2 أكتوبر 2025
التصنيف : استفتاءات
لا تعليقات
441 مشاهدة

استفتاءات (179 ـ 183)

179ـ العذاب وفق العلم والعمل معاً

180ـ انقلاب الخلّ إلى خمر أو العكس

181ـ التقليد بين الفرض والإقناع

182ـ فرحة الزهراء(ع) بين متطرِّفَيْن

183ـ حكم المقاطعة لبضائع الدول الاستكبارية

(لقراءة الاستفتاءات وأجوبتها) 

179ـ العذاب وفق العلم والعمل معاً       

سؤال: هل الله سبحانه يعذِّبني حَسْب علمي بالدِّين أو حَسْب تطبيقي؟

الجواب: يعذِّب الله الإنسانَ بحسب الاثنين معاً؛ حيث ورد أنه يؤتى بالإنسان يوم القيامة ولم يعمل صالحاً، فيُقال له: لِمَ لم تعمل؟ فيُقول: لم أعلَمْ، فيُقال: هلاّ تعلَّمْتَ. فلا حجّة لأحدٍ بأن يقول: لم أعمل لأني لم أعلم، بل لا بُدَّ من أن يعلم أوّلاً، وأن يعمل بما عَلِمَ، ويحاسبه اللهُ على الاثنين معاً.

 

180ـ انقلاب الخلّ إلى خمر أو العكس       

سؤال: السنة الماضية وضعتُ بعض العنب في إناء وغطّيته بقماش رقيق، بحيث يتسرب الهواء الى الداخل، والقصد صناعة الخلّ، ولكني تركته سنة كاملة، فقيل لي: إنه ولمرور هذا الوقت الطويل لا يجوز تناوله؛ كونه يصير مسكرًا. كنت أعتقد أن عملية التحول إلى المسكر تتمّ في المرحلة الأولى من التخمير، وليس بعد هذا الوقت الطويل، فهل هذا الخلّ أصبح خمرًا لمرور هذه المدّة الطويلة؟

الجواب: ليس عندي خبرةٌ بالخلّ وتحوُّله إلى نبيذٍ، وكذا العكس،

ولا بُدَّ من سؤال مَنْ يعرف حقيقة السائل، من خلال اللون أو المذاق، فسرعان ما يحدِّد طبيعته.

والمدارُ في الحرمة والحلِّية على الوصف الفعليّ الواقعيّ الذي هو عليه الآن، مهما كان قد تحوَّل قبل ذلك.

181ـ التقليد بين الفرض والإقناع       

سؤال: يزعم بعض المعمَّمين أنه لا يجوز للمؤمن المقلِّد طلب أيّ دليلٍ من المجتهد والمرجع، فهذا ليس من اختصاصه، ولا يحقّ له مناقشة رجال الدين، فما رأيكم؟

الجواب: إنه يهرف بما لا يعرف.

بلى، وألف بلى، حقُّ المكلَّف العامّي الجاهل على العالم أن يعلِّمه ويفهِّمه ويفقِّهه في الدين؛

ومَنْ لا يريد ذلك فعلى العوام العقلاء المحترمين لعقولهم أن يهجروه ويقاطعوه.

182ـ فرحة الزهراء(ع) بين متطرِّفَيْن       

سؤال: يزعم بعضهم أن يوم التاسع من شهر الربيع الأوّل قد وقع بين فَكَّيْ التطرُّف من الموافق والمخالف؛ فالموافق تجاوز حدود التقيّة وبدّل هذا اليوم الشريف إلى مناسبة لهوٍ ولعبٍ ولَعْنٍ علنيّ وسبابٍ سوقيّ؛ والمخالف نفى وجود عيدٍ في هذا اليوم وضرب الأحاديث وأقوال كبار علماء الطائفة الإمامية عرض الحائط، من غير دليلٍ، سوى ردّة فعلٍ على سلوك المتطرّف الموافق، مضافًا إلى مزاجه الشخصي الذي أبعده عن روح البراءة الواجبة. فهل من تعليقٍ؟

الجواب: لقد أفَضْنا في تحقيق أمر هذا اليوم في مقالتنا بعنوان: ((يوم فرحة الزهراء(عا)، قراءةٌ نقديّة))، على الرابط التالي: https://dohaini.com/?p=2162

وأما إذا صار التحقيق والنقد العلمي للروايات، سنداً ومضموناً، من التطرُّف فعلى الإسلام السلام، وما أكثر المتطرِّفين، من أمثال: السيد الخوئي و…، بعيداً عن علماء آخرين، بعضهم وَرَثة المدرسة الأخبارية، وبعضهم يتساهلون في المستحبّات لحديث مَنْ بلغ (رغم الإشكالات الكثيرة عليه). ونسأل الله العفو والعافية.

183ـ حكم المقاطعة لبضائع الدول الاستكبارية       

سؤال: هل يجب الاستجابة لفتوى مقاطعة بعض البضائع الأمريكية وغيرها بحجّة أن شيئاً من مردودها يعود للإدارة الأمريكية أو لإسرائيل، وهما تعتديان على الشعوب الإسلامية؟

الجواب: هذه المسألة لها نظائرها، قديماً وحديثاً، وليست بالمسألة الجديدة أو المستحدثة؛

فقد حصل هذا الأمر مع النبيّ(ص) في معركة خيبر، حيث حرَّم ومنع أكل لحوم الحمير الأهلية؛

وكذلك حصل مع بعض العلماء السابقين في فترةٍ زمنية قريبة، كما في ثورة التنباك، التي أُعلن فيها تحريم استعمال التُّتُن والتنباك، واعتباره بمثابة محاربة صاحب العصر والزمان(عج).

هذه الأحكام لا تُسمّى فتاوى، وإنما هي أحكام ولائية، فلا يستطيع الفقيه مثلاً أن يجعلها في رسالته العملية، وإنما هو حكمٌ يصدره الفقيه الجامع للشرائط، بمقتضى ولايته العامة على الأمة (إذا ثبتت مثل هذه الولاية)، وهدفُ مثل هذا الحكم هو الوصول إلى ما به مصلحة الأمة ككيانٍ اجتماعيّ واحد.

فرسولُ الله(ص)، لا بمقتضى نبوّته ورسالته وكونه مشرِّعاً عن الله تبارك وتعالى، بل بمقتضى ولايته على ذاك المجتمع، حرَّم أكل لحوم الحمير الأهلية حتّى يبقى لأفراد الجيش الإسلامي ما يركبونه في طريق العودة من خيبر إلى المدينة المنوّرة.

والسيّد الشيرازي حرَّم استعمال التُّتُن والتنباك لأجل الضغط على السلطة القائمة آنذاك لإلغاء الاتفاقية الاقتصادية المُذلّة التي منحت امتيازاً شاملاً لزراعة وتجارة التبغ في إيران لشركةٍ بريطانية حَصْراً.

والكلامُ نفسه يأتي هاهنا:

عندما يريد الفقيه، أيّ فقيهٍ جامعٍ للشرائط ويؤمن بالولاية العامّة لنفسه على الأمّة، أن يصدر حكماً فلا بُدَّ أن يتحرك نظره في عدّه اتجاهات:

الاتجاه الأوّل: كم هم المؤمنون بهذه النظرية (نظرية ولاية الفقيه العامة)، والذين سيلتزمون بحكمه؛ تبعاً لإيمانهم والتزامهم بصحّة وصوابيّة هذه النظرية؟

الاتجاه الثاني: كم هي المنافع والفوائد المتوخّاة من وراء مثل هذا الحكم؟ هل هي أكثر وأكبر من الأضرار التي قد تنتج عنه؛ إذ لكلّ حكمٍ فوائده ومضارّه، فلا بُدّ من دراسةٍ دقيقةٍ عميقةٍ، وحقيقيةٍ واقعيةٍ، لتأثيرات مثل هذا الحكم، وفي كلّ البلاد الإسلامية، حيث يصل حكمه، وينتشر رأيه، ويمكن أن يجد مَنْ يناصره ويلتزم معه. فإذا كانت المنافع أكبر كان الحكم صائباً؛ وإذا كانت المضارّ أكبر كان الحكم خاطئاً.

إذن لا بُدّ من دراسة الفوائد، هل هي موجودة؟ وما هو مستواها؟

إذ قد يُتوهَّم أحياناً وجود فوائد، ويتبيَّن فيما بعد أنه لا فوائد على الإطلاق، كما لو حكم أحدُهم مثلاً بتعطيل الحجّ، ظانّاً أنه بذلك يضغط على حكومة تلك البلاد، وإدارة تلك العتبات المقدّسة، والواقع أن كل إيرادات الحجّ ليست شيئاً مهمّاً لتلك الحكومة والإدارة، وإنما أغلب هذه الإيرادات ـ ولا سيَّما في نظام الحجّ القديم، حيث يتولّى الحاج الصرف على نفسه في المسكن والمأكل والمشرب والنقليات ـ يستفيد منها أهل مكة وما حولها، دون السلطة الحاكمة، وبالتالي قلّة الحجيج أو كثرتهم تؤثّران على أهل مكة، لا على الحكومة. ومع وجود الثروة النفطية أصبح كلّ إيراد الحجّ لا يساوي قيمة المستخرجات النفطية في يومٍ أو يومين أو ثلاث، أي هو أمرٌ بسيط لا قيمة له، ولا أثر له سواء حصل الحجّ أو لم يحصل، فهنا يكون الحكم بتعطيل الحجّ بلا فائدةٍ ومنفعة على الإطلاق.

وقد تكون الفوائد موجودةً بالفعل، ولكنْ من ناحيةٍ أخرى هناك ضَرَرٌ كبير، حيث يلزم مراعاة أن لا  ينجرّ الأمر من سلعةٍ إلى سلعةٍ إلى سلعةٍ، بحيث يعود المسلمون والمجتمعات الإسلامية إلى العصر الحَجَريّ؛ لانعدام الزراعة والصناعة عندهم أو كونها زراعةً وصناعةً بدائية، وبعد صدور الحكم لا يستطيعون الاستفادة من أيّ سلعٍ خارجية هم أحوج ما يكونون إليها في حياتهم اليومية، فتتعطل أسواقهم ومصالحهم وحياتهم، ويتراجعون عشرات بل مئات السنين؛ بسبب مثل هذا الحكم.

الاتجاه الثالث، الذي ينبغي التركيز عليه أيضاً: ردّة الفعل من قِبَل المستَهْدَفين بمثل هذا الحكم؛ إذ لكلّ فعلٍ ردّة فعلٍ، ولن يسكت المُقاطَعون المُحارَبون عن ذلك، وسيسعون لمقاطعةٍ ومحاربةٍ بطريقتهم، وقد تتمثَّل بالحصار الكامل، لا تشتري منّي هذه السلعة فأنا لن أبيعك أيّ سلعةٍ، فهنا قد يؤدّي الحكم، من حيث يشعر أو لا يشعر المسلم بل الفقيه أحياناً، إلى أن يقع المسلمون في ورطة الحصار المحكم، ويصبح خروجهم منها صعباً جدّاً.

ورُبَما تتجلى ردّة الفعل في طرد أبناء الجاليات الإسلامية من البلاد التي يستهدفها هذا الحكم، مع أن وجودهم هناك فيه من المنافع ما لا يُعَدّ ولا يُحصى، وهو واضحٌ لكلّ ذي عينٍ وبصيرةٍ.

إذن، لا بُدَّ من دراسة الأمر من جميع جوانبه: أوّلاً: مدى امتداد سلطة الفقيه وقدرته وحضوره وبسط يده ووجود ملتزمين بكلامه. ثانياً: مقدار المنفعة المرجوّة والمحصّلة ومقايستها بالضَّرَر الذي قد ينتج. ثالثاً: الانتباه إلى ردّات الفعل التي قد تحصل.

وأيُّ خطأٍ في هذه الدراسات قد يقودنا إلى كارثةٍ؛ إذ قد تكون كثير من المعامل أو الشركات التي تتولّى مثل هذه الصناعات أو تستوردها تضمّ عمّالاً كثراً من المسلمين، فإذا توقَّفت هذه المصانع توقّف هؤلاء عن العمل، وصارت أُسَرُهم بلا معيل، وازداد وضع المسلمين سوءاً على سوءٍ. وهنا لا بُدَّ أن يكون الحاكم قد خطَّط لتدارك مثل هذا الأمر في حال حصوله.

حين يتمّ الالتفات إلى جميع هذه الأمور فمثل هذا الحكم معروفٌ في الشريعة، يتولاّه حاكم المسلمين العامّ، وقد يؤتي ثمارَه المرجوّة منه، ولكنْ في حال الغفلة عن أيٍّ من هذه الجهات فإن الفائدة المرجوّة ستنعدم حتماً، وسيكون هناك ضَرَرٌ كبير وخطير على المجتمع بتمامه.

لذلك أنا أدعو إلى أن تكون مثل هذه الأحكام، في حال الرغبة في إصدار شيءٍ منها، أن تكون بإشراف جمعٍ من الفقهاء البارزين الذين لديهم مقلِّدون، فيتفقون فيما بينهم على إصدار (حُكْم)، وليس على نحو الفتوى ـ وهذا أيضاً لا بُدَّ من الإشارة إليه وتثقيف الناس به، أنه ليس على نحو الفتوى، ولذلك ليس لها ثباتٌ ودوامٌ واستمرارٌ، وإنما هو حكمٌ مؤقَّتٌ لفترةٍ بحَسَب المصلحة، ويشخِّصها ويحدِّدها الفقهاء ـ، فيصدرون حكماً، بصيغةٍ قويّة صادمة، كحكم ثورة التنباك بأن ((استعمال التُّتُن بمثابة محاربة صاحب العصر والزمان))، وليس بصيغة ((استعمالُ التُّتُن حرامٌ). فإذا كان هؤلاء الفقهاء على استعدادٍ لمثل هذا الحكم، إذا تلاقَوْا وتباحثوا وتضامنوا واتّحدوا، واتّفقوا على ثبوت الولاية العامّة للفقيه، وأن لهم الحقّ في ذلك، وأن لديهم من المقلِّدين ما يستطيعون معه أن يحقِّقوا الفائدة المرجوّة، وأنه بعد دراسةٍ تخصُّصيةٍ دقيقةٍ لما قد يحصل من ردود فعلٍ من هنا أو هناك تبيَّن أنه لا ضَرَر ولا مجالَ لردّةِ فعلٍ قويّة و…، فحينئذٍ يصدرون هذا الحكم الجامع، والذي يكون ملزماً لجميع مقلِّديهم من شرق الأرض إلى غربها.

أما أن يخرج فقيهٌ ليفعل ذلك فهذا قد لا يكون فيه مصلحةٌ، وهذا قد يرتدّ سَلْباً على المجتمع ككُلٍّ، ولا سيَّما إذا لم يُجَارِهِ في هذا الأمر فقهاءُ آخرون، بل دغدغوا في حكمه، وأوعزوا إلى مقلِّديهم وأتباعهم وأنصارهم بأن لا يطبِّقوا الحكمَ؛ لأيّ سببٍ كان، فسيفقد الحكم فاعليَّته، ولن يحقِّق مبتغاه، وقد يؤدّي ذلك إلى تضعيف هَيْبة الحكم في القلوب، بحيث لو صدر حكمٌ في المستقبل أو تقرَّر أن يصدر حكمٌ في المستقبل، ولو عن جَمْعٍ من الفقهاء، قد لا يبقى لهذا الحكم هَيْبته التي عرفها المسلمون من قبلُ، مع علماء كُثُر، وفي مراحل متعدِّدة.

وأتخطَّر في هذا المقام ما حصل مع سيِّدنا الأستاذ السيّد المرجع محمد حسين فضل الله(ر) في أواخر التسعينات، حيث دعا ـ بصفته الفقهيّة ـ إلى مقاطعة المنتوجات الأمريكيّة، وعلى رأسها مشروب (بيبسي كولا)، سمّاها بالاسم في إحدى خُطَب الجمعة، لكنْ تبيَّن بعد ذلك أن أغلب الذين يعملون في معمل البيبسي في بيروت هم من العمّال المسلمين الشيعة؛ ومضافاً إلى هذا الأمر فإن جهاتٍ حزبيّةً متظاهرةً بعدائها للأمريكيّ والإسرائيليّ أصرَّتْ على عدم المقاطعة؛ نتيجة ما كان قد حصل في تلك الفترة من تباعدٍ في الرأي الفقهيّ وفي الخيار المرجعيّ بينها وبين السيّد فضل الله(ر)، فكان مشروب (بيبسي كولا) هو المشروب الرسميّ والحاضر دائماً في كافّة إفطارات شهر رمضان الخاصّة بهم، في حين كان الحكم لا زال قائماً غَضّاً طَرِيّاً، وبذلك سقط الحكم عَمَلانيّاً، ولم يحقِّقْ الهَدَفَ منه.



أكتب تعليقك