أمثال/ح9: الكلمةُ الطيِّبة والخبيثة… ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ / ﴿كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، والسلام عليكم ـ أيُّها الأحبَّة ـ ورحمة الله وبركاته.
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ﴾(إبراهيم: 24 ـ 27).
ما هي هذه الكلمة الطيِّبة؟
قالوا: هي كلمة (لا إله إلا الله)، وهي كلمة التوحيد. وقد جاء ذلك في بعض الروايات.
وقالوا: هي كلُّ كلامٍ طيِّب جميل، يقرِّب ولا يبعِّد، يصلح ولا يفسد، يعمِّر ولا يخرِّب.
وكلا المعنيين صحيحٌ.
فكلمةُ التوحيد (لا إله إلاّ الله) أساسٌ ثابت وراسخ لكلِّ عملٍ. وهي حصن الله المنيع، الذي مَنْ دخله كان آمناً. وقد ورد عن مولانا الرضا(ع)، في الحديث المشهور بـ «حديث سلسلة الذهب»، أنّه روى عن آبائه الطاهرين(عم)، مسنَداً إلى رسول الله(ص)، عن جبرئيل(ع)، عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: «كلمة لا إله إلاّ الله حصني، فمنْ دخل حصني أَمِنَ من عذابي»، ثمّ عقَّب الإمامُ(ع) بقوله: «بشرطها وشروطها، وأنا من شروطها»، أنا الإمام، أنا الحجّة على الخلق، أنا الحاكم بأمر الله.
إذاً هي كلمةٌ عظيمة وطيِّبة، بل هي أطيب الكلام، ومَنْ يقُلْها ويلتزم مضمونَها، كمَنْ فاء إلى شجرةٍ كبيرة، ذاتِ ظلٍّ وارف، وثمارٍ ناضجة، فهو في رَغَد عيشٍ ما دام في ظلِّ تلك الشجرة.
وأيضاً الكلامُ الطيِّب الهادئ، والموعظة بالتي هي أحسن، وخطابُ المحبّة والرَّحمة، هو الكلام الذي يستقرّ في نفوس المخاطبين، ويؤثِّر فيهم، وينفعهم ولو بعد حينٍ.
وفي مقابل ذلك هناك الكلام الذي يتضمَّن ألفاظاً نابية وفاحشة وبذيئة، وهناك خطاب الشَّتْم والسَّبّ واللعن. وهذا الصنف من الكلام عديمُ الفائدة، بل إنّ أثره مخالفٌ للمطلوب والمرتجى تماماً.
ومن هنا فقد مثَّل الله لهاتين الكلمتين بالشجرة، وهي نوعان: شجرة طيِّبة مثمرة مفيدة، يأنس بها صاحبها، ويحافظ عليها؛ لما تعود به عليه من المنافع والخيرات؛ وشجرة خبيثة مضرَّة، لا تعود على صاحبها بنفعٍ، بل تفسد عليه زَرْعه، فيكون مصيرها الاقتلاع، والرَّمْي بعيداً.
وعلى الناس أن يتذكَّروا ويتدبَّروا في ذلك كلِّه؛ لكي يحسنوا الاختيار.
وقد أمرهم الله سبحانه وتعالى ورغَّبهم بالكلمة الطيِّبة، ولكنَّهم إذا شاؤوا أن يسيروا في المَسْلَك الآخر، فقد أتاحه لهم، وفتح لهم الباب، وترك لهم حرِّيّة الاختيار؛ لكي يتميَّزوا عمَّنْ سواهم من الكائنات المسيَّرة. ومن هنا صحَّتْ نسبة الإضلال إليه جلَّ وعلا، أي هو الذي أتاح وفتح باب الضلال، ولكنَّه لا يُجبر أحداً على الدخول فيه، وإنَّما يدخله المَرْء بمَحْض إرادته، وسوء اختياره، فيستحقّ بذلك الخِزْي والعار والعقاب.
اللهُمَّ، لا تؤدِّبنا بعقوبتك، ولا تمكر بنا في حيلتك. والحمد لله ربِّ العالمين.