17 أكتوبر 2025
التصنيف : استفتاءات
لا تعليقات
335 مشاهدة

استفتاءات (204 ـ 208)

204ـ البرهان الإلهيّ الذي منع يوسف(ع) من الهَمِّ بزوجة عزيز مصر

205ـ النظر إلى عورة الصغير أو الصغيرة

206ـ جواز استرجاع الهديّة ولو بعد حين

207ـ حرمة الرهن، ولو في كرة القدم

208ـ هل يمنع دقّ الحواجب من الوضوء؟

(لقراءة الاستفتاءات وأجوبتها) 

204ـ البرهان الإلهيّ الذي منع يوسف(ع) من الهَمِّ بزوجة عزيز مصر

سؤال: >وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ<، ما هو برهان ربِّه الذي منعه من الزنا بها؟ وما هو التفسير الصحيح بنظركم؟

الجواب: ((لولا)) في اللغة هي حرفُ امتناعٍ لوجود:

لولا عليٌّ لهلك عمر،

أي امتنع هلاكُ عمر لوجودِ عليٍّ

وعليه فهذه الصيغة لا يُراد بها أزيد من كون الطرف الثاني ممكناً (مع ترجيح تحقُّقه) إذا انعدم الطرف الأوّل،

فإذا انعدم عليٌّ فهلاكُ عمر ممكنٌ، بل يرجح تحقُّقه.

وفي موضع الكلام:

ولقد همَّتْ به، ولولا أن رأى برهانَ ربِّه لهَمَّ بها.

هذا هو الأصل في الكلام، وإنما يحصل التقديم والتأخير لنكتةٍ بلاغيّة، وهي التشابه اللفظيّ بين الكلمتين (همَّتْ وهَمَّ)، فاقتضى المجاورة ولو بتقديم وتأخير بعض الجُمَل عمّا هو أصلها.

بالترتيب الأصليّ المعنى واضحٌ؛

ولقد همَّتْ به: هذا ما حصل فعلاً وواقعاً، وتحقَّق قطعاً، ولذلك استعمل الحرف ((قد)) الذي يفيد التحقيق إذا جاء قبل الفعل الماضي؛

ولولا أن رأى برهانَ ربِّه لهَمَّ بها: أي لولا العلم الذي لديه بقُبْح وحرمة وشناعة وفظاعة هذا العمل. وهو علمٌ راسخٌ لا يتزلزل (وهو سرُّ العصمة الاختياريّة في الأنبياء)، فهم يستفيدون من العلم الذي يفيضه الله عليهم، وينقلونه بأمر الله إلى الناس كافّةً، ولكنّ الأنبياء يستفيدون منه إلى أقصى الحدود، فيستحضرونه على الدوام، ويرتِّبون الأثر على مؤدّاه، فلا يُقْدِمون على الحرام؛ لقُبْحه وقذارته التي يستحضرونها في كلّ حينٍ. فالغيبة عندهم هي كما رَسَم صورتها القرآن الكريم: أكلٌ للحم الأخ وهو ميتٌ، فأيُّ قذارةٍ أعظم؟ وهل يقدم على ذلك عاقلٌ؟ لأنهم يستحضرون هذه الصورة لا يغتابون أبداً، بل يشمئزّون وينفرون من الغيبة، وكذلك الكذب والنميمة والفتنة و… غير ذلك من المعاصي؛

بينما الإنسان العادي يسمع ويقرأ هذه الآية، ولكنها ليست حاضرةً معه على الدوام، بل هي غائبةٌ عن ذهنه، فيغتاب، ثمّ يتذكّر، فيتوب. وهكذا في سائر المعاصي.

والسؤال: هل يستطيع الإنسان تذكُّر كلّ هذه الصور القبيحة للمعاصي؟

الجواب: نعم، إذا جعلها في دائرة اهتمامه، وحرص بحقٍّ وصدقٍ على اجتنابها.

وليست هذه مجرّد دعوى، بل لها شواهد تؤيِّدها:

١ـ بعض الأشخاص المهتمّين بالعلاقات مع الناس والمسؤولين يحفظون كلّ أرقام هواتف مَنْ يعنيهم التواصل معهم، في حين لا يحفظون رُبَما ما أكلوه بالأمس، أو متى وقت الصلاة؟ أو…؛ بينما تجد المؤمن المصلّي الحريص على أداء الصلاة في أوّل وقتها وفي المسجد يحفظ موعد الأذان بدقّةٍ؛ لارتباطه بعمل هو حريصٌ عليه، بينما قد لا يحفظ عدد أولاد أخته أو أخيه…

٢ـ كثيرٌ من الناس لا يقتلون، لا يزنون، لا يسرقون (سرقة من بيتٍ أو خَزْنةٍ، ولكنهم قد يغشّون، وقد يطفِّفون، وقد يَرْتَشُون، وقد يغصبون…، وكلّها سرقة). لماذا لا يفعلون ذلك؟

لأن قُبْح هذه الأمور، وكونها فاحشةً وشرّاً وسوءاً وعاراً حاضرٌ لديهم دائماً، فمهما اشتدّ به الغضب لا يقتل، قد يضرب، قد يجرح، لكنْ لا يصل إلى القتل.

قد ينظر بشهوةٍ إلى النساء، قد يلمس يداً…، ولكنّه لا يزني (بالمعنى الدقيق للزِّنى).

قد يغشّ ويرتشي ويغصب ويطفِّف، ولكنه لا يقتحم بيتاً ويكسر قفلاً ليسرق؛ لأنها عملٌ قبيحٌ، ويورث العار والشنار.

بعضُ المؤمنين قد يسمع الغناء، وقد يرقص…، ولكنه لا يشرب الخمر، ولا يعرف طعمها، ويستطيع أن يحلف أنها لم تخالط لحمه ودمه.

قد يزني مع النساء، ولا يفرِّق بين قبيحةٍ وجميلةٍ، ولكنْ مهما كانت أمّه أو أخته أو ابنته أو عمّته أو خالته أو… جميلةً، ومهما رأى منها، فإنه لا تحدِّثه نفسُه بالزِّنا بها (إذا كان سويَّ النفس، ولا نتكلَّم عن المرضى الشاذِّين)…

فما الذي حال بين هؤلاء وهذه المعاصي؟

إنه العلمُ الراسخ بقُبْحها، وحضورُ هذا العلم على الدوام، ولو نتيجة الخوف من العار والفضيحة وهَتْك الحُرْمة وسخرية الناس، وليس الخوف من الله.

هذا العلمُ الراسخ، واستحضارُ هذا العلم، هو سرُّ العصمة في الأنبياء والأئمّة؛ فهم يعلمون ويستفيدون من هذا العلم، فلا يُقْدِمون على ذنبٍ، ولا يتركون طاعةً، بينما العلمُ موجودٌ عند غيرهم من الناس أيضاً، ولكنهم لا يستحضرونه، بل يغيب عنهم القُبْح، فيُقْدِمون على المعصية، ثم يتذكَّرون، فيتوبون.

في يوسف(ع) البرهانُ أي العلمُ موجودٌ وحاضر، العلمُ بحرمة الزنا وشناعته وقُبْحه وكونه فاحشة وشرّاً وسوءاً، ولذلك يمتنع عن الإقدام عليه امتناعاً اختيارياً.

إذن، هي همَّتْ به، وأما هو فلولا أن رأى برهانَ ربِّه من قبلُ لهَمَّ بها، أي امتنع همُّه بها لوجود البرهان، وهو العلم، فلم يحصَلْ منه أيّ عَزْمٍ على هذا العمل؛ لأنه يعرف قُبْحَه ويشمئزّ منه. فالجاهل أو الغافل قد يراه حَسَناً، ولا سيَّما مع امرأةٍ حسناء لعوب، ولكنّ العالِم المنتبه والمستحضِر للصورة القبيحة لن يراه سوى عملاً نتناً وسخاً قذراً، يورث عاراً وشناراً. وهذه هي حال الأنبياء والأئمّة.

إذن، هو لم يهِمّ، ولم يعزم، ولم يتحرَّك تجاه هذا الفعل؛ لوجود البرهان. وبعبارةٍ أخرى: كان الهَمُّ والعَزْمُ ممكناً لولا وجود البرهان، ولكنّ البرهان (العلمُ وهو من الله + استحضارُه وهو باختيار الإنسان) منع وحال دون ذلك.

وعليه، لم يحصل منه توجُّهٌ أو نيّةٌ أو عَزْمٌ على الفعل الحرام، فلا يتنافى هذا مع عصمته وطهارته.

نعم، ذهب السيّد فضل الله (ورُبَما يُفهم من كلام غيره أحياناً) أن أقصى ما يمكن أن يحدث لهؤلاء الطاهرين هو المَيْل القَهْريّ الذي يحصل للجائع نحو الطعام، وللرجل نحو المرأة، يعني هذا الحبّ والاشتهاء والرغبة القَهْرية غير الإراديّة، ولكنْ يأتي العقل ليكبح الاندفاع والتحرُّك، فيمنع المؤمن من أن يتحرَّك ويقبل على الطعام الشهيّ واللذيذ إذا كان يعلم أنه حرامٌ، كالميتة والخنزير والنجس، مهما اشتهاه قبل ذلك؛ لشدّة جوعه أو لطيب رائحته أو لحسن منظره أو… وكذلك يمنع العاقل الواعي من أن يتحرَّك نحو الزنى ومواقعة المرأة الأجنبيّة مهما كانت جميلةً؛ خوفاً من العار والفضيحة، ومهما كان قد اشتهاها…

فالاشتهاءُ قَهْريٌّ، وهو المَيْلُ النفسيّ إلى الجميل واللذيذ والطيِّب و… وهذا ليس بحرامٍ (وحكمُه أشبهُ بحكم النظرة الأولى، فهي حلالٌ، ولكنّ النظرةَ الثانية ممنوعةٌ)، وأما الأكل أو الزنى أو القتل أو… فهو الحرامُ الذي يُعصم منه الأنبياء والأئمّة.

ولكنّي أرى أنهم أخطأوا في ذلك، وأن هذا أيضاً داخلٌ في الممنوعات؛ لأنه ليس قهريّاً، بل اختياريّ، فحتّى هذا الاشتهاء والإقبال النفسيّ لا يحصل، مع سبقِ العلم بالقُبْح، ورسوخِ هذا العلم في النفس. نعم، إذا حصل فهذا يعني أن رسوخَ العلم بالقُبْح ليس تامّاً وكاملاً.

والشاهدُ على ذلك أن الأسوياء من الناس لا يحصل لهم مَيْلٌ أو اشتهاءٌ (قَهْريّ) لمحارمهم، ولا سيَّما الأقربين (أمّ، أخت، بنت) مهما كُنَّ جميلات، ومهما أبرَزْنَ من أجسامهنّ، فلا يحصل هذا الاشتهاء مطلقاً؛

وكذلك لا يحصل عند المؤمن هذا الاشتهاء والمَيْل النفسيّ (القَهْريّ) للخمر، مهما كان العطش، ومهما كانت رائحةُ الخمر أو طعمُه…

 205ـ النظر إلى عورة الصغير أو الصغيرة

سؤال: هل يجوز نشر فيديو تظهر فيه عورةُ الصبيّ أو البنت أثناء الختان، ولا سيَّما أثناء لمس الآخرين كالطبيب أو الأب أو الأمّ لها؟ وهل يجب اختيار الطبيب الحاذق لإجراء الختان أو يجوز القيام به عند أيّ أحدٍ ممَّنْ يدّعي المعرفة؟ 

الجواب: أما بالنسبة إلى النظر واللمس و(اللعب) فحتّى الفقهاء الذين يفتون بجواز كشف الصبيّ أو البنت لعورتهما قبل بلوغهما يقيِّدون ذلك بأن لا يكون ذلك مدعاةً لإثارة الشهوة عند الآخرين، وكذلك أن لا تؤدي إلى هَتْك حُرْمة الولد مستقبلاً.

هذا بالنسبة إلى الكشف والكاشف.

وأما الناظر فلا يجوز له أن ينظر إلى عورة الصبيّ أو البنت، ولو المماثل (يعني رجلٌ لصبيّ، وامرأةٌ لبنت)، إذا كان ذلك موجباً للإثارة وتحرُّك الشهوة، ولا يأمن معها من الوقوع في الحرام.

ولذلك كثيرٌ من هذه الأمور، التي رُبَما يقوم بها الأهل والأقارب عن جهلٍ، كأنْ يُظهِروا عورةَ أطفالهم لكلّ أحدٍ؛ بحجّة أنه صغيرٌ، هي في الواقع غيرُ جائزةٍ؛ لعدم تحقُّق جميع شروط الجواز.

وأما بالنسبة للختان فهو كأيّ عملٍ جراحيّ صحّيّ آخر، لا يجوز التصدي له؛ كما لا يجوز التمكين منه، إلاّ للطبيب الحاذِق، الذي يؤمَن معه من الضَّرَر، بل حتّى الأذى ـ وهو الضَّرَر البسيط ـ المحتَمَل؛ إذ يحرم على الإنسان الكبير وعلى وليّ الطفل الصغير أن يتسبَّب في ضَرَر نفسه أو الطفل، ويجب عليه أن يحافظ إلى أقصى حدٍّ ممكنٍ على سلامة الجسم والروح والنَّفْس، فحتّى الأذى المعنويّ يجب اجتنابه.

206ـ جواز استرجاع الهديّة ولو بعد حين

سؤال: هل يستطيع الشخص استرجاع الهديّة بعد أشهر؟

الجواب: استرجاعُ الهدية ـ وهي الهبةُ ـ جائزٌ وممكنٌ من الناحية الشرعية، حتّى لو طال الزمان، إلاّ في 4 موارد، لا غير:

1ـ أن تكون عينُ الهبة قد تلفَتْ، كما لو وهبه طعاماً فأكله، فتلفُ عين الطعام يمنع من استرجاعه، وليس له المطالبة بقيمته.

2ـ أن تكون الهبة معوَّضةً، أي قد دفع المُهدى إليه مقابلَها، ولو مالاً قليلاً.

3ـ أن تكون الهبة لذي رَحِمٍ (أي من الأقارب: أب، أمّ، أخ، ابن، ابنة، حفيد، عمّ، خال، أولاد العمّ والخال…).

4ـ أن يموت الواهِب، فلا يمكن للوارث استرجاعُها.

 207ـ حرمة الرهن، ولو في كرة القدم

سؤال: هل المراهنة على الفتبول جائز، وذلك أن يدفع كلّ واحد 5000 أو أكثر، ويكون العدد 100 شخص، فعندما يربح الفريق المعيَّن يأخذ هذا الشخص المال كلّه، برضا الجميع؟ وهل يعتبر هذا العمل ربا؟

الجواب: هذا العمل حرامٌ، لا من باب الرِّبا، بل من باب أنه قمارٌ، وهو المراهنة على سبقٍ أو فوزٍ أو…، ويربح مَنْ يصحّ توقُّعه المال المرهون كلّه.

 208ـ هل يمنع دقّ الحواجب من الوضوء؟

سؤال: هل دقّ الحواجب ناقضٌ للوضوء أو لا؟

الجواب: دقُّ الحواجب وغيرها ليس ناقضاً ومبطلاً للوضوء؛ فالمبطلاتُ محدَّدةٌ ومعروفةٌ:

١ـ خروج البول.

٢ـ خروج الغائط.

٣ـ خروج الريح.

٤ـ النوم الغالب على السمع.

٥ـ الاستحاضة المتوسطة.

وأعتقد أن مرادكم هل هو مانعٌ من صحّة الوضوء أو لا؟ فنقول:

في دقّ الحواجب العبرة بالمادّة المستعملة وموضعها؛

فإذا كان المستعمل حبراً أو شبهه، بحيث لا يشكِّل طبقةً فوق الجلد والبشرة، وإنما مجرّد لونٍ (فوق الجلد أو تحته، كالتاتو) فهذا ليس بحاجبٍ، ولا مانع من الوضوء عند جميع العلماء.

وأما إذا كان المستعمل طلاءً رقيقاً، كما في الطلاء الذي يوضع على الأظافر أو الكحل على العين أو أحمر الشفاه أو…، فهنا أغلب العلماء يقولون بأنه حاجبٌ ومانعٌ من وصول الماء إلى البشرة نفسها، فلا يصحّ الوضوء مع وجوده.

ولكنّ العلاّمة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله يرى أن العبرة بسماكة هذا الطلاء، وكونه بنظر العُرْف جسماً مستقلاًّ أو لا؛

فإذا كان رقيقاً، بحيث لا يحتسب بعد وضعه على البشرة جسماً مستقلاًّ، وإنما يصبح والبشرة كالجسم الواحد، بحيث يصدق بنظر العُرْف على مَنْ يغسل يده أو بدنه وقد وضع عليها شيئاً منه أنه يغسل يده ويغسل شعره أو وجهه أو…، فهنا الوضوء والغسل صحيحان، حتّى مع وجود هذه المادة؛

وأما إذا كان سميكاً وغليظاً وكثيفاً، بحيث لا يصدق عُرْفاً على واضعه أنه غسل يده أو جسمه أو شعره…، كما لو لصقت علكةٌ على شعره أو يده أو رجله، فهنا لا يصحّ الوضوء، ولا الغسل، إلاّ بعد قلع وفصل هذا الجسم الغريب والمستقلّ؛ ليصدق عليه عُرْفاً أنه غسل يده أو جسمه.

والخلاصة: لا بُدَّ من تحديد المكلَّف لطبيعة المادّة المستعملة في دقّ الحواجب وموضعها (فوق الجلد أو تحت الجلد)، والحكم يرتبط بذلك على النحو المتقدِّم.



أكتب تعليقك