الباقة العاشورائية اليومية (9 / محرم)
الشعار العاشورائي
حديث الحسين(ع)
(33) روى ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 3: 223 ـ 224، أنه كان بين الحسين بن عليّ (عليه السلام) وبين الوليد بن عقبة منازعة في ضيعةٍ، فتناول الحسين عمامة الوليد عن رأسه، وشدَّها في عنقه، وهو يومئذٍ والٍ على المدينة، فقال مروان: بالله ما رأيتُ كاليوم جرأةَ رجلٍ على أميره، فقال الوليد: والله ما قلتَ هذا غضباً لي، ولكنّك حسَدْتَني على حلمي عنه، وإنما كانت الضيعة له، فقال الحسين: الضيعة لك يا وليد، وقام.
(34) روى أبو الفتوح الكراجكي في كنز الفوائد: 36، أنه كانت بين الحسن والحسين صلوات الله عليهما وحشة، فقيل للحسين (عليه السلام): لِمَ لا تدخل على أخيك، وهو أسنّ منك؟ قال:
«سمعتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: أيّما اثنان جرى بينهما كلامٌ فطلب أحدهما رضاء صاحبه كان سابقاً له إلى الجنّة، فأكره ان أسبق أبا محمد إلى الجنّة»، فبلغ ذلك إلى الحسن (عليه السلام) فقام يجرّ رداءه حتّى دخل على الحسين صلوات الله عليه، فاسترضاه.
(35) روى النوري في مستدرك الوسائل 11: 218، معلَّقاً عن الحسين بن عليّ (عليهما السلام) قال:
«إن العزّ والغنى خرجا يجولان، فلقيا التوكُّل، فاستوطنا».
(36) روى أبو الفتوح الكراجكي في كنز الفوائد: 194 ـ 195، أن الحسين (عليه السلام) قال يوماً لابن عباس:
«يا بن عباس، لا تكلَّمَنَّ في ما لا يعنيك؛ فإنني أخاف عليك فيه الوزر، ولا تكلَّمَنَّ في ما يعنيك حتّى ترى للكلام موضعاً؛ فرُبَّ متكلِّم قد تكلَّم بالحقّ فعيب. ولا تُمارِيَنَّ حليماً ولا سفيهاً؛ فإن الحليم يقليك، والسفيه يردي بك (يرديك). ولا تقولَنَّ في أخيك المؤمن إذا توارى عنك إلاّ مثل ما تحبّ أن يقول فيك إذا تواريتَ عنه. واعمَلْ عمل رجلٍ يعلم أنه مأخوذٌ بالإجرام، مجزيّ بالإحسان. والسلام».
شبهات وردود (11)
ويسأل الموالي: ما الضرر من الإحياء للأيّام التي تلي اليوم العاشر من محرَّم؟
والجواب:
لم يرِدْ بذلك نصٌّ، بل النصُّ على خلافه، وهو أنه إذا دخل المحرَّم بدأ الحزن والبكاء، ولم يُرَ الإمام(ع) ضاحكاً، حتّى إذا كان يوم العاشر كان يوم همِّه وغمِّه وحزنه وبكائه وجَزَعه وامتناعه عن الطعام والشراب حتّى العصر([1]):
قال الإمام عليّ بن موسى الرضا(ع): كان أبي(ع) [أي الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع)] إذا دخل شهر المحرَّم لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين(ع).
يعني يومٌ حزين مفجع بكلّ ما للكلمة من معنىً…
وانتهى الأمر؛ فللذكريات حدودها، وليست الذكرى كالحَدَث نفسه.
ولم تذكُرْ هذه الروايات قاطبةً أنهم(ع) كانوا يستمرّون في الحزن والتفجُّع و…، مع أنها في مقام البيان من هذه الجهة، فعدم الذِّكْر دليلٌ على العَدَم.
وبعبارةً أخرى: النصُّ واضحٌ في أن المعصوم في مقام البيان من جهة فعل الإمام(ع) وحزنه وكآبته وحاله والوقت الدقيق لهذه الحالات، ومع ذلك لم يذكُرْ شيئاً عمّا بعد اليوم العاشر، ولو كان لذَكَرَه؛ لأنه في نفس السياق، وهو في مقام البيان…
نعم، الحديث الوارد في حزن الإمام(ع) منذ بداية محرَّم إلى العاشر منه ينافي الحُزْن بعده؛ إذ هو في مقام بيانٍ، وهو بصَدَد ذكر فعل الإمام(ع) وتعامله مع هذا الحَدَث، فلو كان حزنٌ بعد العاشر، ويطول لبضعة أيّامٍ أو عشرةٍ أو أربعين ونحو ذلك، لبيَّن، ولكان من تماميّة النصّ وكماله، وممّا لا ينبغي للذي في مقام البيان تركه وإهماله…
ومن هنا تتجلّى صحّة العقيدة بأن ذكرى عاشوراء تنتهي في اليوم العاشر من المحرَّم، ويظهر خطأ الاعتقاد بأنها تبدأ في هذا اليوم، وأنه يجب ارتداء ثوب الحداد حتّى الأربعين…
وليس صحيحاً أن الشيعة لكي يشعروا بأجواء محرَّم ولياليه وحزنه يقومون بإحياء المجالس الحسينيّة عشرة أيام؛ وإنما هم يفعلون ذلك تَبَعاً لسيرة أئمّتهم(عم)، وينبغي لهم أن يلتزموا بها كما هي، وأن لا يكونوا مَلَكيِّين أكثر من الملك، فالإمام(ع) كان يبدأ حزنه وكآبته مع هلال محرَّم، وينتهي يوم العاشر منه، فهذه (ذكرى) لحَدَثٍ تاريخيٍّ، وليست هي نفس الحَدَث، ليكون له امتداداته إلى الثالث والأسبوع والأربعين…
الهوامش
([1]) روى الصدوق في الأمالي: 190 ـ 191، عن جعفر بن محمد بن مسرور(ر)، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمِّه عبد الله بن عامر، عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا(ع): إن المحرَّم شهرٌ كان أهل الجاهليّة يحرِّمون فيه القتال، فاستُحِلَّتْ فيه دماؤنا، وهُتكَتْ فيه حرمتنا، وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرمَتْ النيران في مضاربنا، وانتُهِبَ ما فيها من ثقلنا، ولم تُرْعَ لرسول الله(ص) حُرْمةٌ في أمرنا. إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كربٍ وبلاء، أورثَتْنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبْكِ الباكون؛ فإن البكاء يحطّ الذنوب العظام. ثمّ قال(ع): كان أبي (صلوات الله عليه) إذا دخل شهر المحرَّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين (صلوات الله عليه).
والامتناع عن الطعام والشراب إلى الزوال أو العصر هو مفاد رواياتٍ أخرى، فقد قال محمد بن محمد المفيد في (مسار الشيعة): وفي العاشر من المحرَّم قُتل الحسين(ع)، وجاءت الرواية عن الصادق(ع) باجتناب الملاذّ فيه، وإقامة سنن المصائب، والامساك عن الطعام والشراب إلى أن تزول الشمس، والتغذّي بعد ذلك بما يتغذّى به أصحاب المصائب، كالألبان وما أشبهها، دون اللذيذ من الطعام والشراب.
كلمات ومواقف
خطاب عاشوراء
(لقراءة المقال أو استماع المحاضرة أو حضور المقابلة: اضغط على العنوان)