في الفِتَن، كما في الصراع بين أهل الباطل على باطلهم، فالمؤمن مدعُوٌّ أن يكون حَذِراً فَطِناً، لا يسمح لأيٍّ من الطرفَيْن باستغلاله. فقد يعجزون عن الاستفادة منه في كلمة تأييدٍ أو دعم، ولكنّهم يلجؤون إلى الاستفادة من سكوته، وهنا يتعيَّن عليه الكلام وبيان أنّ كلا الطَرَفَيْن على باطلٍ، حتّى لو جرَّ عليه ذلك بعضَ المشاكل.

في مواجهة الاستكبار والفِتَن المذهبية

رُوي عن أمير المؤمنين(ع) قوله: «أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ، وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ، لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ، ولم يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عليكُم. لكِنَّكُم تهتُم متاه بني إسرائيلَ. ولعمري ليُضعَّفَنَّ لكُمُ التِّيهُ مِن بعدي أضعافاً، بِما خلَّفتُمُ الحقَّ وراء ظُهُورِكُم، وقطعتُمُ الأدنى، ووصلتُمُ الأبعدَ…»([25]). وهذا الحديث يشير بوضوحٍ إلى ما ذكرناه من خطورة ما جرى من الانحراف عن أهل البيت(عم) بعد وفاة رسول الله(ص)، وتبعات ذلك إلى يومنا هذا.

لقد خلَّفوا الحقَّ وراء ظهورهم، وقطعوا الأدنى، ووصلوا الأبعد.

عليٌّ مع الحقّ، والحقُّ مع عليٍّ، يدور معه حيث دار، إلى يوم القيامة([26])، وقد أقصَوْه عن الحياة العامّة للمسلمين طيلة 25 سنة.

لقد أبعدوا الأقرب إلى النبيّ(ص)، ووارث علمه، وموضع سرِّه.

وقرَّبوا الأبعد، وهم آلُ أبي سفيان، الشجرةُ الملعونة في القرآن، تاركين وصيّة النبيّ(ص) في التعامل معهم، حيث رُوي عنه(ص) أنّه قال: «إذا رأيتُمْ معاوية على منبري فاقتلوه»([27]).

وليس هدفُنا من هذا الحديث نبش التاريخ، ونَكْء الجِراح، وإنّما نحن مدعوُّون اليوم إلى أن نتَّعظ ممّا جرى في التاريخ، لئلاّ نرتكب نفس الخطأ مجدَّداً.

في الموقف من الاستكبار والطغيان والاحتلال لا مجال للمساومة، أو المفاصلة. فالعدوّ الصهيوني عدوُّ الأمّة جمعاء، بل هو عدوّ الإنسانيّة، لقد عاثوا في أوروبا فساداً، فأرادوا الخلاص منهم، فقذفوهم إلى فلسطين.

لذلك عدوّ الأمّة مشخَّصٌ ومعروف، وعلينا أن نواجهه صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص؛ لاستئصاله من الوجود، وهذا هو الهَدَف الأخير للمواجهة، ولا راحة قبل أن يتحقَّق هذا الهَدَف.

وأمّا بالنسبة للاختلافات بين المسلمين فإنّ على جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم أن يتذكَّروا أمر الله لهم بالتعاون على البرّ والتقوى، وإصلاح ذات البَيْن، ولا ينبغي للاختلاف الفكريّ أن يتحوَّل إلى خلافٍ واقتتال.

لذلك فالجميع مدعوٌّ للعمل على رَأْب الصَّدْع ما أمكن، وترسيخ أُسُس الوحدة الإسلاميّة، والوقوف صفّاً واحداً في وجه أيِّ فئةٍ باغية تُصِرُّ على الفتنة والفُرْقة.

الشخصيّةُ الانتفاخيّة ـ دينيّة أو سياسيّة ـ آفَةٌ اجتماعية خطيرة

روُي عن الإمام عليّ(ع) أيضاً أنه قال: «اعرِفْ الحقّ تعرف أهله، واعرِفْ الباطل تعرف أهله». وهناك مقولةٌ مفادها «الحقّ لا يُعرف بالرجال، الرجال تُعرَف بالحقّ».

ولقد أصبح واضحاً ممّا تقدَّم أنّ للحقِّ علاماتٍ يُعرَف بها، كما للباطل علاماتُه أيضاً.

ولذلك لا يخفى حقٌّ أو باطل. المهمّ أن نسعى جادّين للتعرُّف إلى الحقّ والباطل.

وينبغي أن لا نترك المجال لعصبيّةٍ عائليّة أو قوميّة أو دينيّة، مذهبيّة أو طائفيّة، أن تجعلنا نقف مع الظالم في وجه المظلوم؛ لأنّ الظالم من عائلتنا أو قومنا أو ديننا.

الظالم لا دين له إلاّ الظلم، والفاسد لا دين له إلاّ الفساد، وعلينا أن نتعامل معه على هذا الأساس.

أمّا تعظيم الشخصيّات الدينيّة والسياسيّة وجعلها المعيار في معرفة الحقّ والباطل فهو آفَةٌ اجتماعية خطيرة، وقد استشرَتْ في أمّتنا، وهي مكمنُ ضعف هذه الأمّة وتخلُّفها.

لن يصلح حالنا إلاّ إذا توافقنا على مبدأ واحدٍ لا نحيد عنه جميعاً، وهو وصيّةُ أمير المؤمنين(ع) لولدَيْه الحسن والحسين(عما)، وهو على فراش الموت: «كونا للظالم خَصْماً، وللمظلوم عَوْناً»([28]).

معاً لمواجهة الظالم أيّاً كان هذا الظالم، من قومنا أو من غيرهم، من طائفتنا أو من غيرها، ومعاً لنصرة المظلوم، أيّاً كان هذا المظلوم.

بهذا المبدأ نستطيع أن نشكِّل مجتمعاً إنسانيّاً وإسلاميّاً متماسكاً، تحكمه ضوابط واضحة، لا يُظلَم فيه ضعيفٌ؛ لضعفه، ولا ينجو فيه ظالمٌ بظلمه.

**********

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) قال ابنُ عبد البرّ في الاستيعاب 3: 1417 ـ 1418: «وقال عمر إذ دخل الشام، ورأى معاوية: هذا كِسْرى العرب، وكان قد تلقّاه معاوية في موكبٍ عظيم، فلما دنا منه قال له: أنت صاحب الموكب العظيم؟! قال: نعم، يا أمير المؤمنين، قال: مع ما يبلغني من وقوف ذوي الحاجات ببابك؟! قال: مع ما يبلغك من ذلك، قال: ولِمَ تفعل هذا؟! قال: نحن بأرضٍ جواسيس العدوّ بها كثيرة، فيجب أن نظهر من عزّ السلطان ما نرهبهم به؛ فإنْ أمرتني فعلتُ؛ وإنْ نهيتني انتهيتُ، فقال عمر لمعاوية: ما أسألك عن شيء إلاّ تركتني في مثل رواجب الضرس، إنْ كان ما قلتَ حقّاً إنّه لرأي أريب، وإنْ كان باطلاً إنه لخدعة أديب، قال: فمُرْني يا أمير المؤمنين، قال: لا آمرك، ولا أنهاك، فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ما صدر الفتى عمّا أوردته فيه، قال: لحسن مصادره وموارده جشّمناه ما جشّمناه».

([2]) نصر بن مزاحم المنقري، وقعة صِفِّين: 28.

([3]) وقعة صِفِّين: 475.

([4]) رواه البخاري في الصحيح 3: 207، عن إبراهيم بن موسى، عن عبد الوهّاب، عن خالد، عن عكرمة، أن ابن عباس قال له ولعليّ بن عبد الله: ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه، فأتيناه وهو وأخوه في حائطٍ لهما يسقيانه، فلما رآنا جاء فاحتبى، وجلس، فقال: كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمرّ به النبيّ(ص)، ومسح عن رأسه الغبار، وقال: «…».

([5]) وقعة صِفِّين: 476.

([6]) روى نصر بن مزاحم في وقعة صِفِّين: 476 ـ 477 أنّه لما بلغ معاوية خطبة أمير المؤمنين(ع) المتقدِّمة دعا عمرو بن العاص فقال: يا عمرو، إنما هي الليلة حتى يغدو على علينا بالفيصل فما ترى؟ قال: إنّ رجالك لا يقومون لرجاله، ولستَ مثله. هو يقاتلك على أمرٍ وأنت تقاتله على غيره. أنتَ تريد البقاء وهو يريد الفناء. وأهل العراق يخافون منكَ إنْ ظفرتَ بهم، وأهل الشام لا يخافون عليّاً إنْ ظفر بهم. ولكنْ أَلْقِ إليهم أمراً إنْ قبلوه اختلفوا، وإنْ ردُّوه اختلفوا. ادْعُهم إلى كتاب الله حَكَماً فيما بينك وبينهم، فإنّك بالغٌ به حاجتك في القوم، فإنّي لم أزل أؤخِّر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه. فعرف ذلك معاوية، فقال: صدقْتَ.

([7]) كما بالنداء الصادر من جيش معاوية: «يا معشر العرب، الله الله في نسائكم وبناتكم، فمن للروم والأتراك وأهل فارس غداً إذا فنيتم. الله الله في دينكم. هذا كتاب الله بيننا وبينكم». (وقعة صِفِّين: 478).

([8]) حيث قال عليٌّ(ع) بعد أن شاهد المصاحف على رؤوس الرِّماح: «اللهمّ إنّك تعلم أنَّهم ما الكتاب يريدون، فاحكم بيننا وبينهم، إنّك أنت الحَكَم الحقّ المبين». فاختلف أصحاب عليٍّ في الرأي، فطائفة قالت القتال، وطائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب، ولا يحلّ لنا الحرب وقد دُعينا إلى حكم الكتاب. فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت أوزارها. (وقعة صِفِّين: 478 ـ 479).

وفي وقعة صِفِّين: 489 ـ 490: لمّا رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن قال عليّ (ع): «عباد الله، إني أحقُّ مَنْ أجاب إلى كتاب الله، ولكنّ معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب ابن مسلمة وابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن. إني أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالاً، وصحبتهم رجالاً، فكانوا شرَّ أطفالٍ وشرَّ رجال. إنها كلمة حقٍّ يُراد بها باطل. إنّهم، واللهِ، ما رفعوها أنهم يعرفونها ويعملون بها، ولكنّها الخديعة والوهن والمكيدة. أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعةً واحدة، فقد بلغ الحقُ مقطعه، ولم يبقَ إلاّ أن يقطع دابر الذين ظلموا». فجاءه زهاء عشرين ألفاً مقنَّعين في الحديد، شاكّي السلاح، سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودَّت جباههم من السجود، يتقدَّمهم مسعر بن فدكي وزيد بن حصين، وعصابة من القُرّاء الذين صاروا خوارج من بعد، فنادَوْه باسمه، لا بإمرة المؤمنين: يا عليّ، أجِبْ القومَ إلى كتاب الله إذا دُعيت إليه، وإلاّ قتلناكَ كما قتلنا ابنَ عفّان، فواللهِ لنفعلنَّها إنْ لم تُجِبْهُم. فقال لهم: «ويحكم، أنا أوّل مَنْ دعا إلى كتاب الله، وأوّل مَنْ أجاب إليه، وليس يحلّ لي، ولا يسعني في ديني، أن أُدعى إلى كتاب الله فلا أقبله، إنّي إنّما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن؛ فإنهم قد عصَوْا الله في ما أمرهم، ونقضوا عهده، ونبذوا كتابه، ولكنّي قد أعلمتُكم أنّهم قد كادوكم، وأنّهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون».

([9]) نهج البلاغة 1: 104.

([10]) وقعة صِفِّين: 478.

([11]) وقعة صِفِّين: 482.

([12]) وقعة صِفِّين: 481.

([13]) وقعة صِفِّين: 478.

([14]) وقعة صِفِّين: 484.

([15]) رواه الصدوق في معاني الأخبار: 239، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله(ع) أنّه قال: «المسلم مَنْ سلم الناس من يده ولسانه».

وروى أحمد في المسند 6: 21، عن عليّ بن إسحاق، عن عبد الله، عن ليث، عن أبي هانئ الخولاني، عن عمرو بن مالك الجبني، عن فضالة بن عبيد، قال: قال رسول الله(ص) في حجّة الوداع: «ألا أخبركم بالمؤمن، مَنْ أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم مَنْ سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد مَنْ جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر مَنْ هجر الخطايا والذنوب». ونقله الهيثمي في مجمع الزوائد 3: 268، عن البزّار والطبراني في المعجم الكبير، ثم قال: ورجال البزّار ثقاتٌ.

([16]) وقعة صِفِّين: 499.

([17]) وقعة صِفِّين: 545 ـ 546.

([18]) نصر بن مزاحم في وقعة صِفِّين: 500، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال: «لمّا أراد الناس عليّاً على أن يضع حَكَمَيْن قال لهم عليٌّ(ع): إنّ معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحداً هو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص، وإنّه لا يصلح للقرشي إلاّ مثله، فعليكم بعبد الله بن عباس فارْمُوه به، فإنّ عمراً لا يعقد عقدة إلاّ حلَّها عبد الله، ولا يحلّ عقدة إلاّ عقدها، ولا يبرم أمراً إلاّ نقضه، ولا ينقض أمراً إلاّ أبرمه».

([19]) وقعة صِفِّين: 499 ـ 500.

([20]) نهج البلاغة 1: 187 ـ 188.

([21]) رواه الكليني في الكافي 1: 54، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن محمد بن جمهور العَمِي، مرفوعاً.

([22]) نهج البلاغة 1: 99.

([23]) نهج البلاغة 4: 3.

([24]) نهج البلاغة 4: 5.

([25]) نهج البلاغة 2: 79.

([26]) رواه الصدوق في الأمالي: 149 ـ 150، عن أبيه، عن عبد الله بن الحسن المؤدّب، عن أحمد بن عليّ الأصبهاني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن جعفر بن الحسن، عن عبيد الله بن موسى العبسي، عن محمد بن عليّ السلمي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله(ص): «عليٌّ مع الحقّ، والحقّ معه، لا يفترقان حتّى يَرِدَا عليَّ الحوض».

ورواه الخزّاز القمّي في كفاية الأثر: 20 ـ 21، عن أبي الفرج المعافى بن زكريا البغدادي، عن أبي سلمان أحمد بن أبي هراسة، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبد الله بن حمّاد الأنصاري، عن إسماعيل ابن أبي أويس، عن أبيه، عن عبد الحميد الأعرج، عن عطا قال: دخلنا على عبد الله بن عباس وهو عليلٌ بالطائف في العلّة التي توفّي فيها ونحن رهطٌ ثلاثون رجلاً من شيوخ الطائف، وقد ضعف، فسلَّمنا عليه، وجلسنا، فقال لي: يا عطا، مَنْ القوم؟ قلتُ: يا سيدي، هم شيوخ هذا البلد، منهم: عبد الله بن سلمة بن حضرمي الطائفي وعمارة بن أبي الأجلح وثابت بن مالك، فما زلت أعدّ له واحداً بعد واحد، ثم تقدَّموا إليه فقالوا: يا ابن عمّ رسول الله، إنك رأيت رسول الله(ص)، وسمعْتَ منه ما سمعْتَ، فأخبِرْنا عن اختلاف هذه الأمّة؛ فقومٌ قد قدَّموا عليّاً على غيره؛ وقومٌ جعلوه بعد ثلاثة، قال: فتنفَّس ابنُ عباس وقال: سمعتُ رسول الله(ص) يقول: «عليٌّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ، وهو الإمام والخليفة من بعدي، فمَنْ تمسَّك به فاز ونجا، ومن تخلف عنه ضلَّ وغوى…».

([27]) رواه محمد بن سليمان الكوفي في مناقب الإمام أمير المؤمنين(ع) 2: 300، عن عليّ بن رجاء بن صالح القرشي، عن جندل بن والق التغلبي، عن محمد بن بشر العبدي، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله(ص) أنّه قال: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاضربوا رأسه». قال شهاب: أحسبه قال: بالسيف.

وقال الحسن البصري: فلم يفعلوا ولم ينجحوا. (ابن جرير الطبري، المسترشد: 534).

([28]) نهج البلاغة 3: 76.



أكتب تعليقك