استفتاءات (169 ـ 173)
169ـ أثر الحدث الأصغر أثناء الغُسْل
170ـ النفاس بعد الإجهاض
171ـ حكم المال الزائد في الحساب البنكي
172ـ فتوى تفخيذ الرضيعة في الميزان
173ـ قضاء الحاجات بين الدعاء والسُّنَن الإلهية الطبيعية
(لقراءة الاستفتاءات وأجوبتها)
169ـ أثر الحدث الأصغر أثناء الغُسْل
سؤال: إذا فسد الوضوء أثناء الغسل هل نكمل الغسل أو نعيده (عند السيد فضل الله)؟
الجواب: الحدث الأصغر أثناء الغسل لا يبطل ما مضى من الغسل، بل يمكن إكماله، ولكنْ لا بُدَّ من الوضوء بعده، حتّى لو كان من الأغسال التي تغني عن الوضوء، كغسل الجنابة.
170ـ النفاس بعد الإجهاض
سؤال: في 30 آب أجريتُ عملية كورتاج، وكنتُ في الشهر الرابع من الحمل، وقد مضى عليَّ 13 يوماً، وقد بنيتُ في الفترة الماضية على أنني في استحاضة، ولكن زاد الدم اليوم كأنه دم الدورة، فهل أبقى على الحكم بالاستحاضة أو أحتسبه حيضاً؟ علماً أنه كانت بداية آخر دورةٍ لي في اليوم 13 من الشهر (قد تتقدَّم بيومين وقد تتأخَّر بيومين)، ومدّة الدورة المعتادة 7 أيام، وعندما وصلتُ إلى اليوم العاشر خفّ الدم كثيراً، وانقطع في بعض يومٍ، ثمّ عاد اليوم قوياً.
الجواب: في الكورتاج (الإجهاض) لا بُدّ من التفريق بين كون الولد السقط مكتملاً، ولو صغير الحجم جدّاً وبين كونه غير مكتمل.
وبما أن الإجهاض كان في الشهر الرابع من الحمل فالظاهر أن الجنين يكون مكتملَ الصورة، ولكنْ يكون حجمه صغيراً.
وعليه يصدق على هذا الإجهاض أنه ولادةٌ، فيكون الدم بعده نفاساً.
ولا يزيد النفاس الشرعيّ عن ١٠ أيام.
وحكم النفساء أن تعتبر نفاسها بعدد أيّام حيضها التي كانت من قبل، فإذا كانت دورتها ٧ أيام ـ كما هو مفروض السؤال ـ تعتبر نفاسها ٧ أيّام، لا تصلي فيها ولا تصوم، ثم إذا بقي الدم فمن اليوم الثامن تعتبر نفسها في استحاضةٍ، وليس في نفاسٍ، لمدّة ١٠ أيّام، أي إلى اليوم 17 بعد الولادة.
فإذا استمرّ الدم بعد العشرة ـ الاستحاضة تبقى على حكم الاستحاضة إلى أحد أمرَيْن:
١) أن يأتي وقت عادتها القديمة، فلو كانت دورتها من 13 إلى 20 كلّ شهرٍ فإذا جاء اليوم 13 من الشهر وكان الدم باقياً تبني على أنه حيضٌ إلى ٧ أيّام، فإذا استمرّ الدم فهو استحاضة إلى أن يأتي اليوم 13 من الشهر (إلاّ إذا كان بصفات دم الحيض وبعد مرور 10 أيّام على حيضها السابق)، وهكذا إلى أن ينقطع الدم.
٢) أن ترى الدم بعد الأيام العشرة للاستحاضة بصفات دم الحيض فتبني على حكم الحيض، ولو لم يكن في وقته الذي كان فيه قديماً.
وإذا لم يكن لدورتها عددُ أيّامٍ محدَّد فتبني بعد الولادة (الإجهاض) على حكم النفاس لمدّة ١٠ أيّام كاملة، يليها ١٠ أيّام استحاضة، وبعد هذه العشرة إذا بقي الدم فما كان منه: ١) في فترة الدورة؛ أو ٢) بصفات دم الحيض، فهو حيضٌ، وما عداه فهو استحاضةٌ.
وفي مفروض السؤال:
الدورة ٧ أيام، فالنفاس كذلك ٧ أيام.
وبعد ذلك ١٠ أيام كاملة استحاضة
وكلّ دمٍ بعد اليوم ١٧ إذا كان بصفات دم الحيض فهو حيضٌ، وكذلك هو الدم إذا كان في موعد الدورة القديمة (أو قبله بيومين أو بعده بيومين)، ولكنْ بعد اليوم ١٧، وليس قبلها.
171ـ حكم المال الزائد في الحساب البنكي
سؤال: أودعتُ مالاً في البنك، وهم يعطوننا في آخر العام زيادة بنسبة معيَّنة 2% تقريباً، فهل هذا المال الزائد حلالٌ أو حرام ولا أملكه؟ وهل يمكن أن آخذه وأدفعه إلى الفقراء؟ علماً أنني أستطيع أن أراسل البنك وأطلب عدم وضع أيّ زيادة في الحساب.
الجواب: هذا هو الرِّبا أو الفائدة.
وحكمه من حيث الحلِّية والحرمة مرتبطٌ بالنيّة
فلو اشترط المودع على البنك نسبةً، واعتبرها لازمةً، وكان في نيته أن يحاسب البنك لو تخلَّف عن دفعها، ومن علامات ذلك كثرة النقاش حولها، والمساءلة عنها، والسؤال عن موعد استحقاقها، والتدقيق في الكشوفات للتأكُّد من وجودها، ففي مثل هذه الحال (حال الاشتراط) تعتبر الزيادة ربا محرَّماً، ولا يجوز أخذها، بل يجب ردُّها إلى أصحابها، ومع الجهل بهم يتصدَّق بها عنهم بإذن الحاكم الشرعي
وأما مع عدم الاشتراط، كأنْ تكون النيّة مجرّد حفظ المال، ولا يختار البنك الذي يدفع نسبةً أكبر، ولا يناقش ولا يسائل ولا يطالب، بل حتّى لو لم يدفعوها له فلا يسأل لماذا؟ ففي هذه الحال (حال عدم الاشتراط) لا يحرم أخذ هذه الزيادة، بل تكون كالهديّة، يقدّمها هؤلاء للمُودِع بطيب نفوسهم وكامل رضاهم، ولا إلزام بها من جهة الشرط ونحوه، فهي حلالٌ، ويجوز تملُّكُها وصرفُها، ولا حاجة للتصدُّق بها على الفقراء.
172ـ فتوى تفخيذ الرضيعة في الميزان
سؤال: أُثيرَتْ مؤخَّراً قضيّة فتوى الفقهاء بجواز تفخيذ الرضيعة، والظاهر أنهم فعلاً يقولون بالجواز، ويستنكر ذلك جماعةٌ استنكاراً شديداً، فهل لديكم جواب مقنع على جواز تزويج الرضيعة نستطيع به إسكات القريب والبعيد معاً؟
الجواب: لا تعدو المسألة أن تكون زوبعةً في فنجان؛
فالمأنوس بلغة الفقهاء يعرف قصدهم.
مثالٌ تقريبي:
بعد عقد الزواج مباشرةً تكون فترةٌ تُسمّى فترة الخطوبة (قبل الانتقال للبيت الزوجيّ)، لا يُسْمَح فيها عُرْفاً للزوجين بالجماع، دون سائر الاستمتاعات، فلو أن العريس أقنع العروس وجامعها، فما هو حكمهما شرعاً؟ هل هما زانيان؟
يفتي الفقهاء بأن لا شيء عليهما، رغم إتيانهما لقبيحٍ عُرْفاً؛ لأنهما زوجان، ويحلّ لهما كافّة الاستمتاعات.
نعود إلى موضع الكلام:
ما داموا يؤمنون بصحّة العقد على الرضيعة، ويتولاه وليُّها،
فالرضيعة بعد العقد زوجةٌ حقيقية.
عُرْفاً يقبح الاستمتاع بها؛ إذ مثلُها لا يُشتهى من العقلاء الأسوياء،
لكنْ لو أن زوجاً (مريضاً) اشتهى، ففعل ما دون الجماع، فما هو حكمه؟
الكلامُ هنا كالكلام هناك،
لا شيءَ عليه؛ لأنهما زوجان.
فليست فتوى الفقهاء تشجيعاً، ولا إقراراً طبيعيّاً، بل هي لبيان أنه لم يرتكب إحدى المحرَّمات الكبيرة.
173ـ قضاء الحاجات بين الدعاء والسُّنَن الإلهية الطبيعية
سؤال: كيف تفهمون ما ينقل من قصص و تجارب كثيرة لغير المسلمين، سواء من أتباع الأديان الكتابية أو الأرضية، كالهندوس، من استجابة الدعاء في معابدهم وكنائسهم وبالتوسُّل بالسيدة مريم، بل عبر التمسُّح بفضلات الأبقار وتناول شيء منها وما شابه. وتتشابه تجاربهم تماماً مع تجارب وقصص المسلمين. أرجو الإفادة مع جزيل الشكر.
الجواب: أعتقد بحصول الوَهْم في ذلك كلّه.
فهُمْ، كما المسلمون، جميعهم يدعون ويتوسَّلون و… وفي نفس الوقت يسعون وفق السُّنَن الإلهيّة، فمثلاً: يدعون بالشفاء وهم في طور العلاج الطبّي، كذلك يتناولون التربة الحسينية وهم يتناولون الأدوية الطبّية المقرَّرة، فيكون الشفاء أو… وفق السُّنَن، ولكنهم يتصوَّرون أنه وفق الإعجاز والكرامة و…
كما يمكن أن يكون هناك تأثيرٌ روحيّ، ولا سيَّما في الأمراض النفسية، فعندما يشكو من همٍّ أو غمٍّ أو كآبةٍ أو… فهذه علاجُها ذاتيّ نفسيّ، أي بتحكُّم المريض في مشاعره وعواطفه وتفاعلاته. هو لا يفعل ذلك بدايةً، لكنْ عندما يذهب للضريح أو المقام أو…، ويتوسَّل بحرقةٍ، ويدعو ويلحّ في الدعاء، تتكوَّن لديه هذه الرغبة الجامحة والنيّة الصادقة في التغيير، ما يؤثِّر تلقائياً على تحكُّمه في عواطفه ومشاعره وتفاعلاته، فتحلّ مشكلته بسرعةٍ؛ للانقلاب الذاتيّ النفسيّ الداخليّ الذي حصل، وليس على نحو الإعجاز. كان الأمر يتطلَّب عزماً، لكنه لم يتوفَّر، والدعاءُ وَفَّرَه، فانحلَّتْ المشكلة. والله العالم.
سؤال: أليس من الصعوبة أن نعدّ كلّ هؤلاء، وفيهم مسيحيون وهندوس ومسلمون، متوهِّمين؟! وهناك حالاتٌ لا علاج لها ويشفون منها.
الجواب: الوَهْم شاملٌ وسريع، وقلَّما يخلو منه إنسانٌ.
لكنّه شديدٌ؛ وضعيف، وقليلٌ؛ وكثير.
وليس من حالةٍ لا علاج لها نهائياً، ولكنْ قد يكون علاجها بالعَزْم الذي أشَرْنا إليه، وهو ما يهمله الأطباء عادةً.
وما يُنْقَل من حوادث شفاء من أمراض مستعصية في بعض البلدان فهو قصص وحكايا لا تُعْرَف تفاصيلُها، وخباياها أكثر من ظواهرها، ولا يمكن التثبُّت من صدقها وصحّتها.
سؤال: لكن هناك بعض القصص سمعناها من أصحابها مباشرةً، كقصّة الشيخ الوائلي وابنته التي دخل الزجاج في عينها، فالشيخ يقول: انتشر الزجاج في عين ابنته ومزَّق الشبكيّة والأطباء أخبروه أن لا علاج إلاّ للتجميل.
الجواب: أعيد ما ذكرتُه سابقاً، فهؤلاء لا ينقطعون عن العلاج.
بل حتّى لو انقطعوا فبعضُ الأمراض تحتاج وقتاً فقط. وعبارة (لا دواء لها) يقولها الطبيب من باب أنها لا تحتاج لدواء، فلن أكتب لكم شيئاً، وعلينا الانتظار، ولكنّ المريض وقريبه المتلهِّف لشفائه (والمتلهِّف كضعيف البصر لا يرى بوضوحٍ، وربما كان كالأعمى فلا يرى كالمعتاد) لا يقف مكتوفَ اليدين، فيتحرَّك في كلّ الاتجاهات، وبعد مدّةٍ يتمّ الشفاء متقارناً مع زيارةٍ أو دعاءٍ أو منامٍ، فيقول: هذا هو السبب، والحقيقة أنه ليس كذلك.
سؤال: ألا تؤمنون بتأثير الدعاء؟
الجواب: نؤمن بيقينٍ، وحَتْماً هو مؤثِّرٌ، ولكنْ في طول السُّنَن، وليس في عرضها.
يعني بلا دواء لا شفاء؛ وبلا عمل لا مال.
لو دعا آلاف الساعات وهو في بيته لن يأتيه المال في سلّةٍ من السماء.
لكنْ يدعو، ويخرج لطَلَب الرزق، وهنا يتجلّى أثر الدعاء بالتيسير الإلهيّ والعون الإلهيّ والهداية الإلهيّة، فيعمل وينجح في عمله، فينال مالاً وفيراً، ويصير له سمعة طيِّبة، ويكثر عمله، وتتحسَّن أحواله.
ليس الدعاء وحده هو السبب، بل هو جزءٌ مساعِدٌ ومهمّ، ولكنْ لا بُدَّ من بقية الأجزاء، وأهمّها: العمل.
فلو كان العمل وغاب الدعاء قد يحصل المال؛
ولكنْ لو كان الدعاء وغاب العمل فقطعاً لا مال.
فالدعاء جزءٌ مساعِدٌ ومهمّ، ولكنه ليس رُكْناً؛ بخلاف العمل، فهو ركنٌ، لا نتيجة من دونه.



