تفصيل أعمال العمرة المفردة
سؤال: أختٌ صديقة تريد مرافقة زوجها من قطر إلى السعوديّة (فالزوج لديه عملٌ هناك) وهي تريد (بلا مرشدٍ) الإتيان بعمرةٍ مفردة، فما هو الواجب عليها بشكلٍ مفصَّل؟ أفيدونا مأجورين.
الجواب: إذا كان سفرها برّاً، وكانت تريد دخول الحَرَم مباشرةً، والإتيان بالعمرة فَوْراً، ثمّ بعد ذلك تتفرَّغ لمرافقة زوجها في أعماله، فعليها أن تمرّ على الميقات الذي من جهتهم (ولعلّه قرن المنازل أو ذات عرق) فتحرم منه، أو تحرم من نقطةٍ محاذيةٍ له ويُقال: إن هناك إشاراتٍ في الطريق الدولي تدلّ على نقاط المحاذاة، والمقصود بالمحاذاة أنه لو وقف الحاجّ أو المعتمر مستقبلاً القبلة لكان الميقات إلى يساره أو يمينه، ولو بعيداً
وأما إذا كان السفر بالطائرة إلى جدّة فلا بُدَّ أن تعود إلى أحد المواقيت، وأقربها الجُحْفة، فتحرم منه
وهناك رأيٌ للسيد السيستاني أنه يمكنها أن تحرم قبل الميقات من خلال النَّذْر، بأن تقول مثلاً قبل خروجها من بيتها: ((لله عليّ أن أحرم من منزلي هذا للعمرة المفردة))، فتستطيع حينئذٍ الإحرام من بيتها، ثمّ تقصد الحَرَم، ولا حاجة عندها للمرور على أحد المواقيت، ولكنْ مثل هذا النَّذْر لا يصحّ على رأي السيد فضل الله، إلاّ إذا كان هذا الإحرام أكثر مشقّةً من الإحرام من الميقات
وعلى أيّ حال، هذه وظيفة مَنْ تقصد العمرة فَوْراً؛ وأما إذا أرادت مرافقة زوجها إلى السعودية، وفي آخر الرحلة تأتي بالعمرة، فليست مضطرّةً للإحرام السريع، بل تذهب حيث تريد قبل حدود الحَرَم المكّي (الحَرَم وليس مكّة، والحَرَم أوسع من مكّة، وحدودُه أيضاً واضحةٌ على الطرقات الموصلة إلى مكّة)، وبعد أن تنتهي من أعمالها تذهب إلى أحد المواقيت الأقرب إليها، وتحرم منه
إذن الإحرام إما من الميقات أو من نقطةٍ محاذية أو بالنَّذْر من أيّ مكانٍ قبل الميقات أو محاذيه (على رأي السيد السيستاني فقط). والأمرُ سهلٌ على النساء أكثر من الرجال إذ لا يجب عليهنّ لبس ثيابٍ خاصّة، ولا يحرم عليهنّ التظليل، فلو أحرمَتْ من بيتها، وطال سفرها، فوصلت بعد يومين مثلاً، فحياتها فيهما ستكون شبه طبيعيّةٍ، وإنما يحرم عليها: النقاب والتزيُّن والتطيُّب والنظر في المرآة وإزالة الشعر والظفر ومباشرة الرجال بشهوةٍ، واجتناب هذه الأمور سهلٌ يسير ولو في مدّة يومين أو ثلاثة
وكيفية الإحرام (وسأكتفي بذكر الواجبات، مع الإشارة إلى المستحبّات دون تفصيل) أن
١. تغتسل استحباباً كأيّ غسلٍ،
٢. ثمّ تلبس ثياباً طاهرة، ولا ضرورة للأبيض، ولا للباس الصلاة، بل تبقى في ثيابها المعتادة،
٣. ثمّ تصلي ركعتين استحباباً إذا لم يكن الوقت وقت صلاةٍ واجبة، وإلاّ اكتفَتْ بالصلاة الواجبة؛ إذ المستحبّ إيقاع الإحرام بعد صلاةٍ، واجبة كانت أو مستحبّة
٤. ثمّ تنوي نيّة الإحرام: ((أُحْرِم للعمرة المفردة قربةً إلى الله تعالى))، ولا يشترط التلفُّظ بالنيّة، كما في سائر النيّات، نعم يستحبّ التلفُّظ في نيّة الإحرام، بخلاف باقي النيّات للصلاة والصوم و…
٥. ثمّ تأتي بالتلبية الواجبة، التي ينعقد بها الإحرام كما تنعقد الصلاة بتكبيرة الإحرام، وهذه التلبية هي: ((لبيك اللهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك)). (تلبياتٌ أربع)، هذا هو الواجب، وما زاد عليه فهو مستحبّ، كما هو قول: ((إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك))
بهذه الخطوات الخمسة تصبح محرمةً، ويحرم عليها بعض الأمور، وهي التي ذكَرْناها من قبل
وتتوجَّه إلى الحرم المكّي، وبالتحديد إلى المسجد الحرام، حيث الكعبة المشرَّفة، فتدخل المسجد (طبعاً في كلّ مسيرها ذكرُ الله هو خيرُ الأعمال وأفضلُها، تسبيح تهليل حمد استغفار دعاء قرآن…)
تدخل المسجد فإنْ كانت على وضوءٍ فبها، وإلاّ توضأت، ثمّ تتَّجه نحو الركن الذي فيه الحجر الأسود، وهو معروفٌ. وللمزيد من التحقُّق هناك خطٌّ من الغرانيت الأحمر يمتدّ منه إلى طرف المسجد (المطاف=مكان الطواف)، فهو واضحٌ للجميع، مع وجود ازدحامٍ شديد عنده؛ لأن الناس تقترب من الكعبة هناك؛ طمعاً في ملامسة الحجر الأسود؛ أو للدخول في المسافة التي بين الكعبة ومقام إبراهيم (وهو قبّةٌ من نحاسٍ فيها حجرٌ يُقال: إن إبراهيم وقف عليه لبناء الكعبة، فأثَّرَتْ رجلاه فيه، ولا زال الأثر، المهمّ أنه اليوم في قبّةٍ في مقابل باب الكعبة، على بعد ٦ أمتار تقريباً)، والكلُّ يريد المرور منها، غير أنه لا يجب الدخول منها، بل لا ينبغي للمؤمن ـ ولا سيَّما المؤمنات ـ تعريض النَّفْس للدخول في مثل هذا الزحام الذي لا يخلو من المحذورات الشرعيّة الكثيرة (كدفع الآخرين وإيذائهم ولو عن غير قصدٍ، وكالملامسة الشديدة بين الرجال والنساء، وكالتحرُّك من دون اختيارٍ الذي يجعل هذه المسافة التي يقطعها محمولاً أو مدفوعاً غير محتَسَبة في الطواف،…إلخ) فعلى رأي السيدين السيستاني وفضل الله (بل جماعةٍ من الفقهاء) يجوز الطواف من خارج مقام إبراهيم، ولو بأن يكون الطائف في آخر حلقةٍ من الطائفين حول الكعبة؛ فإنْ قلَّت الحلقات اقترب؛ وإنْ كثرت الحلقات ابتعد. وفي هذه الحلقة الأخيرة، بل قبلها بحلقةٍ أو حلقتين، يمكن الطواف بيُسْرٍ وسهولةٍ وخشوعٍ وتوجُّهٍ قلبي وروحي وإحراز سائر الشروط، كبقاء الكعبة على يسار الطائف. ففي الحلقة الأخيرة يمكن للطائف تتبُّع خطّ بلاط الحَرَم الدائريّ، فيسير على خطٍّ واحد، وهكذا ستكون الكعبة على يساره حَتْماً، ولن ينحرف عنها بتاتاً
على أيّ حالٍ، قبل أن تصل إلى خطّ الغرانيت الأحمر الموازي للحجر الأسود تنوي (وتكفي النيّة في القلب): ((أطوف حول هذا البيت سبعة أشواط للعمرة المفردة قربةً إلى الله تعالى))، ثمّ عندما تصل إلى الخطّ الغرانيت الأحمر ترفع يدها اليمنى وباطن كفِّها الأيمن ناحية البيت، وتقول: ((الله أكبر))، وبذلك يبدأ الشوط الأوّل من الطواف، ومع مسيرها في الحلقة الأخيرة سيكون الأمر سهلاً جدّاً، فتقرأ ما تيسَّر لها من الأدعية التي تحفظها (وهناك أدعيةٌ قصيرةٌ مخصوصة لكلّ شوطٍ يمكنها تحصيلها من الإنترنت وكتابتها على ورقةٍ صغيرة تحملها بيدها)، وهكذا ينتهي الشوط الأوّل بالوصول إلى الخطّ الأحمر، ليبدأ الشوط الثاني، وهكذا الثالث، والرابع…، حتّى السابع (المهمّ أن تحفظ عدد الأشواط؛ لأن الشكّ في العدد يبطل الطواف، ويجب عليها إعادته)، فإذا انتهَتْ من الشوط السابع بالوصول إلى الخطّ الأحمر توجَّهَتْ فَوْراً نحو مقام إبراهيم، واختارت أقرب الأمكنة إليه، بحيث يكون المقام بينها وبين الكعبة، فتتوجَّه إلى الكعبة، ويكون المقام أمامها أيضاً، وتنوي صلاة ركعتَيْ طواف العمرة المفردة قربةً إلى الله تعالى، ثمّ تكبِّر، وتصلّي ركعتين كصلاة الصبح
بعد ذلك ترتاح قليلاً، ثم تنطلق إلى السعي بين الصفا والمروة
فتبدأ من جبل الصفا، تصل إلى أقرب نقطةٍ يسمحون بالوصول إليها، وتنوي: ((أسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط للعمرة المفردة قربةً إلى الله تعالى)) وتبدأ بالمشي تجاه جبل المروة وهذا هو الشوط الأول، وتعود إلى الصفا وهذا هو الشوط الثاني، وهكذا الثالث، والرابع…، وتدعو أثناء المشي بما تيسَّر لها وتحفظه أو تقرأه من أدعيةٍ قصيرةٍ، وينتهي الشوط السابع عند جبل المروة، وبذلك تكون قد أنهَتْ السعي بين الصفا والمروة
تتنحّى جانباً، وتتناول مقصّاً يجب أن تكون قد هيَّأته مسبقاً، وتنوي التقصير من شعرها للإحلال من إحرام العمرة المفردة قربةً إلى الله تعالى، ثمّ تتناول تحت حجابها خصلةً من شعرها، وتقصّ شيئاً منها (طرفها بمقدار ٣ سم فما زاد)(ويجب أن تتولّى هي بنفسها قصّ هذه الخصلة من الشعر، أو تتولّى ذلك امرأةٌ قد أحلَّتْ من إحرامها). وبهذا التقصير تكون قد تحلَّلَتْ من الإحرام، ويحلّ لها كلّ ما حَرُم عليها حين الإحرام (زينة طيب مرآة…)، ما عدا مباشرة الرجال (الزوج) بشهوةٍ (بدءاً من النظر بشهوةٍ إلى الكلام بشهوةٍ إلى اللمس بشهوةٍ إلى العلاقة الخاصّة)، فلا يحل لها ذلك إلاّ بعد طواف النساء (هكذا هو اسمه للرجال والنساء معاً)
ترتاح قليلاً (ويمكنها التأخير إلى وقتٍ بعيد، كمن الليل إلى النهار أو من النهار إلى الليل أو من اليوم إلى غدٍ، ولكنْ لا يحلّ لها مباشرة الزوج بشهوةٍ قبل الإتيان بهذا الطواف)، ثمّ تنوي الإتيان بطواف النساء: ((أطوف سبعة أشواط بهذا البيت طواف النساء قربةً إلى الله تعالى))، وتبدأ الشوط الأوّل من الخطّ الغرانيت الأحمر الموازي للحجر الأسود، كما تقدَّم في طواف العمرة تماماً، وتنتهي بالخطّ الأحمر كذلك بعد سبعة أشواط بالضبط، وتنتقل بعدها فَوْراً إلى خلف مقام إبراهيم، فتصلّي ركعتي طواف النساء قربةً إلى الله تعالى، كما تقدَّم في ركعتَيْ طواف العمرة أيضاً
بهذا الطواف تكون قد أنهَتْ عمرتها المفردة، وأحلَّتْ من إحرامها، وحلّ لها كلّ ما حَرُم عليها من محرَّمات الإحرام
ويمكنها إعادةُ جميع ما تقدَّم كعمرةٍ مفردةٍ جديدةٍ عن نفسها، إذا خرج شهرٌ قمريّ ودخل آخرُ جديدٌ، كأن تكون قد أتَتْ بالعمرة الأولى في آخر يوم من جمادى الثانية، ثمّ دخل رجب، فتأتي في اليوم الأوّل منه بعمرةٍ مفردةٍ جديدةٍ عن نفسها
وأمّا مع بقاء الشهر نفسه فيمكنها الإتيان بعمرةٍ مفردةٍ جديدةٍ نيابةً عن غيرها (أب أمّ أخ أخت زوج ابن ابنة…)، ويمكنها تكرار ذلك بشرط اختلاف الشخص المَنُوب عنه
ولكنْ بما أنها في مكّة لا يلزمها الخروج إلى أحد المواقيت البعيدة، بل تحرم من أدنى الحِلّ، وأقربه التنعيم (مسجد عائشة)، فتأتي بالإحرام، ثمّ الطواف، ثمّ الصلاة، ثمّ السعي، ثمّ التقصير، ثمّ طواف النساء، ثمّ الصلاة….
وتقبَّل الله منا ومنكم ومنها صالح الأعمال ورزقنا وإيّاكم الحجّ والعمرة في عامنا هذا وفي كلّ عام
سؤال: وإذا كان سفرها من قطر إلى مكّة مباشرةً فهل يمكنها أن تحرم من بيتها؟
الجواب: نعم، تقدَّم أنه ـ وفق رأيٍ فقهيٍّ للسيد السيستاني ـ يمكنها أن تحرم قبل الميقات (ولو من بيتها) بالنَّذْر: تنذر أن تحرم من البيت يوم كذا بأن تقول: ((لله عليّ أن أحرم في بيتي يوم كذا))، ففي ذلك اليوم يجب عليها؛ التزاماً بالنذر، أن تحرم من بيتها، فتحرم بالشكل الذي بيَّناه (غسل مستحبّ، ثمّ لبس ثياب طاهرة، ثمّ صلاة واجبة أو مستحبّة، ثمّ نيّة، ثمّ تلبية)
ولكنْ وفق رأيٍ فقيّ آخر للسيد فضل الله يشكل ذلك، إلاّ إذا كان الإحرام بالنذر أشقّ من الإحرام من الميقات