الصواب في تاريخ ولادة أمّ الأئمة الأطياب
للأسف الشديد ليس هناك تواريخ محدَّدة بالضبط لكثيرٍ من الحوادث التاريخية، ومنها: ولادة مولاتنا فاطمة الزهراء(عا).
والصحيح عندنا أنها وُلدَتْ وقريش تبني البيت، أي الكعبة، وقد حصل ذلك قبل بعثة النبيّ(ص) بخمس سنوات.
وإنْ كان المعروف والمشهور عند الإماميّة أنّها(عا) وُلدَتْ في 20 جمادى الثانية بعد البعثة النبويّة الشريفة.
وقد ذُكر في بعض المصادر التاريخية أنّها(عا) أصغرُ بنات النبيّ(ص)، الذي كان له من البنات أربع، وهُنَّ: زينب، ورقيّة، وأمّ كلثوم، وفاطمة.
بناتُ النبيّ(ص) أم ربائبه؟
يحاول البعض جاهداً إثبات أنّ مولاتنا فاطمة الزهراء(عا) هي البنت الوحيدة للنبيّ الأكرم والخاتَم محمد(ص)، ويختلفون في تحديد هويّة البنات الثلاثة الأُخَر؛ فيقول البعض: هُنَّ أولاد زوجته خديجة؛ ويقول آخرون: إنَّهُنَّ بنات أخت أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد، وتُدعى «هالة».
ولكنَّ هذه الأقوال برُمَّتها لا تخلو من الخطأ والاشتباه، وعدم الانسجام مع مجريات التاريخ، والنصّ القرآنيّ القاطع، ويشتمّ منها رائحة العصبيّة المذهبيّة، بعيداً عن التحقيق الكافي، والبحث العلميّ الرصين.
ففي حين ينفون كونهُنَّ بناتاً له(ص) يقبلون أنّه زوَّجَ اثنتين منهُنَّ لـ «عثمان بن عفّان»، واحدةً بعد أخرى، علماً أنّه جاء في كتب التراث الحديثيّ أنّه أساء معاملة الأولى، وهي رقيّة، حتّى ماتت من جرّاء ضربه لها، وزوَّجه النبيّ(ص) بعد ذلك أمَّ كلثوم، ولُقِّب لأجل ذلك بـ «ذي النُّورَيْن». والتحقيقُ في هذا الأمر موكولٌ إلى محلِّه.
فهل نُجِلُّ النبيَّ الأكرم محمّداً(ص) عن تزويج بناته من «عثمان»، ونرضى منه أن يزوِّج بنات زوجته من هذا الرجل ذو التعامل السيِّئ مع زوجاته؟!
ويغلو البعض أكثر، فينفي أن يكُنَّ بنات خديجة، وإنّما هُنَّ بنات أختها هالة، في محاولةٍ منه لتنزيه رحِم خديجة من الحَمْل بغير فاطمة الزهراء(عا).
وهنا يكون الإشكال أكبر من سابقه؛ فإنّ ما يحِلُّ للمرء بالزواج من النساء النظرُ إلى بنات الزوجة، ويُسمَّيْنَ «الربائب»، قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ… وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ…﴾ (النساء: 23)، وأمّا بنات أخت الزوجة فلا يحلّ للزوج أن ينظر إليهنَّ، ولا يحرُم عليه الزواج بهنَّ. وعليه فكيف حَلَّ للنبيِّ(ص) أن يتعاطى مع هؤلاء البنات تعاطيه مع محارمه من النساء؟!
ولكنَّ الصحيح أنَّهُنَّ جميعاً بنات النبيّ(ص) من زوجته خديجة، ويدلُّنا على ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ﴾ (الأحزاب: 59)، حيث إنّ مقتضى العطف التغاير، فيكون للنبيّ(ص)؛ بمقتضى هذه الآية الكريمة أزواجٌ؛ وبناتٌ. ولا يعني بهنَّ نساء المؤمنين ـ اعتماداً على أنّ النبيّ أبو أمّته ـ؛ لأنّه عاد فذكر هؤلاء بعنوانٍ مستقلّ. كما أنّه لا تصحّ نسبة بنات الزوجة أو بنات أخت الزوجة إلى الزوج، فذلك خلاف ما أمر الله تعالى به، حيث يقول: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ﴾ (الأحزاب: 4 ـ 5)، وهي واضحةٌ في المنع عن نسبة الربيب أو الربيبة إلى النَّفْس، ولزوم نسبته إلى أبيه الذي تولَّد منه.
الولادة الميمونة
والمعروف أنّ بناته الثلاثة الأُوَل وُلدْنَ قبل البعثة. أمّا مولاتنا فاطمة الزهراء(عا) فالمشهور عند السنّة أنّها وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، والمشهور عند الشيعة أنّها وُلدت بعد البعثة بخمس سنين.
ولكنَّ القول بولادتها بعد البعثة بخمس سنين بعيدٌ؛ لعدّة وجوه:
1ـ إنّها ستكون قد وُلدت وعمر خديجة ـ كما هو المشهور ـ 60 سنة، فهل يمكن أن تحمل وتلد وهي بهذا العمر؟!
قد يُقال بإمكان ذلك؛ وقد يُقال بأنّ عمرها كان أصغر من ذلك لأنّ النبيّ تزوَّجها وهي بعمر 25 سنة، وليس في سنّ الأربعين، كما هو معروفٌ.
2ـ إنّه بناءً على هذا القول ستكون(عا) قد تزوَّجت من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) وهي في سنّ التاسعة من عمرها. وهذا بعيدٌ؛ إذ لم يكن هذا متعارَفاً في الزواج. والشاهدُ على ذلك أنّ أمير المؤمنين(ع) لمّا خطب إليه الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب ابنته أمَّ كلثوم اعتذر بأنّها صبيَّةٌ([1])، عِلْماً أنّ عمرها كان أزيد من 13 عاماً؛ لأنها وُلدت عام 6هـ أو 7هـ، وقد تزوَّجها عمر في أواخر حياته، ومات قبل أن تنتقل إلى بيته (علماً أن الخطوبة عندهم فترةٌ قصيرة جدّاً). وفي أسوأ الحالات (لو تزوَّجها عمر في خلافته، ونقلها إلى بيته ـ ويُقال أنّه فعل ذلك في سنة 17هـ، أي في السنة الخامسة من خلافته، ويبقى له خمس سنوات أخرى ـ) كان عمرها 10 سنوات، فاحتجَّ الإمام عليٌّ بصغر سنِّها، ما يكشف أنّ الزواج في هذا السنّ لم يكن شائعاً ومعروفاً، بل كان غريباً وممجوجاً.
3ـ إنّها(عا) قد حملَتْ بأولادها الأربعة (الحسن، والحسين، وزينب، وأمّ كلثوم) في السنوات الخمس الأولى بعد زواجها، فهل تطيق ذلك امرأةٌ لم تبلغ الرابعة عشر من عمرها؟!
4ـ رُوي أنه لما تزوَّج رسول الله(ص) بخديجة هجرتها نسوة مكّة، فكُنَّ لا يدخلْنَ عليها، ولا يسلِّمْنَ عليها، ولا يتركْنَ امرأةً تدخل عليها، فاستوحشَتْ خديجة لذلك، فلمّا حملَتْ بفاطمة(عا) كانت فاطمة تحدِّثها من بطنها وتصبِّرها… فلم تزَلْ خديجة على ذلك إلى أن حضرَتْ ولادتها، فوجَّهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالَيْنَ؛ لتلينَ منّي ما تلي النساء، فأرسلْنَ إليها: أنت عصَيْتِنا، ولم تقبلي قولنا، وتزوَّجْتِ محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء، ولا نلي من أمرك شيئاً، فاغتمَّتْ خديجة لذلك، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربعُ نسوةٍ سُمْرٍ طوالٍ (سارة وآسيا ومريم وكلثم أخت موسى)…، الحديث([2]).
وتعليقاً على هذا الوجه الرابع يتساءل بعضُ الباحثين([3])، وهو محقٌّ في تساؤلاته:
أـ إذا كان مولد الزهراء في السنة الخامسة للبعثة (بحَسَب تاريخ الشيعة الإمامية) فكيف ترسل خديجة لنساء (المشركين) ليلين منها ما تلي النساء من النساء عند الولادة، وهي زوجة (رسول الله) وتعلم حراجة الموقف بين الطرفين؟!
ب ـ لماذا لم تبعث إلى نساء المسلمين، وهنّ كثيراتٌ آنذاك، وعلى الأقلّ يوجد مَنْ به الكفاية للقيام بهذه المهمة (أربع نسوة يكفين بالغرض)؟! ألا يوجد من أهل الإسلام أحدٌ تثق به خديجة حتّى تبعث في طلب نسوة قريش المشركات؟!
ج ـ ما سبب رفض الهاشميّات تقديم هذه المساعدة؟ أَلَسْنَ عشيرة رسول الله وأهله؟!
د ـ أين كانت نساء الدائرة الضيِّقة من أسرة رسول الله، كعَمَّته صفيّة، وبنات عمّاته، وبنات أعمامه، وزوجاتهم، وغيرهنّ؟!
هـ ـ إذا كان زواج رسول الله من خديجة قد تمّ قبل البعثة بخمس عشرة سنة (كما هو المشهور)، فهل كانت علاقة خديجة بنساء قومها طيلة هذه المدّة المديدة (لو تنزَّلْنا باستثناء سنوات ما بعد البعثة) علاقةً متوتِّرة تتّسم بالمقاطعة؛ لأنها تزوّجت يتيماً لا مال له؟! هل يُعْقَل هذا؟!
و ـ هل كان هناك اعتراضٌ أصلاً من نساء قريش ونساء بني هاشم على زواج خديجة من (محمد)؛ لأنه فقير، بحيث يقفْنَ منها هذا الموقف الجافّ بعد عشرين سنة من هذا الزواج؟! ألم يكن(ص) معروفاً عندهم بالصادق الأمين؟! أَمَا كان محطّ تقدير وإعجاب الجميع، لا يجدون فيه منقصةً تعيبه؟!
النتيجة
ولذلك كلِّه نؤكِّد أنها وُلدت قبل البعثة بخمس سنوات؛ لتكون قادرة على الزواج بعليٍّ في السنة الثانية للهجرة، وإلاّ فسيكون عمرها ٩ سنوات فقط وستكون صغيرةً غير مطيقة للزواج…
فقد تزوّج النبي من خديجة قبل البعثة بـ ١٥ سنة، وهو في عمر ٢٥ سنة، وبعث في سنّ ٤٠، وعليه فقد قضى مع زوجته قبل البعثة ١٥ سنة، ولدت له فيها القاسم والطاهر وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وهي أصغر وآخر بناته.
وولادة ٦ أولاد في ١٠ سنوات أمرٌ معقول ومقبول للغاية.
ولم يولد له بعد البعثة إلاّ إبراهيم ابن مارية…
وأما ما يُروى من حديثٍ (حديث ولادتها بعد البعثة بخمس سنين) ـ ويعتبرون سنده صحيحاً([4]) ـ فهو مخالفٌ لما ذكرناه من عدم معقوليّة زواجها بعليٍّ وهي ابنة تسع سنوات، وقد خطبها قبله كثيرون، وكان النبيّ يردّهم، فهل خطبوها بنت ٧ و٨ سنوات؟!
وهل حملَتْ بالحسن والحسين وزينب تباعاً وهي بنت ٩ سنوات؟! هل تتحمل بنتٌ ذلك؟!
لهذا نرفض هذا الحديث، ولو كان صحيح السند، ولو تبنّاه جميعُ العلماء…
ونبارك لسيدنا ومولانا وإمامنا ووليّنا
🌹✨ صاحب العصر والزمان ✨🌹
🌿🌷 المهديّ المنتظر(عج) 🌷🌿
بذكرى ولادة جدّته الطاهرة المعصومة
✨💐 فاطمة الزهراء(ع) 💐✨
ونبارك لكم أيها المسلمون المحبون….
وبهذه المناسبة السعيدة نضع بين أيديكم باقةً من المقالات:
1. «سيِّدةُ نساء العالمين»، بين مريم العذراء وفاطمة الزهراء(عما)
https://dohaini.com/?p=2206
2. مصحف فاطمة(ع)، مقدِّماتٌ تمهيديّة
https://dohaini.com/?p=1911
3. مصحف فاطمة(ع)، الحقيقة والمآل
https://dohaini.com/?p=1929
4. فاطمةُ الزهراء(ع)، الصدِّيقةُ والشهيدة
https://dohaini.com/?p=1821
5. فاطمةُ الزهراء(ع) قدوةٌ مدى الزمان، بعيداً عن الغُلُوّ والخرافة
https://dohaini.com/?p=1356
6. ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾، فاطمةً وبنيها
https://dohaini.com/?p=579
7. فاطمةُ الزهراء(ع) قدوةٌ مدى الزمان
https://dohaini.com/?p=528
8. «فاطمة» اسمٌ جاهليّ بامتياز، قراءةٌ تاريخيّة
https://dohaini.com/?p=307
9. السيدة الزهراء(ع)، الأسوة الواقعية للمؤمنات
https://dohaini.com/?p=2784
10. يوم فرحة الزهراء(ع)، قراءةٌ نقديّة
https://dohaini.com/?p=2162
11. فاطمة الزهراء(ع)، صفات المجد والخلود
https://dohaini.com/?p=3133
12. الصواب في تاريخ ولادة أمّ الأئمّة الأطياب
https://dohaini.com/?p=3131
**********
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) روى الكليني في الكافي 5: 346، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحمّاد، عن زرارة، عن أبي عبد الله(ع)، في تزويج أم كلثوم، فقال: إن ذلك فرجٌ غصبناه.
وروى أيضاً عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(ع) قال: لمّا خطب إليه قال له أمير المؤمنين: إنّها صبيّةٌ، قال: فلقي العبّاس، فقال له: ما لي، أَبي بأسٌ؟! قال: وما ذاك؟! قال: خطبْتُ إلى ابن أخيك فردَّني. أما واللهِ، لأُعْوِرَنَّ زمزم، ولا أَدَعُ لكم مكرمةً إلاّ هدمْتُها، ولأقيمَنَّ عليه شاهدَيْن بأنّه سرق، ولأقطعَنَّ يمينه، فأتاه العبّاس، فأخبره، وسأله أن يجعل الأمر إليه، فجعله إليه.
([2]) رواه الصدوق في الأمالي: 690، عن الحسين بن عليّ بن أحمد الصائغ، عن أبي عبد الله أحمد بن محمد الخليلي، عن محمد بن علي بن أبي بكر الفقيه، عن أحمد بن محمد النوفلي، عن إسحاق بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن زرعة بن محمد، عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله الصادق(ع)، في جوابه عن السؤال: كيف كانت ولادة فاطمة(عا)؟…، الحديث.
([3]) تجدر الإشارة إلى أن هذه التساؤلات الأخيرة هي من صفحة الأستاذ خليل المرخي في الفايسبوك (اضغط للاطّلاع)، وهي منشورة بتاريخ: 3 فبراير 2021.
([4]) رواه الكليني في الكافي 1: 457، عن عبد الله بن جعفر وسعد بن عبد الله جميعاً، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي بن مهزيار، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني قال: سمعتُ أبا جعفر(ع) يقول: وُلدَتْ فاطمة بنت محمد(ص) بعد مبعث رسول الله بخمس سنين، وتوفِّيَتْ ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً.