استفتاءات (164 ـ 168)
164ـ الحلّ عند انعدام التكافؤ بين المعسكرين
165ـ حال سند دعاء الافتتاح
166ـ حال سند زيارة الناحية المقدَّسة
167ـ جواز استعمال الأمر في الدعاء!
168ـ سنّ اليأس في قراءةٍ علميّة موجَزة
(لقراءة الاستفتاءات وأجوبتها)
164ـ الحلّ عند انعدام التكافؤ بين المعسكرين
عندما انعدم التكافؤ بين المعسكرَيْن، واتَّضح ذلك لكلّ ذي عينَيْن
عاد الحسين ليعلن قبوله بالعودة إلى المدينة أو الذهاب في أرض الله العريضة، بل بالذهاب إلى يزيد والحديث معه، وأيّ حديث كان سينتهي بالبيعة الاضطراريّة، كما حصل مع أبيه وأخيه
لكنّ ابن زياد رفض، وأصرّ على رضوخٍ ونزولٍ عند حكمه، يعني يبايع الحسينُ يزيد، ثمّ يرى فيه ابنُ زياد رأيه؛ فقد يُبْقيه؛ وقد يقتله بعد البيعة. هذا ما اعتبره الحسينُ ذِلّةً لا يقبل بها، ويُفضِّل السِّلَّة والموت عليها
التاريخ لا بُدَّ أن يُقرأ جيِّداً جيِّداً
165ـ حال سند دعاء الافتتاح
سؤال: في كتب الأدعية لا يذكرون لدعاء الافتتاح سنداً، بل ينقلونه عن الإمام المهديّ(عج)، فما هي حقيقة إسناده؟
الجواب: بالنسبة إلى دعاء الافتتاح فقد ذُكر له سندٌ، وإنْ لم تذكره بشكلٍ صريح كلّ كتب الأدعية والزيارات
غير أن هذا السند
١ـ يعتريه بعض الإجمال والإبهام
٢ـ في رجاله مَنْ لم يوثَّق، ولم يضعَّف، فهو مجهول الحال، بل رُبَما يكون مجهول الهويّة عند الرجاليين
ومن خلال ما ذكروه عن مصدر الدعاء فهو منقولٌ عن كتابٍ لأحد السفراء الأربعة، وهناك مشكلةٌ عامّة للأحاديث التي تُؤخَذ من الكتب، وليس بالمشافهة، وهي أنه لا بُدَّ من التحقُّق من نسبة تلك النسخة من الكتاب التي أُخذ منها الحديث إلى صاحبها؛ إذ قد تكون مزوَّرةً ومنسوبةً إليه كذباً وزوراً، فلا بُدَّ من قرائن تؤكِّد صدق وصحّة النسبة
وعليه، فمثل هذا السند لا يورث الطمأنينة بصدور هذا الدعاء من المعصوم
166ـ حال سند زيارة الناحية المقدَّسة
سؤال: ما هو مدى ثبوت زيارة الإمام الحسين المعروفة بزيارة الناحية المقدَّسة؛ إذ تتضمَّن عبارات بليغة وجميلة، وكأنّه يصف جهاد الإمام الحسين وصفَ فقيهٍ: «وواجهوك بالظلم والعدوان، فجاهدتهم بعد الإيعاز لهم، وتأكيد الحجّة عليهم، فنكثوا ذمامك وبيعتك، وأسخطوا ربَّك وجدَّك، وبدأوك بالحرب، فثبتَّ للطعن والضرب، وطحنتَ جنود الفجّار، واقتحمت قسطل الغبار، مجالداً بذي الفقار، كأنك عليّ المختار»؟
الجواب: هذا المقطع من الزيارة المعروفة بزيارة الناحية المقدَّسة
ورغم جمال مضمونها، وتناسق ألفاظها، فإنه ليس لهذه الزيارة سندٌ معروف، وبالتالي لا يمكن الجزم أو الاطمئنان بصدورها عن المعصوم، فهي بحسب ما ذكر الشيخ المفيد مرويّةٌ، وكأنه يشير إلى وجود سندٍ لها كروايةٍ عن المعصوم، ولكنْ مَنْ هم رجال هذا السند؟ لم يذكرهم الشيخ المفيد، ولا مَنْ بعده، كالسيد المرتضى والسيد ابن طاووس وغيرهما، وصولاً إلى العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار
وعليه، حتى لو قبلنا قول الشيخ المفيد بأنها من الروايات، أي المنسوبة والمتصلة بالمعصوم، فليس بمقدورنا التحقُّق من حال رواتها فرداً فرداً؛ لنرى هل هم ثقاتٌ عدولٌ أم لا؟
وأما عمل العلماء بها أو ذكرها ضمن الزيارات في كتبهم فلا يفيد في المقام؛ إذ قد يكون ذلك لأهدافٍ أخرى، غير الإيمان بها، أو لتسامحٍ منهم في هذه المستحبّات
والخلاصة: ألفاظٌ بليغة، ومضمونٌ جيّد، ولكنْ لا يصحّ نسبتها على نحو الجَزْم إلى المعصوم، بل يحتمل أن تكون له
وبما أن الزيارة تصحّ ولو بالمخترع من القول، كما لو قال: «حبيبي يا حسين سلامُ ربّي وصلواتُ إلهي عليكَ وعلى أولادك وأصحابك»، فهذه زيارةٌ تصحّ ويُثاب عليها ويوفى بها نذرُ الزيارة، بناءً على ذلك يصحّ زيارته بهذه الزيارة محتملة الصدور، ويجوز قراءة المقاطع الخالية من أيّ مضمونٍ مشكلٍ عَقْديّاً أو عقليّاً أو شرعيّاً
167ـ جواز استعمال الأمر في الدعاء!
سؤال: نحن نقول: اللهمّ صلٍّ على محمد وآل محمد. كيف يصلّي الله على رسوله؟ ولماذا دائماً عندما نطلب شيئاً من الله نستعمل صيغة الأمر، مثل: اغفر لي؛ ارحمني؛ وهكذا، أليس هذا سوءَ أدبٍ مع الله؟
الجواب: الأمر يستعمل في أصله من العالي إلى الداني، ولكنْ يصحّ ويجوز استعماله من الداني إلى العالي، ويكون دعاءً؛ أو من المساوي لمساويه، فيكون التماساً
ويكون الغرض المسوِّغ لهذا الاستعمال أن السائل واثقٌ من الإجابة لمعرفته وعقيدته الراسخة بكرم المسؤول، فهو لا يشكّ في أن الطلب سيتحقّق فكأن السؤال حينئذٍ بمنزلة الأمر (النافذ قطعاً)، وإنْ لم يكن كذلك واقعاً
وأمّا صلاة الله على رسوله فبتسكين فؤاده، وإعلاء درجته، وزيادة علمه، وبعثه مقاماً محموداً، إلى آخر ما تقتضيه الصلة مع الله
168ـ سنّ اليأس في قراءةٍ علميّة موجَزة
سؤال: أبلغ من العمر ٥٦ سنة، وقد انقطع عنّي دم الحيض منذ ٣ سنوات، لم أرَ فيها أيّ دمٍ على الإطلاق، وقد مرَّ عليَّ يومان، وأنا أرى بعض الدم القليل البنّي، فهل هذا حيضٌ أو استحاضةٌ أو ماذا؟ وهل يستلزم الغسل أو الوضوء؟
الجواب: اشتهر بين الفقهاء أن سنّ اليأس للنساء يختلف بين صنفين منهم:
١ـ خمسون سنة قمريّة (هجريّة) لغير القرشيّة والنبطيّة
٢ ستّون سنة قمريّة للقرشيّة والنبطيّة
وهذا التفريق هو مدلولُ بعض الروايات عن أئمّة أهل البيت(عم)، وقد اعتمدها بعض الفقهاء في استدلالهم
ولكنْ اليوم لم تعُدْ أغلبُ النساء، كما الرجال، يعرفون شجرة نسبهم، وهل ينتسبون إلى قريش أو لا؟ وعليه سيكون الأمر مشكلاً جدّاً من هذه الناحية
كما أننا نفهم من تفريق الإمام(ع) بين القرشيّة وغيرها أنه محاولةٌ لفت نظرٍ إلى الاختلاف بين النساء في ذلك، وأن المسألة ليست على شكلٍ واحد فيهنّ جميعاً
فكما أن اختلاف القرشيّات في التكوين الجسديّ والنفسيّ قد يؤدّي إلى التفريق بـ ١٠ سنوات كاملات، فكذلك قد تختلف النساء (القرشيّات والنبطيّات وغيرهنّ) فيما بينهنّ بأشهر أو سنةٍ أو سنتين أو سنواتٍ
وكما أن الاحتلام للرجال، وكذلك بداية الحيض للنساء، ليس له سنٌّ دقيق محدَّد، بل هو أمرٌ تكوينيّ يختلف بين الأفراد، فكذلك هو سنّ اليأس، يختلف من امرأةٍ لأخرى، ولكلّ واحدةٍ من النساء يأسُها الخاصّ بها
ومعنى اليأس هو أن ينقطع دم الحيض (المعروف والمتكرِّر وفق توقيتٍ معيَّنٍ ولو غير دقيقٍ تماماً) انقطاعاً غير مألوفٍ ومعتادٍ، ويكون سبب هذا الانقطاع هو كِبَر السِّنّ، وليس شيئاً آخر، كالمرض أو الحمل أو الحالة النفسيّة أو…
فإذا حصل ذلك فقد بلغَتْ هذه المرأةُ سنَّ اليأس، وليس من الضروريّ أن تشبه أمَّها أو أختها أو بنات عائلتها أو قريتها أو قبيلتها أو…
وإذا بلغت سنّ اليأس، وانقطعت دورتها (المعروفة والمحدَّدة)، فلن تحيض بعدها، أي لن يكون لأيّ دمٍ تراه بعد ذلك حكم الحيض
فمهما رأَتْ من دمٍ فهو إما استحاضة (يستلزم العمل بأحكام الاستحاضة على أنواعها الثلاثة) أو دم جروحٍ أو قروحٍ (مع احتمال ذلك، ولا يلزم منه شيءٌ سوى تطهير الموضع)، ولكنه في الأحوال كلِّها ليس دم حيضٍ، ولا تترتَّب عليه أحكامه
نعم، الروايات عن الإمام(ع) كانت في مقام بيان السنّ التقريبيّ الذي يحصل اليأس عنده (٥٠ سنة)، أو قريباً منه (أقلّ أو أكثر بسنةٍ أو سنتين)، تماماً كما كان تحديد سنّ الخامسة عشر لبلوغ الصبيان، حيث يكون الاحتلام قبله بقليلٍ، وكما كان تحديد سنّ التاسعة لبلوغ البنات، حيث كان الحيض عنده أو قبله في تلك الأزمان ـ وليس هو كذلك اليوم، بل هو ١٣ سنة، وعادةً ما تحيض قبلها بقليلٍ، والمدار على بدء الحيض، وليس على السنّ، فالسنّ مجرَّد علامة توضيحية تقريبية إرشادية توجيهيّة مساعِدة لا غير
وإن الانقطاع لأشهرٍ، فضلاً عن سنةٍ أو سنواتٍ، كما هو مفروض السؤال (3 سنوات)، يعني أنها قد يئسَتْ من المحيض، وبلغَتْ سنّ اليأس قَطْعاً وجَزْماً. وعليه، كلُّ ما تراه من الدم، في أيّ وقتٍ، وبأيّ وصفٍ ومقدارٍ، لن يكون له حكم الحيض، بل إمّا أن يكون له حكم الاستحاضة أو حكم دم الجروح والقروح
وبما أن الاستحاضة والحيض مترابطان، فالاستحاضة هي الحالة غير الطبيعية من الحيض، أو هي الحيض غير الطبيعيّ
وبما أن الحيض قد انقطع نهائياً، وقد صارت المرأة يائساً من المحيض
فلا معنى للقول بأنها في استحاضةٍ، وعليها ترتيب آثارها
وإنَّما هي دماء أو سوائل أو موادّ يفرزها الجهاز التناسليّ، الذي قد يتعرَّض في هذه السنّ (وبسبب انقطاع دم الحيض والاستحاضة) لكثيرٍ من التغيُّرات، التي ينتج عنها خروجُ قليلٍ من الدم، كما ذُكِر في السؤال
فهذا دمُ جروحٍ وقروحٍ، ولا يجب فيه سوى غسل الموضع الخارجيّ الذي أصابَتْه هذه النجاسة (الدم)، وتبقى على صلاتها وصيامها وسائر الواجبات



