الباقة العاشورائية اليومية (8 / محرم)
الشعار العاشورائي
حديث الحسين(ع)
(29) روى ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 3: 221، معلَّقاً عن عمرو بن دينار قال: دخل الحسين على أسامة بن زيد وهو مريضٌ، وهو يقول: واغمّاه، فقال له الحسين: وما غمَّك يا أخي؟ قال: ديني، وهو ستّون ألف درهم، فقال الحسين: هو عليّ، قال أخشى أن أموت، فقال الحسين: لن تموت حتّى أقضيها عنك، قال: فقضاها قبل موته. وكان (عليه السلام) يقول:
«شرّ خصال الملوك الجبن من الأعداء، والقسوة على الضعفاء، والبخل عند الإعطاء».
(30) روى ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 3: 222، معلَّقاً عن الصولي، عن الصادق (عليه السلام) ـ في خبرٍ ـ أنه جرى بين الحسين بن عليّ (عليه السلام) وبين محمد بن الحنفيّة كلامٌ، فكتب ابن الحنفية إلى الحسين: أما بعد يا أخي، فإن أبي وأباك عليّ لا تفضلني فيه ولا أفضلك، وأمّك فاطمة بنت رسول الله، ولو كان من الأرض ذهباً ملك أمي ما وَفَتْ بأمك، فإذا قرأت كتابي هذا فصِرْ إليَّ حتّى تترضّاني؛ فإنك أحقّ بالفضل مني، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ففعل الحسين ذلك، فلم يجْرِ بعد ذلك بينهما شيءٌ.
(31) روى ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 3: 223، نقلاً من: تفسير الثعلبي، معلَّقاً عن الصادق (عليه السلام): قال الحسين بن عليّ (عليه السلام):
«إذا صاح النسر قال: يا بن آدم عِشْ ما شئت آخره الموت؛ وإذا صاح الغراب قال: إن البعد من الناس أنس؛ وإذا صاح القنبر قال: اللهمّ العن مبغضي آل محمد؛ وإذا صاح الخطّاف قرأ: الحمد لله ربّ العالمين، ويمدّ الضالين كما يمدّها القاري».
شرح الحديث:
لعل فيه إشارة إلى الآية الكريمة:
وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم؛
فمنهم من يحمد الله ويمد في قراءته خشوعاً وانسجاماً؛
ومنهم من يعظ أبناء جنسه ـ وربما يصل صوته إلى غيرهم أيضاً ـ بأن البعد عن الناس فيه الأمن والنجاة والأنس بالحياة؛
ومنهم من يدعو على مبغضي آل محمد ـ أئمة الإنس والجن؛ بعد أن كان النبي لهما والقرآن لهما ـ يدعو على مبغضيهم ـ ولا يبغضهم مسلم على الإطلاق ـ بالطرد من الرحمة والهلاك؛
ومنهم من يعظ ويرشد من يسمع ويفهم من بني آدم أو غيرهم،
وكل ذلك طاعة وذكر وتسبيح لله عز وجل…
هذا في الحيوان…
فما بال بعض البشر غارقون في متاهات الفساد والرذيلة والخزي والعار بنسيانهم ذكر الله العظيم
(32) روى ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 3: 223، أنه سُئل الحسين: لِمَ افترض الله عزَّ وجلَّ على عبيده الصوم؟ قال: «ليجد الغنيّ مسّ الجوع، فيعود بالفضل على المساكين».
شبهات وردود (9)
يزعم المثقَّف أن حديث (ديمومة حرارة قتل الحسين(ع) في قلوب المؤمنين) موضوعٌ، أي لم يقُلْه رسول الله الأكرم محمد(ص)، وإنّما هو من الأحاديث المفتَرَيات على النبيّ(ص).
الخلط بين (الموضوع) و(الضعيف)
وهنا تجدر الإشارة إلى الفرق الكبير بين الحديث الموضوع والحديث الضعيف:
فالحديث الموضوع هو الذي ثبت بالدليل والبرهان عدم صدوره عن المعصوم(ع)، فيُقال حينئذٍ: إنّه من المفتَرَيات على المعصوم(ع)، ولا يجوز نسبته إليه بوجهٍ من الوجوه؛
وأما الحديث الضعيف فله أقسامٌ عديدة، ومنها: أن لا يكون لهذا الحديث إسنادٌ متّصل إلى المعصوم(ع)؛ أو يكون بعض الرواة في الإسناد من المجاهيل أو الفسّاق أو الكذّابين أو الوضّاعين؛ أو يكون منقولاً من كتابٍ لم تصلنا منه نسخةٌ معتبرة، ولا نطمئنّ إلى ثبوت ما ينقل منه؛ أو….
ولا بُدَّ من اختلاف التعاطي مع كلا الحديثين:
فالموضوع مرفوضٌ، نضرب به عرض الجدار، ولا نصدِّق به قولاً ولا عملاً؛
وأما الضعيف فلا يجوز لنا إسقاطُه بهذه السهولة، فرُبَما يكون صادراً عن المعصوم(ع)، ولكنّ طريق وصوله كان مشوباً ببعض العيوب، التي تجعلنا غير قاطعين بصدوره، ولكنّنا أيضاً لسنا قاطعين بعدم صدوره، وبالتالي لا يجوز نسبته إلى المعصوم على نحو الجَزْم واليقين، وكذلك لا يجوز نفي صدوره عن المعصوم على نحو الجَزْم واليقين.
ومن هذه الأحاديث الضعيفة ما يُروى عن النبيّ(ص) أنه قال: «إن لقتل الحسين حرارةٌ في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً»؛ فإن هذا الحديث لم يُرْوَ في كتب الأقدمين التي وصلتنا، كالكافي، وإنّما أخذه الشيخ النوري (صاحب مستدرك الوسائل) من مجموعة الشهيد، نقلاً من كتاب الأنوار [في تاريخ الأئمّة(عم)]، لأبي عليّ محمد بن همام: حدَّثنا أحمد بن أبي هراسة الباهلي قال: حدَّثنا إبراهيم بن إسحاق الأحمري قال: حدَّثنا حمّاد بن إسحاق الأنصاري، عن ابن سنان، عن جعفر بن محمد(عما) قال: نظر النبيّ(ص) إلى الحسين بن عليّ(عما)، وهو مقبلٌ، فأجلسه في حِجْره، وقال: «إنّ لقتل الحسين حرارةٌ في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً»، ثمّ قال(ع): «بأبي قتيل كلّ عبرةٍ»، قيل: وما قتيل كلّ عبرةٍ، يا بن رسول الله؟ قال: «لا يذكره مؤمنٌ إلاّ بكى»([1]).
وهذا الإسناد ضعيفٌ؛ لضعف إبراهيم بن إسحاق الأحمري؛ ولعدم ثبوت وثاقة أحمد بن أبي هراسة الباهلي؛ ولمجهولية حمّاد بن إسحاق الأنصاري.
وأما مجموعة الشهيد فهي ثلاث مجلّدات للشهيد الأول(786هـ)، ولا تزال مخطوطةً، وفيها فوائد، ونقولات، ورسائل، واختصارات.
ولكنّ الشهيد الأوّل ينقل من (كتاب الأنوار في تاريخ الأئمة(عم))، لأبي عليّ محمد بن همام(336هـ)، ولا ندري كيفية وصول هذا الكتاب إليه، أهو بالوجادة أم السماع أم الاستنساخ؟ وهذا ما يزيد الإسناد ضعفاً إلى ضعفه.
ومع ذلك لا يمكننا أن نقول: إن هذا الحديث موضوعٌ؛ إذ هو قد نُقل ونُسب إلى مصدرٍ كان موجوداً([2])، ولعلّه فعلاً من محتويات ذاك المصدر، وليس في مضمونه ما يدعونا إلى إنكاره ورفضه، فكيف نقطع بأنه منحولٌ موضوعٌ، ليحلّ لنا إطلاق هذا الوصف عليه؟!
الهوامش
([1]) النوري، مستدرك الوسائل 10: 318.
([2]) قد نصّ النجاشي على وجود كتاب لمحمد بن همام باسم (كتاب الأنوار في تاريخ الأئمّة(عم))، راجِعْ: رجال النجاشي: 379 ـ 380.
شبهات وردود (10)
ويسأل أحدهم: ما هو الدليل على تحريم اللطم العنيف، وجواز اللطم الخفيف؟
والجواب: اللطمُ العنيف المؤدّي إلى احمرار الجلد أو اخضراره أو اسوداده هو من مصاديق الإيذاء والإضرار،
وهو حرامٌ،
ولا فرق في حرمة الضَّرَر بين كونه معتدّاً به مميتاً أو لا،
فكلُّ عملٍ يستوجب الضَّرَرَ ـ أيَّ ضررٍ (الخطير أو الحقير) ـ محرَّمٌ شرعاً
وللمزيد تُراجَع المقالة التالية
فإنْ قيل: ما هو الدليل على جواز اللطم الخفيف؟
قلنا:
اللطم العنيف = المؤدّي للاحمرار أو الاخضرار أو الاسوداد
اللطم الهادئ = غير المؤذي والمضرّ
وهو من مصاديق الحُزْن العقلائيّة والإنسانيّة
فإنْ قيل: هل كلُّ شيءٍ يفعله الانسان المعاصر إذا كان من مصاديق الحزن العقلائيّة والإنسانيّة تعدّه من الشعائر؟
نقول:
لا، وإنَّما هو من المباحات
وأما الشعائر فتوقيفيّةٌ جَعْليّة
وقد تكون واجبةً أو مستحبّةً
ودرجة محبوبيّتها أقوى من غيرها ممّا لم يُنَصّ على كونه من الشعائر
وأيضاً لا بُدَّ في هذه المصاديق أن لا تكون ممّا ورد النهي عنه، والمنع منه،
كلبس السواد، المنهيّ عنه والمكروه، في الصلاة وغيرها
وهناك رواياتٌ كثيرة نهَتْ عنه، في الصلاة وغيرها
وتُراجَع في مظانّها، ومنها: هذا المقال:
ذكرى عاشوراء وإشكالية أساليب الإحياء (6)
سؤال: هل من الأفضل الإبقاء على الطرق التقليدية في إحياء ذكرى عاشوراء (مجالس العزاء، الشعر الحزين…)، أم أننا بحاجة لتجديد ذلك واستحداث طرق ووسائل جديدة؟
الجواب: هذا يرتبط بمدى الحاجة ووجود الداعي للتغيير.
ويرتبط أيضاً بتقييمنا للقديم (التقليدي) وآثاره الدينيّة والاجتماعيّة والسياسيّة و…
لا شَكَّ أن مواكبة العصر ضروريّةٌ ومطلوبة، ولكنّ ذلك لا يعني أنّ الوسائل التقليديّة لم تعُدْ تجدي نفعاً، فـ «إنّ من الشعر لحكمةً، وإنّ من البيان لسحراً»([1])، كما رُوي عن النبيّ(ص).
ومن المهمّ المحافظة على الحضور الشعري ـ الأعمّ من القصيدة الكلاسيكيّة المعروفة أو شعر التفعيلة أو الشعر الحُرّ أو الشعر الشعبي ـ فإنّ للعرض الأدبيّ تأثيراً مشهوداً على السامعين.
كما أنّه لا يمكن الاستغناء عن إقامة مجالس العزاء فنحن في مصيبةٍ، وفي مناسبةٍ حزينة، ولا يمكن أن يُستعاض عن العزاء باحتفالٍ أو نشاطٍ جماهيريّ أو فنّيّ (مسرح أو قصّة أو…). ونحن نشهد ما يجري في مثل هذه التجمُّعات من نسيانٍ للمصيبة، وابتعادٍ عن أجواء الحُزْن والمصاب، والصفير والتصفيق المرافق لمجريات ووقائع الاحتفال.
نعم، لا مشكلة في ضمّ هذه الأمور على ما هو قائمٌ اليوم (مجالس وأشعار)، في إطار مشروعٍ متكامل يُبرز ما لم تستطع الوسائل التقليدية إبرازه إلى يومنا هذا.
الهوامش
([1]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 379، معلَّقاً مرفوعاً.
كلمات ومواقف
خطاب عاشوراء
(لقراءة المقال أو استماع المحاضرة أو حضور المقابلة: اضغط على العنوان)
(1) من أصحاب الحسين(ع): بُرَيْر بن خُضَيْر الهمداني