29 سبتمبر 2025
التصنيف : استفتاءات
لا تعليقات
344 مشاهدة

استفتاءات (174 ـ 178)

174ـ النصيحة للزوجين حال انعدام المشاعر بينهما     

175ـ تعليقٌ على مقالنا (الشهيد الثاني رمز الوحدة الإسلامية)     

176ـ وقت الخسوف ومعرفة أول الشهر     

177ـ كيف صار تأذّي النبيّ(ص) أعظم من تأذّي الأنبياء جميعاً؟       

178 العلاقة بين العلم والدين والحياة

(لقراءة الاستفتاءات وأجوبتها)

174ـ النصيحة للزوجين حال انعدام المشاعر بينهما     

سؤال: قول الإمام عليّ: (رغبتُكَ في زاهدٍ فيك حَمَقٌ) هل هو في العلاقات العامة، وليس في العلاقات الخاصة، كالزواج ونحوه؟ وما هي نصيحتكم لشابٍّ تقول له خطيبته: إنه ليس لها مشاعر تجاهه، وكرَّرَتْ ذلك أكثر من مرّةٍ، وكأنّها في حالة ضياعٍ وعدم تركيز، وقد استشار عالمَ دينٍ وقال له: أكمِلْ في العلاقة، واجعَلْ علاقتك جيّدةً مع أهلها، ولا تكلِّمها بكلام حبٍّ وتودُّد، ودَعْ الأمور تخرج منها، ويبقى وجهك أبيض.

الجواب: كلام أمير المؤمنين مطلقٌ شاملٌ لكلّ أنواع العلاقات، العامّة والخاصّة.

وهو لا يمنع أو يحرِّم الرغبة في زاهدٍ، وإنما يبيِّن أن النتيجة هي الخسارة.

وهذا أمرٌ واضح يعرفه مَنْ جرَّبوا علاقاتٍ من هذا القبيل.

فالزاهدُ الحقيقي الواقعي بالعلاقة، عامّة أو خاصّة، لن يعطي ولن يبذل ولن يضحي و… في حين أن الراغب بها سيفعل ذلك كلّه، وستكون النتيجة تضحية وتفاني مقابل إهمال وعدم مبالاة وعدم تقدير وعدم احترام، بل ربما وصلت إلى الجحود، وأسوأ منه حيث يتصوَّر أن هذا العطاء لما يمثله هو من قيمةٍ لا نظير لها، فتتضخَّم الأنا، وتسود النرجسيّة، وهي قاتلةٌ لأيّ علاقةٍ.

نعم، هذا كلّه مع كون الزهد حقيقياً وراسخاً، أي بعد تفكير وتمحيص توصل أحد الطرفين إلى قناعة كهذه، أن الطرف الآخر أقلّ وربما لا شيء.

ولكنْ في بعض الحالات يكون أحد الطرفين في حالة ضياعٍ أو حيرةٍ حقيقية؛ لأسباب شتّى، فهنا لا يمكن تصنيفه في دائرة الزاهدين؛ إذ يمكن استنقاذه من حيرته بشيءٍ من النصائح، ولا سيَّما من المقرَّبين له الذين يستمع لهم، فيتبصَّر في أمره، ويسلك السبيل العقلائيّ المعتاد والمتعارف، وهو تقوية العلاقة مع كلّ الناس، ومنهم: الخاطب، فيبدأ بمراكمة المشاعر والعواطف المستندة إلى العقل، وهكذا تصبح العلاقة متينةً، ويزداد التعلُّق، وينتفي أيّ حديثٍ عن الزهد في العلاقة.

فإذا كان الأمر كذلك فليحصل العمل الجادّ على الإصلاح وإعادة الأمور إلى طبيعتها؛

وأما إذا كان الأمر كما ذكَرْنا أوّلاً، زهد مستقرّ ثابت بقناعةٍ تامّة، فالأفضل بل المتعيِّن إنهاء هذه العلاقة تماماً، وبكلّ محبّةٍ ورحمةٍ؛ لأن مستقبل هذه العلاقة هو التصدُّع ولو بعد حينٍ، مع خسارةٍ كبيرة لكلا الطرفين، وربما خسَّروا معهم آخرين، كالأطفال، فالمتعيِّن عقلاً وشرعاً وأخلاقاً إنهاء هذه العلاقة، والله يُبْدِل كلاًّ منهما مَنْ يقدِّره ويحترمه ويحبّه ويراه كلّ شيء (يراه الكفؤ والنظير)، وبغير هذه النظرة لا نجاح لزواجٍ، ولا لأيّ علاقةٍ أخرى، كصداقةٍ أو زمالةٍ في عملٍ أو…

وأما نصيحة عالم الدين فلم أفهَمْها جيِّداً.

وهل سيسوِّد وجهه لو رفض الاستمرار في علاقةٍ كهذه؟

أبداً، حقُّه، كما هو حقُّها، أن لا يرتبط إلاّ بمَنْ يقدِّره بل يقدِّسه إذا وجده.

وما دامَتْ قد عبَّرَتْ له عن زهدها وعدم مَيْلها وانعدام مشاعرها فمن حقِّه الفكاك منها.

يبقى الحديث عن محاولةٍ أخيرةٍ للإصلاح إذا كان ممكناً.

نعم، يستعين بأهلها، إمّا علانيةً أو سرّاً، على نطاقٍ ضيّق أو واسع، المهمّ أن يحدِّد حقيقة ما قالَتْه؛

فإذا كان تعبيراً جادّاً عن قناعةٍ راسخة فالانفصالُ أفضل، وبأسرع وقتٍ؛

وإنْ كان مجرّد كلام يعكس الحيرة والتردُّد فليحاول الإصلاح، ولكنْ ضمن خطّةٍ محدَّدة البداية والمجريات والنهاية (يعني في مدّةٍ زمنيّة محدّدة)؛ فإنْ تمّ الإصلاح وظهرَتْ آثارُه فبها؛ وإلاّ فالانفصال هو الخيار الأنسب والاسلم. والمهمّ أن لا يُقْدِم على الزواج (النقلة) قبل اتِّضاح الصورة تماماً، وبشكلٍ لا يكون معه أيّ لبسٍ أو شكٍّ.

سؤال: بعد محاولةٍ للإصلاح تبيَّن أن الفتاة في حالة ضياعٍ من حيث المشاعر، وكأنها خائفةٌ وقلقة، وتريد التجربة فعسى ولعلّ المشاعر تتولَّد وتنمو شيئاً فشيئاً، وتكمل المشوار، وهي جادّةٌ في ذلك، ولكنّها لا تَعِدُ بشيءٍ في مدّةٍ محدَّدة، بل تريد التجربة في مدّةٍ مفتوحة؛ أملاً في صلاح الحال، فهل تنصحون بمنحها مثل هذا الوقت غير المحدَّد؟

الجواب: مشكلةٌ كبيرةٌ أن لا تكون مشاعر الحبّ والمودّة والرحمة جيّاشةً بين الزوجين.

قد يكون لذلك أسباب واضحة، كأن يكون أحدهما تفاجأ بالعلاقة، وهو لم يستوعِبْ بَعْدُ ما حصل؛ أو يكون هناك بعض المزعجات المانعات من الانسجام والانغماس في العلاقة، كالسفر و… وفي مثل هذه الحال يمكن الانتظار أو إزالة المزعجات والمنفِّرات، وربما تزول المشكلة بسرعةٍ، ولا تترك أيّ أثرٍ سلبيّ مستقبلاً.

ولكنْ قد تكون هناك مؤثِّرات أخرى، كبعض الأمراض البدنية أو النفسية التي تحول دون تولُّد هذه المشاعر. وهذه الأمراض كثيرةٌ، ومنها: الوسوسة في النظافة، ومنها: عدم الانجذاب العاطفيّ والجسديّ إلى الجنس الآخر، وهو ما يدفع بالبعض ـ بعد تكرُّر ذلك ـ إلى ادِّعاء خطأ هويّتهم الجنسيّة، وأنهم في الواقع ليسوا على ما هي عليه صورتُهم، بل هم من الجنس الآخر واقعاً، وبعضهم يسعى للتحوُّل، وبعضهم يسكت على مضضٍ، ويصبر حتى يأتي أمر الله، ولكنّ هذا لا يعني أن المشكلة قد حُلَّتْ، وإنما هو صبرٌ وتحمُّلٌ للمشكلة، ومحاولةٌ للتعايش معها، رغم قسوتها ومرارتها.

وقد لا تكون الأسباب واضحةً، كما لو كان هناك لقاءٌ وتعارفٌ لمدّةٍ مقبولة بين الطرفين، كأنْ يكونا زميلي دراسة أو عمل أو جيران أو… ومع ذلك عندما يبدأ المشوار بالطُّلْبة الرسميّة يليها العقد يظهر انعدام المشاعر أو قلَّتها.

وفي كلا القسمين الأخيرين (المرض والسبب غير الواضح) تكون المشكلة أكبر وأخطر، ولا ننصح بتجاوزها بسرعةٍ وخِفّة؛

فالشفاءُ من بعض الأمراض البدنية والنفسية ليس سهلاً، إنْ لم نقُلْ: إنه غير ممكنٍ، وإنما تطول مدّة العلاج، وفي النهاية تبقى آثاره ولو خفيفةً. فمثلاً: المريض بالوسوسة في النجاسة لا يخرج منها تماماً مهما تلقّى من علاج، ومهما طالت المدّة، فتبقى بعضُ الآثار ولكنّها أهون وأخفّ منها قبل العلاج. ولكنْ في الزواج مثل هذه الآثار قد تؤدّي إلى فشله، ولو بعد حين؛ فالزواج قائمٌ على المودّة والرحمة، ولا رحمةَ دون حُبٍّ لا أيّ حُبٍّ بل الحُبّ الذي يصل إلى درجة حُبّ الولد لأهله، هذا إذا لم يمكن الوصول به إلى مستوى حُبّ الأهل لأولادهم، فبهذا الحُبّ يرحم، وبهذا الحُبّ يرأف، وبهذا الحُبّ يعطف، وبهذا الحُبّ يحسن العشرة بالمعروف وزيادة، وبهذا الحُبّ يتحمَّل الصعاب، وبهذا الحُبّ يصبر عليه مريضاً أو فقيراً أو مسافراً أو مزعجاً، بل ربما مؤذياً، خطأً أو عمداً، بهذا الحُبّ يغفر له سيّئاته التي هي موجودةٌ حتماً، ولكنْ تقلّ وتكثر؛

وكذلك حين لا يكون هناك سببٌ واضح فالمشاعر بين الزوجين لا تُصنَع بعقلٍ، بل هي كينابيع الماء من شأنها أن تتفجَّر بلا قصدٍ وإرادةٍ، وتتدفَّق لتملأ الحياة فرحاً وبهجةً وسكينةً واستقراراً نفسيّاً وعافيةً بدنيّة ونفسيّة. هذه هي حقيقة المشاعر وواقعها التكوينيّ، وكلُّ ما عدا ذلك مشاعر مصطنعة، بالكاد تحفظ صورة الزواج، ولكن بلا روحٍ وبلا معنى. قد لا يكون من السهل الحصول على النوع الأوّل من المشاعر، ولكن هذا لا يبيح عدم السعي لها، إذا كان ذلك ممكناً ومتاحاً. ومهما كان الطموح في هذه الموارد فهو مشروعٌ ولازم.

ومن هنا نقول:

لا بُدَّ من دراسة الحالة بدقّةٍ؛

فقد يكون الانتظار مفيداً، وحينها لا فَرْق بين تحديد مدّةٍ وغيره، وإنْ كان من إيجابيّات تحديد المدّة الإيحاء لكلا الطرفين بجِدِّية الأمر، ولزوم التوصُّل إلى حَلٍّ للمشكلة في أقرب فرصةٍ، بعيداً عن الاسترخاء والإهمال وتصوُّر أن المدة هي العمر في مداه الواسع، فما لم يحصل اليوم يحصل غداً أو بعد غدٍ أو بعد سنةٍ أو سنتين أو عشر سنين، فهذا ليس حلاًّ، بل هو تعايشٌ مع المشكلة. ومن المهمّ في فترة الانتظار تعاون جميع الأطراف: الزوجان وأهلهما؛ للوصول إلى نتيجةٍ مرضية؛

وفي المقابل، قد لا يكون هناك أيُّ فائدةٍ من الانتظار، كما في حالات المرض، فكما تقدَّم لا شفاء بالكامل، ولا حَلَّ بلا شفاء، بل حتّى لو تمَّ الشفاء بعد طول علاجٍ يكون الحَلّ قد جاء متأخِّراً جدّاً، وربما تكون مشاكل كثيرةٌ قد تولَّدَتْ في هذه الفترة، فتُحَلّ المشكلة الأساس لتبقى المشاكل الأخرى قائمةً، وهكذا ينقضي العمر في البحث عن حلول.

وكذلك هو الأمر في حالة عدم وضوح السبب، فهنا يكون الانتظار بلا أُفُق؛ إذ هذه الحالة (انعدام المشاعر) خلاف الطبيعة، وخلاف المتعارف، بل هي من أغرب ما قد يكون في العلاقة والتواصل بين الجنسين. ولذلك الانتظار هاهنا أشبهُ بالمغامرة غير الآمنة، وقلَّما تكون نتائجها سليمةً ومُرْضيةً.

الخلاصة:

١ـ المطلوب والواجب دراسةٌ دقيقة ومتأنِّية للحالة.

٢ـ تشخيص نوعها.

٣ـ اتِّخاذ القرار في الفرصة السانحة، وبعد ذلك قد لا تعود الفرصة مؤاتيةً.

وفي الختام نسأل الله التوفيق والهداية لجميع الأزواج لما فيه الخير والصلاح.

175ـ تعليق على مقالنا (الشهيد الثاني رمز الوحدة الإسلامية)     

سؤال: مَنْ هو قاضي صيدا الذي وَشَى به وأوغر عليه؟ ومَنْ كان الحاكم آنذاك؟ لم يُذْكَر المصدر عن قتله وقاتله؟ وفي زمان أيّ دولةٍ؟ ومَنْ هو  ملك الروم؟ وما هو موقف القضاة والفقهاء آنذاك خصوصاً أنه كان محبوباً وتقاربياً؟ وهل وردت ترجمته في مصادر التاريخ والتراجم غير الشيعية؟

الجواب: نذكِّر بأن مقالنا: ((الشهيد الثاني رمزٌ للوحدة بين المسلمين)) متوفِّرٌ على الرابط التالي: https://dohaini.com/?p=2140

وأما المصدر فهو كتاب (أعيان الشيعة)، للسيد محسن الأمين، ولم يتوسَّعْ في ذكر التفاصيل.

سؤال: حسب بحثكم هل توجد مصادر أخرى غير شيعية كتبَتْ عن هذا الفقيه الكبير الذي ذكرتم أنه كان محبوباً ووحدوياً وتتلمذ ودرس وأجاز وأجيز من غير الشيعة؟ هل يعقل هكذا يتمّ اغتياله دون رقيب أو حسيب أو تبربر أو تسويغ؟ ثم إنه كان شخصاً معروفاً، لماذا سكت القضاة والفقهاء والمشايخ والأعيان؟ وأين أولاده وعائلته وجماعته الشيعة؟

الجواب: الظاهر أن اختلاف الرأي؛

مضافاً إلى كونه من المُلاحَقين،

يمنعان الكثيرَ من الكتابة عنه، وتأريخ حياته، وبيان اتصالهم به.

حتّى أقرباؤه ومريدوه لا يَسَعُهم فعلَ شيءٍ.

هذا هو معنى الاضطهاد لجماعةٍ، وليس لفردٍ،

فالجماعة كلُّها مقموعةٌ بالترهيب،

نسأل الله العفو والعافية.

خاطرةٌ للتاريخ:

عندما توفِّي السيّد فضل الله حوزةُ النَّجَف كلُّها، بقضِّها وقضيضِها، لم يصدر عنها بيانُ نَعْيٍ أو تأبينٍ، ولو من أصاغر الطلاب، ولو من حُوَيْزاتٍ ومعاهد صغيرة، الكلُّ واجمٌ ساكتٌ خائفٌ من يد البَطْش في المال والمركز والإقامة و….

وفي حوزة قُمْ لم يسمحوا بإقامة فاتحةٍ عن روحه في المسجد الأعظم، واقتصر الأمرُ على مجالس في مكتبه (ولولا الحياء لطلبوا غلق الأبواب؛ كي لا يكون هناك أيّ مظهرٍ للعزاء).

الزمنُ هو الزمن، رأيناه بأعيننا فنصدِّق ما يُقال.

176ـ وقت الخسوف ومعرفة أول الشهر     

سؤال: المعروف أن الخسوف يكون في ليلة ١٥ من الشهر القمري، فكيف حصل الخسوف مساء الأحد وليلة الاثنين ٨ أيلول ٢٠٢٥، وهو اليوم ١٦ من الشهر (على بعض المباني)، وليلته هي ليلة ١٦، وليس ١٥؟ فهل معلوماتُنا صحيحةٌ أو لا؟

الجواب: بالنسبة للخسوف قد يكون في ليلة ١٤، وليس في ليلة ١٥ تماماً.

ومع ذلك لا ننسى أنه بدأ في كثيرٍ من البلدان الغربيّة والنهار لا زال موجوداً ما يعني أنه حصل في اليوم الخامس عشر، وقبل دخول الليلة ١٦، وهذا ممكنٌ، ويحتسب لصالح ١٥، وليس ١٦.

177ـ كيف صار تأذّي النبيّ(ص) أعظم من تأذّي الأنبياء جميعاً؟       

سؤال: قال رسول الله(ص): ((ما أُوذي نبيٌّ مثل ما أوذيت)). ومن خلال سيرة جميع الأنبياء(عم) نقرأ أنهم تعرَّضوا جميعاً للأذى من قومهم، وقد كان هذا الأذى جسديّاً ومعنويّاً، ونالهم جميعاً (إبراهيم, نوح, هود, صالح, يحي الذي صُلب وقُطع رأسه…). ونعلم كذلك أن رسول الله(ص) قد تعرّض لشتّى أنواع الأذى (النفسي والجسدي)، ولكن ما الذي يميِّزه عن غيره حتّى وصل عليه الصلاة والسلام إلى قول هذا الحديث؟ فجميعهم لاقوا شتّى أنواع الأذى!

الجواب: نستذكره عظيماً في صبره على الأذى، حتّى قال صلوات الله وسلامه عليه: ((ما أوذي نبيٌّ مثل ما أوذيت))، رغم أن كلّ الأنبياء أوذوا في الله تبارك وتعالى، وكانت أذيتهم عظيمة، وقد وصل الأمر ببعضهم إلى أن يضعوه في المنجنيق ويرموه في النار، كإبراهيم: >حرِّقوه وانصروا آلهتكم<، فأيُّ أذىً أكبر من هذا الأذى؟!

لكنّ رسول الله(ص) يقول: ((ما أوذي نبيٌّ مثل ما أوذيت))؛ إبراهيم أوذي بأن ألقي في النار، لكنّ هذا الأمر حدث معه مرّةً واحدة، أما رسول الله ففي كلّ يومٍ يؤذى في سبيل الله، في كلّ يومٍ يسمع الشتيمة، في كلّ يومٍ يلقى الأذى، في كلّ يومٍ يُضْرَب، في كلّ يومٍ تُلقَى عليه الحجارة والأوساخ.

نعم، كان الأذى يوميّاً، ومن الأقربين: وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً.

ربما حدث لإبراهيم ما حدث من قومه: >قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ<؛ لكنّ النبيّ(ص) كان يسمع من عمِّه أبي لهب الكلام المؤذي، حتّى نزلت سورةٌ؛ لشدّة أذى أبي لهب؛ ولشدّة الظلم الذي عاناه النبيّ(ص) منه، واللهُ تبارك وتعالى كأنه نصر نبيَّه بأن أنزل سورةً في أبي لهب على نحو الخصوص: >تبَّتْ يدا أبي لَهَبٍ وتب…<.

لقد أوذي غيرُه أيضاً، وربما كانت بعض الإيذاءات أو الأضرار أو العذابات التي يتلقّونها كثيرة أو كبيرة وشديدة؛ لكن رسول الله على نحو المجموع، وطيلة فترة بقائه في مكّة 13 سنة، كان يتلقّى العذاب تلو العذاب، وشتّى أنواع العذاب: العذاب الجسدي؛ والعذاب النفسي.

ولم يكن هذا العذاب لنفسه فقط، فالأنبياء السابقون كانوا يلاحقونهم فإذا وصلوا إليهم اكتفوا بهم، لكن رسول الله(ص) كانوا يلاحقون أتباعه وأنصاره، وهو الشفيق والرحيم والحريص على حماية جماعة المسلمين، فكان يتألَّم لذلك ألماً كثيراً.

لقد أوذي حتّى من الأقربين، وبطريقة مزعجة جدّاً، تصوَّر أنه كان يمشي في مكّة يقول للناس: ((قولوا لا إله إلا الله تفلحوا))، في دعوةٍ سلمية للإسلام والإيمان، وهذا حقُّه أن يقول ما يشاء، ويدعو إلى ما يريد، ولم يجبر أحداً على شيء، فإذا به يلحقه أحدُ أقاربه (عمُّه)، ويردِّد بعده: ((لا تصدِّقوا ابنَ أخي هذا؛ فإنه كذّاب)). وكأني برسول الله(ص) يتساءل: ماذا تريد منّي؟ اذهَبْ فقُلْ ما شئتَ، فأنت تدعو لعبادة هبل واللات ومناة…، وأنتَ حُرٌّ في ما تدعو إليه، ولكنْ أنا أيضاً حُرٌّ في ما أدعو إليه، فأنا أقول، وأنت قُلْ، وأما أن تهاجمني وتشهِّر بي فهذا أذىً نفسيٌّ. ولعله لم يقع بهذه الكثرة والشدّة مع الأنبياء السابقين.

ومن هنا كان أذاه(ص) أكبر من أذى الأنبياء السابقين، وهذا هو معنى ((ما أوذي نبيٌّ كما أوذي رسول الله(ص) )).

178ـ العلاقة بين العلم والدين والحياة       

سؤال: يقول  الدعاء: ((ربِّ أصلح لي ديني؛ فإنه عصمة أمري))، ما معنى هذا القول؟ وما علاقة العلم بالدين؟

الجواب: الإنسان المؤمن يسأل الله أن يصلح له دينه الذي ارتضاه له، أي أن يجعله من الصالحين المستقيمين على جادّة الشريعة الإسلامية؛ فإن هذه الاستقامة هي التي تعصمه في حياته، وهي التي تجعل أمره كلَّه في هذه الحياة أمراً حسناً ومقبولاً وجيّداً.

وأما علاقة العلم بالدين فإنه لا تنافي بينهما، وإنما هما يتكاملان؛ فلا دين بلا علم؛ ولا علم بلا دين؛ فـ >اقرأ< هو مفتتح الرسالة الإسلامية، وهي تدعو إلى العلم والمعرفة. 



أكتب تعليقك